شعار الموقع

سورة البقرة - 26

00:00
00:00
تحميل
84

[حدثنا إسماعيل: حدثني مالك عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألم تري أن قومك حين بنوا البيت اقتصروا على قواعد إبراهيم؟» فقلت: يا رسول الله، ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال «لولا حدثان قومك بالكفر» فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر، إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقد رواه في الحج عن القعنبي وفي أحاديث الأنبياء عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى، ومن حديث ابن وهب والنسائي من حديث عبد الرحمن بن القاسم كلهم عن مالك به ورواه مسلم أيضا من حديث نافع قال: سمعت عبد الله بن محمد أبي بكر بن أبي قحافة، يحدث عبد الله بن عمر عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال «لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية أو قال: بكفر، لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض ولأدخلت فيها الحجر»

وقال البخاري: أخبرنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأسود، قال: قال لي ابن الزبير: كانت عائشة تسر إليك حديثا كثيرا، فما حدثتك في الكعبة؟ قال: قلت: قالت لي: قال النبي صلى الله عليه وسلم يا عائشة لولا قومك حديث عهدهم فقال ابن الزبير بكفر لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين: بابا يدخل منه الناس، وبابا يخرجون منه ففعله ابن الزبير، انفرد بإخراجه البخاري فرواه هكذا في كتاب العلم من صحيحه.

وقال مسلم في صحيحه حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «ولولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس إبراهيم، فإن قريشا حين بنت البيت استقصرت، ولجعلت لها خلفا» قال: وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب، قالا: أخبرنا ابن نمير عن هشام بهذا الإسناد انفرد به مسلم، قال: وحدثني محمد بن حاتم، حدثني ابن مهدي، أخبرنا سليم بن حيان]

لعله عبد الرحمن بن مهدي المشهور

يعني: باب من الأمام وباب من الخلف «بابا يدخل الناس منه وبابا يخرج الناس منه» فعله ابن الزبير وأخذ العلماء من هذا الحديث قاعدة وهو: أن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح ذلك أن إدخال الحجر في الكعبة مصلحة؛ لأن الحجر ستة أذرع تقريبا من الحجر كلها من الكعبة، وأخرجتها قريش، والنبي r أراد أن يدخل الحجر وتصير كلها على قواعد إبراهيم، ولكنه خشي أن تنكر ذلك قلوب الناس ولا يتحملونه؛ لأنهم أسلموا حديثا، ولهذا قال النبي r: «لولا قومك حديثو عهد بجاهلية أو بكفر وشرك لنقضت الكعبة وأدخلت الحجر وجعلت لها بابين» فهذه مفسدة تنكرها قلوب الناس ولا يتحملونها، هذه مفسدة، وإدخال الحجر مصلحة، فدرأ المفاسد مقدم على جلب المصالح، هذه قاعدة أخذها العلماء من هذا الحديث فينبني عليها فروع كثيرة، وكذلك ترك ما يراد فعله إلى وقت آخر.

[وحدثني محمد بن حاتم، حدثني ابن مهدي، أخبرنا سليم بن حيان، أخبرنا سليم بن حيان عن سعيد يعني ابن ميناء، قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول: حدثتني خالتي، يعني عائشة رضي الله عنها، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم «يا عائشة لولا قومك حديثو عهد بشرك، لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض، ولجعلت لها بابا شرقيا، وبابا غربيا، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر فإن قريشا اقتصرتها حين بنت الكعبة»]

وذلك أنهم أرادوا أن يجمعوا مالا حلالا يبنون به الكعبة فلم يجدوا مالا حلالا يكفي لبنيانها، ولذلك أخرجوا الحجر، ما عندهم مال حلال يكفي لبنائها، قالوا: لا تدخلوا في بنائها مالا أخذ من الربا، ومالا أكل بالباطل أو بالظلم، فلم يجدوا مالا يكفي حلالا فقالوا: نبنيها ونخرج الحجر فأخرجوا جزء من الكعبة، والمعنى استقصرت بهم النفقة، قصرت بهم النفقة.

[انفرد به أيضا ذكر بناء قريش الكعبة بعد إبراهيم الخليل عليه الصلاة السلام بمدد طويلة]

والمقصود: أن هذا الحديث أخذ منه أن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأنه إذا اجتمع مفسدتان لا يمكن درؤهما فإنه تدرأ المفسدة الصغرى لدفع المفسدة الكبرى، المفسدة الكبرى تنكر قلوب الناس خشية أن يرتد بعض الناس، والمفسدة الصغرى كون الحجر خارج الكعبة، فارتكبنا المفسدة الصغرى لدفع المفسدة الكبرى، وإذا اجتمع مصلحتان لا يمكن فعلهما تفعل المصلحة الكبرى وإن فاتت المصلحة الصغرى، كل هذه قواعد أخذت من هذا الحديث وأمثاله.

[ذكر بناء قريش الكعبة بعد إبراهيم الخليل عليه السلام بمدد طويلة، وقبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين.

