شعار الموقع

سورة البقرة - 23

00:00
00:00
تحميل
72

فإن الكلمات تطلق، ويراد بها الكلمات القدرية كقوله تعالى عن مريم عليها السلام: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} [التحريم:12] وتطلق، ويراد بها الشرعية، كقوله تعالى: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا} [الأنعام:115]؛ أي: كلماته الشرعية، وهي إما خبر صدق، وإما طلب عدل إن كان أمرا أو نهيا ومن ذلك هذه الآية الكريمة: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} [البقرة:124] أي: قام بهن قال: {قال إني جاعلك للناس إماما}[البقرة:124]؛ أي: جزاء على ما فعل لما قام بالأوامر وترك الزواجر جعله الله للناس قدوة، وإماما يقتدى به ويحتذى حذوه

وقد اختلف في تعيين الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم الخليل عليه الصلاة السلام، فروي عن ابن عباس في ذلك روايات، فقال عبد الرزاق، عن معمر عن قتادة قال: قال ابن عباس ابتلاه الله بالمناسك وكذا رواه أبو إسحاق السبيعي عن التميمي عن ابن عباس.

وقال عبد الرزاق أيضا، أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} قال: ابتلاه بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد في الرأس: قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس، وفي الجسد: تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء قال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن المسيب ومجاهد والشعبي والنخعي، وأبي صالح وأبي الجلد نحو ذلك.

قلت: وقريب من هذا ما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عشر من الفطرة: قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظافر وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء، ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة» قال وكيع: انتقاص الماء يعني الاستنجاء]

كلمات الله نوعان كما ذكر المؤلف: كلمات قدرية، وكلمات دينية كلمات قدرية كقوله تعالى: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه} [التحريم:12]، كلمات ربها الكونية، وكتبه الكلمات الدينية.

ومثل قوله: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا} [الأنعام:115] هذه كلمات الله الدينية، «أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر» هذه كلمات الله الكونية، وهي التي لا يجاوزها بر ولا فاجر، بخلاف الكلمات الدينية فإنه يجاوزها الفاجر، الأوامر والنواهي يجاوزها الفاجر، أما كلمات الله الكونية لا يجاوزها أحد: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} [يس:82] هذه الكلمات الكونية. وهذه الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم عليه الصلاة والسلام الصواب أنها عامة، كلمات عامة منكرة تشمل الشرائع والأوامر التي كلف بها إبراهيم عليه الصلاة والسلام فأتمها وقام بها؛ فجزاه الله وأثابه عليها وجعله إماما يقتدى به عليه الصلاة والسلام، فهي كلمات عامة تشمل الشرائع والأوامر والنواهي، ومنها ما في الفطرة وغيرها، ومنها ما يتعلق بالمناسك]

[وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط» ولفظه لمسلم]

حلق العانة، وغسل البراجم: عقد الأصابع.

[وقال ابن أبي حاتم: أنبأنا يونس بن عبد الأعلى قراءة، أخبرنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن حنش بن عبد الله الصنعاني عن ابن عباس أنه كان يقول في تفسير هذه الآية: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} قال: عشر، ست في الإنسان، وأربع في المشاعر، فأما التي في الإنسان حلق العانة، ونتف الإبط والختان، وكان ابن هبيرة يقول: هؤلاء الثلاثة واحدة، وتقليم الأظفار وقص الشارب والسواك وغسل يوم الجمعة. والأربعة التي في المشاعر: الطواف والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والإفاضة]

وهذه كلها من الكلمات، السلف يفسرون الشيء ببعضه، المراد أن هذه من الكلمات، الكلمات منها عامة تشمل الشرائع والأوامر، ومنها ما يتعلق بالمناسك وما يتعلق بالفطرة وغيرها، والكلمات المراد بها الكلمات الدينية: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} الكلمات الدينية وهي الشرائع والأوامر، هذه من أمثلة الكلمات الدينية: كتب الله المنزلة على عباده هذه الكلمات الدينية، كلام الله لأنبيائه ورسله من الكلمات الدينية.

[وقال داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: ما ابتلي بهذا الدين أحد فقام به كله إلا إبراهيم، قال الله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} قلت له: وما الكلمات التي ابتلى الله إبراهيم بهن فأتمهن؟]

هذا إن صح المراد أن هذا قبل بعثة نبينا r وإلا فإن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أكمل من جده إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإنه قام بما أوجب الله عليه، وعبد ربه حتى أتاه اليقين، وبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، أكمل من جده إبراهيم، ثم يليه جده إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

[وقال داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: ما ابتلي بهذا الدين أحد فقام به كله إلا إبراهيم، قال الله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} قلت له: وما الكلمات التي ابتلى الله إبراهيم بهن فأتمهن؟ قال: الإسلام ثلاثون سهما منها عشر آيات في براءة {التائبون العابدون} [التوبة: 112] إلى آخر الآية، وعشر آيات في أول سورة: {قد أفلح المؤمنون} [المؤمنون: 1]، و{سأل سائل بعذاب واقع} [المعارج:1] وعشر آيات في الأحزاب: {إن المسلمين والمسلمات} [الأحزاب: 35] إلى آخر الآية فأتمهن كلهن فكتبت له براءة، قال الله: {وإبراهيم الذي وفى} [النجم:37] هكذا رواه الحاكم وأبو جعفر بن جرير وأبو محمد بن أبي حاتم بأسانيدهم إلى داود بن أبي هند وهذا لفظ ابن أبي حاتم.

وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال: الكلمات التي ابتلى الله بهن إبراهيم فأتمهن، فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم، ومحاجته نمروذ في الله حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافه، وصبره على قذفه إياه في النار ليحرقوه في الله على هول ذلك من أمرهم والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده في الله حين أمره بالخروج عنهم وما أمره به من الضيافة]

يعني: الهجرة إلى الشام، الهجرة من الحران إلى الشام وهي الأرض المباركة، قال تعالى: {ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} [الأنبياء:71] هي بلاد الشام.

[وما أمره به من الضيافة والصبر عليها بنفسه وماله، وما ابتلي به من ذبح ابنه حين أمره بذبحه فلما مضى على ذلك من الله كله وأخلصه للبلاء، قال الله له: {أسلم قال أسلمت لرب العالمين} [البقرة: 131] على ما كان من خلاف الناس وفراقهم وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو سعيد الأشج أخبرنا إسماعيل بن علية عن أبي رجاء عن الحسن، يعني البصري وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال: ابتلاه بالكوكب فرضي عنه، وابتلاه بالقمر فرضي عنه، وابتلاه بالشمس فرضي عنه، وابتلاه بالهجرة فرضي عنه]

يعني: رضي عن براءته منها؛ قال الله: {فلما أفل قال لا أحب الآفلين (76) فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين (77) فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون} [الأنعام:76-78] يعني: براءته منها وإخلاصه لله، فرضي الله عنه بذلك، بهذه البراءة وإخلاص التوحيد لله عز وجل.

[وابتلاه بالختان فرضي عنه، وابتلاه بابنه فرضي عنه. وقال ابن جرير: أخبرنا بشر بن معاذ أخبرنا يزيد بن زريع، أخبرنا سعيد عن قتادة قال: كان الحسن يقول: إي والله لقد ابتلاه بأمر فصبر عليه، ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر، فأحسن في ذلك وعرف أن ربه دائم لا يزول، فوجه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفا، وما كان من المشركين]

سؤال ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر، فأحسن في ذلك وعرف أن ربه دائم لا يزول؟

ما يبحث عن ربه، إنما يناظرهم، ومن مناظرته لهم: {يا قوم إني بريء مما تشركون (78) إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض} [الأنعام:78-79] عرف أن ربه دائم فناظرهم بذلك ووحد الله.

[ثم ابتلاه بالهجرة، فخرج من بلاده وقومه، حتى لحق بالشام مهاجرا إلى الله، ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة، فصبر على ذلك، وابتلاه بذبح ابنه والختان، فصبر على ذلك. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عمن سمع الحسن يقول في قوله {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} قال: ابتلاه الله بذبح ولده وبالنار وبالكوكب والشمس والقمر. وقال أبو جعفر بن جرير: أخبرنا ابن بشار أخبرنا سلم بن قتيبة، أخبرنا أبو هلال عن الحسن {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} قال: ابتلاه بالكوكب وبالشمس والقمر، فوجده صابرا.

وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} فمنهن {قال إني جاعلك للناس إماما} ومنهن {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} [البقرة: 127]

منهن يعني من الكلمات

[ومنهن الآيات في شأن المنسك والمقام الذي جعل لإبراهيم والرزق الذي رزق ساكنو البيت، ومحمد بعث في ذريتهما وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا الحسن بن محمد بن الصباح، أخبرنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، في قوله تعالى: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال الله لإبراهيم: إني مبتليك بأمر فما هو؟ قال: تجعلني للناس إماما؟ قال: نعم، قال: ومن ذريتي؟ قال: لا ينال عهدي الظالمين، قال: تجعل البيت مثابة للناس؟ قال: نعم، قال: وأمنا؟ قال: نعم، قال: وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك؟ قال: نعم، قال: وترزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله؟ قال: نعم، قال ابن أبي نجيح: سمعته عن عكرمة فعرضته على مجاهد فلم ينكره، وهكذا رواه ابن جرير من غير وجه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. وقال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال: ابتلي بالآيات التي بعدها إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين.

وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات قال: الكلمات {إني جاعلك للناس إماما} وقوله: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا} [البقرة: 125] وقوله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة: 125] وقوله: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل} [البقرة: 125] الآية، وقوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} [البقرة: 127] الآية، قال: فذلك كله من الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم]

هذا كله من الكلمات والكلمات عامة من هذا كله الكلمات تشمل هذا وتشمل غيره، هي كلمات عامة منكرة تشمل جميع الشرائع والأوامر وهذا منها، والسلف يفسرون الشيء ببعضه، وليس المراد أن الكلمات خاصة بهذا الشيء، وإنما المراد الكلمات العامة ومنها هذا، كما تقول لأعجمي يسأل عن الخبز فتريه رغيفا تقول: هذا خبز، ليس المراد أن الخبز لا يكون إلا في هذا الرغيف؛ يعني: هذا مثال للخبز، فكذلك السلف يفسرون الشيء ببعضه، والمراد العموم.

[وقال السدي: الكلمات التي ابتلى بهن إبراهيم ربه: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}، {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} [البقرة: 127- 128]، {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم} [البقرة: 129]. وقال القرطبي: وفي الموطأ وغيره، عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إبراهيم عليه السلام أول من اختتن، وأول من ضاف الضيف، وأول من قلم أظفاره، وأول من قص الشارب، وأول من شاب فلما رأى الشيب، قال: ما هذا؟ قال: وقار، قال: يا رب زدني وقارا]

وهذا فيه نظر؛ لأن قبله نوح عليه الصلاة والسلام وقد شاب عمر، ومكث في دعوته ألف سنة إلا خمسين عاما.

[وذكر ابن أبي شيبة عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه قال: أول من خطب على المنابر إبراهيم عليه السلام، قال غيره: وأول من برد البريد وأول من ضرب بالسيف، وأول من استاك، وأول من استنجى بالماء، وأول من لبس السراويل]

كل هذا فيه نظر وما يجزم بهذا

[وروي عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم، وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم» قلت: هذا حديث لا يثبت، والله أعلم. ثم شرع القرطبي يتكلم على ما يتعلق بهذه الأشياء من الأحكام الشرعية، قال أبو جعفر بن جرير ما حاصله

أنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر وجائز أن يكون بعض ذلك ولا يجوز الجزم بشيء منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع]

صحيح، هذا كلام ابن جرير لا ينبغي العدول عنه، وهو الصواب، الكلمات الكونية عامة تشمل جميع الأوامر والنواهي، ولا يجزم بأنها كلمات خاصة إلا بدليل.

[قال: ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له، قال: غير أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نظير معنى ذلك خبران أحدهما ما حدثنا به أبو كريب، أخبرنا رشدين بن سعد، حدثني زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله، الذي وفى؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى: سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون. وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون [الروم: 17- 18] إلى آخر الآية»]

هذا ضعيف فيه رشدين، وزبان بن فائد ضعيفان، وسهل بن معاذ عن أبيه معاذ بن أنس، معاذ بن أنس هذا تابعي فيكون منقطع، فيكون مرسل يعني.

معاذ بن أنس الجهني الأنصاري صحابي إذا يبقى علتان: زبان، ورشدين.

[قال: والآخر: ما حدثنا به أبو كريب، أخبرنا الحسن عن عطية، أخبرنا إسرائيل عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة]

وهذا فيه عطية العوفي أيضا ضعيف

(الحسن بن عطية بن سعد العوفي الكوفي ضعيف من السادسة، والثاني قال: الحسن بن عطية بن نجير القرشي أبو علي البزاز الكوفي صدوق من التاسعة مات سنة إحدى عشرة أو نحوها)

[والآخر: ما حدثنا به أبو كريب، أخبرنا الحسن عن عطية، أخبرنا إسرائيل عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وإبراهيم الذي وفى} [النجم: 37] قال: «أتدرون ما وفى؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «وفى عمل يومه أربع ركعات في النهار» ورواه آدم في تفسيره عن حماد بن سلمة وعبد بن حميد عن يونس بن محمد عن حماد بن سلمة عن جعفر بن الزبير به، ثم شرع ابن جرير يضعف هذين الحديثين، وهو كما قال: فإنه لا يجوز روايتهما إلا ببيان ضعفهما، وضعفهما من وجوه عديدة، فإن كلا من السندين مشتمل على غير واحد من الضعفاء مع ما في متن الحديث مما يدل على ضعفه، والله أعلم]

جعفر بن الزبير متروك، شديد الضعف، ومثل ما يقول الحافظ: فيه عدة ضعفاء، كل واحد فيه عدة ضعفاء، و  أيضا يقول:  فيه نكارة.

