وصية الباجي 1
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين , اللهم اغفر لنا و لشيخنا و للمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين .
قال الشيخ الفقيه الإمام الحافظ أبي الوليد الباجي و رحمه في وصيته لولديه .
( متن )
يَا بني هداكما الله وأرشدكما و وفقكما وعصمكما وتفضل عَلَيْكُمَا بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ووقاكما محذورهما برحمته إنَّكُمَا لما بلغتما الْحَد الَّذِي قرب فِيهِ تعين الْفُرُوض عَلَيْكُمَا وَتوجه التَّكْلِيف إلَيْكُمَا وتحققت أنكما قد بلغتما حد من يفهم الْوَعْظ ويتبين الرشد وَيصْلح للتعليم وَالْعلم لزمني أَن أقدم إلَيْكُمَا وصيتي وَأظْهر إلَيْكُمَا نصيحتي مَخَافَة أَن تخترمني منية وَلم أبلغ مُبَاشرَة تعليمكما وتدريبكما وإرشادكما وتفهيمكما فَإِن أنسأ الله تَعَالَى فِي الْأَجَل فسيتكرر النصح والتعليم والإرشاد والتفهيم وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَعَلِيهِ فَليَتَوَكَّل المتوكلون بِيَدِهِ قُلُوبكُمَا ونواصيكما وَإِن حَال بيني وَبَين ذَلِك مَا أتوقعه وَأَظنهُ من اقتراب الْأَجَل وَانْقِطَاع الأمل فَفِيمَا أرسمه من وصيتي وأبينه من نصيحتي مَا إِن عملتما بِهِ ثبتما على منهاج السّلف الصَّالح وفزتما بالمتجر الرابح ونلتما خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وأستودع الله دينكما ودنياكما و أستحفظه معاشكما ومعادكما وأفوض إِلَيْهِ جَمِيع أحوالكما وَهُوَ حسبي فيكما وَنعم الْوَكِيل .
( شرح )
هذه مقدمة للشيخ الفقيه الإمام الحافظ أبي الوليد البادي رحمه الله قدم بهذه المقدمة لنصيحته لولديه و هذه النصيحة و إن كانت لولديه فإنها استفاد منها عموم المسلمين فهي نصيحة للمسلمين عموما و من عمل بها بالجملة فإنه من الموفقين الذين استفادوا علما و عملا و من المعلوم أن نصح الوالد لولده , يعني الوالد كامل الشفقة فينصح لأولاده و بناته و يرجوا لهما من الخير ما ليس لغيرهما حتى إن الوالد يفضل ولده على نفسه و يتمنى أن يكون ولده أحسن منه و لا يتمنى ذلك لغيره من الناس و هذا يدل على كمال شفقة الوالد لأن الوالد كامل الشفقة وشفقته على ولده شفقة كاملة فلذلك تكون النصيحة الصادرة منه لولده نصيحة صادرة عن محض الإخلاص و لهذا قال من قال من الفقهاء من الحنابلة و غيرهم إن الأب له أن يزوج ابنته البكر بدون إذنها قالوا لأنه كامل الشفقة و إن كان الصواب أنه لا بد من إذنها لقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح لا تنكح الأيم حتى تستأمر و لا البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول الله و كيف إذنها قال أنها تسكت هذا الحديث يدل على أنه لا بد من إذنها البنت في التزويج حتى الأب الثيب لا بد من أخذ إذنها بالكلام بالأمر لا بد من أخذ أمرها تستأمر و البكر تستأذن و إذنها السكوت و هو الصواب و لكن ذهب جمع من أهل العلم من الحنابلة و نحوهم أن الأب خاصة له أن يزوج ابنه البكر و يجبرها و لو لم يأخذ إذنها و عللوا ذلك قالوا لأنه كامل الشفقة لكن الصواب كما سبق أنه لا بد من أخذ إذنها لكن هذا فيه بيان لكمال شفقة الأب و هذا في الجملة هذا في الجملة و الغالب فقد يوجد بعض الآباء من لا يتصف بهذا الوصف لكنه قليل و نادر و الغالب على الأب أنه كامل الشفقة و إذا كان كامل الشفقة فتكون نصيحته صادرة من القلب صادرة عن إخلاص و عن نصح خالص و النصيحة سميت نصيحة لإخلاصها و نقائها و صفائها , يقال لبن خالص يقال ناصح إذا لم يكن فيه غش , فهذه النصيحة وجهها الحافظ أبي الوليد الباجي رحمه الله لولديه و قد نفع الله بها من شاء من غير أبنائه فهي نصيحة لأبنائه و لغيرهم من المسلمين كما أن لقمان الحكيم الذي قص الله علينا نصيحته لولده نفع الله بها من شاء و الله سبحانه و تعالى أخبرنا في كتابه العظيم بهذه النصيحة التي صدرت من لقمان الحكيم الذي اشتهر بالحكمة وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَـٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ یَعِظُهُۥ یَـٰبُنَیَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِیمࣱ يا بني ثم قال وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰلِدَیۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنࣲ وَفِصَـٰلُهُۥ فِی عَامَیۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِی وَلِوَ ٰلِدَیۡكَ إِلَیَّ ٱلۡمَصِیرُ وَإِن جَـٰهَدَاكَ عَلَىٰۤ أَن تُشۡرِكَ بِی مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمࣱ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِی ٱلدُّنۡیَا مَعۡرُوفࣰاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِیلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَیَّۚ ثُمَّ إِلَیَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ثم قال یَـٰبُنَیَّ إِنَّهَاۤ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةࣲ مِّنۡ خَرۡدَلࣲ فَتَكُن فِی صَخۡرَةٍ أَوۡ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ أَوۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ یَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِیفٌ خَبِیرࣱ یَـٰبُنَیَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَ ٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالࣲ فَخُورࣲ وَٱقۡصِدۡ فِی مَشۡیِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَ ٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِیرِ هذه وصية لقمان لابنه لكنها ليست خاصة بابنه عامة من عمل بهذه الوصية فقد فاز و لهذا قصها الله علينا لنستفيد منها قصها الله علينا هذه الوسيلة و أخبرنا بها لنستفيد , أول نصيحة و أول وصية أوصى بها لقمان ابنه التوحيد أعظم واجب الإخلاص لله و ترك الشرك یَـٰبُنَیَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِیمࣱ نهاه عن الشرك و النهي عن الشرك أمر بالتوحيد لأنه أعظم واجب , أعظم واجب هو التوحيد لأنه هو الأمر الذي لأجله خلق الله الخلق و خلق الله الخليقة خلق الله الناس و الجن و الإنس للتوحيد توحيده و إخلاصه و أخلاص الدين له وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِیَعۡبُدُونِ و بهذا أرسل الله الرسل و أنزل الكتب وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِی كُلِّ أُمَّةࣲ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُوا۟ ٱلطَّـٰغُوتَ هذه أول وصية هذا يدل على النصح العظيم یَـٰبُنَیَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِیمࣱ النصيحة الثانية مراقبة الله عز و جل نصحه بأن يراقب الله عز و جل و يبين له أن الله تعالى لا يخفى عليه شيء فهو عالم بكل شيء بالخفي و الجلي و هو عالم بسرك و خواطرك و ما يختلج في نفسك و في صدرك أيها الإنسان كن على حذر كن مراقبا لله یَـٰبُنَیَّ إِنَّهَاۤ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةࣲ مِّنۡ خَرۡدَلࣲ فَتَكُن فِی صَخۡرَةٍ أَوۡ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ أَوۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ یَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِیفٌ خَبِیرࣱ راقب ربك اعبد الله على مراقبة حتى تكون من المحسنين حتى تصل لدرجة الإحسان و لما سأل جبريل النبي ﷺ عن الإحسان فقال الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك فالإحسان هو مراقبة الله عز و جل و هو على مرتبتين , المرتبة الأولى أن تعبد الله على المشاهدة و المراقبة كأنك ترى الله فإن ضعفت عن هذه المرتبة تنتقل إلى المرتبة الثانية فإن لم تكن تراه فإنه يراك , ثم الوصية الثالثة أمره بإقامة الصلاة یَـٰبُنَیَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ إقامة الصلاة , الصلاة هي أعظم الواجبات و أعظم الطاعات و أعظم حقوق التوحيد بل هي شرط لصحة الإيمان فلا يتم الإيمان إلا بالصلاة و لهذا الصلاة هي الوصية الثالثة الوصية الأولى هي التوحيد و الثانية مراقبة الله و الثالثة إقامة الصلاة و لم يقل يا بني صلي , لا , قال أقم الصلاة فرق بين إقامة الصلاة و بين الصلاة قد يصلي الإنسان و لكنه لا يقيمها أقم الصلاة يعني أدها مقامة معطيا حقها و حقوقها من الإخلاص و المتابعة و الطمأنينة و أدائها في الوقت و أداء أركانها و شروطها و واجباتها هذه هي الإقامة إقامة الصلاة ما قال له صلي قال أقم الصلاة و لذلك جاءت النصوص كلها بالأمر بإقامة الصلاة إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ و جاءت النصوص من كتاب الله و سنة رسوله ﷺ بترتيب الثواب على إقامة الصلاة إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ ولم يقل صلوا بل إن الصلاة مع اللهو و الغفل متوعد عليها بالويل فَوَیۡلࣱ لِّلۡمُصَلِّینَ ٱلَّذِینَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ یَـٰبُنَیَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ ثم أمره قال وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ و هذه النصيحة الرابعة وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ الأمر بالمعروف و المعروف ما عرف شرعا و عقلا و يدخل في المعروف أصل المعروف توحيد الله عز و جل ثم تأتي الواجبات بقية الواجبات وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وأعظم المنكر أعظم المنكرات الشرك ثم يليه بعد ذلك يعودون على الناس في دمائهم و أموالهم و أعراضهم وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَكَۖ إذا أمرت بالمعروف و نهيت عن المنكر فإن الإنسان يقف أمام رغبات الناس و يجابه الناس و الناس لا يتركون من يقف أمام رغباتهم و أهوائهم يؤذونه إما بالقول أو بالفعل فأمره بالصبر حتى لا ينقطع وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَ ٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ ثم الوصية الخامسة وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ نهى عن الكبر وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ احتقارا لهم و ازدرائا وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ مختالا متكبرا فاحتقار الناس و غبطهم من الكبائر العظيمة من أعمال القلوب الخبيثة و كذلك الاختيال و الكبر وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ و في الحديث يقول النبي ﷺ الكبر بطر الحق و غمط الناس يعني رد الحق و احتقار الناس وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالࣲ فَخُورࣲ و كذلك الوصية الآيات التي فيها من سورة الإسراء وصايا و الأوامر و النواهي نهى الله عن الاختيال و عن الكبر و قال سبحانه وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالࣲ فَخُورࣲ قال وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولࣰا , وَٱقۡصِدۡ فِی مَشۡیِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَ ٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِیرِ هذه وصية عظيمة تجمع الدين كله فهي عظيمة النفع و لذلك قصها الله علينا في كتابه الكريم وصية والد لولده و هي عامة للمسلمين فكذلك الحافظ بن الوليد الباجي رحمه الله له أسوة من لقمان الحكيم له أسوة بلقمان الحكيم لقمان الحكيم وصى ولده هذه الوصايا و تأسى به الوليد و كتب هذه الوصية لولديه و عم نفعها المسلمين عموما فينبغي للمسلم أن يستفيد من هذه النصيحة الصادرة من أب كامل الشفقة لولديه , قال ( يا بني ) هم اثنان , ( هداكما الله وأرشدكما و وفقكما وعصمكما وتفضل عَلَيْكُمَا بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة و وقاكما محذورهما برحمته ) , قبل النصيحة دعا لهما و هذا يدل على النصح العظيم دعا لهما و سأل الله لهما هذه الدعوات دعا الله لهما بهذه لدعوات العظيمة التي إذا تقبلها الله حصلا على خيري الدنيا و الآخرة و هذا شأن الناصحين , شأن الناصحين من الدعاة و العلماء يدعون ينصحون و يدعون , الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كثير في رسائله إذا كتب الرسالة يدعوا لطالب العلم ( اعلم أرشدك الله لطاعته , اعلم رحمك الله تعالى ) أرشدك الله لطاعته هذا دعاء قبل أن يعلمك يدعو لك , ( اعلم رحمك الله تعالى اعلم أرشدك الله لطاعته , أن الحنفية ملة إبراهيم ) فهو يدعو و يعلم يدعو له ثم يعلمه و كذلك الحافظ بن الوليد دعا لولديه قبل النصيحة دعا لهم بأي شيء دعوات عظيمة قال : (هداكما الله ) دعا لهما با لهداية يعني هداكما الله الصراط المستقيم هداكما الله يعني وفقكما , وفقكما لإصابة الحق و العمل به لأن الهداية أنواع الهداية أنواع النوع الأول هداية عامة لجميع الخلق بني آدم و غيرهم و هذه الهداية معناها أن الله تعالى كل خلق من مخلوقاته هداه الله لما فيه صلاحه هدى الأنعام لمراعيها و هدى الطيور لأوكارها و هدى الطفل لثدي أمه ٱلَّذِیۤ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَیۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ هذه هداية عامة لجميع الخلق و الحيوانات و الطيور و غيرها من الذي هدى الطيور لأوكارها ! الله , من الذي هدى الأنعام لمراعيها ترعى و تأكل و ترد الماء هذه هداية من الذي هدى الطفل لثدي أمه مجرد ما ينزل بطن أمه يلتقم الثدي من الحيوانات و من الآدميين هذه الهداية العامة عامة لبني آدم و غيرهم , الهداية الثانية خاصة ببني آدم مؤمنهم و كافرهم و هي هداية الدلالة و الإرشاد فالله تعالى هدى العباد و أرشدهم لما فيه صلاحهم و أرسل إليهم الرسل و أنزل عليهم الكتب ليبينون للناس الحق الذي يحبه الله و يرضاه و يحذرونهم من الباطل الذي يكرهه الله و يأباه كلهم هداهم الله كلهم أرشدهم أنزل الله الكتب و أرسل الرسل تبين للناس ما يحبه الله و يرضاه فكان منهم من استجاب و منهم من لم يستجب قال تعالى وَهَدَیۡنَـٰهُ ٱلنَّجۡدَیۡنِ بينا له طريق الخير و طريق الشر و قال سبحانه وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَیۡنَـٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّوا۟ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ يعني دللناهم و أرشدناهم لطريق الحق فهذه الهداية بمعنى الدلالة و الإرشاد و هذه يملكها و يستطيع الرسل و أتباعهم و الدعاة قال الله تعالى لنبيه الكريم وَإِنَّكَ لَتَهۡدِیۤ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ يعني ترشد وتدل فالدعاة يهدون الناس و يرشدونهم و يدلونهم و يبينون لهم طريق الحق الهداية الثالثة هداية التوفيق و التسديد و خلق الهداية في القلوب و هذه خاصة بالمؤمنين من بني آدم الثانية عامة للمؤمنين و الكافرين و هذه للمؤمنين خاصة و هذا هو الرماد الواضح هنا , المراد من الحافظ بن الوليد الباجي سأل الله هداية التوفيق و التسديد هداية التوفيق و التسديد و خلق الهداية في القلوب هذه خاصة بالمؤمنين و لا يستطيع هذه الهداية أحد إلا الله و هذه الهداية منفية عن النبي ﷺ لا يستطيعها لما دعا النبي ﷺ عمه أبا طالب عند الموت و دعاه إلى الإسلام و قال له يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله و عنده قرناء السوء أبو جهل و ابن أمية ذكرها بحجته الملعونة و هي اتباع الآباء و الأجداد على الباطل قالا ( أترغب عن ملة عبد المطلب ) عيب عليك تشهد على أبيك بالكفر و على أجدادك فأعاد عليه النبي ﷺ فأعادا عليه فكان آخر ما قاله ( هو على ملة عبد المطلب ) و أبا أن يقول لا إله إلا الله و مات على الشرك ما كتب الله له الهداية عدلا منه و إحسانا و النبي ﷺ حرص أشد الحرص على هدايته لكن ما استطاع ما كتب الله له الهداية حكمة و عدلا فالله تعالى سلى نبيه و أنزل عليه إِنَّكَ لَا تَهۡدِی مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ فالمراد بالهداية المنفية هذه هداية التوفيق و التسديد إِنَّكَ لَا تَهۡدِی لا توفق ولا تجعله يقبل الحق و هذا الأمر ليس بيدك بل بيد الله إِنَّكَ لَا تَهۡدِی مَنۡ أَحۡبَبۡتَ لا توفق فلا تجعله يقبل الحق و يرضاه هذا من الله القلوب بيد الله إِنَّكَ لَا تَهۡدِی مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ و هذا الجمع بين الآيتين فآية أثبتت الهداية للرسول عليه الصلاة و السلام و آية نفتها فما الجمع بينهما إِنَّكَ لَا تَهۡدِی مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِیۤ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ آية أثبتت الهداية للنبي ﷺ و آية نفت الهداية فالجمع في ذلك الآية التي أثبتت الهداية للرسول هذه هداية الدلالة و الإرشاد و الوعظ و النصح و الآية التي نفت الهداية عن الرسول هي هداية التوفيق و التسديد و خلق الهداية في القلوب و هذه لله إِنَّكَ لَا تَهۡدِی لا توفق و لا تجعله يقبل الحق و هذا إلى الله و أما آية وَإِنَّكَ لَتَهۡدِیۤ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ هذه آية الدلالة و الإرشاد و الهداية الرابعة هداية المؤمنين إلى بيوتهم في الجنة و هداية الكفار إلى مساكنهم في النار قال الله عن المؤمنين سَیَهۡدِیهِمۡ وَیُصۡلِحُ بَالَهُمۡوَیُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ و في الحديث أن المؤمن لأهدى إلى بيته في الجنة من بيته في الدنيا كما جاء في بالحديث إن الله تعالى يهدي المؤمن إلى بيته مساكنه في الجنة أكثر من هدايته إلى بيته في الدنيا و قال عن الكفار فَٱهۡدُوهُمۡ إِلَىٰ صِرَ ٰطِ ٱلۡجَحِیمِ فأي أنواع الهداية التي يريد أبو الوليد الباجي رحمه الله , قال : ( يا بني هداكما الله ) يريد هدية التوفيق و التسديد التي هي الهداية الثالثة هذا و إن كان خبر فإنه بمعنى الدعاء ( هداكما الله ) هذا خبر لكنه يدعو كأنه يقول الله يهديكما أسأل الله أن يهديكما هذا خبر بمعنى الدعاء ليس خبرا محض لكنه خبر بمعنى لدعاء خبر الدعاء , هداكما الله يعني أسأل الله أن يهديكما ( و أرشدكما ) هذا الدعاء الثاني خبر أيضا بمعنى الدعاء يعني أسأل الله أن يرشدكما ( و وفقكما وعصمكما وتفضل عَلَيْكُمَا بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ) كل هذه عبارات مترادفات سؤال الله هداية التوفيق و التسديد لولديه قال : اسأل الله أن يهديكما و يوفقكما للخير و يجعلكما تقبلان الحق و تختارانه و ترضيان به أن يوفقكما لقبول الخير و الرضا به أساله أن يوفقكما لأن تقبلا الحق و ترضيا به و تختاراه , ( هداكما الله ) أسأل الله أن يهديكما ( و أرشدكما ) أسأل الله أن يرشدكما ( و وفقكما ) أسأل الله أن يوفقكما ( و عصمكما ) أسأل الله أن يعصمكما من الذنوب و المعاصي و الفتن ( و تفضل عليكما ) يعني أسأل الله أن يتفضل عليكما بخير الدنيا و الآخرة ( و وقاكما محذورهما ) يعني أسأل الله أن يقككما محذورهما المحذور يعني الشرور في الدنيا و الآخرة محذورهما الضمير يعود إلى الدنيا و الآخرة المحذور يعني ما يحذره الإنسان و يبتعد عنه و يشمل شرور الدنيا و الآخرة , الشرور في الدنيا هي المعاصي , المعاصي هي الشرور ما من عقوبة أو مصيبة في الدنيا و الآخرة و ما من عقوبة في الدنيا و الآخرة إلا و سببها المعاصي ما الذي أخرج الأبوين من الجنة رغم اللذة و النعيم إلا المعاصي ما الذي أغرق قوم فرعون في البحر ما الذي أغرق قوم نوح حتى علا الماء رؤوس الجبال إلا الذنوب و المعاصي ما الذي أهلك عاد بالريح العقيم إلا الذنوب و المعاصي ما الذي أهلك قوم صالح بالصيحة حتى تقطعت أمعائهم في أجوافهم إلا الذنوب و المعاصي ما الذي أهلك قوم شعيب بالنار التي تلظى إلا الذنوب و المعاصي ما الذي أهلك فرعون و قومه إلا الذنوب و المعاصي و شرور الآخرة كلها سبب الذنوب و المعاصي الكفرة و العصاة ما الذي أدخلهم النار إلا الذنوب