قال رحمه الله: وقد نقل معهم في الحجارة وله من العمر خمس وثلاثون سنة صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين، قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة: ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة، اجتمعت قريش لبنيان الكعبة، وكانوا يهمون بذلك ليسقفوها ويهابون هدمها، وإنما كانت رضما فوق القامة فأرادوا رفعها وتسقيفها وذلك أن نفرا سرقوا كنز الكعبة، وإنما كان يكون في بئر في جوف الكعبة، وكان الذي وجد عنده الكنز دويك مولى بني مليح بن عمرو من خزاعة، فقطعت قريش يده، ويزعم الناس أن الذين سرقوه وضعوه عند دويك، وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة لرجل من تجار الروم، فتحطمت، فأخذوا خشبها فأعدوه لتسقيفها، وكان بمكة رجل قبطي نجار، فهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها، وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كانت تطرح فيها ما يهدي لها كل يوم تشرف على جدار الكعبة وكانت مما يهابون]

تشرق وتتشرق، محمد بن إسحاق ثقة لكنه مدلس وهو جيد في المغازي، في المغازي والسير2عمدة، لكن في الرواية هو ثقة رحمه الله لكنه مدلس، فإذا صرح بالسماع زال المحظور، محتمل تتشرق يعني تبرز للشمس أو تشرف على الناس محتمل.

[وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كانت تطرح فيها ما يهدى لها كل يوم تشرف على جدار الكعبة وكانت مما يهابون وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احزألت وكشت وفتحت فاها، فكانوا يهابونها، فبينا هي يوما تشرف على جدار الكعبة كما كانت تصنع، بعث الله إليها طائرا فاختطفها فذهب بها، فقالت قريش: إنا لنرجو أن يكون الله قد رضي ما أردنا، عندنا عامل رفيق، وعندنا خشب، وقد كفانا الله الحية فلما أجمعوا أمرهم في هدمها وبنيانها، قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم، فتناول من الكعبة حجرا فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه، فقال: يا معشر قريش، لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيبا، لا يدخل فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس، قال ابن إسحاق: والناس ينتحلون هذا الكلام للوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم]

ينتحلون أو ينحلون؛ يعني: ينسبون، وهم يعرفون أن الربا حرام لأن هذا مما ورثوه عن دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو مما أخذوه من جيرانهم اليهود من المدينة، والله تعالى قد حرم الربا في التوراة، قال تعالى: {وأخذهم الربا وقد نهوا عنه}[النساء:161] فهم في جاهليتهم يعرفون أن الربا حرام، يعرفونه لأن هذا مما ورثوه عن دين إبراهيم ومع ذلك يتعاملون به، لكن لما أرادوا أن يبنوا الكعبة قالوا: لا تجعلوا فيها شيئا من الربا في بنائها، ولهم صلة باليهود قد يكون أخذوه من اليهود، واليهود حرم الله عليهم الربا في التوراة، قال تعالى: {وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل}[النساء:161]

لو كان يتشدق يعني تلوي فمها يمين ويسار كأنها تهددهم، مثل قوله احزألت، يعني: تشرف، أو تشرق، أو تشدق، تشرف على الناس أو تشرق أي تبرز للشمس، أو تشدق تلوي شدقها من باب التهديد لهم؛ يعني: من قرب إليها فتريد أن تنتقم منه.

وهذا معروف منه ما جاء في الحديث: «أن من تخلى في طريق الناس أو في ظلهم أو في مشمس» مشمس الناس «فهو ملعون» المقصود أنه له وجه؛ يعني: تشرف، أو تشرق، أو تشدق، نسخ

[قال ابن إسحاق: والناس ينتحلون هذا الكلام للوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، قال: ثم إن قريشا تجزأت الكعبة، فكان شق الباب لبني عبد مناف وزهرة، وكان ما بين الركن الأسود، والركن اليماني لبني مخزوم وقبائل من قريش انضموا إليهم]

يعني: يبنون كل واحد يبنون جهة، تكفلوا ببناء جهة منها.

[وكان ظهر الكعبة، لبني جمح وسهم، وكان شق الحجر لبني عبد الدار بن قصي ولبني أسد بن عبد العزى بن قصي ولبني عدي بن كعب بن لؤي وهو الحطيم، ثم إن الناس هابوا هدمها وفرقوا منه]

الحجر يسمى الحطم؛ لأنه محطوم من الكعبة، محطوم ومخرج منها، يسمى الحطيم، ويسمى الحجر، أما نسبته إلى حجر إسماعيل إضافته إلى إسماعيل ما يظهر أنه له وجه، لكن اسمه الحجر لأنه محجر، ويسمى الحطيم؛ لأنه محطوم من الكعبة

[ثم إن الناس هابوا هدمها وفرقوا منه]

فرقوا على وزن علموا؛ يعني: خافوا، خافوا من هدم الكعبة، خافوا أن يصيبهم شيء.

[ثم إن الناس هابوا هدمها وفرقوا منه، فقال الوليد بن المغيرة، أنا أبدؤكم في هدمها، فأخذ المعول ثم قام عليها وهو يقول: اللهم لم ترع اللهم إنا لا نريد إلا الخير، ثم هدم من ناحية الركنين]

(اللهم لا ترع) يعني: لا تصبنا بشيء يروعنا، اللهم لم نزغ أو لم ترع، أو تراع، له وجه.

[ثم قام عليها وهو يقول: اللهم لم ترع اللهم إنا لا نريد إلا الخير، ثم هدم من ناحية الركنين فتربص الناس تلك الليلة، وقالوا: ننظر، فإن أصيب لم نهدم منها شيئا، ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شيء فقد رضي الله ما صنعنا، فأصبح الوليد من ليلته غاديا على عمله، فهدم وهدم الناس معه، حتى إذا انتهى الهدم بهم إلى الأساس أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام أفضوا إلى حجارة خضر كالأسنة آخذ بعضها بعضا]

وهذه قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأسس الكعبة.

