قَالَ: وَهَذَا خَاصٌّ عِنْدَ أصحابنا من ثلاثة أوجه- أحدها- أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، شَاهَدَهُ حِينَ صَلَّى عَلَيْهِ طُوِيَتْ لَهُ الْأَرْضُ. الثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَلِكٌ مُسْلِمٌ لَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى دِينِهِ، وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ هَذَا لَعَلَّهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ شَرْعِيَّةُ الصلاة على الميت وَهَذَا جَوَابٌ جَيِّدٌ. الثَّالِثُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِنَّمَا صَلَّى عَلَيْهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ كَالتَّأْلِيفِ لِبَقِيَّةِ الْمُلُوكِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
يعني هذا الأقوال أنه صلى عليه لأنه طويت له الأرض كشفت له فصار كأنه أمامه أو أنه صلى عليه لأنه لم يصل عليه أحد ما أسلم إلا وحده وهذا بعيد والثالث أنه صلى عليه للتأليف تأليف قومه وهذا مثل ما قال القرطبي بعيد أن ملك يسلم ولا يسلم معه أحد من حاشيته من خاصته من خدمه ما يمكن ملك يسلم وما يسلم معه أحد لابد يتبعه الملك له أتباع فهذا بعيد ولهذا قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز هذه الأقوال كلها ضعيفة الصواب أن قصة النجاشي فيها جواز الصلاة على كل من له شأن وقدم في الإسلام كأمير عادل ملك عادل أو أمير أو داعية أو عالم كبير فإنه يصلى عليه وما عدا هذا فلا يصلي لأن النبي ﷺ يصلي على كل أحد مات في عهد النبي ﷺ الجمهور غفير ولم يصل على أحد في أنحاء كثيرة ما صلى عليها ما صلى إلا على النجاشي كثير من العلماء يقول أن هذا خاص بالنجاشي فقط لا يصلى إلا عليه ذهب الحنابلة وجماعة أنه يصلى على كل غائب يصلى على الغائب مطلقا أطلقوا هذا وقال آخرون خاص بالنجاشي كما نقل القرطبي وغيره خاص بالنجاشي وأجابوا خاص بالنجاشي لماذا لأنه لم يصل عليه في بلده ما أسلم أحد لكن هذا بعيد أو مثل ما أجاب من باطل التأليف أو أنه كشف له عنه وطويت له الأرض فكان كأنه أمامه ولم يكن غائبا لأنه قالوا ما يمكن يصلى على الغائب
والنجاشي ليس صحابيا لأنه لم يلق النبي ولو للحظة ولا يشترط الرؤية حتى يدخل عبد الله بن مكتوم وهو صحابي لأنه لا يرى وهو صحابي لكن ما حصل لقاء بين النبي والنجاشي يكون مثل المخضرمين الذين كانوا في زمن النبي عليه الصلاة والسلام أسلموا بعد وفاته لابد أن يلقى النبي مؤمنا
[وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسير هذه الآية من حديث أبي معشر عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المدينة وأهل الشام وأهل العراق)]
فقوله: (ما بين المشرق والمغرب قبلة)، لأن قبلة المدينة جنوب، فإذا كانت قبلة المدينة جنوبا فستكون القبلة ما بين المشرق والمغرب، أما نحن في نجد فالقبلة ما بين الشمال والجنوب، والقبلة في اليمن جهة الشمال وهكذا؛ ونحن الآن قبلتنا غرب ما بين الشمال والجنوب المدينة قبلتهم جنوب تكون ما بين المشرق والمغرب قبلة ولهذا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تستقبلوا القبلة بالبول أو الغائط ولكن شرقوا أو غربوا).
لكن الآن نحن ما نغرب في نجد ولكنا نجنب أو نشمل لقضاء الحاجة؛ لأنا إذا غربنا استقبلنا القبلة ولا يضر الانحراف اليسير ما لم يتجه إلى جهة أخرى ولهذا بعض الناس يشددون بالبوصلة أو بالرقم أو كذا، لا الانحراف اليسير ما يضر ما دام في الجهة إلا إذا استقبلت القبلة.
[وله مناسبة ها هنا، وقد أخرجه الترمذي وابن ماجة من حديث أبي معشر واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني به (ما بين المشرق والمغرب قبلة)، وقال الترمذي: وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة، وتكلم بعض أهل العلم في أبي معشر من قبل حفظه، ثم قال الترمذي حدثني الحسن بن بكر المروزي أخبرنا المعلى بن منصور أخبرنا عبد الله بن جعفر المخرمي عن عثمان بن محمد بن المغيرة الأخنس عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين المشرق والمغرب قبلة)، ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وحكى عن البخاري أنه قال: هذا أقوى من حديث أبي معشر وأصح].
حكى الترمذي وليس حكي لأنه ينقل كثيرا عن البخاري
[قال الترمذي: وقد روي عن غير واحد من الصحابة (ما بين المشرق والمغرب قبلة)، منهم عمر بن الخطاب وعلي وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين وقال ابن عمر: إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة إذا استقبلت القبلة].
يعني: إذا كنت في المدينة فجعلت المشرق عن يسارك والمغرب عن يمينك صارت القبلة أمامك
[ثم قال ابن مردويه: حدثنا علي بن أحمد بن عبد الرحمن أخبرنا يعقوب بن يوسف مولى بني هاشم أخبرنا شعيب بن أيوب أخبرنا ابن نمير عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين المشرق والمغرب قبلة)، وقد رواه الدارقطني والبيهقي: وقال: المشهور عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما قوله].
يعني من قوله المشهور من قوله موقوف عليه عمر رضي الله عنه، وعبد الله المكبر ضعيف، وعبيد المصغر ثقة
[قال ابن جرير: ويحتمل: فأينما تولوا وجوهكم في دعائكم لي فهنالك وجهي أستجيب لكم دعاءكم].