و المعاصي فالحافظ رحمه الله يدعو لولديه أن يقيهما شرور الدنيا و الآخرة محذورهما يعني ما يحذره الإنسان من شرور الدنيا و الآخرة و هو يقول أسأل الله أن يجنبكم المعاصي و أن يوفقكما للطاعة حتى لا تصيبكما شرور الدنيا و الآخرة المصائب و النكبات التي في الدنيا سببها المعاصي و عذاب النار و عذاب القبر سببه المعاصي و لهذا قال ( و وقاكما محظورهما برحمته ) كل هذه وسيلة الآن دعاء , هداكما الله وأرشدكما و وفقكما وعصمكما وتفضل عَلَيْكُمَا بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة يعني وفقكما للتوحيد و الطاعة و العمل الصالح حتى تحصلوا على خيري الدنيا و الآخرة و الطاعات سبب الخيرات في الدنيا و الآخرة وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰۤ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَفَتَحۡنَا عَلَیۡهِم بَرَكَـٰتࣲ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا۟ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَكَفَّرۡنَا عَنۡهُمۡ سَیِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأَدۡخَلۡنَـٰهُمۡ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِیمِ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُوا۟ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِیلَ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُوا۟ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ مِّنۡهُمۡ أُمَّةࣱ مُّقۡتَصِدَةࣱۖ وَكَثِیرࣱ مِّنۡهُمۡ سَاۤءَ مَا یَعۡمَلُونَ إذا الطاعات سبب لأي شيء ! سبب للخيرات , و قد تفضل الله على المؤمن بخيرات الدنيا و الآخرة الغيث و المطر و الرزق كلها من آثار الطاعات و النكبات و المصائب في الدنيا كلها من آثار المعاصي فهو يسأل الله أن يوفقهما للطاعات و العمل الصالح حتى يحصلا على خيري الدنيا و الآخرة و سأل الله أن يقيهما محذورهما و هي الذنوب و المعاصي التي هي سبب للهلاك و الدعوة الأولى دعاء للتوفيق بالتوحيد و الطاعة و الدعوة الثانية سؤال الله أن يقيهما الشرك و المعاصي ( تفضل عليكما بخير الدنيا و الآخرة ) و هي التوحيد و الطاعة ( و وقاكما محذورهما ) و هي الشرك و المعاصي ( برحمته ) هذه كلها دعوات ثم بعد ذلك قال ( إنَّكُمَا لما بلغتما الْحَد الَّذِي قرب فِيهِ تعين الْفُرُوض عَلَيْكُمَا وَتوجه التَّكْلِيف إلَيْكُمَا وتحققت أنكما قد بلغتما حد من يفهم الْوَعْظ ويتبين الرشد وَيصْلح للتعليم وَالْعلم لزمني أَن أقدم إلَيْكُمَا وصيتي ) يقول إن الوصية وصيته لهم لازمة بسبب قربهما من التكليف كأن هذه الوصية وقت الوصية في وقت المراهقة لهذين الولدين وقت المراهقة هو قرب التكليف لما قرب التكليف قال لزمني أن أوصيكما لأن قبل التكليف هذا يكون للتدريب و التعليم يعلم الصبي و يدرب على الخير قبل البلوغ يؤمر بالصلاة و يؤمر بالصيام و ينهى عن الأعمال السيئة و المحرمات و يؤدب قبل البلوغ للتدريب و التمرين , و لهذا قال النبي ﷺ مروا أولادكم للصلاة لسبع و اضربوهم عليها لعشر و فرقوا بينهم في المضاجع كل هذه تدريب و تمرين معلوم ابن سبع لا تجب عليه الصلاة لكن للتدريب و التعليم و كان الصحابة يصومون أولادهم الصغار إذا كانوا يطيقون ذلك حتى يتدربوا على الصيام و ما يجب عليهم و كان إذا بكوا إذا بكى الصبي أعطوه لعبة يتلهى بها حتى يأتي وقت الإفطار و هذا للتدريب و التعليم و قال إبراهيم النخعي : كانوا يضربوننا على الشهادة و العهد و نحن صغار و كانوا السلف يضربون على الشهادة إذا شهد زور ضربوه و كذلك إذا حلف و هذا للتمرن للتدريب لكن إذا بلغ أو قرب بلوغه صارت النصيحة واجبة إذا قرب البلوغ أو بلغ صار مكلف لذلك إذا أخل بالواجب فإنه يكلف و إذا ارتكب ما يوجب إقامة الحد أقيم عليه الحد فالحافظ يقول إن الآن أنتما قربتما من البلوغ شارفتما البلوغ فالنصيحة لازمة , لازمة مني إليكما لأنكما قربتما من البلوغ و من قرب من البلوغ فإنه يعطى في الغالب حكم البالغ فتكون النصيحة لازمة تصبح لازمة لأنكما تتحملان التكليف و لهذا قال (إنَّكُمَا لما بلغتما الْحَد الَّذِي قرب فِيهِ تعين الْفُرُوض عَلَيْكُمَا ) و هو مراهق متى يتعين الفرض عليهم إذا بلغ , إذا بلغ تعين الفرض عليهم , فرض الصلاة فرض الصوم فرض الحج لكن قبل البلوغ ما يتعين قبل أن يبلغ الصبي ما تجب عليه الصلاة لكن تسقط في حقه و لا تجب عليه الصوم ولا الحج إذا بلغ تعين أداء الفرائض قال : (إنَّكُمَا لما بلغتما الْحَد الَّذِي قرب فِيهِ تعين الْفُرُوض عَلَيْكُمَا وَتوجه التَّكْلِيف إلَيْكُمَا وتحققت أنكما قد بلغتما حد من يفهم الْوَعْظ ويتبين الرشد وَيصْلح للتعليم وَالْعلم لزمني أَن أقدم إلَيْكُمَا وصيتي ) الآن صارت الوصية لازمة واجبة لأنهما بلغا الحد الذي قرب فيه تعين الفرائض أداء الفرائض فريضة الصلاة فريضة الصيام فريضة الحج قرب الوقت الذي يتوجه التكليف إليهما و هو