[ثم قال ابن جرير: ولو قال قائل: إن الذي قاله مجاهد وأبو صالح والربيع بن أنس أولى بالصواب من القول الذي قاله غيرهم كان مذهبا لأن قوله {إني جاعلك للناس إماما} وقوله {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين} [البقرة: 125] وسائر الآيات التي هي نظير ذلك كالبيان عن الكلمات التي ذكر الله أنه ابتلى بهن إبراهيم قلت: والذي قاله أولا من أن الكلمات تشمل جميع ما ذكر أقوى من هذا الذي جوزه من قول مجاهد ومن قال مثله لأن السياق يعطي غير ما قالوه، والله أعلم]

الصواب كما ذكر

هذا جعفر بن الزبير اجتمعوا على تكذيبه فيه عدة ضعفاء يعني

[وقوله قال: ومن ذريتي قال: لا ينال عهدي الظالمين لما جعل الله إبراهيم إماما سأل الله أن تكون الأئمة من بعده من ذريته فأجيب إلى ذلك وأخبر أنه سيكون من ذريته ظالمون وأنه لا ينالهم عهد الله ولا يكونون أئمة فلا يقتدى بهم، والدليل على أنه أجيب إلى طلبته قوله تعالى في سورة العنكبوت{وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب}[العنكبوت: 27] صلوات الله وسلامه عليه وأما قوله تعالى: {قال لا ينال عهدي الظالمين} فقد اختلفوا في ذلك، فقال خصيف عن مجاهد في قوله: {قال لا ينال عهدي الظالمين} قال: إنه سيكون في ذريتك ظالمون، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد {قال لا ينال عهدي الظالمين} قال: لا يكون لي إمام ظالم، وفي رواية: لا أجعل إماما ظالما يقتدى به  

وقال سفيان عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى {قال لا ينال عهدي الظالمين} قال: لا يكون إمام ظالم يقتدى به وقال ابن أبي حاتم أخبرنا أبي أخبرنا مالك بن إسماعيل أخبرنا شريك عن منصور عن مجاهد في قوله {ومن ذريتي} قال أما من كان منهم صالحا فأجعله إماما يقتدى به، وأما من كان ظالما فلا ولا نعمة عين]

في ذريته المحسن والظالم كما قال الله تعالى عن إبراهيم وإسحاق {ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين} [الصافات:113].

وقال سعيد بن جبير {لا ينال عهدي الظالمين} المراد به المشرك لا يكون إمام مشرك]

الظلم إذا أطلق يراد به الشرك، كما قال الله تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان:13].

[وقال ابن جريج عن عطاء قال: {إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي} فأبى أن يجعل من ذريته إماما ظالما، قلت لعطاء ما عهده؟ قال أمره. وقال ابن أبي حاتم أخبرنا عمرو بن ثور القيساري فيما كتب إلي أخبرنا الفريابي حدثنا إسرائيل حدثنا سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس، قال: قال الله لإبراهيم {إني جاعلك للناس إماما} قال ومن ذريتي فأبى أن يفعل ثم قال: {لا ينال عهدي الظالمين}.

وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال: {ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} يخبره أنه كائن في ذريته ظالم لا ينال عهده ولا ينبغي أن يوليه شيئا من أمره وإن كان من ذرية خليله، ومحسن ستنفذ فيه دعوته وتبلغ له ما أراد من مسألته. وقال العوفي عن ابن عباس {لا ينال عهدي الظالمين} قال يعني: لا عهد لظالم عليك في ظلمه أن تطيعه فيه.

وقال ابن جرير حدثنا المثنى قال حدثنا إسحاق أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله عن إسرائيل عن مسلم الأعور عن مجاهد عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: {لا ينال عهدي الظالمين} قال ليس للظالمين عهد وإن عاهدته فانقضه وروي عن مجاهد وعطاء ومقاتل بن حيان نحو ذلك. وقال الثوري عن هارون بن عنترة عن أبيه قال ليس لظالم عهد وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: {لا ينال عهدي الظالمين} قال لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمين فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فأمن به وأكل وعاش]

أمن به؛ يعني: حصل له الأمان.

في السند السابق: وقال الثوري عن هارون بن عنترة عن أبيه قال ليس لظالم عهد، رواه ابن جرير عن هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس كل هذه الروايات عن ابن عباس.

[وكذا قال إبراهيم النخعي وعطاء والحسن وعكرمة وقال الربيع بن أنس: عهد الله الذي عهد إلى عباده دينه يقول لا ينال دينه الظالمين، ألا ترى أنه قال: {وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين} [الصافات:113] يقول ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق، وكذا روي عن أبي العالية وعطاء ومقاتل بن حيان وقال جويبر عن الضحاك: لا ينال طاعتي عدو لي يعصيني ولا أنحلها إلا وليا لي يطيعني] 

(أنحلها) يعني: أعطيها، أنحل العطية، ومنه: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} [النساء:4].

في نسخة ابن جرير: لا ينال عهدي عدو لي يعصيني بدل طاعتي عهدي

ولا شك أن عهد الله لا يناله الظالم، فالظالم ليس له أمان وليس عنده دين، إذا أريد بالظالم المشرك على الإطلاق، فالمشرك ليس له دين وليس له عهد.

[وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن حامد أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سعيد الأسدي، حدثنا سليم بن سعيد الدامغاني، أخبرنا وكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {لا ينال عهدي الظالمين قال لا طاعة إلا في المعروف، وقال السدي: {لا ينال عهدي الظالمين} يقول عهدي نبوتي، فهذه أقوال مفسري السلف في هذه الآية]

{لا ينال عهدي الظالمين} قال لا طاعة إلا في المعروف، قال في المحشي: أصل الحديث، قال في البخاري، حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة عن زيد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي t «أن النبي r بعث جيشا وأمر عليهم رجلا فأوقد نارا وقال ادخلوها فأرادوا أن يدخلوها، وقال آخرون: إنما فررنا منها، فذكروا للنبي r فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة، وقال للآخرين: لا طاعة في المعصية إنما الطاعة في المعروف» فهذا هو أصل الحديث من دون ذكر الآية]

عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا ينال عهدي الظالمين} قال لا طاعة إلا في المعروف.

الأصل هكذا وفي بعض الألفاظ أنه قال: «لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف» هذا وعيد شديد، «لو دخلوها ما خرجوا منها» ظاهره يستمرون فيها؛ يعني: في النار، وعيد، من باب الوعيد.

[وقال السدي: {لا ينال عهدي الظالمين} يقول عهدي نبوتي، فهذه أقوال مفسري السلف في هذه الآية على ما نقله ابن جرير وابن أبي حاتم رحمهما الله تعالى واختار ابن جرير أن هذه الآية وإن كانت ظاهرة في الخبر، أنه لا ينال عهد الله بالإمامة ظالما، ففيها إعلام من الله لإبراهيم الخليل عليه الصلاة السلام، أنه سيوجد من ذريتك من هو ظالم لنفسه كما تقدم عن مجاهد وغيره، والله أعلم]  

لا شك في هذا، أنه وجد من ذريته هذا بنص الآية: {ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين} [الصافات:113]

[وقال ابن خويز منداد المالكي الظالم لا يصلح أن يكون خليفة ولا حاكما ولا مفتيا ولا شاهدا ولا راويا]

صدق رحمه الله، الظالم ما يستحق، لا يكون ولي إمام للمسلمين، ولا يكون أمير للبلد، ولا حاكم، ولا مفتي، ولا شاهد؛ لأنه ظالم، عنده انحراف وليس عنده عدل، والمطلوب من هؤلاء أن يعدلوا، فكيف يعدل وهو ظالم، هو ظالم لنفسه.

[وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبي أخبرنا عبد الله بن رجاء، أخبرنا إسرائيل عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما في قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس}[البقرة: 125] قال: يثوبون إليه ثم يرجعون، قال وروي عن أبي العالية وسعيد بن جبير، في رواية وعطاء ومجاهد والحسن وعطية والربيع بن أنس والضحاك نحو ذلك وقال ابن جرير: حدثني عبد الكريم بن أبي عمير حدثني الوليد بن مسلم، قال: قال أبو عمرو يعني الأوزاعي، حدثني عبدة بن أبي لبابة في قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس}قال: لا ينصرف عنه منصرف، وهو يرى أنه قد قضى منه وطرا، وحدثني يونس عن ابن وهب قال: قال ابن زيد {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس} قال يثوبون إليه من البلدان كلها ويأتونه، وما أحسن ما قاله الشاعر في هذا المعنى أورده القرطبي:

جعل البيت مثابا لهم ... ليس منه الدهر يقضون الوطر

وقال سعيد بن جبير في الرواية الأخرى وعكرمة وقتادة وعطاء الخراساني {مثابة للناس} أي مجمعا {وأمنا} قال الضحاك عن ابن عباس: أي أمنا للناس وقال أبو جعفر الرازي: عن الربيع بن أنس عن أبي العالية {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا} يقول وأمنا من العدو وأن يحمل فيه السلاح، وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون لا يسبون، وروي عن مجاهد وعطاء والسدي وقتادة والربيع بن أنس قالوا: {ومن دخله كان آمنا} [آل عمران:97].

ومضمون ما فسر به هؤلاء الأئمة هذه الآية أن الله تعالى يذكر شرف البيت وما جعله موصوفا به شرعا وقدرا، من كونه مثابة للناس، أي جعله محلا تشتاق إليه الأرواح، وتحن إليه، ولا تقضي منه وطرا ولو ترددت إليه كل عام استجابة من الله تعالى، لدعاء خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام في قوله: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} [إبراهيم:37]، إلى أن قال: {ربنا وتقبل دعاء} [إبراهيم:40].

ويصفه تعالى بأنه جعله أمنا من دخله أمن، ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمنا، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه، فلا يعرض له، كما وصف في سورة المائدة في قوله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس} [المائدة: 97] أي يدفع عنهم بسبب تعظيمها السوء.