هذا القول السادس الآية نزلت في الدعاء
[قال ابن جرير: ويحتمل: فأينما تولوا وجوهكم في دعائكم لي فهنالك وجهي أستجيب لكم دعاءكم كما حدثنا القاسم أخبرنا الحسين حدثني حجاج قال: قال ابن جريج قال مجاهد لما نزلت {ادعوني أستجب لكم} [غافر:60]. قالوا إلى أين؟ فنزلت: {فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة:115]، قال ابن جرير: ومعنى قوله: {إن الله واسع عليم} [البقرة:115]، يسع خلقه كلهم بالكفاية والجود والإفضال، وأما قوله {عليم} [البقرة:115]، فإنه يعني: عليم بأعمالهم ما يغيب عنه منها شيء ولا يعزب عن علمه بل هو بجميعها عليم].
هذه الأقوال كلها محتملة، الذين قالوا النافلة قالوا نزلت في النافلة كله محتمل على حسب ثبوت هذا إذا ثبت النص أنها نزلت في النافلة من أسباب النزول فهي في النافلة وإذا نزلت في قوم عميت عليهم القبلة نزلت فيهم أو أنها نزلت في المؤمنين لما توجهوا إلى بيت المقدس، تسلية محتمل يكون الآية لها عدة أسباب
صلاة الغائب الأقرب أنه ما يصلى على كل أحد يصلى على من له شأن وقدم في الإسلام ولو صلى عليه
{وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون (116) بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} [البقرة/116-117].
[اشتملت هذه الآية الكريمة والتي تليها على الرد على النصارى عليهم لعائن الله وكذا من أشبههم من اليهود ومن مشركي العرب ممن جعل الملائكة بنات الله فأكذب الله جميعهم في دعواهم وقولهم إن لله ولدا، فقال تعالى: سبحانه أي تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علوا كبيرا بل له ما في السماوات والأرض أي ليس الأمر كما افتروا وإنما له ملك السموات والأرض ومن فيهن وهو المتصرف فيهم وهو خالقهم ورازقهم ومقدرهم ومسخرهم ومسيرهم ومصرفهم كما يشاء والجميع عبيد له وملك له فكيف يكون له ولد منهم، والولد إنما يكون متولدا من شيئين متناسبين وهو تبارك وتعالى ليس له نظير ولا مشارك في عظمته وكبريائه ولا صاحبة له فكيف يكون له ولد؟
(ولا صاحبة له) يعني ليس له زوجة الولد إنما يكون متولد من شيئين متجانسين والله تعالى ليس له مثيل ولا شبيه ولأنه سبحانه هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد لم يتفرع منه شيء فكيف يكون له ولد وليس له أيضا أصل ليس له فرع ولا أصل سبحانه وتعالى فليس له ولد يتفرغ منه وهو لم يتفرع من شيء وإنما هو سبحانه وتعالى واجب الوجود بذاته هو قائم بنفسه صمد السيد الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها لكماله وقيامه بنفسه سبحانه وتعالى وقيامه على كل نفس بما كسبت.
ولأن الولد إنما يحتاج إليه المخلوق الضعيف ولاسيما عند الكبر المخلوق يحتاج إلى ولد إذا كبر سنه يساعده ويعينه أما الله تعالى فلا يلحقه ضعف ولا يحتاج إلى أحد سبحانه وتعالى فنسبة الولد إلى الله من الكفر العظيم ولهذا كفر الله النصارى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} [المائدة/73].
وبين سبحانه وتعالى أن نسبة الولد إلى الله شيء عظيم تكاد تتشقق منه السماوات وتخر منه الجبال {وقالوا اتخذ الرحمن ولد لقد جئتم شيئا إدا} [مريم/88-89]. أي شيئا عظيما {تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} [مريم/90-95].
كل من في السماوات والأرض سيأتي يوم القيامة وهو عبد لله مقهور مصغر مذلل مسخر ليس له من الأمر شيء، فكيف يكون له ولد ولا صاحبة له ولا كفء له ولا مثيل له، ولم يتفرع منه شيء، ولم يتفرع من شيء ولا يحتاج إلى شيء سبحانه وتعالى ولا يلحقه ضعف ولا نقص، وهو القائم بنفسه المقيم لغيره سبحانه وتعالى هذا من أعظم البهتان ومن أعظم الكفر نسبة الولد إلى الله قبح الله النصارى ولعنهم وأخزاهم.
وهو تبارك وتعالى ليس له نظير ولا مشارك في عظمته وكبريائه ولا صاحبة له فكيف يكون له ولد؟ كما قال تعالى: {بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم} [الأنعام/101].
وقال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا (88) لقد جئتم شيئا إدا (89) تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا (90) أن دعوا للرحمن ولدا (91) وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا (92) إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا (93) لقد أحصاهم وعدهم عدا (94) وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} [مريم/ 88- 95].
وقال تعالى: {قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2) لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد} [الإخلاص/1- 4].
فقرر تعالى في هذه الآيات الكريمة أنه السيد العظيم الذي لا نظير له ولا شبيه له وأن جميع الأشياء غيره مخلوقة له مربوبة فكيف يكون له منها ولد؟
ولهذا قال البخاري في تفسير هذه الآية من البقرة: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن عبد الله بن أبي الحسين، حدثنا نافع بن جبير هو ابن مطعم عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا» انفرد به البخاري من هذا الوجه.
فدعوى الولد شتم لله؛ لأن الشتم واللعن يطلق على الذم والعيب فمن عاب أحدا أو ذمه فقد شتمه ولعنه ومنه قوله تعالى: {والشجرة الملعونة في القرآن} [الإسراء/60] أي المذمومة.
وقال ابن مردويه حدثنا أحمد بن كامل أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي، أخبرنا إسحاق بن محمد الفروي]
الفروي بالفاء والفروي مثل الندوي؛ لأن القاعدة أن الاسم إذا كان أوله وثانيه صحيح فإن النسبة تكون فعلي ندوي هروي فروي قروي وهكذا.
[أخبرنا إسحاق بن محمد الفروي أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى كذبني ابن آدم وما ينبغي له أن يكذبني وشتمني وما ينبغي له أن يشتمني، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني. وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا وأنا الله الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد».
وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم».