البلوغ و تحقق أنهما بلغا حدا يفهمان فيه الوعظ و النصيحة و تحقق أنهما بلغا الوقت الذي يتبين فيه الرشد يتبين فيه صاحب الرشد يعرف الرشد و هو طريق الحق مما يضاده و هو الغي و يكون في هذه الحالة يصلح للتعليم و العلم إذا بلغ مبلغ الرجال و بلغ حد لتكليف فهو يفهم الوعظ ويتبين طريق الرشد من طريق الغي و يصلح للتعليم و العلم و التكليف متوجه إليهما و تعين أداؤهما للفرائض في هذه الحالة قال ( لزمني أَن أقدم إلَيْكُمَا وصيتي ) الوصية لازمة الآن لأنكما مكلفان أو شارفتما على التكليف بلغتما حدا يتعين فيه عليكما أداء الفرائض و يتوجه التكليف إليكما ( و بلغتما حد من يفهم الْوَعْظ ويتبين الرشد من الغي وَيصْلح للتعليم وَالْعلم ) في هذه الحالة الوصية لازمة لزمني أن أقدم إليكما وصيتي ( وَأظْهر إلَيْكُمَا نصيحتي ) أظهر النصيحة و أبينها (مَخَافَة أَن تخترمني المنية ) يعني مخافة الموت المنية هي الموت فهو يقدم النصيحة قبل أن تخترمه المنية قبل الموت و هي نصيحة عاجلة و نصيحة حارة من قلب مشفق ثبت في حديث الوعاظ عن سالم قال أن النبي ﷺ قال نصح الناس وألقى إليهم النصيحة قال و عظنا رسول الله ﷺ موعظة وجلت منها القلوب و ذرفت منها العيون لأنها نصيحة خالصة حارة مؤثرة في القلوب خرجت من القلب و نفذت للقلوب قال لنا رسول الله ﷺ موعظة يعني بليغة وجلت منها القلوب و ذرفت منها العيون فقال قائل : يا رسول الله كأنها موعظة مودع , يعني حارة و مؤثرة في القلب فأوصنا قال أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و إن تأمر عليكم عبد حبشي و عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجد فإنه من يعش منكم من بعدي فسيرى اختلافا كثيرا أو كما قال عليه الصلاة و السلام فكذلك الحافظ أبو الوليد رحمه الله تأسى بالنبي ﷺ في النصيحة فأظهر النصيحة قبل موته قال ( مَخَافَة أَن تخترمني منية وَلم أبلغ مُبَاشرَة تعليمكما وتدريبكما وإرشادكما وتفهيمكما ) فهو يعاجل و يسابق الوقت و هكذا ينبغي للمؤمن أن يبادر و ألا يتوانى و ألا يتأخر لأنه قد يحال بينه و بينما يريد ولهذا قال النبي ﷺ في لحديث الصحيح بادرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا, أَوْ غِنًى مُطْغِيًا, أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا, أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا, أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا, أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ, أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ) و قال عليه الصلاة و السلام ( اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك و غناك قبل فقرك و فراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك يعني بادر بالعمل الصالح قبل أن تعرض لك العوارض و لا تستطيع فإن الإنسان الفقير إذا اشتغل بفقره صار كل وقته يطلب لقمة العيش و انشغل و كذلك الغنى إذا كثر ألهى الإنسان و انصرف عن الآخرة و كذلك إذا كان مشغول و لم يكن عنده فراغ و كذلك الحياة فيها ميدان فسيح فإذا مات انقطع العمل فلذلك خاف أبو الوليد أن تخترمه المنية وهو لم يوصل هذه النصيحة و قال ( مَخَافَة أَن تخترمني منية وَلم أبلغ مُبَاشرَة تعليمكما وتدريبكما وإرشادكما وتفهيمكما فَإِن أنسأ الله تَعَالَى فِي الْأَجَل فسيتكرر النصح والتعليم والإرشاد ) و إن سبق في علم الله أن الأجل قريب فستستفيدون من هذه النصيحة و يقول إن أخر الله الأجل فسوف أكرر النصيحة مرات و مرات و إن كان في علم الله المعاجلة بالموت فسأكتب لكم وصية تتأملونها و تتدبرونها و تتفهمونا و تعملون بما فيها و يقول : ( إن أنسأ الله في الأجل ) يعني أخر أجلي فالنصيحة مكررة مرات بعد مرات في كل وقت و في كل حين متى ما حانت الفرصة و إن عاجلته المنية فسيكتب هذه النصيحة لتكون بين أيديهم لذلك قال ( إن أنسأ الله في الأجل ) أنسأ يعني أجل وأخر ( فَإِن أنسأ الله تَعَالَى فِي الْأَجَل فسيتكرر النصح والتعليم والإرشاد و التفهيم ) هذا يدل على نصحه العظيم (فسيتكرر النصح والتعليم والإرشاد و التفهيم ) كل هذه مترادفة للتأكيد ( وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَعَلِيهِ فَليَتَوَكَّل المتوكلون ) يقول التوفيق بيد الله أنا لا أوفق الذي يوفق هو الله لكن بيدي النصيحة و بيدي الدلالة و الإرشاد ليس بيدي التوفيق و قبول الحق هذا بيد الله لكن أعتمد على الله و أفوض أمري إلى الله و أسأله أن يوفقكما و لهذا قال وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَعَلِيهِ فَليَتَوَكَّل المتوكلون بِيَدِهِ قُلُوبكُمَا ونواصيكما ) بيد الله قلوبكما قلوب العباد في الحديث يقول النبي ﷺ في الحديث الذي رواه الإمام مسلم قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء إذا أراد أن يقلب قلب عبد قلبه فقلوب العباد و نواصيهم , قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الله