فهذه الآيات الكريمة وهي قول الله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا}[البقرة: 125] كما ذكر الحافظ رحمه الله كما نقل عن التابعين أن معنى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس} يعني: مرجعا يرجعون إليه، ويكررون العودة إليه، وهم لا يقضون وطرا، فكل من جاءه فإنه يشتاق إليه، وإذا أراد أن ينصرف سأل الله أن يرزقه العودة ولو تكرر كل شهر أو كل عام، فهو مثابة للناس يثوبون ويرجعون إليه، ثاب يثوب يعني: رجع، يطلق المثابة على الرجوع للشيء مرة بعد مرة وعلى الاجتماع ومنه ما جاء في الحديث: «إذا ثوب بالصلاة ولى الشيطان وله ضراط» فإذا سمع الشيطان الأذان ولى وله ضراط، فإذا ثوب؛ يعني: رجع، رجع مرة أخرى المؤذن إلى الإقامة فالتثويب يعني: رجوع، رجوع إلى النداء، هو نادى بالصلاة أولا ثم نادى بالإقامة، فإذا قال: «وإذا ثوب بالإقامة» يعني: إذا رجع المؤذن مرة أخرى ودعا إلى إقامة الصلاة بعد أن دعا إلى الإتيان إليها أولا دعا إلى إقامتها ثانيا، فإن الشيطان يولي وله ضراط، سماه ثوب؛ ثوب يعني: رجع {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس} يعني: يرجعون، ويتكررون، ويتكرر مجيئهم إليه، ولا يقضون وطرا ولا يملون، وكل من جاء سأل الله أن يرزقه العودة استجابة لنداء الخليل: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} وكل مسلم يحن ويشتاق إلى البيت، وإذا جاء فإنه يكون مشتاقا، وإذا أراد الانصراف سأل الله العودة وألا يجعله آخر العهد، وأما قوله تعالى: {وأمنا} فهذا خبر بمعنى الأمر، والمعنى: ليكن البيت أمنا للناس؛ يعني: أمنوا من دخله، اجعلوه آمنا، كقوله تعالى: {ومن دخله كان آمنا}[آل عمران:97] يعني: ليكن من دخله آمنا. وليس المراد هنا الخبر المحض، وإنما المراد الخبر بمعنى الأمر، والمعنى: اجعلوه آمنا، ليكن من دخله آمنا، ليكن هذا البيت أمنا للناس، ولو كان المراد معناه الخبر المحض لكان البيت آمنا ولا يحصل فيه خوف، وهذا خلاف الواقع فإنه حصل إخافة البيت في زمن القرامطة الذين جاءوا وقتلوا الحجاج وأخافوا الناس وآذوهم، وإنما هذا أمر، خبر بمعنى الأمر، أمر من الله لعباده أن يجعلوا هذا البيت من دخله آمنا، وأن يؤمنوا من دخله، والمعنى: أمنوا من دخله، فلا تخيفوه، ولا تؤذوه، {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا} يعني: ليكن آمنا.

كقوله في الآية الأخرى: {ومن دخله كان آمنا} يعني: ليكن من دخله آمنا، وليس المراد الخبر المحض؛ لأنه لو كان المراد الخبر المحض لم يحصل فيه خوف مطلقا، وقد حصل الخوف من بعض الناس، حصل قتال أيام الحجاج، الحجاج قاتل الناس وقتل عبد الله بن الزبير، وهدم الكعبة، وأخاف أهل مكة، هذه إخافة، وكذلك أيام القرامطة قتلوا الناس، وقتلوا الحجاج، وأخذوا الحجر الأسود وجعلوه عندهم مدة طويلة، فلو كان هذا خبر لم يقع خوف في مكة لكنه وقع الخوف في بعض الأزمنة، فدل على أنه خبر بمعنى الأمر، والمعنى: أمنوا من دخله، وليكن من دخله آمنا، وليكن هذا البيت آمنا كما أنه مثابة للناس، فهو مثابة يرجعون إليه ويقضون وطرا، ويسألون الله العودة، وليكن مع ذلك آمنا، فأمنوا من دخله حتى لا يخاف وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه، فلا يعرض له]