وقوله: كل له قانتون قال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو سعيد الأشج، أخبرنا أسباط عن مطرف عن عطية عن ابن عباس قال: قانتين مصلين، وقال عكرمة وأبو مالك: كل له قانتون مقرون له بالعبودية]
مقرون يعني معترفون.
[مقرون له بالعبودية وقال سعيد بن جبير: كل له قانتون، يقول الإخلاص، وقال الربيع بن أنس: يقول: كل له قانتون أي: قائم يوم القيامة، وقال السدي: كل له قانتون أي: مطيعون يوم القيامة، وقال خصيف عن مجاهد: كل له قانتون قال: مطيعون، كن إنسانا فكان، وقال: كن حمارا فكان، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: كل له قانتون مطيعون، قال: طاعة الكافر في سجود ظله وهو كاره، وهذا القول عن مجاهد وهو اختيار ابن جرير يجمع الأقوال كلها وهو أن القنوت والطاعة والاستكانة إلى الله وهو شرعي وقدري كما قال الله تعالى: {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال}[الرعد/15].
والشرعي المسلم حينما يسجد باختياره، والقدري سجود الجمادات، الجمادات الأشجار والأحجار {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال} [الرعد/15].
[وقد ورد حديث فيه بيان القنوت في القرآن ما هو المراد به، كما قال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل حرف من القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة».
دراج ضعيف هذا عندك ماذا
وكذا رواه الإمام أحمد: عن حسن بن موسى عن ابن لهيعة عن دراج بإسناده مثله، ولكن في هذا الإسناد ضعف لا يعتمد عليه، ورفع هذا الحديث منكر، وقد يكون من كلام الصحابي أو من دونه، والله أعلم.
وكثير ما يأتي بهذا الإسناد تفاسير فيها نكارة فلا يغتر بها فإن السند ضعيف والله أعلم.
وقوله تعالى: بديع السماوات والأرض أي: خالقهما على غير مثال سبق قال مجاهد والسدي: وهو مقتضى اللغة، ومنه يقال للشيء المحدث بدعة، كما جاء في صحيح مسلم: فإن كل محدثة بدعة والبدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية، كقوله: «فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة»، وتارة تكون بدعة لغوية، كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: نعمت البدعة هذه.
يعني نعمت البدعة اللغوية وإلا ليست بدعة شرعية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي صلى بالناس؛ لكن كون عمر أعادهم بعد ذلك وأعاد الجماعة ابتدع هذا الشيء من جهة اللغة، وكان الناس في زمن النبي يصلون أوزاعا وكذا خلافة أبي بكر يصلي الرجل وحده والرجل والرجلان ثم جمعهم عمر على إمام واحد، فسمى هذا بدعة؛ حيث أنه ابتدع هذا الشيء وجمعهم من جهة اللغة، ومنه قولهم حينما يحفر الإنسان بئر يقول: ابتدعه، هذا من جهة اللغة، أما من جهة الشرع فكل البدع ضلالة.
وأما تقسيم بعض العلماء للبدع إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة وبدعة كذا مباحة كل هذا لا أصل له، الصواب: أن كل البدع ضلالة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بدعة ضلالة» وكل من صيغ العموم. «كل بدعة ضلالة» كل بدعة في الشرع فهي ضلالة، ما في بدعة حسنة وبدعة سيئة، لكن هذا من جهة اللغة.
وقال ابن جرير: بديع السماوات والأرض مبدعهما، وإنما هو مفعل فصرف إلى فعيل.
مبدع وإنما هو مفعل فصرف إلى فعيل، مبدع مفعل صرف إلى فعيل، مبدع صرف إلى بديع.
وإنما هو مفعل فصرف إلى فعيل كما صرف المؤلم إلى الأليم، والمسمع إلى السميع، ومعنى المبدع المنشئ والمحدث، ما لم يسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحد.
مثل إذا حفر الإنسان بئر يسمى بئر بديع، ابتدعه أنه محدث حفرها.
[قال: ولذلك سمي المبتدع في الدين، مبتدعا لإحداثه فيه ما لم يسبق إليه غيره، وكذلك كل محدث قولا أو فعلا، لم يتقدم فيه متقدم، فإن العرب تسميه مبتدعا
ومن ذلك قول أعشى بني ثعلبة في مدح هوذة بن علي الحنفي:
يدعى إلى قول سادات الرجال إذا ... أبدوا له الحزم أو ما شاءه ابتدعا
أي يحدث ما شاء، قال ابن جرير: فمعنى الكلام سبحان الله أن يكون له ولد، وهو مالك ما في السماوات والأرض تشهد له جميعها بدلالتها عليه بالوحدانية، وتقر له بالطاعة، وهو بارئها وخالقها وموجدها، من غير أصل ولا مثال احتذاها عليه، وهذا إعلام من الله لعباده، أن ممن يشهد له بذلك المسيح، الذي أضافوا إلى الله بنوته، وإخبار منه لهم، أن الذي ابتدع السماوات والأرض من غير أصل، وعلى غير مثال، هو الذي ابتدع المسيح عيسى، من غير والد بقدرته، وهذا من ابن جرير رحمه الله كلام جيد وعبارة صحيحة.
وقوله تعالى: {إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} [مريم/35] يبين بذلك تعالى كمال قدرته وعظيم سلطانه، وأنه إذا قدر أمرا وأراد كونه، فإنما يقول له كن، أي: مرة واحدة فيكون، أي: فيوجد، على وفق ما أراد كما قال تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} [يس/82].
وقال تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} [النحل/40]. وقال تعالى: {وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر} [القمر/50]. وقال الشاعر:
إذا ما أراد الله أمرا فإنما ... يقول له كن قولة فيكون
ما هنا زائدة، إذا ما أراد الله يعني إذا أراد الله
يا طالبا خذ فائدة ما بعد إذا زائدة
يعني للتأكيد يعني إذا أراد الله.
ونبه بذلك أيضا، على أن خلق عيسى بكلمة كن فكان كما أمره الله، قال الله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} [آل عمران/59]. {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون} [البقرة/118].