و نواصي العباد بيد الله و هو يقول الله تعالى بيده قلوب العباد يتصرف فيهم و نواصيهم , العباد بيد الله فأنا متوكل على الله و معتمد عليه و مفوض أمري إلى الله و أبذل النصح نصحي و الموفق هو الله ( وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَعَلِيهِ فَليَتَوَكَّل المتوكلون بِيَدِهِ قُلُوبكُمَا ونواصيكما وَإِن حَال بيني وَبَين ذَلِك ) إن حال بين تكرار النصيحة الأجل و هو الذي أتوقعه و أظنه (فَفِيمَا أرسمه من وصيتي ) الخير العظيم لكما كأنه يحس بقرب الأجل و لذلك قال (وَإِن حَال بيني وَبَين ذَلِك ما أتوقعه و أظنه من اقتراب الأجل ) كأنه أحس بعلامات الموت إما بمرض يخشى منه الموت يغلب على ظنه أنه سيموت لأنه يتوقع و هذا الذي توقعه , فسأكتب النصيحة كتابة تبقى معكم , إن أنسأ الله في الأجل كأنه يغلب على ظنه أنه لا يؤخر و أنه سيموت من مرضه قريبا فكتب النصيحة و إن حال الأجل بيني و بينكم فسأكتب النصيحة تتأملونها و تقرؤونها مرة بعد مرة فرسم هذه النصيحة و استفاد منه أبنائه و غيرهم قال ( وَإِن حَال بيني وَبَين ذَلِك مَا أتوقعه وَأَظنهُ من اقتراب الْأَجَل وَانْقِطَاع الأمل فَفِيمَا أرسمه من وصيتي وأبينه من نصيحتي ) الخير العظيم إذا ثبتما على الحق و هذا ظاهر أنه كتبه في آخر حياته ( وَإِن حَال بيني وَبَين ذَلِك مَا أتوقعه وَأَظنهُ من اقتراب الْأَجَل وَانْقِطَاع الأمل فَفِيمَا أرسمه ) يعني أكتبه (من وصيتي وأبينه من نصيحتي ) يبين عظم هذا النصيحة غالية و ثمينة إن عملتما بها ثبتم على المنهج (مَا إِن عملتما ) ( فَفِيمَا أرسمه من وصيتي وأبينه من نصيحتي ) ( ما ) هذه زائدة للتأكيد و التقدير إن عملتما و يحتمل أنها منصوبة و هو الذي فَفِيمَا أرسمه من وصيتي وأبينه من نصيحتي الذي أو التي إن عملتما به أو النصح الذي عملتما به ثبتما على المنهاج السلف الصالح و كأن هذه النصيحة تمثل عقيدة السلف الصالح عقيدة أهل السنة و الجماعة , و عقيدة السلف الصالح و أهل السنة و الجماعة نقلت من كتاب الله و سنة رسوله ﷺ السلف الصالح هم الصحابة و التابعين و الأئمة من بعدهم هم الصحابة و التابعين لهم بإحسان أفضلهم من الأئمة و العلماء يقول هذه النصيحة تتمشى مع معتقد السلف الصالح مع عقيدة أهل السنة و الجماعة اعملا بهذه النصيحة هذه النصيحة إن عملتما بها فقد ثبتما على المنهاج ثبتما على طريقة أهل السنة و الجماعة على الحق إن عملتما بهذه النصيحة فسوف تكونا من أهل السنة و الجماعة تكونوا من أهل الحق إن عملتما بها ثبتما على منهاج السلف الصالح ( وفزتما بالمتجر الرابح ) تفوزون بالربح العظيم و الربح العظيم ما هو ! هو رضا الله و التمتع بدار كرامته و النظر إلى وجهه الكريم هذا أعظم ربح لا شك.
.....................................................
أسئلة
سؤال :
في حديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب و لا عذاب هل من يذهب لأحد القراء و يأخذ منه ماء و زيتا مقروء عليه لأمه أو لأخته يخرج مل لوازم الحديث و يكون من الذين يسترقون ؟؟
الجواب :
الذين يدخلون بغير حساب و لا عذاب بينهم النبي ﷺ هم الذين حققوا التوحيد و خلصوه و صفوه من شوائب الشرك و لهذا بوب الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله على هذا الحديث و غيره باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب إذا حقق أي صفاه و خلصه و هذبه و نقاه من شوائب الشرك و البدع و المحدثات من عوائد الجاهلية ثم ذكر فيه الحديث حديث السبعين ألفا قال هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون و لا يتطيرون و على ربهم يتوكلون فوصفهم بأنهم يتركون المحرمات الشركية كالطيرة و يتركون الأمر المكرهة كالكي لأن فيه تعليمهم بالنار و الكي ليس بحرام جائز و لكنه مكروه لما فيه من التعذيب بالنار فينبغي أن يؤخر و يكون آخر ما يستعمل من العلاج و إن وجد علاج غيره فلا يستعمله و إن يتعين زالت الكراهة لأنه ثبت في الحديث أن النبي ﷺ قال في صحيح البخاري الشفاء ثلاث و ذكر منها كية من نار و النبي ﷺ كوى بعض الصحابة و ليس بحرام لكنه مكروه يستعمل آخر العلاج كما يقال آخر الطب الكي و كذلك يتركون الأمور المفضولة التي هي خلاف الأولى كالاسترقاء و الاسترقاء يعني طلب الرقية كأن يقول يا فلان أرقني هذا ليس بحرام و لا مكره طلب الرقية لكنه خلاف الأولى لما فيه من الحاجة للمخلوق و الميل للمخلوق والذين السبعون ألفا توكلهم كامل على الله فلا يحتاجون للمخلوق و لهذا قال وعلى ربهم يتوكلون لكن إذا تعين تعينت الرقية طريقة للعلاج تزول الكراهة إذا لم يجد طريقة إلا ذلك زالت الكراهة بدليل أن النبي ﷺ أمر بأن يسترقا لأولاد جعفر وكانت تسرع إليهم العين و المقصود أن السبعين ألفا كمل توكلهم على الله عز و جل فتركوا الأمور المحرمة و الأمور المكروهة و الأمور التي هي خلاف الأولى اعتمادا على الله و توكلا عليه .