[قال: فحدثني بعض من يروي الحديث: أن رجلا من قريش ممن كان يهدمها، أدخل عتلة بين حجرين منها ليقلع بها أيضا أحدهما، فلما تحرك الحجر انتفضت مكة بأسرها]

لما حرك حجر الأساس زلزلت مكة كلها، صار زلزال، المهم الأسس، الجدار هذا يتصدع وكذا، المهم الأسس وقواعد إبراهيم لا تتغير أبدا ولا يمكن تغييرها؛ لأن القبلة أسست على التوحيد، والمهم الأسس، وهي باقية ما بقي الدين، في آخر الزمان ينقضها ملك الحبشة، رجل من الحبشة.

[فانتهوا عن ذلك الأساس]

ما ذكر إلا وجه واحد، عتلة، اللهجة العامية عتلة.

[قال ابن إسحاق: ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها، كل قبيلة تجمع على حدة، ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن، يعني الحجر الأسود، فاختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، حتى تحاوروا وتخالفوا وأعدوا للقتال، فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما، ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة فسموا «لعقة الدم» فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا ثم إنهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا وتناصفوا، فزعم بعض أهل الرواية أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وكان عامئذ أسن قريش كلهم]

[قال: يا معشر قريش، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه، ففعلوا، فكان أول داخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين رضينا، هذا محمد، فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال صلى الله عليه وسلم: هلم إلى ثوبا، فأتي به فأخذ الركن، يعني الحجر الأسود، فوضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا، ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده صلى الله عليه وسلم ثم بنى عليه]

هذا من إصلاحه r قبل النبوة، أزال النزاع والخصومة اللي بينهم، وصار كل واحد كأنه رفع الحجر، أتوا بثوب ووضعه في وسطه وقال: كل قبيلة تمسك من طرف الثوب حتى وصل إلى مكان المقام فأخذه r بيده الشريفة ووضعه في مكانه وأزال النزاع والخصومة، كانوا تحاوروا وأرادوا القتال وتعاقدوا على الموت على طريقتهم في الجاهلية، تقوم الحروب لأتفه الأسباب، نسأل الله العافية.

[وكانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل الوحي الأمين فلما فرغوا من البنيان وبنوها على ما أرادوا، قال الزبير بن عبد المطلب، فيما كان من أمر الحية التي كانت قريش تهاب بنيان الكعبة لها:

عجبت لما تصوبت العقاب ... إلى الثعبان وهي لها اضطراب]

العقاب بالضم الطائر، والعقاب بالكسر ضد الثواب، العقاب: الطائر التي خطفت الحية.

[عجبت لما تصوبت العقاب ... إلى الثعبان وهي لها اضطراب

وقد كانت يكون لها كشيش ... وأحيانا يكون لها وثاب

إذا قمنا إلى التأسيس شدت ... تهيبنا البناء وقد تهاب

فلما أن خشينا الزجر جاءت ... عقاب تتلأب لها انصباب]

الشيخ: قد تكون الزجر، الحية سهل قتلها لكن هم يخشون أن تكون يعني جعلت حامية للكعبة وأن الله لا يرضى قتلها وإلا سهل قتلها عليهم، ما يعجزون عن قتلها، يرمونها ويقتلونها بسهم، لكن هم تهيبوا قتلها يظنون أنها حامية للكعبة ويخشون أن الله لا يرضى قتلها، فلما خطفها العقاب استراحوا منها.

[فلما أن خشينا الزجر جاءت ... عقاب تتلأب لها انصباب]

يحتمل الرجز؛ يعني: خشينا العذاب من قتلها تحتمل يعني.

[فضمتها إليها ثم خلت ... لنا البنيان ليس له حجاب

فقمنا حاشدين إلى بناء ... لنا منه القواعد والتراب

غداة نرفع التأسيس منه ... وليس على مساوينا ثياب

أعز به المليك بني لؤي ... فليس لأصله منهم ذهاب

وقد حشدت هناك بنو عدي ... ومرة قد تقدمها كلاب

فبوأنا المليك بذاك عزا ... وعند الله يلتمس الثواب]

ليس عندهم ثياب وكانوا يتساهلون بالعورات على عادة المشركين، كانوا يبنون ينقلون الحجارة ولا يبالي الواحد منهم لو انكشفت العورة، كانوا ينقلون الحجارة بثيابهم ولو انكشفت العورة على عادتهم، وكان النبي r ينقل معهم الحجارة، ولما أراد أن ينقل قال له عمه العباس: ارفع هذا على كتفك، على عادتهم فلما بدا شيء من العورة سقط مغشيا عليه وطمحت عيناه فلم يرى r بعد ذلك بدا له شيء من العورة وكان عادتهم لا يبالون؛ يعني: ينقلون الحجارة ويرفع الإزار ولو ظهرت العورة على عادتهم، مثلما كان بنو إسرائيل عراة وكان موسى عليه الصلاة والسلام حييا فاتهموه قالوا: هذا ما يتستر هذا التستر إلا لأن به عيب، به أدرة وهي انتفاخ الخصيتين، فالله تعالى أراد تبرئته، فلما كانوا يغتسلون عراة، وأما موسى ما يغتسل إلا وحده، فلما خلع ثوبه مرة يغتسل ووضعه على حجر فر الحجر بثوبه كما في الصحيح وجعل يتبعه يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر حتى مر على بني إسرائيل فرأوه فقالوا: ليس به علة، هو سليم، ثم جاء الحجر بثوبه فجعل موسى يضربه بالعصا، عامله معاملة العاقل وأثخن فيه الضرب، فالمقصود أن المشركين كانوا يتساهلون بالعورات، وكذلك بنو إسرائيل على عادتهم، ولهذا ينقلون عراة؛ يعني: لا يبالون وينقلون الحجارة وهم عراة (وليس على مساوينا ثياب).

