وقرأ بعضهم قال {ومن كفر فأمتعه قليلا} الآية، جعله من تمام دعاء إبراهيم وهي قراءة شاذة مخالفة للقراء السبعة وتركيب السياق يأبى معناها، والله أعلم، فإن الضمير في قال: راجع إلى الله تعالى في قراءة الجمهور، والسياق يقتضيه، وعلى هذه القراءة الشاذة يكون الضمير في قال عائدا على إبراهيم، وهذا خلاف نظم الكلام، والله سبحانه هو العلام
وأما قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم (127) ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم} [البقرة:127-128].
فالقواعد جمع قاعدة وهي السارية والأساس، يقول تعالى: واذكر يا محمد لقومك بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام البيت ورفعهما القواعد منه، وهما يقولان {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}.
وحكى القرطبي وغيره عن أبي وابن مسعود أنهما كانا يقرآن «وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ويقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم» ، قلت: ويدل على هذا قولهما بعده {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} الآية، فهما في عمل صالح، وهما يسألان الله تعالى أن يتقبل منهما، كما روى ابن أبي حاتم من حديث محمد بن يزيد بن خنيس المكي عن وهيب بن الورد أنه قرأ {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا} ثم يبكي ويقول: يا خليل الرحمن ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مشفق أن لا يتقبل منك. وهذا كما حكى الله تعالى عن حال المؤمنين الخلص في قوله: {والذين يؤتون ما آتوا} [المؤمنون60] أي يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات {وقلوبهم وجلة} [المؤمنون: 60] أي خائفة أن ألا يتقبل منهم، كما جاء به الحديث الصحيح عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه. وقال بعض المفسرين: الذي كان يرفع القواعد هو إبراهيم والداعي إسماعيل، والصحيح أنهما كانا يرفعان ويقولان كما سيأتي بيانه]
والمعنى: أن المسلم يجب عليه أن يخلص عمله لله ويسأل الله القبول، وكل مؤمن مشفق وخائف، بخلاف المنافق فإنه لا يخاف، يسيء ولا يخاف، أما المؤمن فإنه يحسن العمل ويتقنه ويسأل الله القبول، فإبراهيم وإسماعيل وهما نبيان كريمان يعملان هذا العمل العظيم يرفعان قواعد البيت ويسألان الله القبول: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} كل مؤمن كذلك، والأنبياء هم أول المؤمنين، كل نبي هو أول مؤمن من أمته، وهما أولياء الله، فهم يخلصون أعمالهم لله ويسألون الله القبول.
[وقد روى البخاري هاهنا حديثا سنورده ثم نتبعه بآثار متعلقة بذلك، قال البخاري رحمه الله حدثنا عبد الله بن محمد، أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب السختياني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه]
منطق على وزن منبر كأنه كساء تضعه يعني كأنه إزار تشده وتجعل أسفله يسحب أم إسماعيل رضي الله عنها أرادت أن تخفي أثرها عن سارة فاتخذت منطقا وشدت وسطها فصار أسفل الثوب يمسح أثر المشي
[عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا]
(قفى) يعني: ولاهما ظهره، وضع الجراب فيه تمر، والسقاء فيه ماء، سقاء من جلد به ماء، وجراب من جلد أو من غيره فيه شيء من التمر.
[ثم قفا إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي ليس فيه أنيس؟ ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت: الله أمرك بذا؟ قال: نعم]
(آلله) استفهام، مدة عن همزتين، (آلله أمرك بذا؟) استفهام.
[قالت: إذا لا يضيعنا، ثم رجعت. فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهذه الدعوات ورفع يديه]
(استقبل بوجهه البيت) يعني: مكان البيت؛ لأنه ما بني في ذلك الوقت، مكانه، المهم المكان، استقبل البيت؛ يعني: استقبل مكان البيت، كأن الله أعلمه بمكانه وكانت ربوة مرتفعة تنحدر عنها السيول يمينا وشمالا مكانها معروف أعلمه الله بها، فاستقبل البيت، المهم المكان، ولهذا يستقبل الإنسان من كان فوق جبل أبي قبيس يستقبل الهواء المهم المكان والهواء كذلك لما خربت الكعبة في زمن قريش وفي زمن الحجاج وغيره يصلون إلى المكان، وكذلك والعياذ بالله إذا انهدمت في آخر الزمان يصلي الناس إلى المكان، المهم المكان.
[ثم دعا بهذه الدعوات ورفع يديه فقال {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم} حتى بلغ {يشكرون} [إبراهيم: 37] وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى، أو قال: يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي: رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود]
وهو ما بين العلمين الآن، سعت يعني أسرعت، ولهذا كان النبي r إذا انصبت رجلاه في بطن الوادي سعى سعي الإنسان المجهود حتى إن إزاره ليدور به r، سنة الإسراع، والآن يوجد دروع فيها العلمان الأخضران، وهذه السنة إنما هي في حق الرجال دون النساء.
[فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فلذلك سعى الناس بينهما»]
هذه القطعة مرفوعة للنبي r، والكلام السابق من قول ابن عباس. هل له حكم الرفع؟ ليس مرفوعا للنبي r، لكن هذا ثابت لا شك أنه ثابت محتمل يكون سمعه من النبي r لكن الذي سمعه قال القطعة التي سمعها قال النبي r.
[فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت «صه» تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضا، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه، أو قال: بجناحه، حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا]
(تحوضه) يعني: تجعله كالحوض، تجعل التراب كالحوض من الشفقة حتى لا يضيع الماء.
[فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف، قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال: لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا»]
يعني: كانت تفور دائما، هذا كأنه سمعه من لفظ النبي r، يحتمل الكلام السابق رواه بالمعنى.
[قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة، فإن هاهنا بيتا لله يبنيه هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائرا عائفا، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريا أو جريين، فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء]
(جريا أو جريين) يعني: رسولا أو رسولين، الجري الرسول، أرسلوا رسول أو رسولين يأتوهم بالخبر فأخبرهم أن هناك ماء فجاءوا ونزلوا عندها.
[فأقبلوا، قال: وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء عندنا، قالوا: نعم]
يعني: لابد من ثمن، تعطيهم بالثمن يعني.
[قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس» فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم]
هي بحاجة إلى هذا، لو ينزلون عندها بدون شيء وتعطيهم ماء بدون شيء، بحاجة إلى الأنس، وبحاجة لمن يسكن معها، ويعطيها بعض الطعام، لكن نزلوا ويعطونها ثمن وتشتري منهم طعام وهكذا حتى صارت بلد، وجاء من بعدهم وغيرهم، وصار يتتابع الناس وينزلون.
[حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شب]
(أنفسهم) يعني: فاقهم، تميز بذكائه ونجابته وفصاحته، فاق عليهم.
[فلما أدرك زوجوه امرأة منهم]
(لما أدرك) أي: لما بلغ، لما بلغ زوجوه.
[وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل ليطالع تركته فلم يجد إسماعيل]
(تركته) يعني: متروكه، وهي ابنه وأمه، يعني: ما تركه من أهله.
قدم الوجه الأول: تركته وتركته، متروكه؛ يعني: ما تركه، وأصله بيض النعام حينما تتركها تذهب وترجع إليه مرة أخرى، والمراد ما تركه، متروكه من أهله ولده وأمه القاموس قدم الإسكان تركته، الحافظ قدم الكسر، الحاصل فيها الوجهان تركته وتركته، بإسكان الراء وكسر الراء.
[وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل ليطالع تركته فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم]
يعني: يبتغي لنا الرزق ويقوم بالرزق وهو الصيد عندهم، ما عندهم حب، ما عندهم إلا الصيد، اللحم والماء، هذا طعامهم.
[ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشر، نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له يغير عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل، كأنه أنس شيئا]
أنس وآنس، محتمل الوجهين، في القرآن الكريم قال: {آنس من جانب الطور نارا} [القصص:29] (آنس) يعني: كأنه أحس، لما جاء إسماعيل كأنه أحس بأنه جاء أحد، فسألها فأخبرته، وأمره أن يغير عتبة بابه؛ يعني: يطلقها؛ لأن هذه امرأة شاكية غير شاكرة تقول: نحن بشر، وتقول بعض الشاكيات: نحن بشر وعيش مر، والمرأة الثانية صارت شاكرة وأثنت على الله خيرا، ولهذا أمره أن يمسك الثانية وأمره أن يطلق الأولى.
[فلما جاء إسماعيل، كأنه آنس شيئا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أننا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول غير عتبة بابك]
هي ما تدري ما المراد بالعتبة، وإسماعيل يعرف أنها هي العتبة هي الزوجة ولو كانت تدري ما قالت له.
[قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك، وطلقها وتزوج منهم بأخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد، فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم]
يبتغي لنا الرزق، الصيد، يطلب الرزق يعني يصيد خارج الحرم.
[فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله عز وجل، قال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم لدعا لهم فيه»]
يعني: ما عندهم حنطة لأنه واد غير ذي زرع، واد وجبال، ما في زرع ولا حنطة، طعامهم يعيشون على الصيد والماء، اللحم والماء.
في كل فقرة وأخرى يأتي كلام للنبي r هذا هو المرفوع من أقوال النبي r، كأن الأول إما سمعه أو رواه بالمعنى.
[قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه]
يعني: ما يأتي أحد في النهار يطلب واحد من أهل مكة إلا ما يجده، يخرجون للصيد، ولا يرجعون إلا في الليل، ولهذا جاء إبراهيم مرتين ولم يجد إسماعيل، كان في الصيد، إذا أصبحوا ذهبوا إلى الصيد خارج الحرم، يصيدون، ثم يرجعون فلا يجئ أحد يطلب واحد إلا لم يجده في الغالب لانشغالهم بالصيد وطلب الرزق، وما عندهم زراعة ولا فلاحة، طعامهم الصيد يشتغلون بالصيد.
قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا بخير، قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، وهو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك قال ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلما رآه قام إليه، وصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد
يعني: يعانقه ويسلم عليه لطول المدة، (نبلا) تكلم عليه؟
[فلما رآه قام إليه، وصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثم قال: يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها]
(أكمة) يعني: مرتفعة، مكان البيت مرتفع، تنحدر عنه السيول يمينا وشمالا.
[وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} ورواه عبد بن حميد عن عبد الرزاق بن مطولا]
[ورواه عبد بن حميد عن عبد الرزاق بن مطولا، ورواه ابن أبي حاتم عن أبي عبد الله بن حماد الطهراني]
(الطهراني) نسبة إلى طهران وهي بلد بأصبهان كما في القاموس وهي طهران المعروفة الآن عاصمة إيران لكن تقرأ الطهراني ويقال الظهراني وليس بعيد الوجهان لكنها طهران عاصمة إيران.
[ورواه ابن أبي حاتم عن أبي عبد الله بن حماد الطهراني وابن جرير عن أحمد بن ثابت الرازي، كلاهما عن عبد الرزاق به مختصرا]
الشيخ: يقال لها طهران الآن لكن يحتمل فيها تحريف، الأقرب فيها الوجهان طهراني أو ظهراني متقاربان الطاء والظاء مخرج
[وقال أبو بكر بن مردويه: أخبرنا إسماعيل بن علي، أخبرنا بشر بن موسى، أخبرنا أحمد بن محمد الأزرقي، أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن عبد الملك بن جريج، عن كثير بن كثير، قال: كنت أنا وعثمان بن أبي سليمان وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين في ناس مع سعيد بن جبير في أعلى المسجد ليلا فقال سعيد بن جبير: سلوني قبل أن لا تروني، فسألوه عن المقام، فأنشأ يحدثهم عن ابن عباس، فذكر الحديث بطوله ثم قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، أخبرنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو، أخبرنا إبراهيم بن نافع عن كثير بن كثير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان، خرج بإسماعيل وأم إسماعيل ومعهم شنة فيها ماء
(الشنة) القربة القديمة يقال لها شنة، القربة القديمة يبرد فيها الماء أكثر من القربة الجديدة.
[عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان، خرج بإسماعيل وأم إسماعيل ومعهم شنة فيها ماء فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة فيدر لبنها على صبيها، حتى قدم مكة، فوضعهما تحت دوحة ثم رجع إبراهيم إلى أهله، فاتبعته أم إسماعيل حتى بلغوا كداء، نادته من ورائه يا إبراهيم، إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله، قالت: رضيت بالله قال: فرجعت فجعلت تشرب من الشنة ويدر لبنها على صبيها، حتى لما فني الماء قالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا، فذهبت فصعدت الصفا فنظرت هل تحس أحدا، فلم تحس أحدا فلما بلغت الوادي سعت حتى أتت المروة وفعلت ذلك أشواطا حتى أتمت سبعا، ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل الصبي، فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنه ينشغ للموت، فلم تقرها نفسها، فقالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا، فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت هل تحس أحدا فلم تحس ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل، فإذا هي بصوت فقالت: أغث إن كان عندك خير فإذا جبريل عليه السلام، قال: فقال بعقبه: هكذا، وغمز عقبه على الأرض فانبثق الماء، فدهشت أم إسماعيل، فجعلت تحفر، قال: فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «لو تركته لكان الماء ظاهرا» قال: فجعلت تشرب من الماء ويدر لبنها على صبيها، قال: فمر ناس من جرهم ببطن الوادي، فإذا هم بطير كأنهم أنكروا ذلك، وقالوا: ما يكون الطير إلا على ماء فبعثوا رسولهم، فنظر فإذا هو بالماء، فأتاهم فأخبرهم، فأتوا إليها، فقالوا: يا أم إسماعيل، أتأذنين لنا أن نكون معك ونسكن معك؟ فبلغ ابنها ونكح منهم امرأة، قال: ثم إنه بدا لإبراهيم صلى الله عليه وسلم فقال لأهله: إني مطلع تركتي، قال: فجاء فسلم، فقال: أين إسماعيل؟ قالت امرأته: ذهب يصيد، قال: قولي له إذا جاء: غير عتبة بابك، فلما أخبرته، قال: أنت ذاك فاذهبي إلى أهلك]
دهش من باب فرح والاستغاثة بالحي الحاضر لا مانع قال تعالى: {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه} أمامه تسمع صوته فلان أغث إن كان عندك غوث والغريق إذا استغاث بسباح لا بأس ليس بشرك هذا لأنه يستطيع لكن إذا استغاث بميت أو غائب غير حي قادر هذا الممنوع هذا شرك قال تعالى: {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه}
[قولي له إذا جاء: غير عتبة بابك، فلما أخبرته، قال: أنت ذاك فاذهبي إلى أهلك، قال: ثم إنه بدا لإبراهيم فقال: إني مطلع تركتي، قال: فجاء فقال: أين إسماعيل؟ فقالت امرأته: ذهب يصيد، فقالت: ألا تنزل فتطعم وتشرب؟]
فرق بين الأولى والثانية، الأولى تقول له: نحن بشر وكذا، والثانية تقول: نحن بخير ألا تنزل فتطعم معنا، وتثني على الله خيرا، ولهذا أمره أن يطلق الأولى ويمسك الثانية.
[فقال، ما طعامكم، وما شرابكم؟ قالت: طعامنا اللحم، وشرابنا الماء، قال: اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم، قال: فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم «بركة بدعوة إبراهيم»، قال: ثم إنه بدا لإبراهيم صلى الله عليه وسلم فقال لأهله: إني مطلع تركتي]
(قال لأهله) يعني: أهله في الشام، في بيت المقدس زوجته سارة، قال لها: (إني مطلع تركتي) يعني: متروكي في مكة.
[فجاء فوافق إسماعيل من وراء زمزم يصلح نبلا له، فقال: يا إسماعيل، إن ربك عز وجل أمرني أن أبني له بيتا: فقال: أطع ربك عز وجل، قال: إنه قد أمرني أن تعينني عليه، فقال: إذن أفعل أو كما قال قال: فقام فجعل إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، ويقولان {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} قال: حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ عن نقل الحجارة، فقام على حجر المقام فجعل يناوله الحجارة ويقولان {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} هكذا رواه من هذين الوجهين في كتاب الأنبياء.
البخاري رحمه الله.
الشيخ: يعني ما يأتي أحد لأهل مكة إلا ما يجدهم لأنهم خارجين للصيد.
[والعجب أن الحافظ أبا عبد الله الحاكم رواه في كتابه المستدرك عن أبي العباس الأصم عن محمد بن سنان القزاز عن أبي علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي عن إبراهيم بن نافع به، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه كذا قال، وقد رواه البخاري كما ترى من حديث إبراهيم بن نافع، وكأن فيه اختصارا فإنه لم يذكر فيه شأن الذبح]
يقول: العجب أن الحافظ يقول على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد خرجه البخاري، ذهل هذه من أوهامه، يسوق الحديث الحاكم في مستدركه ثم يقول: على شرط الشيخين ولم يخرجاه وهو موجود في البخاري رحمه الله؛ لأنه استدرك الحاكم فيه أشياء تحتاج إلى مراجعة، ولهذا قال بعضهم أنه سوده ولم يبيضه، ولهذا حصل له أوهام وأغلاط، ومن أوهامه أنه يذكر أحاديث في البخاري ويقول: وليس في البخاري، على شرط الشيخين ولم يخرجاه وهو موجود.