سؤال :
أرجو ذكر مدة السفر التي بعدها يأخذ المسافر حكم المقيم ؟
الجواب :
المسافر هو الذي يرحل و يضعن كما دلت اللغة على ذلك يرحل و يضعن فإذا أقام في بلد و نوى الإقامة في بلد فلا يكون مسافرا لغة و دلت السنة على استثناء أربعة أيام يقيمها الإنسان كما ثبت أن النبي ﷺ في حجة الوداع قدم مكة في اليوم الربع من ذي الحجة و نزل في ( 57:51 ) و دفع إلى منى في اليوم الثاني في أربعة أيام فاستثنى العلماء أربعة أيام إذا نوى المسافر الإقامة في بلد يوم أو يومين أو ثلاثة أو أربع فهو مسافر و إذا نوى أكثر من أربع أيام فهنا تنقطع أحكام السفر فمن أراد الإقامة في بلد خمسة أيام نقول له لست مسافر من أول فريضة تتم الصلاة و إذا قال أنا نويت أربع أيام ما تزال مسافر لكن المسافر في البلد يصلي مع المسلمين لا يصلي وحده إذا كان في البلد وهو وحده ليس له أن يصلي وحده إذا سمع النداء يجيب و إذا صلى مع الإمام يتم تبعا له هذا هو الصواب الذي ذكره جمهور العلماء و المسألة فيها خلاف فيها أكثر من عشرين قول معروف قول شيخ الإسلام بن تيمية أنه ما يزال مسافر لكن الصلاة أمرها عظيم و لابد فيها من حد فاصل على القول بأنه لا يزال مسافر قول شيخ الإسلام و اختيار الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله أنه لا يزال مسافر حتى يرجع إلى بلده و لو كان عشر سنين للعمال و الطلاب الذين يجلسون عشر سنين هؤلاء مسافرون مقيم و ليس بمستوطن و له حكم السفر , لكن هذا غير معتمد ثلاثة من نسب إليه , كيف يكون الإنسان عشر سنين ساكن و مستأجر و متملك و يرجع إلى بلده نقول هذا مسافر و له أن يفطر في رمضان و له أن يقصر في الرباعية ! الصواب الذي أقره جمهور العلماء و هو الذي عليه الفتوى هو هذا كما سيأتي أن المدة إذا نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام انقطعت أحكام السفر و إن كانت أربع فأقل فهو حكم السفر أما إذا كان في بلد و لا يدري متى تنتهي حاجته فهذا لا يزال مسافر ولو أكثر من أربعة أيام يريد أن يسافر لكن لا يدري متى تنتهي حاجته عنده مطالبة عنده غريم له إن انتهى اليوم سافر إن انتهى غدا سافر ما يدري متى تنتهي هذا لا يزال مسافر لأنه ما قرر الإقامة لا يزال مسافر و لو أقام شهر أو شهرين أو ثلاثة أو أربعة كما فعل ابن عمر لما منعه الثلوج جلس مدة طويلة كل يوم يريد أن يسافر و لكن تمنعه الثلوج هذا لا يزال مسافر .
سؤال :
يأتي بعض الناس بماء للقراءة فيه فهل نفعل ذلك أم نوجههم بأن يقرؤوا بأنفسهم بحيث إنني إمام مسجد ؟
الجواب :
لا شك أن الأولى للإنسان أن يرقي نفسه أو يرقي مريضه لكن لا مانع من أن يقرأ له و جاء ما يدل على هذا القراءة في الماء في سنن أبي داوود لكن الإكثار من هذا بعض الناس يكثر من هذا لاشك أن هذا فيه حاجة للمخلوق و تركخ الأولى ترك أن يطلب أن يرقيه كما سمعتم من حديث السبعين ألفا أن من أوصافهم لا يسترقون لا يطلبون من أحد أن يرقيهم فإذا قال يا فلان أرقني أو اقرأ علي أو اقرأ في الماء معنى هذا احتاج إلى المخلوق و لا يدخل في هذا العلاج من الأطباء و غيرهم و الأسباب الأخرى و البيع و الشراء و الأكل و الشرب كل هذا و لكن هذا خاص بالاسترقاء طلب الرقية و كذلك لو جاء و رقاه قرأ عليه من دون طلب لا يدخل في هذا إنما قال يسترقون الهمزة للطلب يعني يطلبون من يرقيهم يعني إذا أرشد إلى كونه يقرأ على نفسه و كذا فهذا طيب و إذا قرأ على الماء بعض الأحيان أو قرأ على المريض فلا حرج .
سؤال :
امرأة تريد توقيف بيتها بعد وفاتها و هي تريد أن تستفيد منه في حياتها باستثماره و أخذ أجرة إيجاره فكف يكون لها ذلك ؟
الجواب :
هذا حكمه حكم الوصية ليس لها إلا الثلث إذا ماتت و كان الوقف هذا ثلث المال ينفذ و إن كان أكثر فلا يكون إلا الثلث إلا بإجازة الورثة حكمها الوصية لكنه إذا أوقفته وقفا منجزا في حال الحياة لها ذلك لصحتها و رشدها فلا بأس إما إذا أوقف الإنسان و قال وقف بعد موتي صار القرار حكم الوصية لا ينفذ إلا الثلث إذا خرج من الثلث لا بأس لكن ما زاد عن الثلث موقوف على إجازة الورثة إذا كانوا كبار و إذا كانوا قصار لا بد أن يخرج حق القصار الصغار و لا أحد ما يستطيع أحد أن يأذن لهم الكبار كل واحد يأذن لنفسه لكن الصغار يخرج نصيبهم المقصود أن الوقف إذا , السائلة إذا كانت تريد بعد الموت يكون حكمه حكم الوصية الثلث و أما إذا أرادت أن تعجل في وقت الحياة فهذا إليها و هذا أفضل الوقف في وقت الحياة ينظر إليه و يلاحظه في وقت حياته لكن بعد موتك ما تدري ماذا يحصل هل ينفذ ولا ما ينفذ الأفضل أنه يكون في حياتك إذا مات الحمد لله و ما عند الله خير و أبقى أو ما تجعله وقف و تنفقه في المشاريع الخيرية طيب , لكن إذا وقفته بعد موتها فله حكم الوصية ليس لها إلا الثلث ثلث المال إن خرج من الثلث نفذ و إن لم يخرج فلا ينفذ إلا الثلث .
سؤال :
هل المقصود بالجهاد في سبيل الله في سورة الصف قتال الكفار أم أنه شامل لمجالات الجهاد كجهاد المخالفين و جهاد شيطان و النفس ؟
الجواب :
بين الله تعالى وَتُجَـٰهِدُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَ ٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡۚ بأموالكم الجهاد بالمال معروف قدم الله الجهاد بالمال لأن نفعه أعظم , الأصل في الجهاد في سبيل الله قتال الكفار هذا الأصل و إن كان الجهاد جهد النفس و جهاد الشيطان و جهاد الفساق يسمى جهاد لكن الجهاد إذا أطلق المراد جهاد النفس قتال الكفار وَتُجَـٰهِدُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَ ٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡۚ هذه التجارة الرابحة جهاد بالنفس جهاد الكفار و جهادهم بالمال و المعلوم أن الجهاد جهاد الكفار ما يكون إلا بعد جهاد النفس على العلم و التعلم و على العمل ثم يأتي جهاد الكفار .