الشيخ: حديث «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنة سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها» معنى سنة حسنة يعني أظهرها، أظهرها وعمل بها وصار قدوة للناس، إذا كانت السنة مندثرة ثم عملت بها هذا معنى من سن سنة حسنة، إذا جئت إلى بلد ما يصلون الضحى، ثم أظهرت وقلت لهم هذه سنة، صل الضحى هذا معناه أظهرتها للناس، وسبب الحديث معروف هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه بعض الفقراء الذين أصابتهم فاقة وثيابهم مخرقة حث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، تمعر وجهه وحث على الصدقة، فجاء رجل من الأنصار بصرة ملء الكف من الطعام حتى كانت كفه تزيد عنها فوضعها فتتابع الناس حتى تهلل وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة» لأن هذا الرجل صار قدوة إلى الناس سبقهم إلى هذا.
أما أن يحدث الإنسان بدعة في الدين لا، قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».
[قوله تعالى {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون}[البقرة/118].
قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: قال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد إن كنت رسولا من الله كما تقول، فقل لله فيكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله في ذلك من قوله: {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية}[البقرة/118].
وقال مجاهد: {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية} قال: النصارى تقوله، وهو اختيار ابن جرير، قال: لأن السياق فيهم. وفي ذلك نظر.
وحكى القرطبي: لولا يكلمنا الله، أي: يخاطبنا بنبوتك يا محمد، قلت: وهو ظاهر السياق، والله أعلم.
وقال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدي في تفسير هذه الآية: هذا قول كفار العرب.
هذه الآية الكريمة فيها هذه الأقوال الثلاثة قيل: إنها نزلت في اليهود وأن هذا من قول اليهود، وكذا أنها نزلت في النصارى وأنها من قول النصارى، وقيل: أنها نزلت في كفار قريش، كفار العرب مشركي العرب، وأنهم قالوا ذلك، رجح ابن جرير القول الثاني وأنها نزلت في النصارى، ورجح ابن كثير أنها نزلت في كفار العرب في مشركي العرب وأنهم هم الذين قالوا والأقرب أنها في مشركي العرب كما رجح ابن كثير رحمه الله
{وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون} [البقرة/118].
فالله تعالى شبه مقالة هؤلاء المشركين بمقالة السابقين، فالأقرب أنها في مشركي العرب، وأن مقالتهم كمقالة السابقين، المشركين السابقين الكفار من الأمم السابقة، وهذا من تعنتهم وعنادهم، وإلا فهم عرفوا الحق، هم يعلمون أنه رسول الله حقا ولا يشكون في ذلك، إذ يعلمون صدقه عليه الصلاة والسلام وكانوا يسمونه الأمين قبل البعثة، ولم يجربوا عليه كذبا عليه الصلاة والسلام، لكن هذا من تعنتهم وعنادهم وجحدهم للحق بعد معرفته، تعنتوا وقالوا: لولا يكلمنا الله بنبوتك ويخاطبنا أنك نبي أو تأتينا آية، قال الله: {كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم}[البقرة/118].
[وقال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدي في تفسير هذه الآية: هذا قول كفار العرب.
{كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم} [البقرة/118] قالوا: هم اليهود والنصارى، ويؤيد هذا القول، وأن القائلين ذلك هم مشركو العرب، قوله تعالى: {وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون} [الأنعام/124] وقوله تعالى {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} [الإسراء/90] إلى قوله: {هل كنت إلا بشرا رسولا} [الإسراء/93].
وقوله تعالى: {وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا} [الفرقان/21].
وقوله تعالى: {بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة} [المدثر/52] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على كفر مشركي العرب وعتوهم وعنادهم وسؤالهم ما لا حاجة لهم به، إنما هو الكفر والمعاندة، كما قال من قبلهم من الأمم الخالية من أهل الكتابين وغيرهم، كما قال تعالى: {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة} [النساء153] وقال تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} [البقرة/55].
فشبه الله مقالة المشركين بمقالة السابقين من اليهود والنصارى، وبهذا يترجح أنها في مشركي العرب، يعني أن مقالتهم كمقالة اليهود والنصارى السابقين، كل منهم اقترح آيات تعنتا وعنادا، كما اقترح السابقون آيات الاقتراح، كما طلب ثمود أن يخرج الله لهم ناقة وكما طلب النصارى أن ينزل الله عليهم مائدة من السماء وإذا جاءت آية الاقتراح وأجيبوا إليها فلم يؤمنوا فإنهم يعاجلون بالعقوبة ولهذا عوجلت الأمم السابقة بالعقوبات لما أوتوا ما اقترحوا ولم يؤمنوا ولما اقترح أصحاب المائدة أن ينزل الله عليهم مائدة من السماء قال الله تعالى: {قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين}[المائدة/115]. على خلاف بين العلماء هل نزلت المائدة أو لم تنزل، وكذلك كفار قريش اقترحوا آيات كثيرة {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا (90) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا (91) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملآئكة قبيلا (92) أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا} [الإسراء/90-93].
هذه كلها من آيات الاقتراح، والله تعالى ما أجابهم رحمة بهم؛ لأن الله لو أجابهم فلم يؤمنوا عوجلوا بالعقوبة كالأمم السابقة.
[وقوله تعالى: {تشابهت قلوبهم} أي أشبهت قلوب مشركي العرب قلوب من تقدمهم في الكفر والعناد والعتو، كما قال تعالى: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به}[الذاريات: 52]، وقوله تعالى: {قد بينا الآيات لقوم يوقنون}، أي قد أوضحنا الدلالات على صدق الرسل، بما لا يحتاج معها إلى سؤال آخر وزيادة أخرى لمن أيقن وصدق واتبع الرسل، وفهم ما جاءوا به عن الله تبارك وتعالى، وأما من ختم الله على قلبه وسمعه، وجعل على بصره غشاوة، فأولئك قال الله فيهم{إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم} [يونس: 96] .
وقال في الآية الأخرى {وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون} [يونس/101] من صدق عليه أنه من أهل الشقاوة لا حيلة فيه نسأل الله السلامة والعافية.
[{إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} [البقرة/119].
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي أخبرنا عبد الرحمن بن صالح أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الفزاري، عن شيبان النحوي، أخبرني قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «أنزلت علي إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا، قال: بشيرا بالجنة ونذيرا من النار».