[قال ابن إسحاق: وكانت الكعبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثماني عشر ذراعا]

يمكن ثماني ويمكن ثمانية عشر كما في القاموس فيه الوجهان.

[وكانت الكعبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثماني عشر ذراعا، وكانت تكسى القباطي، ثم كسيت بعد البرود، وأول من كساها الديباج الحجاج بن يوسف قلت: ولم تزل على بناء قريش حتى احترقت في أول إمارة عبد الله بن الزبير بعد سنة ستين وفي آخر ولاية يزيد بن معاوية، لما حاصروا ابن الزبير، فحينئذ نقضها ابن الزبير إلى الأرض وبناها على قواعد إبراهيم عليه السلام، وأدخل فيها الحجر، وجعل لها بابا شرقيا وبابا غربيا ملصقين بالأرض كما سمع ذلك من خالته عائشة أم المؤمنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تزل كذلك مدة إمارته حتى قتله الحجاج، فردها إلى ما كانت عليه بأمر عبد الملك بن مروان له بذلك كما قال مسلم بن الحجاج في صحيحه: أخبرنا هناد بن السري، أخبرنا ابن أبي زائدة أخبرنا ابن أبي سليمان عن عطاء، قال لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام فكان من أمره ما كان تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم يريد أن يحزبهم أو يجرئهم على أهل الشام]

يحزبهم أو يجرئهم أو يجيرهم يعني: يجعلهم يغضبون عليهم، لما احترقت قال: اتركوها الآن؛ لأنهم يقاتلون ابن الزبير، فلما احترقت تركوها حتى يروها الناس وقت الحج أنها محترقة حتى يغضبون على أهل الشام فلما انتهى الموسم بناها، لكن لما قرب الحج قال: اتركوها محترقة حتى يشاهدها الناس، الحجاج يشاهدون الكعبة محترقة حتى يغضبون على أهل الشام، على يزيد، (حتى يجرئهم) يجعلهم يحنقون عليهم ويغضبون عليهم، يجرئهم أو يجيرهم أو يحزبهم.

ذكرت أن في رواية يحربهم بالراء، يريد أن يجرئهم أو يحزبهم أو يجيرهم. يحربهم، يجرئهم واضح معناه، يجرئهم يعني: يجعلهم يتجرءون عليهم، يحربهم: يجعلهم يحنقون عليهم، ومنه يقال للغاضب: الحارب أو كذا؛ يعني: غضبان، مادة حرب في القاموس. يمكن يسوقها بطريق أخرى، لكن يحربهم يعني يجعلهم يغضبون عليهم، يقال: ليث حارب أو يحرب؛ يعني: غاضب.

[فلما صدر الناس قال: يا أيها الناس، أشيروا علي في الكعبة]

(لما صدر الناس) يعني: انتهى الموسم، انتهى الناس من الحج، صدروا: رجعوا إلى أهليهم، صدر: الرجوع، لما رجع الحجاج وانتهى الحج بدأ يفكر في بناء الكعبة؛ عبد الله بن الزبير.

حرب يعني: غضبان، يحربهم يعني: يجعلهم يغضبون على أهل الشام، وإذا غضبوا عليهم معناه حاربوهم.

[قال: يا أيها الناس، أشيروا علي في الكعبة أنقضها ثم أبني بناءها، أو أصلح ما وهي منها؟]

ما وهي المعنى ما ضعف منها؛ يعني: ما تصدع منها، وهي مثل روي إذا كانت يائية، وهى كوعى.

[أنقضها ثم أبني بناءها، أو أصلح ما وهى منها؟ قال ابن عباس: إنه قد فرق لي رأي فيها]

(فرق لي) يعني: اتضح لي رأي، فرق يعني: كشف وبين، اتضح لي رأي فيها، يعني: الفارق هو الشيء الموضح، ومنه سمي يوم الفرقان الذي فرق الله فيه بين الحق والباطل وهو يوم بدر.

[قال ابن عباس: فإني قد فرق لي رأي فيها]

اتضح لي رأي وتبين، كشف لي.

[أرى أن تصلح ما وهى منها، وتدع بيتا أسلم الناس عليه، وأحجارا أسلم الناس عليها، وبعث عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ابن الزبير: لو كان أحدهم احترق بيته ما رضي حتى يجدده، فكيف ببيت ربكم عز وجل؟ إني مستخير ربي ثلاثا، ثم عازم على أمري، فلما مضت ثلاث، أجمع رأيه (يعني عزم وصمم) على أن ينقضها فتحاماها الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيها أمر من السماء، حتى صعده رجل فألقى منه حجارة، فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض، فجعل ابن الزبير أعمدة يستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة رضي الله عنها تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر، وليس عندي من النفقة ما يقويني على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرع، ولجعلت له بابا يدخل الناس منه، وبابا يخرجون منه» قال: فأنا أجد ما أنفق، ولست أخاف الناس، قال: فزاد فيه خمسة أذرع من الحجر حتى أبدى له أسا، فنظر الناس إليه، فبنى عليه البناء، وكان طول الكعبة ثمانية عشر ذراعا فلما زاد فيه استقصره فزاد في أوله عشرة أذرع وجعل له بابين: أحدهما يدخل منه، والآخر يخرج منه فلما قتل ابن الزبير، كتب الحجاج إلى عبد الملك يستجيزه بذلك ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة فكتب إليه عبد الملك: إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء، أما ما زاده في طوله فأقره، وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه، وسد الباب الذي فتحه، فنقضه وأعاده إلى بنائه]

أعاده إلى بناء الجاهلية، على ما كان في الجاهلية وزاد في طول الكعبة.

خاف أن تنكره قلوب الناس ما يتحملونه لأنهم أسلموا من جديد وليس عنده نفقة تكفي، وقال ابن الزبير: الآن استقر الإسلام وثبت الإيمان في قلوب الناس ما أخشى، وعندي من النفقة ما يكفي فأنا أنفذ ما أراده النبي r.

[وقد رواه النسائي في سننه عن هناد، عن يحيى بن أبي زائدة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن ابن الزبير عن عائشة بالمرفوع منه، ولم يذكر القصة وقد كانت السنة إقرار ما فعله عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، لأنه هو الذي وده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن خشي أن تنكره قلوب بعض الناس لحداثة عهدهم بالإسلام وقرب عهدهم بالكفر، ولكن خفيت هذه السنة على عبد الملك بن مروان، ولهذا لما تحقق ذلك عن عائشة أنها روت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وددنا أنا تركناه وما تولى، كما قال مسلم: حدثني محمد بن حاتم، حدثنا محمد بن بكر، أخبرنا ابن جريج: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير والوليد بن عطاء يحدثان عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، قال عبد الله بن عبيد: وفد الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته فقال عبد الملك: ما أظن أبا خبيب]

أبا خبيب، كنية عبد الله بن الزبير.

[فقال عبد الملك: ما أظن أبا خبيب، يعني ابن الزبير، سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها، قال الحارث: بلى، أنا سمعته منها. قال: سمعتها تقول ماذا؟ قال: قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن قومك استقصروا من بناء البيت، ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منه، فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه، فهلمي لأريك ما تركوا منه» فأراها قريبا من سبعة أذرع، هذا حديث عبد الله بن عبيد بن عمير وزاد عليه الوليد بن عطاء قال النبي صلى الله عليه وسلم «ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض: شرقيا وغربيا، وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها» قالت: لا. قال «تعززا ألا يدخلها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه حتى يرتقي»]

يتركونه حتى يرتقي، فإذا رقى أسقطوه.

[«فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه حتى يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط» قال عبد الملك: فقلت للحارث: أنت سمعتها تقول هذا؟ قال: نعم، قال فنكت ساعة بعصاه، ثم قال: وددت أني تركته وما تحمل]

يعني: تركت الكعبة على بناءها، وما تحمل، وددت على وزن علمت.

[قال مسلم: وحدثناه محمد بن عمرو بن جبلة، حدثنا أبو عاصم (ح)، وحدثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبد الرزاق كلاهما عن ابن جريج بهذا الإسناد مثل حديث ابن بكر قال: وحدثنا محمد بن حاتم، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة عن أبي قزعة: أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين، يقول سمعتها تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت الكعبة حتى أزيد فيها من الحجر فإن قومك قصروا في البناء» فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فإني سمعت أم المؤمنين تحدث هذا. قال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير فهذا الحديث كالمقطوع به إلى عائشة، لأنه قد روي عنها من طرق صحيحة متعددة عن الأسود بن يزيد والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن محمد بن أبي بكر وعروة بن الزبير، فدل هذا على صواب ما فعله ابن الزبير، فلو ترك لكان جيدا]

والأسود له صلة وخواص عائشة رضي الله عنها، وكان عروة ابن أختها.

[ولكن بعد ما رجع الأمر إلى هذا الحال، فقد كره بعض العلماء أن يغير عن حاله كما ذكر عن أمير المؤمنين هارون الرشيد أو أبيه المهدي أنه سأل الإمام مالكا عن هدم الكعبة وردها إلى ما فعله ابن الزبير، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا تجعل كعبة الله ملعبة للملوك لا يشاء أحد أن يهدمها إلا هدمها، فترك ذلك الرشيد، نقله عياض والنووي ولا تزال والله أعلم هكذا إلى آخر الزمان]

وهذا ما قاله الإمام مالك رحمه الله تلقاه العلماء بالقبول، وهو موفق في هذا، لما سأله هارون المهدي أريد أعيد الكعبة مثلما فعل ابن الزبير أدخل الحجر، أطرق مالك مليا ثم قال: أرى أن تتركها، أخشى أن تكون الكعبة ملعبة للملوك يتلاعبوا فيها، كل ملك يأتي يهدمها ويبنيها، وتصير ملعب للملوك، أرى أن تسد الباب، فكانت هذه المقالة من مالك مسددة، قول مسدد وموفق تلقاه العلماء بالقبول، ولهذا امتنع الناس بعد ذلك ولم يبنها أحد ولم يهدمها أحد، فهي الآن على بناء الحجاج والحجاج أعادها على ما كانت عليه في الجاهلية، هي الآن على بناء الحجاج، الحجاج لا زال مخرج، والحجاج أعادها على ما كانت عليه في الجاهلية بأمر عبد الملك بن مروان، وتمنى الحجاج أنه لو تركها؛ لأن عبد الله بن الزبير هو المصيب وهو الخليفة، هو الذي بايع له أهل الحل والعقد، وسيجتمعان عند رب العالمين عند أحكم الحاكمين يقضي بينهما.

[ولا تزال- والله أعلم- هكذا إلى آخر الزمان، إلى أن يخربها ذو السويقتين من الحبشة، كما ثبت ذلك في الصحيحين عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة» أخرجاه]

وهدمها من أشراط الساعة الكبار، وهي الله أعلم من الأشراط المتأخرة، بعد يأجوج ومأجوج، وبعد الدجال، وبعد نزول عيسى؛ لأنه يحج هذا البيت بعد خروج يأجوج ومأجوج يحج البيت، ويحتمل أنهم يحجون إلى مكان البيت بعد هدمه، إذا هدمت فالناس يصلون إلى المكان، المهم المكان، المهم البقعة، ولهذا يصلي الناس في جبل أبي قبيس إلى الهواء، المهم البقعة، ثم بعد ذلك تنسى البقعة، في آخر الزمان إذا طلعت الشمس من مغربها انتهى الأمر.

[وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم «كأني به أسود أفحج يقلعها حجرا حجرا» رواه البخاري. وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: أخبرنا أحمد بن عبد الملك الحراني، أخبرنا محمد بن سلمة عن ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، ويسلبها من حليتها، ويجردها من كسوتها، ولكأني أنظر إليه أصيلع أفيدع يضرب عليها بمسحاته ومعوله الفدع: زيغ بين القدم وعظم الساق وهذا والله أعلم إنما يكون بعد خروج يأجوج ومأجوج]

زيغ ويقال ريغ، يعني: ميلان في قدمه ورجله، ليست مستقيمة ما في تساوي؛ يعني هذا يكون مشيه غير متساو وبهذا هو معيب ومع ذلك هو الذي يهدمها، فيه عيب نسأل الله العافية لكن له أتباع وله أنصار، روي أيضا ريغ، يقال ريغ ويقال زيغ.

[وهذا والله أعلم إنما يكون بعد خروج يأجوج ومأجوج، لما جاء في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج» وقوله تعالى حكاية لدعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم} [البقرة:128] قال ابن جرير: يعنيان بذلك واجعلنا مستسلمين لأمرك، خاضعين لطاعتك، ولا نشرك معك في الطاعة أحدا سواك، ولا في العبادة غيرك وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبي، أخبرنا إسماعيل عن رجاء بن حيان الحصني]

يعني: والد أبي حاتم من تلاميذه.

[أخبرنا معقل بن عبيد الله عن عبد الكريم {واجعلنا مسلمين لك}قال: مخلصين لك، {ومن ذريتنا أمة مسلمة لك}قال: مخلصة، وقال أيضا: أخبرنا علي بن الحسين، أخبرنا المقدمي، أخبرنا سعيد بن عامر عن سلام بن أبي مطيع في هذه الآية {واجعلنا مسلمين} قال: كانا مسلمين، ولكنهما سألاه الثبات وقال عكرمة {ربنا واجعلنا مسلمين لك}قال الله: قد فعلت، {ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} قال الله: قد فعلت وقال السدي {ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} يعنيان العرب، قال ابن جرير: والصواب أنه يعم العرب وغيرهم، لأن من ذرية إبراهيم بني إسرائيل، وقد قال الله تعالى: {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون}[الأعراف:159] قلت: وهذا الذي قاله ابن جرير لا ينفيه السدي، فإن تخصيصهم بذلك لا ينفي من عداهم، والسياق إنما هو في العرب، ولهذا قال بعده {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم}[البقرة:129] الآية والمراد بذلك محمد صلى الله عليه وسلم وقد بعث فيهم كما قال تعالى{هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم}[الجمعة: 2] ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأسود لقوله تعالى {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا} [الأعراف: 158]

يعني لا منافاة، ثم بعث r من العرب ورسالته عامة إلى الناس كافة، وهو من العرب عليه الصلاة والسلام

[وغير ذلك من الأدلة القاطعة، وهذا الدعاء من إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة السلام كما أخبرنا الله تعالى عن عباده المتقين المؤمنين في قوله {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} [الفرقان: 74] وهذا القدر مرغوب فيه شرعا، فإن من تمام محبة عبادة الله تعالى أن يحب أن يكون من صلبه من يعبد الله وحده لا شريك له ولهذا لما قال الله تعالى لإبراهيم عليه الصلاة السلام: {إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين وهو قوله واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}[إبراهيم: 35] وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» {وأرنا مناسكنا} قال ابن جريج عن عطاء {وأرنا مناسكنا} أخرجها لنا علمناها، وقال مجاهد {وأرنا مناسكنا} مذابحنا، وروي عن عطاء أيضا وقتادة نحو ذلك. وقال سعيد بن منصور: أخبرنا عتاب بن بشير عن خصيف]

خصيف وهو ضعيف، والمناسك عامة، مكانية، زمانية، يعني: {وأرنا مناسكنا} وعلمناها، وأرنا مكانها.

[عن خصيف عن مجاهد، قال: قال إبراهيم {وأرنا مناسكنا} فأراه جبرائيل فأتى به البيت، فقال: ارفع القواعد، فرفع القواعد وأتم البنيان ثم أخذ بيده فأخرجه فانطلق به إلى الصفا، قال: هذا من شعائر الله، ثم انطلق به إلى المروة، فقال: وهذا من شعائر الله، ثم انطلق به نحو منى، فلما كان من العقبة إذا إبليس قائم عند الشجرة، فقال: كبر وارمه، فكبر ورماه، ثم انطلق إبليس فقام عند الجمرة الوسطى، فلما جاز به جبريل وإبراهيم قال له: كبر وارمه، فكبر ورماه، فذهب الخبيث إبليس وكان الخبيث أراد أن يدخل في الحج شيئا، فلم يستطع، فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به المشعر الحرام، فقال: هذا المشعر الحرام، فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به عرفات، قال: قد عرفت ما أريتك؟ قالها ثلاث مرات، قال: نعم.

وروي عن أبي مجلز وقتادة نحو ذلك، وقال أبو داود الطيالسي: أخبرنا حماد بن سلمة عن أبي العاصم الغنوي، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: إن إبراهيم لما أري أوامر المناسك، عرض له الشيطان عند المسعى، فسابقه إبراهيم ثم انطلق به جبريل حتى أتى به منى، قال: هذا مناخ الناس، فلما انتهى إلى جمرة العقبة تعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أتى به إلى الجمرة الوسطى فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم أتى به إلى الجمرة القصوى فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب فأتى به جمعا، فقال: هذا المشعر، ثم أتى به عرفة، فقال: هذه عرفة، فقال له جبريل: أعرفت؟]

هذا لا بأس بسنده لابن عباس رضي الله عنهما، ويحتمل أخذه من بعض الصحابة، وهو يأخذ كثيرا عن الصحابة لأنه صغير، ويحتمل أنه أخذه عن بني إسرائيل، إسناد الحديث لابن عباس لا بأس به، ويحتمل أنه رواه عن الصحابة لأن روايته عن الصحابة لأنه صغير فهو يأخذ عن كبار الصحابة، ويحتمل أن هذا مما أخذه عن بني إسرائيل.

إسماعيل بن رجاء الحصني شيخ من أهل الجزيرة روى عن مالك وموسى بن عائض وضعفه الدارقطني.

الحجارة التي وجدتها قريش عند تجديد بناء الكعبة أساس بناء إبراهيم عليه الصلاة والسلام أم أساس بناء الملائكة؟

ثبوت بناء الملائكة ما فيه دليل هو من أخبار بني إسرائيل؛ يعني: بناء الملائكة وبناء آدم ما عليه دليل الثابت بناء إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

[{فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم} [التوبة: 114] وقال تعالى: {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين (120) شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم (121) وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين} [النحل: 120- 122]

ولهذا وأمثاله قال تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه} [البقرة:130] أي ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحق إلى الضلال حيث خالف طريق من اصطفي في الدنيا للهداية والرشاد من حداثة سنه إلى أن اتخذه الله خليلا، وهو في الآخرة من الصالحين السعداء، فمن ترك طريقه هذا ومسلكه وملته، واتبع طريق الضلالة والغي، فأي سفه أعظم من هذا؟ أم أي ظلم أكبر من هذا؟ كما قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13]

قال أبو العالية وقتادة: نزلت هذه الآية في اليهود، أحدثوا طريقا ليست من عند الله، وخالفوا ملة إبراهيم فيما أحدثوه، ويشهد لصحة هذا القول قول الله تعالى: {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين (67) إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين} [آل عمران: 67- 68]

وقوله تعالى: {إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين} [البقرة:131] أي أمره الله بالإخلاص والاستسلام والانقياد، فأجاب إلى ذلك شرعا وقدرا]

الإسلام هو الإخلاص والانقياد والاستسلام لأوامر الله U، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وإخلاص الدين له، هذا الإسلام، الإسلام استسلام وانقياد وتوحيد وإخلاص لله، وامتثال لأوامره، واجتناب لنواهيه، فالمسلم هو المنقاد لأوامر الله، الخاضع لأوامره ونواهيه، المؤدي فرائضه، المنتهي عن نواهيه، المخلص له، المقبل على التوحيد، المعرض عن الشرك، هذا هو المسلم، المسلم منقاد، مستسلم، خاضع، ذليل، ممتثل، مخلص عمله لله عز وجل، وهذا هو أصل إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين}[البقرة:131] يعني: أخلصت عملي لله وانقدت واستسلمت وخضعت لأوامر الله ونواهيه، بخلاف المستكبر، المستكبر هو الذي لا يقبل الشرط، وهو ضد المسلم، المسلم المنقاد، الخاضع، الذليل، الممتثل، المخلص، والمستكبر هو المشرك الذي لا يقبل ويستنكر ولا يقبل الشرط كحال إبليس وفرعون، نسأل الله السلامة والعافية فإن إبليس استكبر، وفرعون استكبر، أبى، والمستكبر هو الذي يأبى الامتثال ولا يقبل الحق، والمستسلم هو المنقاد الذليل الخاضع القابل للحق، المخلص لله U، المؤدي فرائضه، والمنتهي عن نواهيه.

[وقوله {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} [البقرة:132] أي وصى بهذه الملة، وهي الإسلام لله أو يعود الضمير على الكلمة وهي قوله {أسلمت لرب العالمين} لحرصهم عليها ومحبتهم لها حافظوا عليها إلى حين الوفاة ووصوا أبناءهم بها من بعدهم كقوله تعالى {وجعلها كلمة باقية في عقبه} [الزخرف: 28]

وقد قرأ بعض السلف «ويعقوب» بالنصب عطفا على بنيه، كأن إبراهيم وصى بنيه وابن ابنه يعقوب بن إسحاق وكان حاضرا ذلك]

يعني يكون داخل في الموصين، أما قراءة حفص {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} يعني: يعقوب هو الموصي

[وقد ادعى القشيري فيما حكاه القرطبي عنه أن يعقوب إنما ولد بعد وفاة إبراهيم، ويحتاج مثل هذا إلى دليل صحيح، والظاهر، والله أعلم، أن إسحاق ولد له يعقوب في حياة الخليل وسارة، لأن البشارة وقعت بهما في قوله: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [هود: 71]

هذا القول الأول مما يرجح أنه مولود في حياة إبراهيم، يعقوب حفيد لإبراهيم، ابن ابنه وهو باني بيت المقدس، وهل ولد في حياة إبراهيم أو بعد وفاته؟ قولان لأهل العلم والصواب أنه ولد في حياة إبراهيم لأمور متعددة سيذكرها المؤلف، منها هذا الأمر الأول أنه بشر، والبشارة تقتضي أن يولد في حياته: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [هود: 71] فالبشارة تقتضي أنه يولد في حياتهما، فولد في حياة جده إبراهيم وجدته سارة.