[وقال: جاء في الصحيح أن قرني الكبش كانا معلقين بالكعبة، وقد جاء أن إبراهيم عليه السلام كان يزور أهله بمكة على البراق سريعا ثم يعود إلى أهله بالبلاد المقدسة، والله أعلم]
يعني: في الشام، يزور أهله كل فترة يركب البراق ويأتي ويرجع، والبراق سريع، البراق دابة دون البغل وفوق الحمار خطوه مد البصر الذي ركبه النبي r بصحبة جبريل إلى بيت المقدس، (والله أعلم) هذا يحتاج إلى دليل، معناه أنه يختصر المسافة؛ لأن المسافة بعيدة من الشام إلى مكة، هذه مسافة طويلة، مسافة شهر مواصلات في ذاك الزمان، جاء مرتين المرة الثالثة بنى الكعبة، وهذه الرواية أنه يأتي كل شهر يقول؟
[وقد جاء أن إبراهيم عليه السلام كان يزور أهله بمكة على البراق سريعا ثم يعود إلى أهله بالبلاد المقدسة]
الله أعلم، يحتاج إلى دليل هذه بعد ذلك، بناء البيت وبيت المقدس بناه حفيده يعقوب بعد أربعين سنة من بناء البيت، بناه حفيده يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بعد أربعين سنة، كما في الحديث أول بيت وضع قال: الكعبة، قال: ثم ماذا؟ قال: ثم بيت المقدس، المسجد الأقصى، قال: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة هم يريدون يعيدونه، أصل بناء المسجد، لكن الهيكل هذا دعوى اليهود، وهيكل سليمان الله أعلم هل هو في المسجد أو بجوار المسجد، أظن القبة ما هي في نفس المسجد الآن، كان الاتجاه إلى الصخرة، القبلة الأولى ظاهره أنها في نفس المسجد أو بجوار المسجد، موجودة داخل المسجد الآن المسجد الأقصى الصلاة فيه بخمسمائة صلاة مسجد الصخرة هو المسجد الأقصى، ما في مسجدين مسجد الأقصى ومسجد الصخرة، هو نفسه المسجد الأقصى هو مسجد الصخرة، البراق ربط في حلقة الباب
[والحديث والله أعلم ما فيه مرفوع أماكن صرح بها ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في هذا السياق ما يخالف بعض هذا، كما قال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى، قالا: أخبرنا مؤمل، أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: لما أمر إبراهيم ببناء البيت خرج معه إسماعيل وهاجر، قال: فلما قدم مكة رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس فكلمه قال: يا إبراهيم، ابن على ظلي، أو قال: على قدري، ولا تزد ولا تنقص، فلما بنى خرج وخلف إسماعيل وهاجر، فقالت هاجر: يا إبراهيم، إلى من تكلنا؟ قال: إلى الله، قالت: انطلق فإنه لا يضيعنا قال: فعطش إسماعيل عطشا شديدا، قال فصعدت هاجر إلى الصفا، فنظرت فلم تر شيئا، حتى أتت المروة فلم تر شيئا، ثم رجعت إلى الصفا فنظرت فلم تر شيئا ففعلت ذلك سبع مرات فقالت يا إسماعيل مت حيث لا أراك]
(مت) يعني: من باب التحسر والتضجر، والتألم، من باب التألم وإلا هي راضية، قال: (إذا لا يضيعنا) لكن ما جبل عليه الإنسان من محبة الموت من شدة الألم، قالت: (مت حيث لا أراك).
[فقالت: يا إسماعيل مت حيث لا أراك فأتته وهو يفحص برجله من العطش، فناداها جبريل فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا هاجر أم ولد إبراهيم، قال: فإلى من وكلكما؟ قالت: وكلنا إلى الله، قال: وكلكما إلى كاف قال: ففحص الغلام الأرض بأصبعه، فنبعت زمزم فجعلت تحبس الماء، فقال: دعيه فإنه روي]
(بأصبعه) لعله هكذا، جبريل ضرب الأرض بجناحه، والسياق لابن جرير؟ ما هو بظاهر يعني، (ففحص الغلام الأرض بأصبعه).
[قال: ففحص الغلام الأرض بأصبعه، فنبعت زمزم فجعلت تحبس الماء، فقال: دعيه فإنه روي]
روي أو رواء بالتشديد رواء، بفتح الراء عندك روى، روي المعنى واحد يعني: مروي، زمزم يعني.
[ففي هذا السياق أنه بنى البيت قبل أن يفارقها، وقد يحتمل أنه كان محفوظا أن يكون أولا وضع له حوطا وتحجيرا لا أنه بناه إلى أعلاه، حتى كبر إسماعيل فبنياه معا كما قال الله تعالى]
إن صح يحمل على أنه حجره تحجير، حجر مكانه ثم بعد ذلك أتم البناء بعدما كبر إسماعيل كما أخبر الله في القرآن الكريم إن صح يعني يحمل على هذا، الكلام عليه عندك؟ إيش قال؟ ما في شك والآية الكريمة واضحة في أن البناء كان بعدما كبر إسماعيل: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} [البقرة:127] نص الآية لكن يقول: إن صح، إن صح هذا الخبر يحمل على أنه تحجير، حجره لما وضع إسماعيل وأمه حجر مكان البيت ثم بعد ذلك لما كبر إسماعيل بنياه، إن صح يعني.