وهذه من صفاته عليه الصلاة والسلام بشيرا ونذيرا، وفي الآية الأخرى قال: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا (45) وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا} [الأحزاب/45-46]
من صفاته عليه الصلاة والسلام أنه بشير ونذير، يبشر من أطاعه بالجنة، وينذر من عصاه بالنار، فهو بشير ونذير وهادي، يعني يدل الناس على الخير، ومن صفاته أنه محمد وأحمد من كثرة المحامد، وأنه الماحي الذي يمحو به الكفر والشرك، والعاقب الذي ليس بعده نبي، والحاشر الذي يحشر الناس على قدمه، كل هذا من أسمائه وصفاته عليه الصلاة والسلام.
[وقوله: {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} قراءة أكثرهم ولا تسأل بضم التاء، على الخبر وفي قراءة أبي بن كعب، وما تسأل، وفي قراءة ابن مسعود ولن تسأل عن أصحاب الجحيم، نقلها ابن جرير، أي: لا نسألك عن كفر من كفر بك كقوله {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب} [الرعد: 40] وكقوله تعالى: {فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر} [الغاشية: 21] الآية، وكقوله تعالى: {نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} [ق/45] وأشباه ذلك من الآيات]
المعنى أنه عليه الصلاة والسلام مهمته الإبلاغ والإنذار والتبشير وليس مهمته هداية القلوب، فإن هداية القلوب بيد الله، فهو عليه الصلاة والسلام مطلوب منه أن يبلغ رسالة ربه وقد بلغ ونصح وأنذر وبشر فأدى مهمته عليه الصلاة والسلام، أما هداية القلوب فليست بيده، وإنما بيد الله كما قال الله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} [القصص/56]. إنما مهمته البلاغ والبيان والإيضاح والنصح وهذه أيضا مهمة أتباع الرسل من الدعاة والمصلحين، أما الهداية فهي إلى الله U، ولهذا قال سبحانه: {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} [البقرة/119]. لا تسأل عنهم، أنت أديت ما عليك كما في الآية {إن عليك إلا البلاغ} {فذكر إنما أنت مذكر} [الغاشية/21].
{إنما أنت منذر} [الرعد/7] وكذلك الرسل، إنما بيدهم هداية الدلالة والإرشاد والبيان والإيضاح والتبليغ والنصح، أما كونه يقبل الحق ويرضى به ويختاره هذا إلى الله U.
[وقرأ آخرون: {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} بفتح التاء على النهي، أي: لا تسأل عن حالهم، كما قال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ليت شعري ما فعل أبواي ليت شعري ما فعل أبواي ليت شعري ما فعل أبواي؟" فنزلت: ولا تسأل عن أصحاب الجحيم]
هذا ضعيف الحديث موسى بن عبيدة يضعف في الحديث.
[فما ذكرهما حتى توفاه الله عز وجل، ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن وكيع عن موسى بن عبيدة، وقد تكلموا فيه عن محمد بن كعب بمثله، وقد حكاه القرطبي، عن ابن عباس ومحمد بن كعب، قال القرطبي: وهذا كما يقال لا تسأل عن فلان، أي: قد بلغ فوق ما تحسب، وقد ذكرنا في التذكرة أن الله أحيا له أبويه حتى آمنا به، وأجبنا عن قوله: «إن أبي وأباك في النار».
وهذا ضعيف؛ بل موضوع، هذا الذي ذكره القرطبي رحمه الله هذا لا أصل له ضعيف جدا؛ بل موضوع، هذا من أوهامه وأغلاطه رحمه الله، ذكره السيوطي أيضا أن الله أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم وآمنا به، وهذا باطل، الله تعالى كتب أنه لن يعود أحد بعد الموت إلى هذه الدنيا إلا من كان آية، مثل صاحب بقرة بني إسرائيل أحياه الله ثم أخبرهم بمن قتله ثم عاد ميتا.
ولهذا لما سأل عبد الله بن حرام والد جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لما قتل شهيدا يوم أحد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابنه جابر: «إن الله كلم أباك كفاحا، وقال له: تمن» قتل شهيدا «قال يا رب أن أرد إلى الدنيا فأقتل مرة أخرى، فقال الله: إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون» وهذا حديث صحيح.
أما هذا الحديث أن الله أحيا أبوي النبي وآمنا به هذا باطل، باطل لا يعول عليه موضوع، وهذا من أغلاط القرطبي رحمه الله ذكر في التذكرة أن هذا من أغلاط السيوطي وخرافاته، وأما حديث: «إني أبي وأباك في النار» هذا في البخاري، القرطبي ذكر أن الله أحيا أبويه، يقول: وأجبنا على الحديث الصحيح «إن أبي وأباك في النار» كيف يعارض حديث صحيح في البخاري حديث باطل لا أصل له؟!
في مسلم؟
لا «إن أبي وأباك في النار» في البخاري.
في مسلم أيضا
في مسلم أيضا؟ المعروف أنه في البخاري، إذا يكون في الصحيحين.
[قلت: والحديث المروي في حياة أبويه عليه السلام، ليس في شيء من الكتب الستة ولا غيرها، وإسناده ضعيف، والله أعلم]
بل موضوع
[ثم قال ابن جرير: وحدثني القاسم أخبرنا الحسين حدثني حجاج عن ابن جريج، أخبرني داود بن أبي عاصم به أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: «أين أبواي»؟ فنزلت: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم. وهذا مرسل كالذي قبله، وقد رد ابن جرير هذا القول المروي، عن محمد بن كعب وغيره في ذلك]
مرسل وضعيف أيضا فيه الحجاج بن أرطأة ضعيف، فضعيف من جهة الإرسال ومن جهة ضعف حجاج بن أرطأة.
[وهذا مرسل كالذي قبله، وقد رد ابن جرير هذا القول المروي، عن محمد بن كعب وغيره في ذلك، لاستحالة الشك من الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر أبويه، واختار القراءة الأولى، وهذا الذي سلكه هاهنا فيه نظر، لاحتمال أن هذا كان في حال استغفاره لأبويه، قبل أن يعلم أمرهما، فلما علم ذلك تبرأ منهما، وأخبر عنهما أنهما من أهل النار، كما ثبت هذا في الصحيح، ولهذا أشباه كثيرة ونظائر ولا يلزم ما ذكر ابن جرير، والله أعلم]
يعني يكون هذا أولا قبل أن يعلم ثم أخبره الله.
[وقال الإمام أحمد: أخبرنا موسى بن داود حدثنا فليح بن سليمان، عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار، قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة فقال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين، وأنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا. انفرد بإخراجه البخاري]
والملة العوجاء هي ملة التوحيد سميت عوجاء؛ لأنها مائلة عن الأديان الباطلة وهي في نفسها مستقيمة هي في نفسها مستقيمة وهي عوجاء بالنسبة إلى الأديان الباطلة، هي مائلة عن الأديان الباطلة وهي مستقيمة في نفسها.
[انفرد بإخراجه البخاري فرواه في البيوع عن محمد بن سنان عن فليح به، وقال تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال: وقال سعيد بن هلال عن عطاء عن عبد الله بن سلام
ورواه في التفسير عن عبد الله بن عبد العزيز بن أبي سلمة، هلال عن عطاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص، به فذكر نحوه.
فعبد الله هذا هو ابن صالح، كما صرح به في كتاب الأدب وزعم أبو مسعود الدمشقي أنه عبد الله بن رجاء، وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسير هذه الآية من البقرة، عن أحمد بن الحسن بن أيوب عن محمد بن أحمد بن البراء، عن المعافى بن سليمان عن فليح به وزاد: قال عطاء: ثم لقيت كعب الأحبار فسألته، فما اختلفا في حرف إلا أن كعبا قال: بلغته أعينا عموما، وآذانا صموما، وقلوبا غلوفا]
هذا كعب الأحبار من بني إسرائيل أسلم من التابعين في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو من يهود اليمن، كان ينقل عن بني إسرائيل كثيرا، أسلم في زمن التابعين في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
{ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير (120) الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولـئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولـئك هم الخاسرون} [البقرة/120-121]
[قال ابن جرير: يعني بقوله جل ثناؤه: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم وليست اليهود يا محمد ولا النصارى براضية عنك أبدا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق.
وقوله تعالى: {قل إن هدى الله هو الهدى} أي: قل يا محمد إن هدى الله الذي بعثني به هو الهدى، يعني هو الدين المستقيم الصحيح الكامل الشامل، قال قتادة في قوله: {قل إن هدى الله هو الهدى} قال: خصومة علمها الله محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه يخاصمون بها أهل الضلالة، قال قتادة: وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله»، قلت: هذا الحديث مخرج في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو]
وله روايات متعددة عن عبد الله بن عمرو وعن ثوبان وعن زيد بن ثابت، وهذه الآية خبر والخبر لا يدخله النسخ الأخبار لا يدخلها النسخ، يدخل في الأوامر والنواهي، هي خبر من الله عز وجل أن اليهود والنصارى لن يرضوا عن المسلمين حتى يتبعوا ملتهم {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} [البقرة/120] وفي الآية الأخرى {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} [النساء/89]
هذا فيه قطع يأس المسلمين من اليهود والنصارى أن يرضوا عنهم، ما يمكن أن يرضوا عنهم، مهما داهنتهم ومهما واليتهم ومهما أعطيتهم، ومهما تنازلت لهم لن يرضوا أبدا حتى توافقهم على الكفر، إذا لا حاجة إلى موافقتهم؛ بل يجب عداوتهم معاداتهم في الله ودعوتهم إلى الله U {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} [البقرة/120].
مهما كان في أي حال من الأحوال، مهما تنازل المسلمون حتى لو تنازلوا عن شيء من دينهم، فهم لا يزالون ساخطين عليهم ولن يرضوا يحبون أن يتنازلوا شيئا بعد شيء حتى ينتهوا من دينهم ويوافقوهم على الكفر والعياذ بالله هذه لقطع يأس المسلمين من رضا اليهود والنصارى مهما كانت الحالة فهم أعداء ألداء لن يرضوا مهما كانت الحال إلا إذا وافقتهم على ملتهم نعوذ بالله، فلا داعي إلى مداهنتهم ولا موالاتهم
[{ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} فيه تهديد ووعيد شديد للأمة، عن اتباع طرائق اليهود والنصارى بعد ما علموا من القرآن والسنة، عياذا بالله من ذلك فإن الخطاب مع الرسول والأمر لأمته]
الخطاب للرسول أمر لأمته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الشرك عليه الصلاة والسلام، فلهذا الخطاب موجه للأمة كقوله سبحانه وتعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} [الزمر/65] وهو منزه معصوم عن الشرك، لكن لبيان عظم الشرك وأن فعل الشرك أمر عظيم، وأن من أشرك فإنه انقطع عمله مهما كان، نسأل الله السلامة والعافية.
[وقد استدل كثير من الفقهاء بقوله: حتى تتبع ملتهم حيث أفرد الملة على أن الكفر كله ملة واحدة، كقوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين} [الكافرون/6]. فعلى هذا لا يتوارث المسلمون والكفار، وكل منهم يرث قريبه سواء كان من أهل دينه أم لا]
قريبه، فاليهودي يرث النصراني إذا كان قريبا له، ولو كانا ليسا من ملة واحدة؛ لأن الكفر ملة واحدة، مهما كان اليهودي يرث قريبه المجوسي أو النصراني أو الوثني؛ لأن الكفر ملة واحدة.
[وكل منهم يرث قرينه سواء كان من أهل دينه أم لا؛ لأنهم كلهم ملة واحدة وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد في رواية عنه، وقال في الرواية الأخرى كقول مالك]
يعني الإمام أحمد.
[إنه لا يتوارث أهل ملتين شتى شيئا كما جاء في الحديث، والله أعلم]
حديث «لا يتوارث أهل ملتين» وذلك على القول الأول حتى تتبع ملتهم أفرد الملة، أفرد الملة فدل على أن الكفر ملة واحدة، والقول الثاني أنه لا يتوارث أهل ملتين وهو رواية عن الإمام أحمد ويجاب عن قوله: حتى تتبع ملتهم أن ملة مفرد لكن أضيف إلى الضمير والمفرد إذا أضيف إلى الضمير يعم جميع الملل.