[وقد قرئ بنصب يعقوب هاهنا على نزع الخافض، فلو لم يوجد يعقوب في حياتهما لما كان لذكره من بين ذرية إسحاق كبير فائدة، وأيضا فقد قال الله تعالى في سورة العنكبوت: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب} [العنكبوت: 27]، وقال في الآية الأخرى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة} [الأنبياء: 72] وهذا يقتضي أنه وجد في حياته]

هذا الأمر الثاني الذي يرجح أنه ولد في حياة إبراهيم، {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة} هبة والهبة تقتضي أن يولد في حياته، {وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب}.

[وأيضا فإنه باني بيت المقدس]

وهذا الأمر الثالث المرجح أنه ولد في حياته.

[وأيضا فإنه باني بيت المقدس كما نطقت بذلك الكتب المتقدمة، وثبت في الصحيحين من حديث أبي ذر قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام قلت: ثم أي؟ قال بيت المقدس قلت: كم بينهما؟ قال أربعون سنة الحديث، فزعم ابن حبان أن بين سليمان الذي اعتقد أنه باني بيت المقدس وإنما كان جدده بعد خرابه وزخرفه وبين إبراهيم أربعين سنة، وهذا مما أنكر على ابن حبان]

هذا قول ضعيف، ابن حبان صاحب الصحيح زعم أن الذي بنى بيت المقدس سليمان، وهذا غلط؛ لأن سليمان بينه وبين إبراهيم دهور وسنين طويلة ألوف السنين، وإنما سليمان جدده بعد ذلك بمدة طويلة بعد دهور لكن الذي بناه يعقوب، هذا من أوهام ابن حبان رحمه الله ظن أن الذي بنى بيت المقدس هو سليمان، سليمان جدده بعد ألوف السنين، والذي بناه يعقوب وهو إسرائيل عليه الصلاة والسلام

[وهذا مما أنكر على ابن حبان فإن المدة بينهما تزيد على ألوف السنين، والله أعلم، وأيضا فإن وصية يعقوب لبنيه سيأتي ذكرها قريبا]

وهذا أمر رابع من المرجحات أن يعقوب ولد في حياة جده إبراهيم.

[وهذا يدل على أنه هاهنا من جملة الموصين وقوله: {يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [البقرة:132]

 هل هذا يدل على أنه هاهنا من جملة الموصين ساق الأدلة للدلالة على أنه موصي لا موصى

لا داخل في الموصين وهو الصواب على قراءة النص، على قراءة حفص: {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} يصير هو الموصي.

ابن كثير يرجح أنه بالرفع نعم يرجح أنه بالرفع أربعة أدلة تدل على أنه مولود في حياة إبراهيم، أما على القراءة شيء آخر لكن قراءة النص تؤيد هذا، تؤيد أنه داخل في الموصين.

كلام ابن كثير (وأيضا فإن وصية يعقوب لبنيه سيأتي ذكرها قريبا وهذا يدل على أنه هاهنا من جملة الموصين)

محتمل هذا على قراءة النص، إذا كان مراده هذا على قراءة النص يدل على أنه من جملة الموصين، كون الموصي إبراهيم: {ووصى بها إبراهيم بنيه} ودخل فيهم ابن بنيه، ابن ابنه يعقوب.

لكن الأمر الرابع هنا: (وأيضا فإن وصية يعقوب لبنيه سيأتي ذكرها قريبا) هذا دليل على أنه من الموصين أو من الموصين؟

من الموصين على هذا، موصي وموصى، هو دخل في قراءة النص بالموصين، وهو موصي على قراءة الرفع.

[وهذا يدل على أنه هاهنا من جملة الموصين، وقوله: {يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [البقرة:132] أي أحسنوا في حال الحياة، والزموا هذا ليرزقكم الله الوفاة عليه، فإن المرء يموت غالبا على ما كان عليه، ويبعث على ما مات عليه، وقد أجرى الله الكريم عادته بأنه من قصد الخير وفق له ويسر عليه، ومن نوى صالحا ثبت عليه. وهذا لا يعارض ما جاء في الحديث الصحيح «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» لأنه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث «ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس»، وقد قال الله تعالى: {فأما من أعطى واتقى (5) وصدق بالحسنى (6) فسنيسره لليسرى (7) وأما من بخل واستغنى (8) وكذب بالحسنى (9) فسنيسره للعسرى} [الليل: 5- 10].

وهذا هو الغالب من عادة الله سبحانه وتعالى أن من طلب الحق وقصده واستقام على طاعة الله وعمل بما يرضي الله وجاهد نفسه، فإن الله سبحانه وتعالى يرزقه الوفاة على الإسلام، فالغالب أن من عاش على الإسلام مات عليه، هذا هو الغالب، ويدل عليه الحديث هذا: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس»، ولكن قد يحصل خلاف هذه العادة، جاء في الحديث الآخر غير مقيد فيما يبدو للناس، وقد يحصل خلاف هذا والله تعالى له الحكمة البالغة سبحانه وتعالى جاء الحديث بإطلاق: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» ولكن الغالب كما ذكر أن الغالب من عادة الله U أن من عاش على الإسلام وعلى التوحيد والإيمان واستقام على طاعة الله أنه يموت على الإسلام، هذه عادته سبحانه وتعالى.

الشيخ: بلى في الحديث «فيما يبدو للناس» قيد هذا، لكن في الحديث الآخر ما قيد، بعض أهل العلم قال بهذا، قال: لا يلزم.

ابن حبان ثقة

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد