بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد .
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين أجمعين
(متن )
يقول المؤلف رحمه الله تعالى : وهي العهد التي ذكرها الله تعالى في قوله : لَّا یَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَـٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ عَهۡدࣰا وهي الحسنة التي ذكرها الله عز وجل في قوله: مَن جَاۤءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَیۡرࣱ مِّنۡهَا وَهُم مِّن فَزَعࣲ یَوۡمَىِٕذٍ ءَامِنُونَ وهي كلمة الحق التي ذكرها الله عز وجل في قوله : إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ وهي كلمة التقوى التي ذكرها الله تعالى في قوله: وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوۤا۟ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَا وهي المثل الأعلى التي ذكره الله تعالى: وَلَهُ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ وهي الحسنى التي ذكرها الله عز وجل في قوله : فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ فَسَنُیَسِّرُهُۥ لِلۡیُسۡرَىٰ وهي القول الثابت الذي قال الله عز وجل : یُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ الآيات .
( الشرح )
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،،، أما بعد .
هذه كلها أوصاف لكلمة التوحيد فمن أوصافها أنها العروة الوثقى هي العروة الوثقى التي قال الله تعالى : فَمَن یَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَیُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ ، وهي العهد التي ذكرها الله في كتابه لَّا یَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَـٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ عَهۡدࣰا والعهد هو التوحيد لا يملكون الشفاعة إلا من كان موحداً فله نصيب من الشفاعة ، أما من مات على الشرك فلا نصيب له من الشفاعة قال تعالى : فَمَا تَنفَعُهُمۡ شَفَـٰعَةُ ٱلشَّـٰفِعِینَ وقوله : مِّن قَبۡلِ أَن یَأۡتِیَ یَوۡمࣱ لَّا بَیۡعࣱ فِیهِ وَلَا خُلَّةࣱ وَلَا شَفَـٰعَة الشفاعة منفية عن المشرك أما الموحد الذي اتخذ عند الله عهداً فله نصيب من الشفاعة ، فالشفاعة للموحدين ، هي العهد الذي ذكره الله في قوله تعالى : لَّا یَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَـٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ عَهۡدࣰا وهي الحسنة التي ذكرها الله عز وجل في قوله : مَن جَاۤءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَیۡرࣱ مِّنۡهَا وَهُم مِّن فَزَعࣲ یَوۡمَىِٕذٍ ءَامِنُونَ يعني الموحد من جاء بالحسنة أي حسنة مع التوحيد فله خير منها وهو آمن من الفزع ، أما من جاء بالحسنة مع غير التوحيد كالمشرك الذي عمل حسنة بر والديه وهو مشرك ، أو أحسن إلى الناس وعاملهم معاملة طيبة أو تصدق وهو مشرك مات على الشرك هذا ما ينتفع بالآخرة ، لكن ينتفع بها في الدنيا ، في الدنيا يجازيه الله بها صحة في بدنه ووفرة في ماله وولده ، ثم يفضي للآخرة ولا حسنة له ، الكافر يستفيد من حسناته في الدنيا يعجل له ثوابه في الدنيا ، لكن في الآخرة ما يستفيد ، لكن المؤمن يستفيد منها في الآخرة ويخلف الله عليه في الدنيا هي الحسنة التي قال تعالى الله عنها : مَن جَاۤءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَیۡرࣱ مِّنۡهَا له خير منها مع التوحيد ، لكن مع غير التوحيد ليس له فائدة منها لا يستفيد إلا في الدنيا : وَهُم مِّن فَزَعࣲ یَوۡمَىِٕذٍ ءَامِنُونَ هؤلاء هم الموحدون، أما الكافر فلا يأمن من الفزع بل يحزنه الفزع الأكبر نسأل الله السلامة و العافية وهي كلمة الحق التي ذكرها الله عز وجل في قوله : وَلَا یَمۡلِكُ ٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَـٰعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ الذين يدعون من دونه شيئاً لا يملكون الشفاعة إلا من شهد بالحق،وهذا استثناء منقطع والمعنى لكن من شهد بالحق هو من يملك الشفاعة والذي شهد بالحق هو الموحد الذي مات على التوحيد ،الذي مات على التوحيد له نصيب من الشفاعة ، أما من مات على الشرك فلا نصيب له وهي كلمة الحق التي ذكرها الله عز وجل في قوله :" إلا من شهد بالحق وهم يعلمون "، وهي كلمة التقوى التي ذكرها الله في قوله : وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوۤا۟ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَا كلمة التقوى كلمة التوحيد ألزمها الله المؤمنون إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِیَّةَ حَمِیَّةَ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِینَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ رسوله والمؤمنون وَكَانُوۤا۟ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣰا أحق بها من أهل الشرك وهم أهلها" ، فهي كلمة الحق كلمة التقوى التي ذكرها الله في قوله: وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوۤا۟ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وهي المثل الأعلى التي ذكرها الله في قوله : وَلَهُ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ المثل الأعلى يعني الوصف الكامل له الوصف الكامل سبحانه وتعالى ، ومن ذلك أنه المستحق للعبادة له الوصف الكامل سبحانه وتعالى و له العبادة وهو المستحق وإن كان له المثل الأعلى والوصف الكامل سبحانه وتعالى وله أيضاً العبادة وهو المستحق لها وهي الحسنى التي ذكرها الله عز وجل في قوله : فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ فَسَنُیَسِّرُهُۥ لِلۡیُسۡرَىٰ هي الحسنى وتأتي بعدها الحسنات الأعمال وهي القول الثابت الذي قال الله عز وجل : یُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ فالمؤمن يثبته الله إذا وضع في قبره يُسأل عن ربه وعن دينه وعن نبيه ، فالمؤمن يثبته الله فيقول الله ربي والإسلام ديني ومحمد ﷺ نبيي ، وأما الفاجر فإنه يزل نسأل الله العافية ولا يستطيع أن يجيب عن هذه الأسئلة ولو كان أفصح الناس نعوذ بالله ، يخذل فإذا قيل له من ربك يقول هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته ، فإذا قيل له من نبيك فيقول هاه هاه لا أدري ، فإذا قيل له ما دينك فيقول هاه هاه لا أدري فيقول له الملكان لا دريت ولا تليت يعني لا عرفت الحق بنفسك ولا ثمة من يعلمك ، فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل من خلق الله إلا الثقلين نسأل الله السلامة والعافية والمؤمن يثبته الله كما قال في الحديث :" يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة نسأل الله الكريم من فضله .
( متن )
وعنها يسأل الله الرسل وأممهم حيث يقول الله تعالى : فَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلَّذِینَ أُرۡسِلَ إِلَیۡهِمۡ وَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلۡمُرۡسَلِینَ ويقول للأمم : مَاذَاۤ أَجَبۡتُمُ ٱلۡمُرۡسَلِینَ
(الشرح )
وعنها يعني كلمة التوحيد يسأل الله الرسل وأممهم عن كلمة التوحيد عن تبليغ الرسالة ، يسأل الله الرسل يُسألون هل بلغوا التوحيد أممهم برسالات ربهم وهل أمروهم بالتوحيد ويُسأل الأمم هل أجابوا الرسل قال الله تعالى : فَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلَّذِینَ أُرۡسِلَ إِلَیۡهِمۡ هذه الأمم، وَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلۡمُرۡسَلِینَ هؤلاء الرسل ، يقول الله عز وجل : مَاذَاۤ أَجَبۡتُمُ كلمتان يُسأل عنها الأولون والآخرون ، قال الله تعالى : فَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلَّذِینَ أُرۡسِلَ إِلَیۡهِمۡ فالرسل يُسألون عن تبليغ الأمم ، والأمم يُسألون عن إجابة الرسل ، قال تعالى : ٱتَّبِعُوا۟ مَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِیَاۤءَۗ قَلِیلࣰا مَّا تَذَكَّرُونَ وَكَم مِّن قَرۡیَةٍ أَهۡلَكۡنَـٰهَا فَجَاۤءَهَا بَأۡسُنَا بَیَـٰتًا أَوۡ هُمۡ قَاۤىِٕلُونَ فَمَا كَانَ دَعۡوَىٰهُمۡ إِذۡ جَاۤءَهُم بَأۡسُنَاۤ إِلَّاۤ أَن قَالُوۤا۟ إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِینَ فَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلَّذِینَ أُرۡسِلَ إِلَیۡهِمۡ وَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلۡمُرۡسَلِینَ ، تُسأل عنه الأولون والآخرون يُسأل الرسل عن تبليغ الرسالة ويُسأل الأمم عن الإجابة مَاذَاۤ أَجَبۡتُمُ ويقول للأمم : مَاذَاۤ أَجَبۡتُمُ ٱلۡمُرۡسَلِینَ يعني من قبل أممكم ، ويقول للرسل مَاذَاۤ أَجَبۡتُمُ
( متن )
وفي الحديث لو أن السموات السبع والأرضيين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله
( الشرح )
يعني رجحت بهن وهذا الحديث ذكره الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد أن موسى عليه السلام سأل ربه قال يا ربي علمني كلمات أدعو بهن فقال الله تعالى: يا موسى قل : لا إله إلا الله ، فقال : يا ربي كل عبادك يقولون هذا ، أريد شيئاً تخصني به فقال الله تعالى :" يا موسى لو أن السماوات السبع والأرضيين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله " يعني رجحت بهن هذا الحديث رواه الحاكم وفي كلامه في صحته نظر ، وجاء في حديث أن نوحاً سأل ذلك الكلام فيه حديث ، المقصود أن كلمة التوحيد ترجح بكل شيء ، ولهذا في حديث البطاقة الرجل الذي يخرج له يوم القيامة تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر سيئات ، ثم تخرج له البطاقة فيها الشهادتان، فتوضع السجلات في كفة وبطاقة لا إله إلا الله في كفة ، فترجح البطاقة وتخف السجلات، فحديث البطاقة يؤيد هذا الحديث أن كلمة التوحيد ترجح بكل شيء ، لو وضعت السماوات السبع والأرضيين السبع في كفة وو ضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله من عظمها في أصل الدين وأساس الملة وهي التي خلق الخلق من أجلها .
(المتن )
ولكنها قيدت بقيود ثقال هي أثقل على من أضله الله من الجبال ، وأشق عليه حملها من السلاسل والحبال ، ويسر له سبل النجاة وجعل هواه تبعاً لما جاء به رسوله ومصطفاه ، فهي أسهل عليه وألذ لديه من العذب الزلال .
( الشرح )
نعم يقول هذه الكلمة كلمة التوحيد مقيدة بقيود ثقال ، لها شروط ولها حقوق ولها قيود ، ولها مقتضيات هي أثقل على من أضله الله من الجبال ، من أضله الله ثقيلة عليه لا يستطيع أن يحققها ، لأن الله خذله لعلمه سبحانه وتعالى بأن ذاته لا تصلح للخير ، فمن أضله الله فلا هادي له ، هذه القيود أثقل على من أضله الله من الجبال ، وأشق عليه حملها من السلاسل والأغلال ، إذا لا يستطيع أن يحملها لأنه مخذول نسأل الله العافية ذاته فاسدة علم الله أنه لا خير فيه ، فلذلك ثقلت عليه وثقل عليه تحقيقها ، أما من وفقه الله وهداه ويسر له سبل النجاة ، وجعل هواه تبعاً لما جاء به رسوله ومصطفاه ، فهي سهلة عليه ولذيذة ، ألذ لديه من العذب الزلال من الماء العذب الحلو ، كما أن الإنسان يشرب الماء العذب الحلو بلذة فكذلك يستطيع أن يأتي بقيودها وشروطها بسهولة فهي سهلة عليه .
(المتن )
ولكنها قيدت بقيود ثقال هي أثقل على من أضله الله من الجبال وأشق عليه حملها من السلاسل والأغلال ، أما من وفقه الله وهداه ويسر له سبل النجاة وجعل هواه تبعاً لما جاء به رسوله ومصطفاه فهي أسهل عليه وألذ لديه من العذب الزلال ، الأول - العلم بمعناه الذي دلت عليه وأرشدت إليه قال الله تعالى: إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ أي شهدوا بلا إله إلا الله وهم يعلمون بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم، وفي مسلم عن عثمان قال : قال رسول الله ﷺ من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة فقيدها بالعلم بمعناها وهو نفي العبادة عن كل ما سوى الله عز وجل ، وإثباتها لله وحده لا شريك له ، أما من هذى بها هذيان ككلام النائم لا يعلم معناها فكيف ينفي ما ثبت ، ويثبت ما أثبتت، وهو لا يعلم شيئاً من ذلك ، أم كيف يعمل بمقتضى ما لا يعلمه .
( الشرح )
كلمة التوحيد كلمة عظيمة لأجلها خلق الله الخلق ، ولأجلها أرسل الله الرسل، ولأجلها أنزل الله الكتب ، ولأجلها قام سوق الجهاد ، ولأجلها انقسم الناس إلى شقي وسعيد، ولأجلها خلقت الجنة والنار، هذه الكلمة كلمة عظيمة لا إله إلا الله أفضل ما تكلم به الناس ، وخير ما تكلم به الناس هذه الكلمة ، لأن هذه الكلمة تثبت حق الله عز وجل وتنفيه عما سواه، حق الله على العبيد هو أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً هذا الحق الذي ألزم الله به العباد والذي من أجله خلقهم لا بد للعباد أن يعرفوه ،أن يعرفوا هذا الحق و لابد أن يصرفوا هذا الحق لمستحقه وهو الله عز وجل هذه الكلمة وهي لا إله إلا الله تبين هذا الحق الذي لله عز وجل وهو العبادة والتوحيد والطاعة ، التوحيد لا يكون إلا لله توحد الله بأعمالك أنت أيها العبد أعمالك التي تتقرب بها إلى الله أعمالك من صلاة صيام زكاة حج دعاء ذبح نذر طواف بالبيت رغبة رهبة خشوع جهاد في سبيل الله أمر بمعروف ونهي عن منكر بر بالوالدين صلة لرحم إحسان إلى الجيران كف نفسك عن الأذى عن العدوان على الناس في دمائهم العدوان على الناس في أموالهم العدوان على الناس في أعراضهم تعبداً طاعة لله عز وجل وتعبداً له هذا هو الحق لله تصرفه لله لا تصرفه لغيره ، هذه الكلمة تبين هذا الحق ، ولهذا هذه الكلمة عندما تبين هذا الحق بشروطها وقيودها الثقال التي ذكرها المؤلف ، أن هذه الكلمة قيدت بقيود ثقال هي أثقل على من أضله الله من الجبال، من أضله الله أثقل عليه من الجبال لا يلتزم بمعناها ولا يعمل بمقتضاها ولا يؤدي حقوقها ، وأشق عليه حملها من السلاسل والأغلال ، أما من وفقه الله وهداه ويسر له سبيل النجاة وجعل هواه تبعاً لما جاء به رسوله ومصطفاه فهي سهلة عليه إذاً هذه الكلمة ، وهي لا إله إلا الله لا يكفي أن يقولها الإنسان بلسانه ، بل لا بد من أن يؤدي شروطها ، شروطها:
الشرط الأول – العلم بمعناها العلم المنافي للجهل هذا هو الشرط الأول باختصار العلم المنافي للجهل العلم بمعناها المنافي للجهل الدليل قول الله تعالى : فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ والعلم هو اليقين ضد الشك والظن فاعلم أنه لا إله إلا الله يعني قل لا إله إلا الله عن علم ويقين ، وقال سبحانه : وَلَا یَمۡلِكُ ٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَـٰعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ يعلمون بقلوبهم معنى ما تلفظوا به ، ومن السنة دليل على هذا الشرط العلم قول النبي ﷺ في الحديث الذي رواه الإمام مسلم : من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة فقيدها بالعلم بمعناها ما هو معناها ؟ معناها النفي والإثبات مشتملة على النفي والإثبات مشتملة على ركنين النفي والإثبات صدرها نفي وعجزها إثبات صدرها لا إله وعجزها إلا الله ، ما هو الشيء الذي تنفيه ؟ وما هو الشيء الذي تثبته ؟ الشيء الذي تنفيه جميع أنواع العبادة تنفيها عن غير الله ، تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله ، ما هي العبادة ؟ سبق أن المؤلف بين أن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة فالصلاة تنفيها عن غير الله وتثبتها لله الزكاة تنفيها عن غير لا تزكي لغير الله ، الدعاء لا تدعو إلا الله ، والمراد الدعاء فيما لا يقدر عليه إلا الله ، أما الدعاء دعاء الحي الحاضر القادر هذا ليس من العبادة هذا دعاء عادي دعاء الحي الحاضر القادر كأن تقول يا فلان تنادي شخصاً ، يا فلان أعني على قضاء حاجتي ، يا فلان أعني على إصلاح سيارتي ، يا فلان أقرضني مالاً يا فلان أعني على إصلاح مزرعتي هذا لا بأس به هذا دعاء الحي الحاضر القادر ، أما دعاء الميت ودعاء الغائب فهذا هو الشرك كأن يدعو ميت يا فلان أغثني أو يدعو غائب ، أو يدعو حي حاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله ، كأن يقول للحي الحاضر يا فلان نجني من النار ،أو يا فلان اشف مرضي ، هذا لا يقدر عليه إلا الله فلا يدعى إلا الله في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله ، أما الأمور التي يفعلها الأحياء فيما بينهم وأسبابها ظاهرة فهذا ليس من الشرك ، هذا من الأمور العادية الدعاء عبادة تصرفه لله وتنفيه عن غير الله ، لا إله تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله تنفي الدعاء عن غير الله، تنفي الصلاة عن غير الله تنفي الذبح عن خير الله تنفي النذر عن غير الله تنفي الخشوع الخضوع الرغبة الركوع السجود الزكاة الصلاة الصوم بر الوالدين صلة الأرحام، وعجزها إلا الله هذا فيه إثبات العبادة لله جميع أنواع العبادة تثبتها لله نفيتها عن غير الله تثبتها لله تثبت الصلاة لله دون غيره والزكاة و الصوم والحج والدعاء والذبح والنذر وبر الوالدين وصلة الأرحام والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تثبتها لله ، وتخص الله بها وتعبد الله بها هذا هو العلم بمعناها العلم المنافي للجهل ، تعرف معناها وأن معناها مكون من شيئين نفي وإثبات فالنفي تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله هذا هو الكفر بالطاغوت ، الكفر بالطاغوت : هو أن تتبرأ من عبادة كل معبود سوى الله ، وتنكر هذه العبادة وتنفيها وتبغضها وتكفر أهلها وتعاديهم ، هذا هو الكفر بالطاغوت ، والإيمان بالله : هو أن تثبت العبادة بجميع أنواعها لله وتخص الله بها هذا هو الإيمان بالله قال تعالى : فَمَن یَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَیُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ إذاً الكلمة كلمة التوحيد مشتملة على أصلين نفي وإثبات الأصل الأول هو النفي وهو الكفر بالطاغوت ، والأصل الثاني هو الإيمان بالله ولا يكون هناك توحيد إلا بهذين الأمرين ، بالنفي والإثبات ، لا يحصل التوحيد إلا بهذين الأصلين النفي والإثبات إذاً هذا هو الشرط الأول كما قال العلم بمعناها الذي دلت عليه وأرشدت إليه والدليل كما سمعتم "فاعلم يعني تيقن أن لا إله إلا الله ومعنى لا إله إلا الله لا معبود حق إلا الله ، معناها لا معبود حق إلا الله ، لا إله إلا الله ، لا النافية للجنس من أخوات إن النافية للجنس تنصب المبتدأ وترفع الخبر إله اسمها ومعناه المعبود ، والخبر محذوف تقديره حق لا إله حق إلا أداة استثناء الله مستثنى والمستثنى منه الخبر المحذوف ، لا إله حق إلا الله لا معبود حق إلا الله هذا هو معناها ، وأما الذين لا يعرفون معناها من أهل البدع ومن الصوفية وغيرهم فإنهم يفسرون الإله بالخالق لا إله إلا الله ، لا خالق إلا الله وهذا باطل ، لو كان معنى لا إله لا خالق لصار أبو جهل مؤمن أبو جهل يقول لا إله إلا الله وأبو لهب مؤمن على هذا ، لو كان معنى لا إله لا خالق إلا الله يفسرون بعض المبتدعة كالأشاعرة والصوفية يفسرون الإله بالخالق وهو القادر على الاختلاق وهذا التفسير باطل لأنه لو كان معنى الإله الخالق والقادر ، لو كان معناها كذلك ، لكان المشركون مؤمنين ، لأنهم يقولون لا خالق إلا الله ويعتقدون هذا ، يقولون لا خالق إلا الله وَلَىِٕن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَیَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ وَلَىِٕن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ لَیَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ قُل لِّمَنِ ٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِیهَاۤ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ ٱلسَّبۡعِ وَرَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِیمِ سَیَقُولُونَ لِلَّهِۚ قُلۡ مَنۢ بِیَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَیۡءࣲ وَهُوَ یُجِیرُ وَلَا یُجَارُ عَلَیۡهِ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ سَیَقُولُونَ لِلَّهِۚ قُلۡ مَن یَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ أَمَّن یَمۡلِكُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَـٰرَ وَمَن یُخۡرِجُ ٱلۡحَیَّ مِنَ ٱلۡمَیِّتِ وَیُخۡرِجُ ٱلۡمَیِّتَ مِنَ ٱلۡحَیِّ وَمَن یُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۚ فَسَیَقُولُونَ ٱللَّهُۚ فَقُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ إذاً هم مقرون بهذا هذا الإقرار بتوحيد الربوبية لا يكفي في الدخول في الإسلام ، هو توحيد لكن لا يكفي حتى تأتي بالنوع الثاني ، كذلك توحيد الأسماء والصفات إذا آمن بأسماء الله وصفاته وآمن بربوبيته لا يكفي في الإيمان حتى يضيف إليه توحيد العبادة والألوهية ، حتى يخص الله بالعبادة ويفرده بالعبادة إذاً هذا هو الشرط الأول هو العلم المنافي للجهل العلم بمعناها المنافي للجهل والدليل كما سمعتم فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَا یَمۡلِكُ ٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَـٰعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ ومن السنة قول النبي ﷺ: من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة قال المؤلف رحمه الله وقيدها بالعلم بمعناها، وهو نفي العبادة عن كل ما سوى الله عز وجل هذا هو صدر كلمة التوحيد ، وإثباتها لله وحده لا شريك له هذا عجزها ،قال أما من هذى بها هذياناً ككلام النائم لا يعلم معناها فلا تنفعه ، من قالها بلسانه فقط حروف يلوكها بلسانه ولا يعلم معناها ولا يعمل بمقتضاها ما تفيده لأنه لا بد أن تنفي ما نفت وتثبت ما أثبتت ، والذي يهذي بها ويلوكها بلسانه لا يمكن أن يعرف ما نفت ولا ما أثبتت فلا ينفي ما نفت ولا يثبت ما أثبتت ، وإذا لم ينفي ما نفت ويثبت ما أثبتت لا يكون موحداً ، لهذا قال المؤلف أما من هذى بها هذياناً ككلام النائم لا يعلم معناها ، ومثله الذي يقولها بلسانه وهو لا يعلم معناها ، مثل كلام النائم فكيف ينفي ما نفت ويثبت ما أثبتت وهو لا يعلم شيئاً من ذلك ،أم كيف يعمل بمقتضى ما لم يعلمه ، كيف يعمل بمقتضاها ، مقتضاها كما سيأتي الإتيان بالواجبات التي أوجبها الله صلاة وصيام وزكاة وحج وبر الوالدين وصلة الرحم ، وترك المحرمات مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر والعدوان على الناس بأموالهم ودمائهم وأعراضهم ، والذي لا يعلم معناها لا يمكن أن يعمل بمقتضاها ، وبالتالي يكون لم يأت بهذا الشرط ، وإذا لم يأت بهذا الشرط لم تصح منه .
( المتن )
الثاني – اليقين بما دلت عليه في الشهادة والغيب ، المنافي لمناقضه من الشك والريب قال تعالى : إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ یَرۡتَابُوا۟ وَجَـٰهَدُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ فقصر الإيمان عليهم مع التقيد بكونهم لم يرتابوا أي لم يشكوا فلا إيمان لمن قالها شاكاً مرتاباً ، ولو قالها بعدد الأنفاس ولو صرح بها حتى يسمع جميع الناس وفي مسلم من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :"أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فهما إلا دخل الجنة " ، وفيه من حديثه أيضاً رسول الله ﷺ بعثه بنعليه فقال : اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة الحديث فقيد استحقاق قائلها دخول الجنة وتبشيره بها بكونه غير شاك فيهما ، كونه مستيقنا بها قلبه والمعنى في ذلك واحد فنفي الشك يفيد ثبوت اليقين ،وثبوت اليقين يفيد نفي الشك
( الشرح )
هذا هو الشرط الثاني من شروطها وهو اليقين بما دلت عليه ، اليقين بما دلت عليه هذه الشهادة كلمة لا إله إلا الله دلت على أي شيء ؟، دلت على أن العبادة حق لله ، وأنه لا يستحقها غيره فلا بد من اليقين بأن العبادة حق الله وأن الله هو المستحق بأن يعبد ويؤله وأن يدعى ويركع له ويسجد لا بد أن تعتقد هذا يكون عندك يقين ، لا يرتابه شك أن الله هو المستحق للعبادة بجميع أنواعها فهذا اليقين بما دلت عليه هذه الكلمة في الشهادة والغيب ، يعني في حضورك وفي غيبك ، بينك وبين نفسك تتيقن أن العبادة حق الله وأنه لا يستحقها غير الله ، أمام الناس تتيقن وتتكلم بلسانك بأن العبادة لا يستحقها إلا الله اليقين بما دلت عليه في الشهادة والغيب ، اليقين المنافي للشك والريب ، الشرط الأول العلم المنافي للجهل ، والشرط الثاني اليقين المنافي للشك والريب ، فمن قال لا إله إلا الله عن شك وريب فلا تصح منه ،كما لو قالها المشرك أو المنافق أو المرتاب الشاك ، متردد يقول ما أدري هل يستحق العبادة مع الله أحد غيره ، أو العبادة خالصة لله ما أدري ، يمكن يجوز أن يدعى الله ويدعى غيره عنده شك ، ما أدري هل الدعاء خاص بالله أم يمكن أن ندعوه وندعو الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو ندعو فلان أو صاحب القبر ، متردد هذا التردد يبطل هذه الكلمة ، لا بد من اليقين المنافي للشك والريب ، الشرط الثاني اليقين بما دلت عليه المنافي للشك والريب ، فذكر المؤلف دليل من الكتاب ودليل من السنة الدليل على هذا الشرط وهو اليقين من الكتاب قول الله تعالى : إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ( الموحدون ) ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ یَرۡتَابُوا۟ هذا هو الشك أي ثم لم يشكوا وَجَـٰهَدُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ هؤلاء هم الصادقون في إيمانهم أما الشاك فليس صادقاً في إيمانه إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ یَرۡتَابُوا۟ وَجَـٰهَدُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ هذا حصر قال أولئك هم الصادقون ، قال المؤلف فقصر الإيمان عليهم مع التقيد بكونهم لم يرتابوا ولم يشكوا القصر والحصر جاء في قول " أولئك هم الصادقون " أولئك مبتدأ والصادقون خبر والمعنى أولئك هم الصادقون دون غيرهم الصادقون في إيمانهم وتوحيدهم هم الذين لم يشكوا ، هم الذين آمنوا بالله ورسوله ولم يشكوا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم هؤلاء هم الصادقون في إيمانهم فدل على أن من كان عنده شك أو ريب ليس صادقاً في إيمانه ، ولهذا قال ليس بصادق الإيمان وليس بمؤمن حقاً ، قال المؤلف رحمه الله فقصر الإيمان عليهم مع التقيد بكونهم لم يرتابوا أي لم يشكوا ، فلا إيمان لمن قالها شاكاً مرتاباً،لا إيمان لمن قال كلمة التوحيد عن شك وريب ، ولو قالها بعدد الأنفاس ، لو كرر هذه الكلمة قال " لا إله إلا الله " بعدد الأنفاس النفوس التي خلقها الله ، كم عدد النفوس التي خلقها الله ؟ من يحصيها؟ النفوس التي خلقها الله من الجن والإنس والملائكة والبهائم والحيوانات والطيور والحيتان والحشرات وغيرها كم لا يعلمها إلا الله لو قالها بعدد الأنفاس عن شك وريب ما تفيده ، وإذا قالها عن يقين وصدق فإنه من أهل الجنة ،قال المؤلف فلا إيمان لمن قالها شاكاً مرتاباً ولو قالها بعدد الأنفاس ولو صرح بها حتى يسمعه جميع الناس ، لو صرح بقول لا إله إلا الله بصوت مرتفع وسمعه الناس وهو شاك ما تنفعه هذا الدليل من القرآن إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ یَرۡتَابُوا۟، أي لم يشكوا والدليل من السنة قال المؤلف ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة، هذا شرط إذاً النبي أخبر بأن من شهد أن لا إله إلا الله وشهد أن محمداً رسول الله ولقي الله بها غير شاك فإنه يدخل الجنة هذا شرط ، فإن لقي الله بهما شاكاً فلا يدخل الجنة لو تحقق فيه الشرط وفي الحديث الآخر في حديث أبي هريرة في مسلم أيضاً أن رسول الله ﷺ بعث أبا هريرة بنعليه وكان داخل الحائط فقال: اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة، والشاهد " أنه قال مستيقناً بها قلبه " لا بد من اليقين قال المؤلف فقيد استحقاق قائلها دخول الجنة وتبشيره بها بكونه غير شاك فيهما في الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمد رسول الله ، وبكونه مستيقناً بها قلبه والشاك غير مستيقن والمستيقن غير شاك لا يكونا متلازمان ، فالمستيقن لا يكون شاك والشاك لا يكون مستيقناً ، ولهذا قال المؤلف والمعنى في ذلك واحد فنفي الشك يفيد ثبوت اليقين ، وثبوت اليقين يفيد نفي الشك ، وهذا الشرط لا بد منه أن يقول هذه الكلمة عن يقين منافي للشك والريب ، الشرط الأول العلم المنافي للجهل ، العلم بمعناها المنافي للجهل ، الشرط الثاني اليقين بمعناها المنافي للشك والريب .
( المتن )
الثالث – القبول لها المنافي لرد مدلولها قال الله تعالى : إِنَّمَا یُؤۡمِنُ بِـَٔایَـٰتِنَا ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِّرُوا۟ بِهَا خَرُّوا۟ سُجَّدࣰا وَسَبَّحُوا۟ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ ۩ والآيات هنا المراد بها القرآن ومعظمه في حق هذه الكلمة ، ذكروا ووعظوا وهم لا يستكبرون أي عن الإيمان بالله وطاعته وذلك هو حقيقة التأله المنفي عن سوى الله بلا إله المثبت له سبحانه بإلا الله ، ولا رد أعظم من الاستكبار ولهذا قال تعالى في حق من ردها بعد أن ذكر ما وعدهم به من العذاب إِنَّهُمۡ كَانُوۤا۟ إِذَا قِیلَ لَهُمۡ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ یَسۡتَكۡبِرُونَ وَیَقُولُونَ أَىِٕنَّا لَتَارِكُوۤا۟ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرࣲ مَّجۡنُونِۭ ، فلم يتركوا آلهتهم المنفية بلا إله ، ولم يقبلوا إثبات إلا الله فقال تعالى :تكذيباً لهم وتصديقاً لنبيه ﷺ : بَلۡ جَاۤءَ بِٱلۡحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ وفي الصحيح عن أبي موسى عن النبي ﷺ قال : مثل ما بعثني الله به من الدين والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكانت منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأٌصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً ، فذلك مثل من فقهه في دين الله ونفعه ما بشر الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به ، فانظر هذا الحديث واعتبر به فهو عبرة لأولي الأبصار ، فإنك إذا أمعنت النظر فيه رأيته يحتوي على ما لم يتسع له المجلدات الكبار ،والمقصود هنا أن المثلين الأولين لمن قبل هدى الله الذي هذه الكلمة أصله وإن كانوا على درجتين متفاوتتين ، والمثل الثالث لمن لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبله ، فلم ينتفع هو ولم ينفع غيره ، بل هو ضرر محض على نفسه وعلى غيره.
( الشرح )
هذا الشرط الثالث من شروط كلمة التوحيد القبول لها المنافي لرد مدلولها ، مدلولها دلت على نفي العبادة عن غير الله ، وإثباتها لله عز وجل فالمسلم يقبل هذا يقبل ما دلت عليه ، ولا يرد مدلولها ، فإن رد مدلولها فإنه يكون متكبراً مستكبراً والمستكبر كافر ، لأن أقسام الناس ثلاثة مسلم ومشرك ومستكبر ، فالمسلم الذي استسلم لله دون غيره وحد الله واستسلم لله ، والمشرك الذي استسلم لله واستسلم لغيره ، يعبد الله ويعبد غيره هذا مشرك في النار والمستكبر الذي استكبر عن عبادة الله فلا يعبد الله فهذا كافر ، فالمستكبر والمشرك في النار كافران ، والمستسلم هو الموحد والذي لا يقبل ما دلت عليه من المدلول فإنه يكون مستكبراً عن عبادة الله ويكون كافراً ككفر إبليس وكفر فرعون واليهود كفرهم بالاستكبار والإيباء ، لأن الكفر أحياناً يكون بالجحود فيرد مثلاً الحق يجحد حق الله وينكر هذا كافر ، وأحياناً يكون لا يجحد ولا ينكر بل يقر و يعترف لكن استكبر عن عبادة الله لا يعبد الله فيكون كفره بالإباء والاستكبار مثل كفر إبليس يعارض أمر الله بالإباء والاستكبار قال الله تعالى: وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ ٱسۡجُدُوا۟ لِـَٔادَمَ فَسَجَدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ إبليس ما عارض أمر الله بالرد والإنكار لا ما جحد ، ولكن عارضه بالإباء والاستكبار مع التصديق هو مصدق لكنه مستكبر عن عبادة الله ، فالكفر أنواع يكون بالجحود ويكون بالاستكبار ويكون بالشك ويكون بالظن ويكون بالنفاق فهو أنواع فالذي لا يقبل ما دلت عليه هذه الكلمة ، يكون مستكبراً عن عبادة الله عز وجل ، الثالث القبول لها ، لهذه الكلمة المنافي لرد مدلولها ، مدلولها دلت على نفي العبادة عن غير الله ، ودلت على إثبات العبادة لله وحده ، فإذا لم يقبلها بما دلت عليه ونفى ما دلت عليه فإنه يكون مستكبراً قال الله تعالى : إِنَّمَا یُؤۡمِنُ بِـَٔایَـٰتِنَا ٱلَّذِینَ إِذَا ذُكِّرُوا۟ بِهَا خَرُّوا۟ سُجَّدࣰا وَسَبَّحُوا۟ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ هؤلاء المؤمنون خاضعون لله المؤمن يخضع لله ويذل له ، ويعبد الله عن خضوع وتذلل وتعظيم وإجلال ، وأما المستكبر عن عبادة الله فإنه لا يكون خاضعاً لله ولا ذليلاً لله ولا متواضعاً بل هو متكبر ومأواه النار ، قال المؤلف رحمه الله الآيات هنا المراد بها القرآن إِنَّمَا یُؤۡمِنُ بِـَٔایَـٰتِنَا القرآن قال: ومعظمه في حق هذه الكلمة معظم القرآن في حق هذه الكلمة بل القرآن كله في التوحيد وفي حقوق التوحيد القرآن كله ، إما في بيان التوحيد وأنه حق الله ، أو في بيان حقوق هذا التوحيد وهي الأعمال الواجبة ، الأعمال التي أوجبها الله حقوق الله