ثانيا يقال: الكفر ملة واحدة في العداوة، في عداوتهم للمسلمين، ولكنهم لا يتوارثون فيهما بينهم، فهم ملة واحدة من جهة عداوتهم للمسلمين، ولكنهم ملل شتى فيما بينهم، فلا يتوارث أهل ملتين على رواية الإمام أحمد لا يرث اليهودي النصراني، ولا يرث المجوسي الوثني، لهم ملل شتى الكفر، ولكن لهم ملة واحدة في عداوتهم للمسلمين، وهو رواية عن الإمام أحمد.
[وقوله: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته} قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: هم اليهود والنصارى، وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جرير، وقال سعيد عن قتادة: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبي أخبرنا إبراهيم بن موسى وعبد الله بن عمران الأصبهاني، قال: أخبرنا يحيى بن يمان حدثنا أسامة بن زيد، عن أبيه عن عمر بن الخطاب يتلونه حق تلاوته قال: إذا مر بذكر الجنة سأل الله الجنة، وإذا مر بذكر النار تعوذ بالله من النار، وقال أبو العالية: قال ابن مسعود: والذي نفسي بيده إن حق تلاوته أن يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئا على غير تأويله، وكذا رواه عبد الرزاق، عن معمر عن قتادة ومنصور بن المعتمر عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال السدي عن أبي مالك عن ابن عباس في هذه الآية قال: يحلون حلاله ويحرمون حرامه ولا يحرفونه عن مواضعه]
هذا معنى يتلونه حق تلاوته، يعني يتبعونه حق اتباعه، يتبعونه حق اتباعه، يحلون حلاله ويحرمون حرامه، ويعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه، والتلاوة نوعان: تلاوة لفظية منها تلاوة القرآن، وله بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، وتلاوة حكمية وهي تصديق أخباره وتنفيذ أحكامه وهذا هو المراد بالآية، وهذه هي التي عليها الثواب والعقاب، التي عليها المعول عليها مدار السعادة والشقاوة، {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته} يعني يتبعونه حق اتباعه، وهو يشمل المؤمنين من الأمم السابقة الذين اتبعوا كتابهم وعملوا به، ويشمل هذه الأمة الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن عمل بهذا القرآن، يتبعونه يعني يعملون به عن علم وبصيرة، فالتلاوة معناها العمل على بصيرة. ومنه ما جاء في قصة امتحان الفاجر في قبره أنه يسأل عن ربه وعن دينه وعن نبيه فيقال: ها ها لا أدري، فيضرب بمرزبة من حديد ويقال: لا دريت ولا تليت، لا دريت ما علمت الحق بنفسك، ولا تليت ولا تبعت من يعلم الحق ويعمل به، تليت التلاوة، التلاوة الاتباع، لا دريت لا علمت بنفسك الحق، ولا تليت لا تبعت من يعلم الحق ويعمل به، لا دريت ولا تليت. هنا {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته} يعني يعملون به ويتبعونه حق اتباعه يصدقون أخباره وينفذون أحكامه، وهذه التلاوة هي التي عليها مدار السعادة والشقاوة، والنوع الثالث التلاوة اللفظية يقرأ القرآن ويتلوه له بكل حرف حسنة لكن قد يتلوه ولا يعمل به وهي وسيلة للعمل به التلاوة اللفظية وسيلة للعمل به ولهذا جاء عن بعض السلف ليحذر الإنسان أن يقرأ القرآن والقرآن يلعنه قيل وكيف ذلك؟ قال: يقرأ {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}[البقرة/278-279] وهو يرابي يقرأ{إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا}[النساء/10]. وهو يأكل مال اليتيم، يقرأ: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [النساء/29]. وهو يأكل أموال الناس بالباطل، بخلاف التلاوة الحكمية هذه هي التي عليها مدار السعادة، فمن عمل بالقرآن وصدق أخباره ونفذ أحكامه وعمل به هذا هو السعيد ولو لم يحفظ القرآن كثيرا، ولو لم يحفظ القرآن، وإذا تلاه هذه عبادة، عبادة مستقلة تلاوة القرآن مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج، تلاوة القرآن عبادة.
لكن ما تكفي في السعادة تلاوة القرآن لابد من التلاوة الحكمية، كما في هذا {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولـئك يؤمنون به} حكم عليهم بالإيمان {ومن يكفر به فأولـئك هم الخاسرون} [البقرة/121].
[قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن مسعود نحو ذلك، وقال الحسن البصري: يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه، ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه، وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو زرعة أخبرنا إبراهيم بن موسى أخبرنا ابن أبي زائدة أخبرنا داود بن أبي هند، عن عكرمة عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما في قوله: يتلونه حق تلاوته قال: يتبعونه حق اتباعه، ثم قرأ: {والقمر إذا تلاها} [الشمس/2]. يقول: اتبعها قال: وروي عن عكرمة وعطاء ومجاهد وأبي رزين وإبراهيم النخعي نحو ذلك. وقال سفيان الثوري: أخبرنا زبيد عن مرة عن عبد الله بن مسعود، في قوله: {يتلونه حق تلاوته} قال: يتبعونه حق اتباعه، قال القرطبي: وروى نصر بن عيسى عن مالك عن نافع عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {يتلونه حق تلاوته} قال: «يتبعونه حق اتباعه» ثم قال في إسناده غير واحد من المجهولين فيما ذكره الخطيب إلا أن معناه صحيح.
وقال أبو موسى الأشعري: من يتبع القرآن يهبط به على رياض الجنة. وعن عمر بن الخطاب: هم الذين إذا مروا بآية رحمة سألوها من الله، وإذا مروا بآية عذاب استعاذوا منها، قال: وقد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية عذاب تعوذ.
وقوله: {أولـئك يؤمنون به} خبر عن الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أي: من أقام كتابه من أهل الكتب المنزلة على الأنبياء المتقدمين حق إقامته، آمن بما أرسلتك به يا محمد كما قال تعالى: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم}[المائدة: 66] ، {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم}[المائدة: 68] أي: إذا أقمتموها حق الإقامة وآمنتم بها حق الإيمان وصدقتم ما فيها من الأخبار بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته والأمر باتباعه ونصره ومؤازرته، قادكم ذلك إلى الحق واتباع الخير في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل}[الأعراف: 157] .
وقال تعالى: {قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا} [الإسراء: 107] أي: إن كان ما وعدنا به من شأن محمد صلى الله عليه وسلم لواقعا، وقال تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون. وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين. أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون} [القصص: 52- 54].
وقال تعالى: {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد} [آل عمران: 20] ولهذا قال تعالى: {ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون} [البقرة: 121] كما قال تعالى: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} [هود: 17] وفي الصحيح: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار»]
هذا في مسلم المؤلف يوهم أنه في البخاري وهو ليس في البخاري؛ في مسلم الحديث في صحيح مسلم، شوف الحديث هذا هل عزاه البخاري؟
[{يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون}[البقرة/123].
قد تقدم نظير هذه الآية في صدر السورة وكررت هاهنا للتأكيد والحث على اتباع الرسول النبي الأمي الذي يجدون صفته في كتبهم: نعته واسمه وأمره وأمته فحذرهم من كتمان هذا، وكتمان ما أنعم به عليهم وأمرهم أن يذكروا نعمة الله عليهم من النعم الدنيوية والدينية ولا يحسدوا بني عمهم من العرب على ما رزقهم الله من إرسال الرسول الخاتم منهم، ولا يحملهم ذلك على الحسد على مخالفته وتكذيبه والحيد عن موافقته، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات}[البقرة/124].
هذه التلاوة اللفظية، حق تلاوته العمل به، قد يجيد التلاوة اللفظية وإخراج الحروف من مخارجها وهو لا يعمل بها، قد يوجد بعض الناس والعياذ بالله يأتي يجودون مغنين، يغني ويقرأ القرآن يتأكل به، مرة يغني ومرة يقرأ القرآن كما يوجد بعض القراء في مصر يقال هكذا أنه مرة يغني ومرة يقرأ القرآن فهو يجيد حروفه ولا يعمل به، نسأل الله السلامة والعافية.
رجل أفسد عمرة وكان عليه قضاء ثم اعتمر بعدها ولم ينوها قضاء عن العمرة الفاسدة هل يجزئه ذلك؟
نعم تكون قضاء عنه.
سؤال بعد أن طاف طواف الإفاضة أخر سعي الحج مع طواف الوداع، ثم جاء أهله هل يكون تحلل التحلل الثاني؟
طواف الوداع يعني ما سعى؟
نعم أخر السعي مع طواف الوداع.
ما يتحلل حتى يسعى، لكن لو طاف وسعى للإفاضة إذا أخر السعي لا بأس أن يؤخر السعي مع طواف الوداع، السعي له أن يقدمه مع طواف الإفاضة أو يؤخره مع طواف الوداع، أو يقدمه مع طواف القدوم إذا كان مفرد أو قارن ما هو متمتع سعيا واحدا، يأتي به بعد الطواف المشروع إما بعد طواف القدوم أو طواف الإفاضة أو طواف الوداع، لكن ممنوع أن يتحلل، ما يتحلل إلا بالطواف والسعي، يكون عليه شاة يذبحها في مكة إذا كان ما سعى، وإذا كان سعى عليه الهدي، المقصود إذا كان سعى عليه الهدي وإذا كان ما سعى عليه الهدي ويسعى.
يقولون: يحرم من التنعيم أو من عند الحل يأتي بالطواف هو أتى بطواف صحيح؟
هذا الطواف يكون أفسد إحرامه ولم يفسد حجه إذا جامع بعد التحلل الأول لكن هذا في الطواف والسعي المقصود أنه إذا سعى وإن كان جامع قبل السعي عليه عند جمهور العلماء شاة يذبحها بمكة، ما يفسد الحج بعد التحلل الأول التحلل الأول، ما دام رمى وحلق.
سؤال أدرس لأولاد كفيلي البنين وأعمارهم تسع وثمان وست سنوات وذلك في بيت الكفيل ويترك هو البيت ليقضي بعض الأعمال وأنا في البيت مع الأولاد هل في ذلك حرج شرعي وجزاكم الله خيرا؟
الشيخ: الخلوة ما تزول إلا ببالغ لابد أن يكون بالغ، ينبغي له ألا يفعل هذا، ينبغي أن يكون معهم ثالث ولا يتساهل في مثل هذا.
ولو كان الطفل مميز؟
ولو كان، المميز قد لا يدرك بعض الأمور، إلا إذا كان بينهما باب مغلق، لكن على كل حال ينبغي الاحتياط في مثل هذا.
[{وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} [البقرة/124].
يقول تعالى منبها على شرف إبراهيم خليله عليه الصلاة والسلام وأن الله تعالى جعله إماما للناس يقتدى به في التوحيد حين قام بما كلفه الله تعالى به من الأوامر والنواهي، ولهذا قال: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات أي: واذكر يا محمد لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين الذين ينتحلون ملة إبراهيم وليسوا عليها وإنما الذي هو عليها مستقيم فأنت والذين معك من المؤمنين، اذكر لهؤلاء ابتلاء الله إبراهيم أي: اختباره له بما كلفه به من الأوامر والنواهي فأتمهن أي قام بهن كلهن كما قال تعالى{وإبراهيم الذي وفى}[النجم: 37] أي: وفى جميع ما شرع له فعمل به صلوات الله عليه وقال تعالى: {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم. وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين. ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين} [النحل: 120- 122]
وقال تعالى: {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم. دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين} [الأنعام: 161- 162].
وقال تعالى: {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين} [آل عمران: 67- 68]، وقوله تعالى: بكلمات أي: بشرائع وأوامر ونواه، فإن الكلمات تطلق، ويراد بها الكلمات القدرية كقوله تعالى عن مريم عليها السلام: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} [التحريم: 12].