وأخذ العلماء من هذه الآية: أن من دخل مكة وقد ارتكب حدا فإنه لا يقام عليه الحد في مكة، وإنما يخرج من الحرم ثم يقام عليه الحد تعظيما للحرم، أو يلجأ إلى الخروج حتى يخرج ثم يقام عليه الحد، فإذا دخل مكة إنسان جان عليه جناية فإنه لا يقتص منه في الحرم تعظيما للحرم وإنما يلجأ إلى الخروج من الحرم أو يخرج ثم يقام عليه الحد، وكان الرجل في الجاهلية يلقى قاتل أبيه وأخيه فلا يحرك ساكنا حتى يخرج من الحرم أما من فعل الجريمة في الحرم زنى في الحرم أو سرق أو قتل يقام عليه الحد في الحرم؛ لأنه هو الذي هتك حرمة الحرم، فالذي يجني في الحرم يقام عليه الحد، الذي يزني في مكة أو يقتل أو يسرق تقطع يده في مكة، ويجلد في مكة أو يرجم، ويقتل في مكة؛ لأنه هو الذي هتك حرمة الحرم، بخلاف الذي يأتي إليه من الخارج، فعل جناية خارج مكة ثم دخل مكة هذا لجأ إلى مكة، لجأ إلى مكة عائذا، هذا معظم للحرم فيخرج من الحرم ثم يقام عليه الحد.

أما من فعل الجريمة في الحرم يقام عليه الحد في الحرم لأنه هو الذي هتك حرمة الحرم، فرق بين من فعل الجريمة في الحرم ومن فعلها خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم عائذا، فالذي لجأ إلى الحرم عائذا هذا معظم للحرم، والذي فعل جريمة في الحرم هتك حرمة الحرم فيقام عليه الحد.

[وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه، فلا يعرض له، كما وصف في سورة المائدة في قوله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس} [المائدة: 97] أي يدفع عنهم بسبب تعظيمها السوء كما قال ابن عباس: لو لم يحج الناس هذا البيت، لأطبق الله السماء على الأرض، وما هذا الشرف إلا لشرف بانيه أولا، وهو خليل الرحمن]

{قياما للناس} يعني: لا قيام لهم إلا بذلك، إلا بحج البيت، واستقبال القبلة، ولهذا إذا هدمت الكعبة في آخر الزمان صار الناس يحجون إلى المكان ثم ينسون الصلاة بعد ذلك ويرفع الإيمان من القلوب فتأتي ريح طيبة تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات فلا يبقى إلا الكفرة وعليهم تقوم الساعة، فلا قوام للناس إلا بهذا البيت، هذا البيت لا يدفع عنهم السوء ولا البلاء إلا بالصلاة والإيمان والتوحيد ولا توحيد إلا بصلاة وإيمان.

فإذا هدمت الكعبة نسي الناس الصلاة وزال التوحيد والإيمان فتقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات ثم تقوم الساعة، فلا قيام للناس إلا بهذا البيت، ولهذا قال تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس} [المائدة: 97] لا قيام لهم إلا بذلك، ولا يدفع عنهم السوء إلا بإقامة الصلاة واستقبال هذه القبلة، وإقامة الحج، فالقبلة واحدة، والرسول واحد، والمعبود واحد وهو الرب سبحانه وتعالى، فالقبلة أسست على التوحيد.

[كما قال ابن عباس: لو لم يحج الناس هذا البيت، لأطبق الله السماء على الأرض، وما هذا الشرف إلا لشرف بانيه أولا، وهو خليل الرحمن كما قال تعالى: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا} [الحج: 26] وقال تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين (96) فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا} [آل عمران: 96- 97] وفي هذه الآية الكريمة، نبه على مقام إبراهيم مع الأمر بالصلاة عنده فقال: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة:125] وقد اختلف المفسرون في المراد بالمقام ما هو، فقال ابن أبي حاتم: أخبرنا عمرو بن شبة النميري، حدثنا أبو خلف، يعني عبد الله بن عيسى، أخبرنا داود بن أبي هند عن مجاهد عن ابن عباس {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال: مقام إبراهيم الحرم كله وروي عن مجاهد وعطاء مثل ذلك. وقال أيضا أخبرنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا حجاج عن ابن جريج، قال: سألت عطاء عن {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فقال سمعت ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: أما مقام إبراهيم الذي ذكر هاهنا، فمقام إبراهيم هذا الذي في المسجد، ثم قال: ومقام إبراهيم يعد كثير مقام إبراهيم الحج كله، ثم فسره لي عطاء فقال: التعريف وصلاتان بعرفة، والمشعر، ومنى، ورمي الجمار، والطواف بين الصفا والمروة، فقلت أفسره ابن عباس؟ قال لا ولكن قال مقام إبراهيم الحج كله قلت: أسمعت ذلك لهذا أجمع؟ قال نعم سمعته منه]

وهذا الحديث سنده ضعيف هذا، الحجاج بن أرطأة لكن المعنى مقامات إبراهيم متعددة، هي الحج كله في منى، وعرفة، ومزدلفة، كلها من مقامات الحج، لكن المراد بالمقام الحجر الذي قام عليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، المراد بالمقام في الآية: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} هو الحجر الذي قام عليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ارتفع البناء وإسماعيل يناوله الحجارة، وكان ملصقا بالكعبة.