وحقوق العباد ، أو في جزاء أهل التوحيد ، وثوابهم عند الله عز وجل ، أو فيما ينافي هذه الكلمة من الشرك والمعاصي ، أوفي جزاء أعداء الله الذين استكبروا ولم يقبلوا ما دلت عليه هذه الكلمة ، فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزاء أهله ، وفي الشرك الذي ينافي التوحيد وعقوبة أهله وجزائهم ، وبهذا القرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزاء أهله ، وفي ما ينافي التوحيد من الشرك وعقوبة أهله وجزائهم، ولهذا قال المؤلف والآيات هنا المراد بها القرآن ومعظمه في حق هذه الكلمة كلمة التوحيد ذكروا ووعظوا وهم لا يستكبرون يعني المؤمنون لا يستكبرون عن الإيمان بالله وطاعته ، وذلك هو حقيقة التأله المنفي عن سوى الله بلا إله حقيقة التأله ،التأله :التعبد ، حقيقة التأله : التعبد المنفي عن سوى الله بقولك "لا إله " لا إله تنفي التعبد لغير الله المثبت له سبحانه بإلا الله التعبد منفي عن غير الله بقولك لا إله ، مثبت لله بقولك " إلا الله " فأنت تقول لا إله تنفي التعبد والتأله لغير الله ، إلا الله تثبت التعبد و التأله لله عز وجل ، وقال المؤلف ولا رد أعظم من الاستكبار ، فالمستكبر يرد مدلول هذه الكلمة ، وهي نفي التأله عن غير الله وإثبات التأله لله، فالمستكبر يرد ذلك ، فيكون كافراً لأنه لم يأت بهذا الشرط ، ولهذا قال المؤلف رحمه الله ولا رد أعظم من الاستكبار ، ولهذا قال الله تعالى في حق من ردها بعد أن ذكر ما وعدهم به من العذاب قال: إِنَّهُمۡ كَانُوۤا۟ إِذَا قِیلَ لَهُمۡ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ یَسۡتَكۡبِرُونَ ، والكفار ينفرون من هذه الكلمة ، ينفرون ويستكبرون ، ينفرون كما تنفر الوحوش من الأسد ، فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ إذا سمعوا هذه الكلمة نفروا ، وإمامهم بذلك الشيطان إذا سمع الأذان ولى وله ضراد حتى لا يسمع التأذين ، فإذا قضى المؤذن رجع فإذا أقيمت الصلاة ولى ثم يرجع ، وكذلك أتباعه قال الله عنهم : إِنَّهُمۡ كَانُوۤا۟ إِذَا قِیلَ لَهُمۡ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ یَسۡتَكۡبِرُونَ وَیَقُولُونَ أَىِٕنَّا لَتَارِكُوۤا۟ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرࣲ مَّجۡنُونِۭ كيف نترك آلهتنا التي نعبدها من دون الله لشاعر مجنون وهو الرسول ﷺ وصفوه بأنه شاعر ووصفوه بأنه مجنون ، قال الله تعالى عنهم : وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِینَ مِن دُونِهِۦۤ إِذَا هُمۡ یَسۡتَبۡشِرُونَ هذه حال الأشقياء إذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون وإذا ذكر الذي من دونه إذا هم يستبشرون ، نسال الله السلامة والعافية قال تعالى : إِنَّهُمۡ كَانُوۤا۟ إِذَا قِیلَ لَهُمۡ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ یَسۡتَكۡبِرُونَ وَیَقُولُونَ أَىِٕنَّا لَتَارِكُوۤا۟ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرࣲ مَّجۡنُونِۭ فلم يتركوا آلهتهم المنفية بلا إله ، ولم يقبلوا إثبات إلا الله ما قبلوا النفي ولا قبلوا الإثبات فصاروا مستكبرين فقال الله تعالى تكذيباً لهم وتصديقاً لنبيه ﷺ : بَلۡ جَاۤءَ بِٱلۡحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ ثم ذكر المؤلف حديث أبي موسى في صحيح البخاري قال : وفي الصحيح عن أبي موسي ( وهو أبو موسى الأشعري ) عن النبي ﷺ أنه قال: مثل ما بعثني الله به من الدين والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكانت منها نقية ( يعني طائفة نقية ) قبلت الماء فأنبتت الكلأ و العشب الكثير ، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأٌصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بشر الله به وفي حديث ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به ، هذا الحديث حديث عظيم ضرب الله فيه المثل والأمثال تقرب المعنى وينتقل الذهن من المثل الحسي إلى المثل المعنوي ، قال الله تعالى : وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَـٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا یَعۡقِلُهَاۤ إِلَّا ٱلۡعَـٰلِمُونَ ، والله تعالى أكثر من ضرب الأمثال ، والنبي ﷺ أكثر من ضرب الأمثال ، كان بعض السلف إذا قرأ المثل ولم يفهمه بكى ، وتلا هذه الآية : وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَـٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا یَعۡقِلُهَاۤ إِلَّا ٱلۡعَـٰلِمُونَ ، وفي هذا المثل في هذا الحديث ضرب الرسول ﷺ مثلاً للمؤمنين ومثلاً لغير المؤمنين ، وذكر أن المؤمنين صنفان ، وغير المؤمنين طائفة واحدة ، فقال : مثل ما بعثني الله به من الدين والعلم ، هذا الدين الذي جاء به النبي ﷺ هذا الدين الذي له ثلاث مراتب ، الإيمان والإسلام والإحسان ، والعلم المأخوذ من الوحيين من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ مثله النبي ﷺ بالغيث ، الغيث هو المطر الكثير الذي يغيث الله به العباد والبلاد ويحيي الله به الأرض بعد موتها ، فتنبت الكلأ والعشب الكثير ، فتحيا به أبدان الناس وأبدان البهائم ، فالعلم والدين الذي جاء به النبي ﷺ من الوحيين مثل الغيث والغيث هو المطر الكثير والتشابه بينهما أن الغيث والمطر تحيا به الأجساد، أجساد من؟ أجساد الناس يزرعون ويسقون ، وتحيا به أبدان الحيوانات ،إذا أجدبت الأرض ماتت الحيوانات الغيث تحيا به أبدان الناس وأبدان الحيوانات ، والوحي تحيا به قلوب الناس ، هذا الوحي يحيي القلوب الوحيان ، والغيث يحيي الأبدان ، هذا يحيي الله به القلوب وهذا يحيي الله به الأبدان ، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً ، أصاب أرض وهذه الأرض ثلاثة أقسام قسم منها قبل الماء فأنبت الكلأ و العشب الكثير ، فهذا الكلأ و العشب الكثير ترعاه الدواب وتأكله وهذا المطر كذلك أيضاً يستفيد منه البهائم والناس جميعاً فأنبتت الكلأ و العشب على ظهرها فانتفع الناس بها ، والطائفة الثانية أجادب ، أجادب أمسكت الماء تمسك الماء لا تنبت العشب ولا الكلأ لكنها تمسك الماء يبقى الماء على ظهر الأرض مدة فيأتي الناس ويشربون منه ويسقون ، ويأخذون بأوعيتهم وتشرب منه الدواب فكل يستفيد منه ، والطائفة الثالثة من الأرض أجادب لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً ولا عشباً ما يستفاد منه لا تخرج هذه الأرض كلأ ولا عشب ولا تمسك الماء حتى يستفيد منه الناس يذهب في باطن الأرض ولا يستفيد منه الناس قال النبي ﷺ : المثلان الأولان مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم قال العلماء الطائفة الأولى التي أنبتت الكلأ والعشب الكثير هذه تمثل العلماء والفقهاء الذين حفظوا كتاب الله وسنة نبيه ﷺ وتفقهوا في معانيهما وفجروا ينابيعهما ، وأخرجوا الفوائد وما دلت عليه هذه النصوص من الآيات والحكم والأسرار والمعاني والأحكام فاستفاد الناس ونشروه واستفاد الناس ، والطائفة الثانية أجادب التي أمسكت تمثل المحدثين الذين حفظوا الأحاديث وضبطوها وأسهروا ليلهم في فهم الأحاديث وضبطها لكن ما عندهم من الفقه والبصيرة ما يستطيعون به شرح هذه الأحاديث وفهم معانيها واستخراج معانيها لكنهم حفظوا هذه الأحاديث وأمسكوها حتى جاء من بعدهم ، وأوصلوها إليهم وأخذوها منهم وقد يستفيد من بعدهم أكثر منهم ، ولهذا قال النبي ﷺ : رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه فقد يكون هذا المحدث حفظ هذه الأحاديث وأوصلها إلى من بعده ، فاستفاد الناس من هذه الأحاديث وفهموها وحفظوها واستفادوا من معانيها و من أحكامها ، أما القسم الثالث فهي مثل من لم يقبل هدى الله ولم ينتفع بالوحي ما استفاد ، ما استفاد بنفسه ولا أفاد غيره ، فهذا الحديث بين أن الناس ثلاثة أقسام ، القسم الأول هو أفضلها وأعلاها ، يمثل العلماء والفقهاء الذين حفظوا القرآن والسنة وفهموا معانيهما واستخرجوا الأحكام وبينوها للناس والثانية تمثل المحدثين الذين ضبطوا الأحاديث وحفظوها وأوصلوها إلى من بعدهم ، والثالث تمثل من لم يقبل هدى الله ما قبل الدين ولا انتفع بنفسه ولا نفع غيره لهذا قال النبي ﷺ : فذلك مثل من فقه دين الله ونفعه الله بما بعثني الله به وعلم ،وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم قبل هدى الله الذي أرسلت به، قال المؤلف رحمه الله تعليق على هذا الحديث : فانظر هذا الحديث واعتبر به فهو عبرة للأولي الأبصار فإنك إذا أمعنت النظر فيه رأيته يحتوي على ما لم يتسع له المجلدات الكبار ، يعني هذا الحديث عظيم يقول : لو شرح لاحتاج إلى مجلدات لكن هذا معناه باختصار قال المؤلف : والمقصود هنا أن المثلين الأولين لمن قبل هدى الله الذي هذه الكلمة أصله المثل الأول مثل طائفة من الأرض التي قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، والطائفة الثانية الأجادب التي أمسكت الماء فسقى الناس وزرعوا فهذين المثلين لمن قبل هدى الله وهدى الله أصله كلمة التوحيد لا إله إلا الله هذا أصل الهدى وأساسه قال وإن كانوا على درجتين متفاوتتين ، الدرجة الأولى أعظم العلماء الذين ضرب لهم المثل بالطائفة التي قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير هذه الدرجة العالية والثانية تليها والمثل الثالث لمن لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبله ، فلم ينتفع هو ولم ينفع غيره بل هو ضرر محض على نفسه وعلى غيره .
وفق الله لطاعته وخدمة الله وهداه وصلى الله على نبينا محمد وسلم