[ثم قال ابن جرير: أخبرنا هناد بن السري، حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن خالد بن عرعرة: أن رجلا قام إلى علي رضي الله عنه، فقال: ألا تخبرني عن البيت، أهو أول بيت وضع في الأرض؟ فقال: لا ولكنه أول بيت وضع فيه البركة مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنا، وإن شئت أنبأتك كيف بني: إن الله أوحى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتا في الأرض، فضاق إبراهيم بذلك ذرعا فأرسل الله السكينة وهي ريح خجوج ولها رأسان، فاتبع أحدهما صاحبه حتى انتهت إلى مكة فتطوت على موضع البيت كطي الحجفة، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة، فبنى إبراهيم وبقي الحجر فذهب الغلام يبغي شيئا، فقال إبراهيم: أبغني حجرا كما آمرك، قال: فانطلق الغلام يلتمس له حجرا فأتاه به فوجده قد ركب الحجر الأسود في مكانه قال: يا أبت من أتاك بهذا الحجر؟ فقال: أتاني به من لم يتكل على بنائك]
قد ركب الحجر الأسود في مكانه والحجفة الترس، وهي التي يتقي بها الفارس وقع النبال، فارس الجهاد في الحرب يضع أمامه الحجفة مستديرة؛ يعني: إن الريح تطوت مستديرة على مكان البيت كاستدارة الحجفة وهي الترس، يمسك الترس الفارس أمامه حتى إذا جاء الرصاص يكون بعيد عن وجهه، وترون أيضا بعض الأحيان في الشرطة يكون معهم هكذا يتقي بها وقع النبال أمامه هكذا، أو يتقي بها شيء ألقي عليه من الأمام يكون الضرب فيها.
[فانطلق الغلام يلتمس له حجرا فأتاه به فوجده قد ركب الحجر الأسود في مكانه، قال: يا أبت من أتاك بهذا الحجر؟ قال: أتاني به من لم يتكل على بنائك، جاء به جبريل عليه السلام من السماء فأتماه.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، أخبرنا سفيان عن بشر بن عاصم، عن سعيد بن المسيب عن كعب الأحبار، قال: كان البيت غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله الأرض بأربعين عاما، ومنه دحيت الأرض]
هذا من خرافات كعب، وهذا من أخبار بني إسرائيل لا يعول عليه، كعب الأحبار ينقل عن بني إسرائيل
[كان البيت غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله الأرض بأربعين عاما]
ما أدراه هذا، قبل أن يخلق الأرض، من يعلم هذا، من يعلم هذا إلا بخبر صادق صحيح، هذا من أخبار بني إسرائيل هذا يخالف الأحاديث الصحيحة، ويؤولون القرآن منكر فيه مبهم وفيه سماك أيضا، سماك أيضا كذلك له أوهام لا يعول عليه وهذا مخالف لنص القرآن والحديث، مخالف لقوله: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين}[آل عمران:96] والحديث الصحيح في البخاري لما سئل النبي أي بيت وضع في الأرض أولا؟ قال «الكعبة أو المسجد الحرام، قال: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى قال: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة» هذا باطل لا شك، وكذلك ما قاله كعب الأحبار أنه قبل أن تخلق الأرض بأربعين، من يعلم هذا؟ هذا من أخبار بني إسرائيل.
هذا بعدما كبر يسمى غلام؛ لأنه ليس بكبير يعني، والمراد به الشاب.
[عن كعب الأحبار، قال: كان البيت غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله الأرض بأربعين عاما، ومنه دحيت الأرض، قال سعيد: وحدثنا علي بن أبي طالب: أن إبراهيم أقبل من أرض أرمينية ومعه السكينة تدله على تبوء البيت كما تتبوأ العنكبوت بيتا، قال: فكشفت عن أحجار لا يطيق الحجر إلا ثلاثون رجلا، فقلت: يا أبا محمد فإن الله يقول {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} [البقرة: 127] قال: كان ذلك بعد]
كنية سعيد بن مسيب.
[فقلت: يا أبا محمد فإن الله يقول {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل}[البقرة: 127] قال: كان ذلك بعد، وقال السدي: إن الله عز وجل أمر إبراهيم أن يبني البيت هو وإسماعيل، ابنيا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود، فانطلق إبراهيم حتى أتى مكة فقام هو وإسماعيل وأخذا المعاول لا يدريان أين البيت، فبعث الله ريحا يقال لها الريح الخجوج، لها جناحان ورأس في صورة حية، فكشفت لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأول، وأتبعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس، فذلك حين يقول تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت}.
{وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت}[الحج:26]فلما بنيا القواعد فبلغا مكان الركن، قال إبراهيم لإسماعيل: يا بني، اطلب لي حجرا حسنا أضعه هاهنا. قال: يا أبت إني كسلان لغب، قال: علي ذلك، فانطلق يطلب له حجرا فجاءه بحجر فلم يرضه فقال: ائتني بحجر أحسن من هذا فانطلق يطلب له حجرا، وجاءه جبريل بالحجر الأسود من الهند، وكان أبيض ياقوتة بيضاء مثل الثغامة، وكان آدم هبط به من الجنة فاسود من خطايا الناس، فجاءه إسماعيل بحجر فوجده عند الركن، فقال: يا أبت من جاءك بهذا؟ قال: جاء به من هو أنشط منك، فبنيا وهما يدعوان الكلمات التي ابتلى إبراهيم ربه، فقال {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} وفي هذا السياق ما يدل على أن قواعد البيت كانت مبنية قبل إبراهيم، وإنما هدي إبراهيم إليها وبوئ لها، وقد ذهب إلى هذا ذاهبون]
للسدي السند السابق هذا فيه نكارة أن إسماعيل قال: أنا كسلان جاء في بعض الأحاديث أنه نزل أبيضا واسود من خطايا بني آدم، ما يمكن يقول إسماعيل أنا كسلان ما آتي بالحجر، نكارة هذا.
[كما قال الإمام عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} قال، القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك. وقال عبد الرزاق أيضا: أخبرنا هشام بن حسان عن سوار ختن عطاء، عن عطاء بن أبي رباح]
الختن يعني: أقارب الزوجة يقال لهم: أختان.
[عن سوار ختن عطاء، عن عطاء بن أبي رباح، قال: لما أهبط الله آدم من الجنة كانت رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم يأنس إليهم، فهابت الملائكة حتى شكت إلى الله في دعائها وفي صلاتها، فخفضه الله تعالى إلى الأرض، فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش، حتى شكا ذلك إلى الله في دعائه وفي صلاته، فوجه إلى مكة فكان موضع قدميه قرية، وخطوه مفازة، حتى انتهى إلى مكة وأنزل الله ياقوتة من ياقوت الجنة، فكانت على موضع البيت الآن، فلم يزل يطوف به حتى أنزل الله الطوفان، فرفعت تلك الياقوتة، حتى بعث الله إبراهيم عليه الصلاة السلام فبناه، ذلك قول الله تعالى: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت}[الحج:26].
هذا من خرافات بني إسرائيل، كان الأولى بالمؤلف رحمه الله ألا يأتي بمثل هذه الخرافات، يعني آدم رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، كذلك كونه يخطو خطوة بلدة، يعني الخطوة بلدة والخطوة الثانية بلدة، كل هذا من الخرافات وينافي الحديث الصحيح: «إن الله لما خلق آدم طوله في السماء ستون ذراعا» ما فيه أنه رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، وكل هذا من خرافات بني إسرائيل.
[وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج عن عطاء، قال: قال آدم: إني لا أسمع أصوات الملائكة، قال: بخطيئتك، ولكن اهبط إلى الأرض فابن لي بيتا ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف ببيتي الذي في السماء فيزعم الناس أنه بناه من خمسة أجبل: من حراء وطور زيتا وطور سيناء والجودي، وكان ربضه من حراء، فكان هذا بناء آدم حتى بناه إبراهيم عليه السلام بعد، وهذا صحيح إلى عطاء ولكن في بعضه نكارة، والله أعلم]
نعم، كلها من أخبار بني إسرائيل لا يعول عليها، كل هذه لا يعول عليها وليس هناك دليل يصح في بناء آدم وبناء الملائكة، كل هذا من أخبار بني إسرائيل، الصواب الذي يدل عليه القرآن الكريم أن الذي بنى البيت هو إبراهيم الخليل، أما جبل لبنان وكذا كل هذه من أخبار بني إسرائيل ما عليه دليل.
[وقال عبد الرزاق أيضا أخبرنا معمر عن قتادة، قال: وضع الله البيت مع آدم حين أهبط الله آدم إلى الأرض، وكان مهبطه بأرض الهند، وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، فكانت الملائكة تهابه، فنقص إلى ستين ذراعا، فحزن آدم إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم، فشكا ذلك إلى الله عز وجل، فقال الله: يا آدم إني قد أهبطت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول عرشي، وتصلي عنده كما يصلى عند عرشي، فانطلق إليه فانطلق إليه آدم، فخرج ومد له في خطوه، فكان بين كل خطوتين مفازة، فلم تزل تلك المفازة بعد ذلك، فأتى آدم البيت فطاف به ومن بعده من الأنبياء]
كل هذا من أخبار بني إسرائيل لا يعول عليها.
[وقال ابن جرير: أخبرنا ابن حميد، أخبرنا يعقوب القمي، عن حفص بن حميد، عن عكرمة، عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال، وضع الله البيت على أركان الماء على أربعة أركان قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الأرض من تحت البيت]
هذه من أخبار بني إسرائيل وكل هذا لا يعول عليه.
[وقال محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد وغيره من أهل العلم: إن الله لما بوأ إبراهيم مكان البيت خرج إليه من الشام، وخرج معه إسماعيل وأمه هاجر وإسماعيل طفل صغير يرضع، وحملوا فيما حدثني على البراق، ومعه جبريل يدله على موضع البيت ومعالم الحرم، فخرج وخرج معه جبريل، فكان لا يمر بقرية إلا قال: أبهذه أمرت يا جبريل؟ فيقول جبريل: امضه، حتى قدم به مكة، وهي إذ ذاك عضاه وسلم وسمر]
(عضاه) يعني: شجر.
الشيخ: على كل حال كل هذا من أخبار بني إسرائيل ما يعول عليها.
[فخرج وخرج معه جبريل، فكان لا يمر بقرية إلا قال: أبهذه أمرت يا جبريل؟ فيقول جبريل: امضه، حتى قدم به مكة، وهي إذ ذاك عضاه وسلم وسمر، وبها أناس يقال لهم العماليق خارج مكة وما حولها والبيت يومئذ ربوة حمراء مدرة]
(مدرة) طين يعني، مدرة أو مدرة.
[فقال إبراهيم لجبريل: أههنا أمرت أن أضعهما؟ قال: نعم، فعمد بهما إلى موضع الحجر فأنزلهما فيه، وأمر هاجر أم إسماعيل أن تتخذ فيه عريشا، {فقال ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم} [إبراهيم: 37] إلى قوله: لعلهم يشكرون.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا هشام بن حسان، أخبرني حميد، عن مجاهد، قال: خلق الله موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئا بألفي سنة، وأركانه في الأرض السابعة. وكذا قال ليث بن أبي سليم عن مجاهد: القواعد في الأرض السابعة]
ليث بن أبي سليم ضعيف حميد الرازي ضعيف، كل هذه أخبار باطلة، ليت المؤلف رحمه الله نزه كتابه من هذه الأخبار، وهذه تأخذ وقت الآن وكلها باطلة لا يعول عليها، لكن مقصوده رحمه الله أن يذكر ما ورد في الباب حتى لا يغتر بها.
[. وكذا قال ليث بن أبي سليم عن مجاهد: القواعد في الأرض السابعة وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، أخبرنا عمرو بن رافع أخبرنا عبد الوهاب بن معاوية عن عبد المؤمن بن خالد، عن علباء بن أحمر: أن ذا القرنين قدم مكة، فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان قواعد البيت من خمسة أجبل، فقال: ما لكما ولأرضي؟ فقال: نحن عبدان مأموران، أمرنا ببناء هذه الكعبة، قال: فهاتا البينة على ما تدعيان، فقامت خمسة أكبش فقلن: نحن نشهد أن إبراهيم وإسماعيل عبدان مأموران أمرا ببناء هذه الكعبة. فقال: قد رضيت وسلمت، ثم مضى]
علباء بن أحمر وثقه ابن معين وهذا من أخبار بني إسرائيل، مدرة ومدرة هذا المعروف بيت الطين والمدر هو الطين وفي الحديث لا يترك الله بيت مدر ولا شعر بيت الشعر وبيت المدر بيت الطين يعني
[وذكر الأزرقي في تاريخ مكة أن ذا القرنين طاف مع إبراهيم عليه السلام بالبيت، وهذا يدل على تقدم زمانه، والله أعلم
وقال البخاري رحمه الله: قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} الآية، القواعد: أساسه، واحدها قاعدة، والقواعد من النساء واحدتها قاعدة]
يعني: أن قواعد البيت مفردها قاعدة، قواعد البيت وأساس البيت والقواعد من النساء المفرد قاعدة.
الأولى بالتاء والثانية بدون تاء، والأقرب هذا، الأقرب أن قواعد أساس البيت مفرده قاعدة، والقواعد من النساء مفردها قاعد بدون تاء
فإن أردت القعود قلت قاعدة، أردت القعود يعني ضد القيام، يقال: امرأة قاعدة؛ يعني: ضد القيام والقواعد عن الزواج مفردها قاعد.
القواعد الأساس، وقواعد البيت أساسه {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل}
قواعد البيت إساسه، بالكسر.
محتمل قد يكون فيها الوجهان، أو قد يكون الأساس، لسان العرب استوفى، على كل حال لو قواعد قواعد البيت أساسه أو إساسه مفرده قاعده بالهاء، وقواعد من النساء مفرده قاعد بدون هاء.
أسس، الأساس: أس، إس، أس.
لأن الأس محركة: أس، إس، أس، والأساس ما ذكر فيه إلا وجه واحد، والأس ثلاثة أوجه، والأساس
جمع أساس أسس، ما ذكر فيه إلا وجه.