كان ملصقا بالكعبة ثم أخره عمر بن الخطاب t توسعة للطائفين، وهو الخليفة الراشد، وقال النبي r: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين» يصلى خلفه في أي مكان وضع يصلى خلف المقام، أما مقامات إبراهيم فهي متعددة، هي الحج كله في منى، وعرفة، ومزدلفة، رمي الجمار، كل هذه المقامات مقامات إبراهيم، أما المقام في الآية الكريمة: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فهو الحجر الذي قام عليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ارتفع البناء، فهذا إخباري ينقل الأخبار من الإخباريين.

عمر بن شبة بالتكبير، عمر بن شبة بدون ياء إخباري معروف ينقل الأخبار.

سؤال خروج الشيطان لإبراهيم ثبت فيه شيء؟

هذا مشهور، ما أذكر الآن حاله لكنه مشهور، هذا في أول الأمر لكن لا يقال فيها شياطين كما يعتقد بعض العامة أنه يرمي الشيطان بالجمرات، هذه مشاعر سمي الشيطان الكبير، الشيطان الأوسط، كل هذا من خرافات العامة، هذه مشاعر وجمار ومناسك، مناسك الحج جعلت لإقامة ذكر الله كما قال النبي r: «إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله» ولو كان إبراهيم عرض له الشيطان، عرض الشيطان لإبراهيم عليه الصلاة والسلام في أول الأمر لكن بعد ذلك صارت مشاعر ومناسك.

[وقال سفيان الثوري عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال: الحجر مقام إبراهيم نبي الله قد جعله الله رحمة، فكان يقوم عليه ويناوله إسماعيل الحجار، ولو غسل رأسه كما يقولون لاختلف رجلاه وقال السدي: المقام الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم حتى غسلت رأسه، حكاه القرطبي وضعفه ورجحه غيره]

القول الأول يعني غسلت رجله، يقول لو غسلت رجله لاختل، المقصود: هو المقام الذي يقف عليه، والسنة الصلاة خلفه لمن طاف بالبيت إن تيسر، فإن لم يتيسر يصلي في أي مكان من المسجد ولا يزاحم إنما هذا مستحب، والسنة أن يقرأ هذه الآية: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} كما أنه يقرأ إذا أراد أن يصعد من الصفا إلى المروة أول ما يبدأ يقول: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة:158].

[وحكاه الرازي في تفسيره عن الحسن البصري وقتادة والربيع بن أنس وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا الحسن بن محمد بن الصباح، أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء عن ابن جريج، عن جعفر بن محمد عن أبيه، سمع جابرا يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لما طاف النبي صلى الله عليه وسلم، قال له عمر: هذا مقام أبينا؟ قال: نعم، قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله عز وجل {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}، وقال عثمان بن أبي شيبة: أخبرنا أبو أسامة عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، قال: قال عمر: قلت: يا رسول الله هذا مقام خليل ربنا؟ قال: نعم قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} وقال ابن مردويه: أخبرنا دعلج بن أحمد، أخبرنا غيلان بن عبد الصمد، أخبرنا مسروق بن المرزبان أخبرنا زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه مر بمقام إبراهيم فقال: يا رسول الله أليس نقوم بمقام خليل ربنا؟ قال: بلى، قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فلم يلبث إلا يسيرا حتى نزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}]

هذا من الموافقات الذي وافق يقول عمر: وافقت ربي أو وافقني ربي في ثلاث كان ملهما مسددا

الشيخ: هذا من الاقتداء به والله أعلم جعل هذا المقام الذي قام عليه أمر الله باتخاذه مصلى، لكن كما قال عمر: هذا مقام خليل ربنا.

[وقال ابن مردويه: أخبرنا علي بن أحمد بن محمد القزويني، أخبرنا علي بن الحسين، حدثنا الجنيد، أخبرنا هشام بن خالد، أخبرنا الوليد عن مالك بن أنس، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  قال: لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم، قال له عمر: يا رسول الله هذا مقام إبراهيم الذي قال الله {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}، قال: نعم، قال الوليد: قلت لمالك: هكذا حدثك واتخذوا؟ قال: نعم هكذا وقع في هذه الرواية وهو غريب، وقد روى النسائي من حديث الوليد بن مسلم نحوه عن جابر، قال: لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم، قال له عمر: يا رسول الله هذا مقام إبراهيم الذي قال الله {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} قال: نعم، قال الوليد: قلت لمالك: هكذا حدثوك واتخذوا؟ قال: نعم هكذا وقع في هذه الرواية وهو غريب، وقد روى النسائي من حديث الوليد بن مسلم نحوه]

ابن جرير أوضح هنا الحافظ بن كثير رحمه الله اختصر هنا، اتخذوا هذا أمر، اتخذوا تكون خبر، مثل قوله: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا} [البقرة:125] هذا خبر، واتخذوا خبر.

[وقال البخاري: باب قوله {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} مثابة يثوبون يرجعون،

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد