شعار الموقع

شرح كتاب أصول العقائد الدينية 2_2

00:00
00:00
تحميل
87

بسم الله الرحمن الرحيم

القارئ:

الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الشيخ رحمه الله:فدخل في توحيد الربوبية إثبات القضاء والقدر، وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه على كل شيءٍ قدير، وأنه الغني الحميد، وما سواه فقيرٌ إليه من كل وجه.

شرح الشيخ:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رِّب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 أما بعد:

 فقد بيَّن المؤلف رحمه الله حدّ التوحيد الجامع لأنواعه، وأنه اعتقاد العبد، وإيمانه بتفرد الله لصفات الكمال، وإفراده بأنواع العبادة، وقال رحمه الله:(دخل في هذا توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية)، ثم قال: (فدخل في توحيد الربوبية إثبات القضاء والقدر) سبق أن توحيد الربوبية هو توحيد الله في أفعاله هو؛ كالخلق والرزق والإماتة والإحياء، وغيره،ودخل في توحيد الربوبية: إثبات القضاء والقدر، سبق بالأمس...، أن الإيمان بالقدر لا يتم إلا بالإيمان بمراتبه الأربع؛ وهي: العلم، والكتابة، والإرادة؛ المرادفة للمشيئة، والخلق، تكلمنا بالأمس عن المرتبتين الأوليين،وهما مرتبة العلم والكتابة، وذكرنا الأدلة.

المرتبة الثالثة: الإرادة المرادفة للمشيئة: هو الإيمان بأن كل شيءٍ يقع في هذا الوجود لابد أن يسبق ذلك إرادة الله ومشيئته لوجوده، لا بد أن يسبق وجوده إرادة الله سبحانه وتعالى لإيجاده، إرادة الله ومشيئته؛ لأنه لا يقع في مُلك الله إلا ما يريد، كل شيءٍ يقع في هذا الكون فالله أراد وجوده ووقوعه؛ لأنه لا يقع في مُلك الله إلا ما يريد، هو مالك لكل شيءٍ سبحانه وتعالى فلا يقع في مُلك الله إلا ما يريد، كما قال الله تعالى:{وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيد}[البقرة:253]؛هذه الآية من أدلة الإرادة المرادفة للمشيئة؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (فدخل في توحيد الربوبية إثبات القضاء والقدر، وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن)لابد من الإيمان بعموم المشيئة والإرادة الشاملة لكل شيء يقع في هذا الوجود، بأن تؤمن بأن كل شيء يقع في هذا الوجود، الله شاء وجوده، وأراد وجوده، فلابد من الإيمان بأنه: (ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن)، ما شاء الله لابد أن يكون، وما لم يشأ لم يكن، ومشيئة العباد تابعة لمشيئة الله، كما قال الله تعالى:{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين}]التكوير:29]، {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}]الإنسان:30].

ومن أدلة الإرادة الكونية: قول الله تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء}]الأنعام:125]

ومن أدلتها: قول الله تعالى عن نوحٍ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ{وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ}]هود:34]؛ هذه الإرادة الكونية.

والإرادة إرادتان:

  1. إرادة كَوْنية خِلقية قدرية.
  2. وإرادة دينية شرعية أمرية.

 والمراد هنا الإرادة الكونية، المرتبة الثالثة: هي الإرادة الكونية المرادفة للمشيئة، وأما الإرادة الدينية الشرعية فهي المرادفة للرضا والمحبة، إذًا لابد من الإيمان بأن كل شيءٍ في هذا الوجود لابد أن تسبقه إرادة الله ومشيئته لوجوده.

المرتبة الرابعة: الخلق، لابد من الإيمان بأن كل شيءٍ في هذا الوجود، الله خلقه وأوجده، الخلق والإيجاد والتقدير، كل شيءٍ في هذا الوجود الله خالقه، قال سبحانه:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الزمر:62]، وقال سبحانه: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}[الفرقان:2]، وقال سبحانه: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ} [فاطر:3، والمعنى: ليس هناك خالق غير الله، الاستفهام بمعنى النفي؛ أي: لا خالق غير الله يرزقكم.

فهذه المراتب الأربع، من آمن بها فهو المؤمن بالقدر، ومن لم يؤمن بهذه المراتب فليس مؤمنًا بالقدر، ومن لم يؤمن بالقدر فهو كافر؛ لأن أنكر أصلًا من أصول الدين والإيمان؛ ولهذا لما أنكر القدر بعض الطوائف الذين ظهروا في أواخر عصر الصحابة كفرهم ابن عمر، وهم القدرية، والقدرية طائفتان،القدرية النفاة الذين نفوا القدر، طائفتان:

الطائفة الأولى: ظهروا في أواخر عصر الصحابة، وأنكروا المرتبتين الأوليين وهما العلم والكتابة، ظهروا في البصرة، وأول من تكلم في القدر مَعْبَد البصري،وغيلان الدمشقي، وسبقهم (سوسن)، وكانوا يتعلمون بالبصرة فتكلموا في القدر وأنكروا علم الله بالأشياء قبل وقوعها، فأنكر ذلك عليهم بعض الطلبة والتلاميذ، فقال حُميد الطويل، ويحيي بن يعمر كانا يطلبان العلم في البصرة، فظهر جماعة أنكروا علم الله بالأشياء قبل وقوعها، فأنكروا ذلك عليهم واستفتوا الصحابة، فقال حُميد الطويل لما تكلم مَعْبَد الجهني بالبصرة تكلم بإنكار العلم، علم الله بالأشياء، ليس علم الله بالأشياء قبل كَوْنها خرج حُميد الطويل، ويحيي بن يعمر حاجين ومعتمرين قال: فقلنا: لو وُفِق لنا أحدٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألناه عن هؤلاء: قال: "فوفق لنا عبد الله بن عمر من داحل المسجد الحرام، قال: فاكتنفته أنا وصاحبي، وظننت أنه سيكل الحديث إليَّ، فقلت"؛ يعني عبد الله بن عمر:" أبا عبد الرحمن أنه ظهر قبلنا"؛ يعني في البصرة" أناس يتقفرون العلم"؛ يعنييطلبون العلم، "ويزعمون أن الأمر أنف"؛أي مستأنفٌ وجديد لم يسبق به علم الله، فقال عبد الله بن عمر: "إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني منهم بريء، وأنهم برآء مني، والذي نفس ابن عمر بيده، لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبًا ما قبله الله منهم حتى يؤمن بالقدر"؛وهذا حكمٌ من عبد الله بن عمر بالكفر على من أنكر القدر؛ لأن الذي لا تقبل أعماله هو كافر، كما قال تعالى:{وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ}[التوبة:54]، ثم ساق الحديث، حديث عمر، روى عن أبي.... فيحديث جبرائيل الطويل في سؤالاته للنبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان، ثم عن الساعة، ثم عن المراتب:

فلما سأل عن الإيمان: قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»؛ وهو أول حديثٍ في صحيح الإمام مسلم في هذه القصة، فدلّ هذا على أن من أنكر المرتبتين الأوليين وهما العلم والكتابة، كافر، قد كفّرهم الصحابة؛ لأنهم نسبوا إلى الله الجهل، يقولون: ما يعلم بالأشياءحتى تقع؛ وهذا كفر وردة؛ ولهذا قال الأئمة فيهم الشافعي، وغيره: ناظروا القدرية بالعلم، فإن أقروا به خُصموا، وإن أنكروه كفروا، وانقرضت هذه الطائفة الأولى (10:51)، وظهرت الفرقة الثانية من القدرية المتوسطة، أسسوا المرتبتين الأوليين؛ وهما العلم والكتابة، ولكنهم أنكروا عموم المرتبتين الأخريين، أنكروا عموم الإرادة والمشيئة، فقالوا: إن الله أراد كل شيءٍ في هذا الوجود إلا أفعال العباد، وأنكروا عموم الخلق، والإيجاد والتقدير، وقالوا: إن الله خالق كل شيءٍ إلا أفعال العباد فإنهم خلقوها.

لشبهةٍ عرضت لهم، وأنهم زعموا، يزعمون أنهم..، يقولون: لو قلنا: إن الله أراد الأشياء، كل شيءٍ في هذا الوجود، وخلق المعاصي، والكفر يعذب عليه لكان ظالمًا، ونتيجة لذلك قالوا: أن العبد هو الذي خلق فعله؛ حتى يستحق الثواب على حسناته والعقاب على سيئاته، وقالوا: إن الله ما أراد أفعال العباد، ولا شاءها، ولا خلق المعاصي، والعباد هم الذين خلقوا أفعالهم لشبهة عرضت لهم،فهؤلاء مبتدعة، هؤلاء مبتدعة؛ لأنهم لم يجحدوا وإنما تأوَّلوا، بخلاف الطائفة الأولى فإنهم كفار، والمؤلف رحمه الله قال: (إنه يدخل في توحيد الربوبية الإيمان بالقضاء والقدر)يدخل في توحيد الربوبية .

توحيد الربوبية هو الإيمان بأن الله هو الخالق، الرازق، الـمُدبر، المحيي، المميت، وأنه الذي قدَّر الأشياء داخل في توحيد الربوبية وإثبات القضاء والقدر، القضاء والقدر يطلق أحدهما على الآخر، إذا أطلق القضاء دخل فيه القدر، وإذا أطلق القدر دخل فيه القضاء، والقضاء له معاني: يطلق على منها: (12:54){فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ}[فصلت:12]ومنها الأمر وصية في قوله:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ}[الإسراء:23]، ويطلق على القدر، والمراد هنا: إثبات المقادير؛ إذًا يدخل في توحيد الربوبية:

  1. إثبات القضاء والقدر.
  2. وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

الذي يشاءه الله لا بد أن يكون، والذي لا يشاءه الله لا يكون، وأنه على كل شيء قدير؛ هذا فيه الرد على المعتزلة الذين يقولون: إن أفعال العباد غير داخلة في عموم المشيئة والإرادة، وأنه على كل شيء قدير، فهو قادر على أفعال العباد وغيرهم، لكن المعتزلة ينكرون أن تكون أفعال العباد مقدورة لله، أو مخلوقة له، ولهذا تجد في بعض الرسائل، أو بعض المؤلفات، بعض المؤلفين يقول: إنه على ما يشاء قدير، ولا يقول: إنه على كل شيء قدير؛ وهذا يتمشى مع مذهب المعتزلة الذين ينكرون أن يكون الله (14:25)، قالوا: إنه على ما يشاء قدير، والذي لم يشاءه ليس قديرًا عليه؛ وهي أفعال العباد؛ هذا المعنى، لكنه على ما يشاء قدير، فهو قدير على ما يشاء وأفعال العباد لا يشاءها فلا يكون قديرًا عليها؛ لأن العبد هو الذي يخلقها؛ وهذا خطأ، لأن الواجب أن يقال: إن الله على كل شيء قدير، وهو على كل شيء قدير؛ كما قال الله تعال:{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا}[الكهف:45]، وأما قول الله تعالى في سورة الشورى: {وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ}[الشورى: 29]؛ فهذا مقيد، المراد بقوله: {إِذَا يَشَاءُ}؛ المشيئة متعلقة بالجمع، وهو على جمعه لا يشاء جمعهم، وليس المراد أن المشيئة متعلقة بالقدرة، لا، {وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ}[الشورى: 29]؛ يعني: إذا يشاء جمعهم فهو قدير، (وأنه الغني حميد) أيضًا يدخل في توحيد الربوبية الإيمان بأن الله غني عن العالمين؛ كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت: 6]؛ عن العالم كله، غني عن الآدميين، عن بني آدم، وغني عن الجن، وغني عن الملائكة، وغني عن السماوات، وغني عن الأرضيين، وغني عن جميع المخلوقات، وأنه الغني عن جميع العالم؛ فكلها سوى الله عالم، وهي المخلوقات فالله غني عنها.

الحميد: المستحق للحمد الذي تحمده الخلائق، لما له سبحانه وتعالى من الأسماء الحسنى والصفات العلا، والملأ من بديع المخلوقات، والملأ هنا؛ يعني النعم على عباده، حتى أهل النار إذا دخلوا النار يحمدون الله، ويعترفون بأنهم مستحقون للعذاب، ويحمدون الله على ذلك، حتى أهل النار يحمدون، وإذا دخلوا النار عرفوا أنهم ليس لهم عقول سليمة تهديهم إلى الحق، وليس لهم أسماع تنفعهم، قال الله عنهم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ}[الملك: 10، 11]، حتى العصاة، وحتى أهل النار يحمدون الله؛ فهو الحميد المحمود المستحق للحمد، الذي يحمده أهل السماوات وأهل الأرضيين، ويحمد نفسه سبحانه وتعالى فهو المستحق للحمد؛ بل جميع أنواع المحامد كلها ملك لله، وهو مستحق لها.

فيدخل في توحيد الربوبية الإيمان بأن الله غني حميد، (وما سواه فقير إليه من كل وجه)؛ ما سوى الله فقير إليه من جميع الوجوه؛ فالآدميون فقير إلى الله بجميع الوجوه، لا وجود لهم إلا بالله، وكذلك الجن، وكذلك السماوات والأرضيين، إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا، وهو الحامل للعرش، ولحملة العرش بقوته وقدرة؛ فكل شيء سوى الله فقير إليه من جميع الوجوه، لا وجود له إلا بالله، لا وجود لهذه المخلوقات إلا بالله؛ فهي فقيرة مفتقرة إليه، مفتقرة في كل شيء، مفتقر الله في وجودك، في حياتك، فيما يكون سبب في حياتك، مفتقر إلى الله أن يجعلك حيًّا سميعًا بصيرًا، وأن يجد لك أسباب الحياة من أنواع الأطعمة والأشربة والهواء، وغيرها؛ فكل ما سوى الله فقير إليه.

 

القارئ:

قال رحمه الله: ودخل في توحيد الأسماء والصفات إثبات جميع معاني الأسماء الحسنى لله تعالى الواردة في الكتاب والسنة، والإيمان بها ثلاث درجات:

إيمان بالأسماء.

وإيمان بالصفات.

وإيمان بأحكام صفاته.

كالعلم بأنه عليم ذو علم ويعلم كل شيء، قدير ذو قدرة ويقدر على كل شيء إلى آخر ما له من الأسماء المقدسة.

شرح الشيخ:

سبق أن توحيد الأسماء والصفات: هو الإيمان بالأسماء والصفات التي وردت في الكتاب والسنة، وإثبات ما أثبت الله لنفسه من الأسماء والصفات، أو أثبته له رسوله صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ من الأسماء الحسنى والصفات العلا.

قال المؤلف رحمه الله: (ودخل في توحيد الأسماء والصفات إثبات جميع معاني الأسماء الحسنى لله تعالى الواردة في الكتاب والسنة)؛وهذا فيه الرد على المعتزلة الذين يثبتون الأسماء ويقولون: ليس لها معاني، وينكرون الصفات، والمعتزلة تقول: نثبت الأسماء (عليم، قدير، السميع، البصير) لكن ليس لها معاني، لا يثبتون المعاني، ومنهم من يقول: عليم بلا علم، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، ومنهم من يقول: إن هذه الأسماء مترادفة (عليم، سميع، بصير) مترادفة، وليس لها معاني، مثل: (قمتم، ووقفتم)؛ مترادفة، ما الفرق بينهما؟ (قمتم، ووقفتم) المعنى واحد، قعدتم وجلستم، القعود هو الجلوس، والجلوس هو القعود، كذلك أسماء الله ليس لها معاني، العليم مثل: القدير والسميع كلها معنى واحد؛ وهذا من أبطل الباطل.

والمؤلف رحمه الله يقول: دخل في هؤلاء لم يقولوا بالأسماء الحسنى، وإن دعوا أنهم يثبتونها، أثبتوا أسماء مجردة لا معاني لها؛ فلابد من إثبات معاني الأسماء الحسنى، ومعاني الصفات العلا؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ودخل في توحيد الأسماء والصفات إثبات جميع معاني الأسماء الحسنى لله تعالى الواردة في الكتاب والسنة، والإيمان بها ثلاث درجات) الإيمان بها: بالأسماء والصفات ثلاثة درجات.

أولًا: (إيمان بالأسماء)؛ تؤمن بأن الله سمى نفسه بالعليم، وأن العليم من أسماء الله، تؤمن بأن القدير من أسماء الله، تؤمن بأن الرحيم من أسماء الله، تؤمن بأن العليم من أسماء الله.

والدرجة الثانية: (الإيمان بالصفات)؛ وصف الله نفسه بالعلم؛ تؤمن بأن من صفات الله العلم {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ}[الأنعام: 59]، تؤمن بأن الله وصف نفسه بالعلم، تؤمن بأن الله وصف نفسه بالاستواء {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[الأعراف: 54]، تؤمن بأن الله وصف نفسه بالرضا (رضي الله عنه ورضوانه)، تؤمن بأن الله وصف نفسه بالغضب إذا شاء؛ فهذه صفات متعلقة بالمشيئة والاختيار، يرضى إذا شاء، ويغضب إذا شاء.

الدرجة الثالثة: (الإيمان بأحكام صفاته؛ كالعلم بأنه عليم ذو علم)؛ مثلًا: من أسماء الله العليم؛ تؤمن بأن العليم من أسماء الله الحسنى، وتؤمن بأن العليم مشتمل على صفات العلم؛ هذه المرتبة الثانية؛ الدرجة الثانية، والدرجة الثالثة: تؤمن بأحكامها نفسها بأن تقول: تؤمن بأنه عليم ذو علم.

إذًا المرتبة الأولى، أو الدرجة الأولى:الإيمان باسمه العليم، الثانية: الإيمان بصفة العلم، لأن أسماء الله مشتقة كل اسم مشتمل على صفة، العليم اشتمل على صفة العلم، والرحيم مشتمل على صفة الرحمة، أن تؤمن باسم الله العليم؛ هذه الدرجة الأولى، تؤمن بأن من أسماء الله العليم، ثانيًا: نؤمن بأن الله متصف بالعلم الذي اشتمل عليه اسمه العليم، ثالثًا: تؤمن بأحكام هذه الصفات؛ تؤمن بأنه عليم ذو علم، ويعلم كل شيء؛ هذه أحكام الصفات، الإيمان بأنه عليم؛ هذا الاسم، المرتبة الثانية أو الدرجة الثانية: الإيمان بأنه متصف بالعلم، المرتبة الثالثة: أن تؤمن بأنه عليم ذو علم، ويعلم كل شيء.

كذلك اسم الله القدير الإيمان به على ثلاثة درجات:

الدرجة الأولى: الإيمان بأن من أسماء الله القدير؛ لأن الله سمى نفسه.

ثانيًا: الإيمان بأنه متصف بالقدرة؛ لأن الاسم مشتمل على الصفة.

ثالثًا: تؤمن بأحكام هذه الصفة؛ فتؤمن بأنه قدير ذو قدرة، يقدر على كل شيء.

وهكذا اسم الله السميع {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: 11]، تؤمن بأن من أسماء الله السميع، وتؤمن بالصفة؛ المرتبة الثانية، تؤمن بأنه وصف نفسه بالسمع، وتؤمن بأحكام الصفة بأنه ذو سمع يسمع به كل شيء، كذلك البصير من أسماء الله {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: 11] الإيمان به على ثلاثة درجات:

أولًا:الإيمان بأن من اسمائه البصير.

ثانيًا: الإيمان بأنه متصف بالبصر.

ثالثًا: الإيمان بأحكام الصفات تؤمن بأنه بصير ذو بصرٍ يبصر به كل شيء.

إلى آخر ما له من الأسماء والصفات.

القارئ:

 قال رحمه الله:ودخل في ذلك إثبات علوه على خلقه، واستوائه على عرشه، ونزوله كل ليلة إلى السماء الدنيا على الوجه اللائق بجلاله وعظمته.

شرح الشيخ:

 يقول المؤلف رحمه الله: (ودخل في ذلك)؛ يعني: في توحيد الأسماء والصفات إثبات علو الله على خلقه، واستوائه على عرشه.

إثبات علو الله على خلقه: يثبت صفة العلو لله، وأن الله له العلو المطلق بأنواعه الثلاثة، تؤمن بأن الله...، تثبت علو الله على خلقه بأنواعه الثلاثة، نؤمن بأنه عليٌّ على خلقه بذاته، أن ذاته فوق العرش، عليٌّ على عرشه، عليٌّ على خلقه، يعني فوق خلقه، وأعلى المخلوقات وسقفها عرش الرحمن والله فوق العرش، وتؤمن بأن الله مستوي على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته؛هذا النوع الأول:

 تؤمن بأن ذاته عليّة، وأنه فوق العرش.

ثانيًا: الإيمان، النوع الثاني من العلو: علو القدر والشأن والعظمة، تؤمن بأن قدر الله عظيم، وشأنه عظيم.

ثالثًا؛ النوع الثالث: تؤمن بعلو القهر والسلطان والغلبة.

هذه ثلاثة أنواع كلها ثابتة لله: علو الذات وأن ذاته فوق العرش، وعلو القدر والشأن والعظمة، وعلو القهر والسلطان، كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله في [الكافية الشافية]:

والفوق أنواع ثلاث كلها
 

 

لله ثابتة بلا نكران
 

 

علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر، ثلاثة أنواع، وقد أثبت أهل البدع نوعان من العلو وأنكروا نوعًاثالثًا؛ فأثبتوا علو القدر والشأن وعلو القهر، وأنكروا علو الذات من الجهمية والمعتزلة وغيرهم، قالوا: الله له علو في القهر والسلطان، وله علو القدر والشأن، أما علو ذات لا، لا نؤمن به، أين هو؟ قالوا: ليس ذاته فوق العرش، أين هو؟ طائفتان الذين أنكروا العلو وهم الجهمية طائفتان:

الطائفة الأولى؛ الجهمية الأولى قالوا: إنه مختلط بالمخلوقات في كل مكان، نعوذ بالله، حتى قالوا: إنه في بطون السباع، وفي أجوفة الطيور، وفي كل مكان، نعوذ بالله، حتى أنهم لم ينزهوا الرب عن الأماكن القذرة، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرا.

والطائفة الثانية من الجهميةالنفاة:سلبوا النقيضين عن الله؛ فإذا قيل لهم: فوق العرش، قالوا: لا، أين هو؟ قالوا: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محيط له، ولا متصل به ولا منفصل عنه، أين يكون؟ هذا ليس بين العالم ولا خارجه، لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محيط له، ولا متصل به ولا منفصل عنه، أين يكون؟ معدوم، أشد من المعدوم يكون مستحيل ممتنع؛ هذا المستحيل ليس معه النقيضان، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.

فهم أنكروا علو الذات، وأثبتوا علو القدر والقهر، وشبهتهم يقولون: لو قلنا: إن الله فوق العرش، وأنه في جهة العلو للزم منذلك تنقص الرب؛ لأنه يكون في جهة واحدة محدودة ومتحيزة، وهذا ما يدل عليه يكون جسمًا، الذي يكون في جهة هو الجسم المحدود المتحيز، محصور، تحصره في جهة واحدة، ويقولون: إن أهل السنة تتنقص الرب، جعلوه في العلو في جهة واحدة محصور محدود متحيز، لا، هو أكبر من كل ذلك، هو ذاهب في جميع الجهات في كل مكان، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا، وهذا كفر وضلال.

قد كفر السلف من أنكر العلو، والمراد: تكفير العموم، أما الواحد المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة، ووجدت الشروط، وانتفت الموانع، لكن هذا العموم من أنكر علو الله على خلقه كفر، ومن أنكر رؤية الله يوم القيامة كفر، ومن قال القرآن مخلوق كفر على العموم، لكن فلان ابن فلان أنكر العلو هل نكفره؟ نقول: إذا قامت الحجة عليه، نبين له الحجة، ونبين له الأدلة، ونقيمها عليه؛ فإذا أصر بعد ذلك يحكم بكفره، أما قبل ذلك فلا، لكن يكفر على العموم.

وقال المؤلف رحمه الله: (ودخل في ذلك إثبات علوه على خلقه، واستواؤه على عرشه، ونزوله كل ليلة إلى السماء الدنيا) أيضًا يدخل في إثبات الأسماء والصفات الإيمان بالنزول؛ بأن الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا؛ كما ثبت في الحديث الصحيح من طرق متعددة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ قال: «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟حَتَى يَطلع الفَجر» وهذا الحديث رواه الشيخان؛ البخاري ومسلم، وأصحاب السنن، والإمام أحمد، وغيرهم، وهو متواتر، حديث متواتر؛ لأن الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا نزولًا يليق بجلاله وعظمته.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (على الوجه اللائق بجلاله وعظمته) فهو ينزل نزوله وعلوه على الوجه اللائق بجلال الله وعظمته، لا نعلم كيفيته، وهل يخلو العرش منه إذا نزل؟

 للعلماء ثلاثة أقوال: قيل: يخلو العرش، وقيل: لايخلو، وقيل: بالتوقف، وأرجحها: أنه لا يخلو العرش، وهو فوق العرش سبحانه وتعالى، وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا نزولًا يليق بجلاله وعظمته، لا نعرف كيفيته، فعل يفعله الله أعلم بكيفيته، ليس كنزول المخلوق، وأشكل هذا على بعض الناس، وقال: كيف؟ ثلث الليل يختلف، نحن لو عندنا ثلث الليل هنا، لكن في أمريكا مثلًا يكون لها ويأتي ثلث الليل آخر في وقت آخر، وكذلك أيضًا في بعض الجهات في وقت آخر؛ فلا يجوز الرب ينزل، نقول: هذه الشبهة وردت في ذهنك من كونك شبهت نزول الله بنزول الخلق.

لكن هذا قول لا يمكن، ولا نعرف كيف ينزل، ما نكيف النزول، هذا نزول المخلوق الذي تقول: أنه ينزل أن يكون يلزم، لا يلزم الرب ينزل، في ثلث الليل في هذا القطر انتهى ثلث الليل، يأتي في المكان الآخر ينزل الرب، وجاء ثلث الليل، ولا يزال الرب ينزل ينزل، نقول: هذا نشأ من كونك ما فهمت من نزول الله إلا كما تفهم من نزول المخلوق، شبهت، فلذلك استشكلت، لكن نحن الآن نقول: ينزل ولا نعلم كيف ينزل، إذا كنت في أي مكان في الدنيا وجاء ثلث الليل الآخر فأعلم أن هذا وقتالتنزل الإلهي.

شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رد على هذه الشبهة، في رسالة كاملة سماها [شرح حديث النزول] جواب على هذا السؤال.

اثنين، الثاني تحاورا، كل واحد قال:ينزل ،كيف ينزل؟ فقال له آخر: لا نعلم كيف ينزل؛ فقال له: أنه ينزل على أماكن متعددة، فيلزم عليه النزول في كل وقت، فأجاب المؤلف رحمه الله في رسالة كاملة.

وهذا النزول، وصفة النزول، فلابد من الإيمان بصفة النزول، وهذه صفة النزول من الصفات الفعلية، ينزل كما يليق بجلاله وعظمته.

وقد أنكر المعتزلة والأشاعرة والجهمية النزول وأولوها قال بعضهم، قال بعض الأشاعرة: ينزل رحمته، هذا غلط، رحمته تنزل في كل وقت، في ثلث الليل وفي غيره،قال آخرون: ينزل ملك؛وهذا باطل، النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ يقول: «يَنْزِلُ رَبُّنَا» ما قال ينزل ملك، ما يعرف الرسول أن يقول ينزل ملك؟! ثم أيضًا الرب يقول: «مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟» هل يقول الملك: من يدعوني فأستجيب له؟! هل يمكن أن يقول هذا الملك مخلوق؟! هذا من أبطل الباطل.

فلابد من الإيمان بالنزول، وأنه الله تعالى ينزل كما يليق بجلاله وعظمته.

القارئ:

قال رحمه الله: ودخل في ذلك: إثبات الصفات الذاتية التي لا ينفك عنها كالسمع والبصر والعلم والعلو ونحوها.

والصفات الفعلية: وهي الصفات المتعلقة بمشيئته وقدرته كالكلام، والخلق، والرزق، والرحمة، والاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا كما يشاء، وأن جميعها تثبت لله من غير تمثيل ولا تعطيل، وأنها كلها قائمة بذاته وهو موصوف بها، وأنه تعالى لم يزل ولا يزال يقول ويفعل، وأنه فعال لما يريد، يتكلم بما شاء إذا شاء كيف شاء، لم يزل بالكلام موصوفًا، وبالرحمة والإحسان معروفًا.

شرح الشيخ:

 يقول المؤلف رحمه الله: (ودخل في ذلك)؛ يعني: في توحيد الأسماء والصفات، (إثبات الصفات الذاتية التي لا ينفك عنها، والصفات الفعلية) إذًا الصفات تنقسم إلى قسمين:

  1. الصفات الذاتية.
  2. والصفات الفعلية.

 وضابط الصفات الذاتية: هي التي لا عن الباري، لا ينفك عنها، ملازمة.

مثل المؤلف هنا الصفات الذاتية قال: ( كالسمع والبصر والعلم والعلو) السمع، والبصر، والعلو، والعلم، والعزة، والعظمة، والكبرياء؛ كل هذه الصفات ملازمة للرب، صفات ذاتية، والوجه، واليدين؛ فهذه ملازمة، فلا يقال: إنه في وقت يسمع وفي وقت لا يسمع، في وقت يبصر وفي وقت لا يبصر، لا؛ ملازمة للرب، لا تنفك عن الباري، الرب صفاته ذاتية لا ينفك عنها، السمع والبصر، ولا يقال في وقت في العلو وفي وقت السفل لا، في جميع الأوقات في العلو لا تنفك عن الباري، العزة: لا يقال في وقت عزيز وفي وقت غير عزيز، هذه الصفات الذاتية التي لا ينفك عنها؛ كالسمع والبصر والعلو والقدرة والعظمة والكبرياء.

(والصفات الفعلية: وهي الصفات المتعلقة بمشيئته وقدرته)، ضابط الصفات الفعلية: هي الصفات التي تتعلق بمشيئته وقدرته واختياره، مثل المؤلف هنا لها رحمه الله قال: ( كالكلام) والمراد: أفراد الكلام؛ وإلا فنوع الكلام قديم؛ ولهذا يقول العلماء: نوع الكلام قديم، وأفراده حادثة؛ فهو يتكلم إذا شاء، فهو سبحانه وتعالى كلم موسى، وكلم نبيناصَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ في المعراج، وفرض عليه الصلاة خمسين صلاة، ويكلم آدم يوم القيامة، يقول: يا آدم، أخرج بعث النار، هويتكلم إذا شاء.

(والخلق) يخلق إذا شاء، (والرزق) يرزق إذا شاء، (والرحمة) يرحم إذا شاء، (والاستواء على العرش) من الصفات الفعلية لأنه كان بعد خلق السماوات والأرضيين؛ فالله خلق العرش ولم يستوِ عليه، ثم خلق السماوات والأرض، ثم استوى على العرش؛ فدل على أنه من الصفات الفعلية، الاستواء على العرش كان بعد خلق السماوات والأرض، خلق العرش سابق، ثم خلق الله السماوات والأرض، ثم استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض، {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ}[الأعراف: 54].

(والنزول إلى السماء الدنيا)؛ متعلق بالمشيئة ينزل إذا شاء كما يشاء؛ كل هذا داخل في الإيمان بتوحيد الأسماء والصفات.

يقول المؤلف: (وأن جميعها تثبت لله)؛ الإيمان بأن جميع الصفات الفعلية والذاتية كلها ثابتة لله (من غير تمثيل)؛ لا تشبه، لا نمثلها بصفاتالمخلوقين؛ فالعزة من صفات الله العزة، لا تشبه ذات المخلوق؛ لا تماثل عزة المخلوق، ومن صفاته الرضا والغضب لا نمثلها بالمخلوقين من غير تمثيل، (ولا تعطيل)؛ لا نعطل الصفة، بل نثبتها، تثبت الصفة لله لكنها لا تماثل صفات المخلوقين، (وأنها كلها قائمة بذاته وهو موصوف بها) نعم؛ كالكلام والقدرة والسمع والبصر والرضا؛ كلها قائمة بذاته، وهو موصوف بها، وأنه تعالى لم يزل ولا يزال يقول ويفعل؛ لم يزل ولا يزال يتكلم ويقول ويفعل، كما قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء: 164]،{وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}[الأعراف:143]،{وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ}[مريم: 52]، ولم يزل يفعل: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}[هود: 107]؛ يعني: الكلام والفعل صفة كمال، والله تعالى موصوف بالكمال، (وأنه فعال لما يريد) داخل في توحيد الأسماء الصفات، الإيمان بأن الله فعال لما يريد، يتكلم بما شاء إذا شاء كيف شاء، سبحانه وتعالى، يتكلم بما شاء كيف شاء إذا شاء، كلم موسى، وكلم جبرائيل، ويكلم المؤمنين في الجنة، ويكلم الناس يوم القيامة، يتكلم بما شاء إذا شاء كيف يشاء، (لم يزل بالكلام موصوفًا، وبالرحمة والإحسان معروفًا)؛ لابد من الإيمان بأن الله لم يزل موصوف بالكلام، ولم يزل بالرحمة والإحسان معروفا.

القارئ:

قال رحمه الله: ودخل في ذلك الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وأنه المتكلم به حقًّا، وأن كلامه لا ينفد ولا يبيد.

شرح الشيخ:

فيدخل في توحيد الأسماء والصفات (الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق)، الكلام صفة من صفاته، (فدخل في هذا الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود)؛ هذا هو الذي دلت عليه النصوص، وهو الذي أقره أهل السنة والجماعة؛ بأن كلامه منزل من عنده، كما قال الله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ}[النحل: 102] من ربك، وقال: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}[الشعراء: 193، 194]، وقال: {وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي}[السجدة: 13]، وقال: {حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[الأحقاف: 1، 2]، {حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ}[فصلت: 1، 2].

فالقرآن منزل، وليس كنزول الأنعام، ونزول الحديد، ونزول المطر كما يشبه بذلك المعتزلة يقولون: كونه منزل لا ينافي أنه مخلوق، بدليل أننا نجد بعض المخلوقات منزلة وهي مخلوقة، قال الله: {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ}[الحديد: 25]، قال: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}[الفرقان: 48]، وقال: {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ}[الزمر: 6]، فيكون هناك فرق الحديد، قال: {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ}[الحديد: 25]؛ هنا مُطلق، ما قال: وأنزلنا الحديد مني، وذلك أن الحديد يُأخذ من أعالي الجبال، وهو ينزل من أعالي الجبال، والأنعام تنزل يعني المراد بنزولها: أنها تخرج من بطون أمهاتها، تنزل إلى الأرض، والمطر (42:44)،{وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}[الفرقان: 48] مقيد بأنه من السماء.

لكن القرآن قال الله: {وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي}[السجدة: 13]، {تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ}[فصلت: 2]، {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ}[الشعراء: 193، 194]، {تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت: 42]، فلا بد الإيمان بأن كلام الله منزل غير مخلوق، وذهبت المعتزلة إلى أن كلام الله مخلوق لفظه ومعناه؛ فكفرهم العلماء، وقالوا: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، المعتزلة يقولون: كلام الله مخلوق لفظه ومعناه، وقالوا: إن الله تعالى خلق الكلام في الشجرة التي كلمت موسى، الشجرة هي التي قالت: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[القصص: 30] تعالى الله عما يقولون.

وأما الأشاعرة فإنهم قالوا: الكلام معنى قائم بالنفس، الكلام هو المعنى، واللفظ ليس معنى، الكلام ليس حروف، الحروف والألفاظ هذه مخلوقة، والمعنى هو كلام الله، وصار مذهبهم(43:54) مذهب المعتزلة،المعتزلة يقولون: الكلام مخلوق لفظه ومعناه، والأشاعرة قالوا: اللفظ مخلوق والحروف مخلوقة، والمعنى غير مخلوق، وهذا من الصفات السبعة التي يثبتها الأشاعرة، الكلام، لكن ما يثبتها على وجه، قالوا: الكلام ليس لفظًا، الحروف والألفاظ ليست معنى، الحروف والألفاظ ليست كلام، ما هو الكلام؟ قالوا: الكلام المعنى القائم بالنفس، قالوا: إن الرب ماتكلم، ما سمع منه كلام، جبرائيل ما سمع الكلام من الله، لماذا؟ قالوا: لأن الكلام ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لفظًا، لو كان الكلام حرف وصوت، ولفظ للزم بذلك حدوث الحوادث في ذات الرب؛ هذه شبهتهم، ففرارًا من ذلك، قالوا: الحروف والألفاظ والأصوات ليست من الكلام، ما هو الكلام؟ الكلام معنى قائم بالنفس مثل: العلم، كما العلم قائم بنفسه فالكلام قائم بنفسه، كيف يفهم العلم؟ كيف نفهم كلام الله؟ قالوا: الله تعالى اضطر جبريل اضطرار ففهم المعنىالقائم بنفسه فعبر بهذا القرآن، فهذا القرآن كلام جبريل عبر به عما في نفس الله، قالوا: كيف علم ما في نفس الله؟ قالوا: اضطره الله اضطرار ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر به.

وقالت طائفة من الأشاعرة: الذي عبر به محمد، وقالت طائفة ثالثة من الأشاعرة: جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ، ولم يسمع من الله ولا كلامه؛ بل جعله الله أبكم لا يستطيع الكلام، نعوذ بالله، تعالى الله عما يقولون.

ولهذا تجد بعض الأشاعرة يقول: المصحف ما في كلام الله مجاز، هذا المصحف ما فيه كلام الله، كلام الله قائم بنفسه، ولكن نسميه كلام الله مجازًا؛ لأنه تأدى به كلام الله؛ ولهذا بعضهم، والعياذ بالله لا يبالي لو ألقي المصحف لو رمي، لأنه ما فيه كلام الله، هذا مجاز تأدى به كلام الله، تعالى الله عما يقولون، وهذا من أبطل الباطل، (46:17).

الألفاظ والمعاني، كلام الله بحرف وصوت يسمع، قال الله: {وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ}[الشعراء: 10] النداء ليس نداء صوت، وفي الحديث: «إن الله ينادي يوم القيامة بصوت»، وفي الحديث الآخر: «إن الله ينادي بصوت يسمعه من قرب كما يسمعه من بعد»؛ فلابد من إثبات الحرف والصوتمن كلام الله، خلافًا للأشاعرة الذين يقولون: الحروف والأصوات (46:45) مخلوقة، وخلافًا للمعتزلة الذين يقولون: الألفاظ والمعاني مخلوقة، فلابد من الإيمان، فيدخل في توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات،  الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ؛ أن الله تكلم به، (وإليه يعود)؛ في آخر الزمان، حينما يرفع القرآن في آخر الزمان، وهو من أشراط الساعة الكبار إذا ترك الناس العلم بالقرآن رفع من الصدور، ومن المصاحف، والعياذ بالله، وتحدث أشراط الساعة الكبار بعد خروج الدجال، وبعده نزول عيسى، وخروج يأجوج ومأجوج، تأتي أشراط الساعة الكبار، ومنها: نزع القرآن من المصاحف ومن الصدور، نعوذ بالله، إذا ترك الناس العمل به، فيصبح الناس لا يجدون في صدورهم آية، ولا مصاحفهم آية، نعود بالله؛ هذا معنى قوله: وإليه يعود، (منه بدأ وإليه يعود، وأنه المتكلم به حقًّا)؛ لابد من الإيمان بأن الله المتكلم به حق، الأشاعرة يقولون: المتكلم الشجرة هي التي قالت: { يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[القصص: 30]، هذا من أبطل الباطل، وأنه المتكلم به حقًّا، وأن كلامه لا ينفد، ما ينتهي كلام الله، ولا يبيد، بخلاف كلام المخلوق ينفد ويبيد، لكن كلام الله ما ينفد، حتى ولو جعلت البحار مدادًا يكتب به كلام الله لانتهت البحار، ولم تنفذكلمات الله، لو جعل البحر هذا، البحار يمده سبعة أبحر، وجعلت حبر وداد يكتب به ، وجعلت الأشجار التي في الدنيا أقلام يكتب بها لتكسرت الأقلام ونفذت مياه البحار ولم تنفد كلمات الله، {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}[الكهف: 109]، {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[لقمان: 27].

فإذًا يدخل في توحيد الأسماء والصفات الإيمان بأن كلام الله لا ينفد ولا يبيد.

القارئ:

قال رحمه الله: ودخل في ذلك الإيمان بأنه قريب مجيب، وأنه مع ذلك عليٌّأعلا، وأنه لا منافاة بين كمال علوه وكمال قربه؛ لأنه ليس كمثله شيء في جميع نعوته وصفاته.

شرح الشيخ:

يقول المؤلف: (ودخل في ذلك الإيمان)؛ يعني الإيمان بتوحيد الأسماء والصفات، الإيمان بأن الله (قريب مجيب) كما قال سبحانه وتعالى: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌب}[هود: 61]، قال الله تعالى عن صالح حيث قال: {وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍغَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}[هود: 61].

فهو سبحانه وتعالى قريب، وقربه نوعان:

  1. قريب قربه من الداعيين بالإجابة.
  2. وقربه من العابدين بالإثابة

فهو من الداعيين بالإجابة، كقوله تعالى:  {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}[البقرة: 186] قريب من من؟ قريب من السائلين، لم يقل له: قريب من كل أحد {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة: 186]، وقال عن صالح: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}[هود: 61] للمستغفرين التائبين، {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}[هود: 61].

وكما أنه رحيم ودود بهم كما قال شعيب: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}[هود: 90]؛ وهو قريب مجيب للمستغفرين التائبين، رحيم ودود بهم.

والنوع الثاني: قريب من العابدين بالإثابة، كما قال سبحانه: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ۩}[العلق: 19]، اسجد لله، واقترب من الله؛ فالساجد قريب من الله، في الحديث: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد»؛ هذا قربه من العابدين بالإثابة.

وهل هو قريب من كل أحد؟ ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، وغيره، وابن القيم إلى أن القرب نوعان خاص وليس عامًا، وهو نوعان:

  1. قريب من الداعين بالإجابة.
  2. وقريب من العابدين بالإثابة.

قال: ولم يأتي ما يدل على أنه قريب من كل أحد، قال: وأما قول الله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق: 16] قال المراد: قرب الملائكة بدليل أنه قيده بالظرف{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ}[ق: 17]، وقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ}[ق: 17]؛ فقيده بتلقي المتلقيان فدل على أن المراد: قرب الملائكة، وكذلك قوله تعالى في سورة الواقعة: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ}[الواقعة: 85]، الميت، {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ}[الواقعة: 83، 85] قال: نحن أقرب إليه من ملائكتنا، ولكن لا تبصرون الملائكة.

وذهب بعض العلماء إلى أن القرب يكون عامًا، وقالوا: إن قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق: 16]، الضمير يعود إلى الله، والمعنى: نحن أقرب إليه بالعلم، وقال بعضهم: نحن أقرب إليه بالقدرة، وقال بعضهم: بالقدرة والرؤيا.

فإذًا يدخل في توحيد الربوبية الإيمان بأن الله (قريب مجيب، وأنه مع ذلك عليٌّأعلا)؛ فهو قريب مجيب، وهو عليٌّ أعلا، علي ذاته علية فوق العرش، وهو قريب مجيب، ولا منافاة، على كل حال توجيه شيخ الإسلام كما سبق له وجه، بعض العلماء قالوا: إن الضمير يعود إلى الله، لكن المراد: نحن أقرب إليه بالعلم، فهو بالقدرة والرؤية، أما ذات الرب فوق العرش سبحانه وتعالى.

(وأنه مع ذلك عليٌّ أعلا)؛ فلابد من الإيمان بأنه قريب مجيب، وهو عليٌّ أعلا، (وأنه لا منافاة بين كمال علوه وكمال قربه)؛ فله كمال العلو، وذاته فوق العرش، وله كمال القرب؛ فهو يجيب الداعين، ويثيب العابدين، وهو فوق العرش سبحانه وتعالى، قال: (لأنه ليس كمثله شيء في جميع نعوته وصفاته)؛ وهو ليس كمثله شيء، ليس كالمخلوق، المخلوق إذا كان (54:36) فلا يكون قريبًا ويكون عليًّا، لكن الرب ليس كمثله شيء؛ فهو له كمال العلو، وله كمال القرب، لا منافاة؛ (لأنه ليس كمثله شيء في جميع نعوته وصفاته) لا يشابه المخلوقين في صفاتهم ونعوتهم.

القارئ:

قال رحمه الله: ولا يتم توحيد الأسماء والصفات حتى يؤمن بكل ما جاء به الكتاب والسنة من الأسماء والصفات، والأفعال، وأحكامها على وجه يليق بعظمة الباري، ويعلم أنه كما أنه لا يماثله أحد في ذاته؛ فلا يماثله أحد في صفاته.

ومن ظن أن في بعض العقليات ما يوجب تأويل بعض الصفات على غير معناها المعروف فقد ضل ضلالًا مبينًا.

شرح الشيخ:

 المؤلف رحمه الله: (ولا يتم توحيد الأسماء والصفات حتى يؤمن)؛ يعني: حتى يؤمن العبد (بكل ما جاء به الكتاب والسنة من الأسماء والصفات، والأفعال، وأحكامها)؛ يعني لا يتم توحيد الأسماء والصفات حتى يؤمن العبد بكل ما جاء في الكتاب والسنة، من صفات الذات وصفات الأفعال، أما الذي لا يؤمن إلا ببعضها كالأشاعرة الذين يثبتون سبع صفات، وينفون بقية الصفات، أو يأولونها، ما عملوا بتوحيد الأسماء والصفات على حقيقته، والأشاعرة يثبت عشرين صفة، وبعضهم أربعين، وبعضهم سبع، المثبوت عنهم يثبتون سبع صفات: الحياة، والكلام، والبصر، والسمع، والعلم، والقدرة، والإرادة، طيب وبقية الصفات؟ يتأولونها، الغضب، والمحبة، والرضا، والنزول، والاستواء؛ كل هذه يتأولوها.

ما يتم توحيدهم بالأسماء والصفات؛ لأنهم ما عملوا بجميع الأسماء والصفات، وكذلك المعتزلة آمنوا بالأسماء ونفوا الصفات.

أما أهل السنة والجماعة فهم آمنوا بجميع الأسماء، وآمنوا بجميع الصفات، وآمنوا بجميع الأفعال: آمنوا بأنه عليم، سميع، بصير، آمنوا بالصفات كالعلم والقدرة، آمنوا بالأفعال: الخلق، والرزق، والإماتة، وأحكامها كما سبق، آمنوا بأنه عليم متصف بالعلم ذو علم يعلم به كل شيء، وأنه قدير ذو قدرة، وهو متصف بقدرة وذو قدرة يقدر بها على كل شيء، وأنه سميع له صفة السمع ذو سمع يسمع به كل شيء، وأنه بصير متصف بصفة البصر ذو بصر يبصر به كل شيء.

فلابد من الإيمان بالأسماء والصفات والأفعال وأحكامها على وجه يليق بعظمة الباري، لا نكيف، لا نعلم كيفية العلم، ولا كيفية السمع، ولا كيفية البصر، (ويعلم أنه كما أنه لا يماثله أحد في ذاته؛ فلا يماثله أحد في صفاته)؛ يعني: لابد من الإيمان بهذا حتى يتم توحيد الأسماء والصفات، تؤمن وتعلم أن الله له ذات لا تشبه الذوات، وله أسماء لا تشبه الأسماء، وله صفات لا تشبه الصفات.

وإن كان هناك اتفاق في الذهن عند القطع عن الإضافة(58:10)، فإذا قطعت موجود، كلمة وجود مقطوعة تكون في الذهن، تشمل وجود الخالق ووجود المخلوق، كلمة سمع؛ هذه غير مقيدة مطلقة، تشمل سمع الخالق وسمع المخلوق، كلمة بصر تشمل بصر الخالق وبصر المخلوق، لكن أين هو؟ أين هذا؟ في الذهن والتصور، لكن إذا أردت تقول: ذات الله، أو علم الله، أو قدرة الله، خلاص ذهب الاتفاق، وانسحب من قدرة الذهن إلى قدرة الخالق، علم المخلوق، قدرة المخلوق، انسحب من قدرة الذهن إلى قدرة الخالق، وزال الاشتباه.

لكن اقطع هذا (58:57) علم سمع بصر قدرة وجود حياة، هذا انتقل من كونه في الذهن، وجاء الاشتراك، اشتراك بين صفات الخالق وصفات المخلوق، سمع بصر علم قدرة، تشمل سمع الخالق وسمع المخلوق، لكن أين هو؟ أين هذا الاشتراك؟ في الذهن، هات الإضافة والاختصاص سمع الله سمع المخلوق، خلاص انسحب من قدرة الذهن إلى قدرة الخالق وزال الاشتباه.

فهذا النوع من المشابهة لابد من إثباتها، وهي المشابهة بين الخالق والمخلوق في مسمى الشيء عند القطع على الإضافة والاتصاف؛ وهذا يكون في الذهن والتصور؛ فمن لم يثبت هذا النوع من المشابهة فإنه يلزمه إنكار وجود الله.

ولهذا لما قالت الجهمية: إن الله لا يشبه المخلوقين بوجه من الوجوه، إن الله لا يشبه المخلوقين، وإن صفات الله لا تشابه صفات المخلوقين، ولا بوجه من الشبه، قال لهم: الإمام أحمد: كفرتم، ورد عليهم في كتابه  [الرد على الزنادقة] قال: كفرتم، قالوا: كيف؟ قالوا: ما أثبتوا وجودهم عند الله، فالذي يقول: إن الله لا يشبه المخلوقين بوجه من وجوه الشبه أنكروا وجود الله، لأنه أنكر المشابهة في الذهن عند القطع والإضافة والاتصاف، أنكروا كلمة وجود، فكلمة وجود هي اشتراك بين الخالق والمخلوق، وهي مسمى الوجود، مسمى الوجود، وهي ضد العدم، مسمى الحياة ضد الموت، مسمى السمع ضد الصم؛ هذا يكون في الذهن؛ فالذي يقول: ما في مشابهة بين الخالق والمخلوق في مسمى الشيء أنكر وجود الله، كما رد عليهم الإمام أحمد في رسالته المشهورة في [الرد على الزنادقة]، وقد شرحت شرحنا هذه الرسالة رسالة ابن تيمية في مدينة الرياض وفرغت وهي تحت الطبع إن شاء الله، الرد على الزنادقة للإمام أحمد رحمه الله.

فلابد من إثبات نوع من المشابهة، وهي المشابهة في الذهن عند القطع والإضافة والاتصاف، بل من لم يثبت هذا النوع يلزمه إنكار وجود الله.

قال المؤلف رحمه الله: (ويعلم كما لا يماثله أحد في ذاته؛ فلا يماثله أحد في صفاته، ومن ظن أن في بعض العقليات ما يوجب تأويل بعض الصفات على غير معناها المعروف فقد ضل ضلالًا مبينًا)، مقصود المؤلف رحمه الله: الرد على من يؤول بعض الصفات من المعتزلة والأشاعرة، بعض الأشاعرة يقول: الصفات العقلية يجب تأويلها بخلاف الصفات السمعية، الصفات السمعية؛ يعني: جاءت في الكتاب والسنة، دل عليها السمع، والصفات العقلية إنه دل عليها السمع والعقل، فمثلًا: الغضب والرضا والمحبة؛ هذه صفات عقلية، لابد أن نأولها؛ وإلا لزمت المشابهة بين الخالق والمخلوق.

وكذلك المعتزلة قالوا: لابد أن نأول الصفات فننكر، فلا نثبت إلا الأسماء، ونأولها بأنها أسماء مترادفة.

فالمؤلف يقول: (ومن ظن أن في بعض العقليات)؛ أن الصفات التي دل عليها العقل في زعمهم،(ما يوجب تأويل بعض الصفات على غير معناها المعروف فقد ضل ضلالًا مبينًا) فالأشاعرة قالوا: الرضا لابد أن نأوله عقلًا، فيكون الرضا معناه الصواب، لماذا؟ قالوا: العقل يجب هذا؛ لأن الرضا إذا أثبتنا الرضا على حقيقته لشابه رضا المخلوق؛ فلابد أن نقول: تأول الرضا بالثواب، والغضب؛ يعني عقلًا يجب تأويله حتى لا يشابه غضب المخلوق، نأوله بالعقاب، طيب والثواب؟ المخلوق له ثواب، أيضًا الثواب يلزم يكون مشابه، والعقاب كذلك، يلزمكم في الشيء الذي فررتم منه(63:40)، قالوا: لا نثبت ثواب لا يشبه ثواب المخلوقين، نقول: أثبتوا صفة الرضا من الأساس، وانفوا المشابهة حتى تستريحون؛ لأن المحذور الذي فررتم منه لابد أن تقعوا فيه في الذي فررتم إليه.

يقول: (ومن ظن أن في بعض العقليات)؛ يعني: الصفات التي دل عليها العقل بزعمهم أكثر (ما يوجب تأويل بعض الصفات على غير معناها المعروف فقد ضل ضلالًا مبينًا)  منالمعتزلة والأشاعرة.

القارئ:

قال رحمه الله: ولا يتم توحيد الربوبية حتى يعتقد العبد أن أفعال العباد مخلوقة، وأن مشيئتهم تابعة لمشيئة الله، وأن لهم أفعال وإرادة تقع بها أفعالهم، وهي متعلق الأمر والنهي، وأنه لا يتنافى الأمران: إثبات مشيئة الله العامة الشاملة للذوات والأفعال والصفات، وإثبات قدرة العبد على أفعاله وأقواله.

شرح الشيخ:

 يقول المؤلف رحمه الله: (ولا يتم توحيد الربوبية)، وعرفنا أن توحيد الربوبية: هو توحيد الله بأفعاله هو؛ كالخلق والرزق والإماتة، والإحياءلا يتم هذا التوحيد حتى يعتقد العبد أن أفعال العباد مخلوقة لله، فالله تعالى خلق العباد، وخلق أفعالهم، خلق الذوات، وكذلك الأفعال كما قال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات: 96]، العبد له فعل، وله قدرة، وله مشيئة، لكن الله خلقهم، وخلق قدرتهم ومشيئتهم.

فــــ (لا يتم توحيد الربوبية حتى يعتقد العبد أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وأن مشيئتهم تابعة لمشيئة الله) كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[التكوير: 29]، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[الإنسان: 30]، فنؤمن أن أفعال العباد مخلوقة لله، هو الذي خلقها؛ لأن الله خلقهم، الله خالق كل شيء، يشمل: الذوات والصفات والأفعال، فالذوات مخلوقة، والأفعال مخلوقة كما قال تعالى:  {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات: 96].

(وأن مشيئتهم تابعة لمشيئة الله تعالى، وأن لهم أفعال وإرادة تقع بها أفعالهم)؛ يعني: الإيمان بأن العباد لهم أفعال، ولهم إرادة تقع بأفعالهم؛ لكن الله خلقهم، والله تعالى خلق العباد، وخلق فيهم الإرادة والقدرة؛ فلهم أفعال، ولهم إرادة تقع بأفعالهم، وإن كان الله خلقهم وخلق أفعالهم، فالله خلقنا وخلق أفعالنا، وأعطانا القدرة والإرادة، فنحن لنا أفعال وإرادة تقع به أفعالنا، وهي متعلقة الأمر والنهي، تتعلق بالأمر والنهي، الله تعالى قال: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}[البقرة: 43]؛ إذًا يجب على المسلم أن يقيم الصلاة، يقيمها بماذا؟ بفعل وإرادة تقع بها، يقع بها فعله، قال: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا}[الإسراء: 32]؛ هذا نهي، إذًا يجب البعد عن الزنا، ونحن لنا أفعال وإرادة تستطيع أن نبتعد عن الزنا.

إذن متعلق الأمر والنهي، الله تعالى أمرنا ونهانا؛ فلنا أفعال وإرادة تقع بها أفعالنا، وهي متعلق الأمر والنهي، وإن كان الله خلقنا وخلق أفعالنا وقدرتنا؛ فالله خلق العباد، وخلق قدرتهم وإرادتهم، وأعطاهم القدرة والإرادة، ولكن نحن لنا أفعال وإرادة نستطيع بها الفعل والكف، وهي متعلق الأمر، نستطيع تنفيذ الأمر، ونستطيع أن نترك النهي، فأنت مخير إن شئت تفعل، وإن شئت لا تفعل، ما أحد يمنعك، لك قدرة ولك إرادة، وأنت في البيت تستطيع أن تحضر الدرس، وتستطيع أن لا تحضر، فلك قدرة وإرادة، وإن كانت قدرتك وإرادتك خلقها الله، خلقك، وخلق قدرتك وإرادتك، ولك مشيئة تبع لمشيئة الله، تستطيع أن تقوم وأن تجلس، لكن مشيئتك لابد أن توافق مشيئة الله، تكون تابعة لها؛ فإذا اخترت المجيء فهي تابعة لمشيئة الله؛ لأن الله أراد ذلك؛ أشاء ذلك، وإذا اخترت القعود صارت تابعة لمشيئة الله؛ لأن الله أرد قعودك، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[التكوير: 29].

فلابد من الإيمان (ولا يتم توحيد الربوبية حتى يعتقد العبد أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وأن مشيئتهم تابعة لمشيئة الله، وأن لهم أفعال وإرادة تقع بها أفعالهم، وهي متعلق الأمر والنهي، وأنه لا يتنافى الأمران: إثبات مشيئة الله العامة الشاملة للذوات والأفعال والصفات، وإثبات قدرة العبد على أفعاله وأقواله)، عندنا أمران لا يتنافيان:

الأمر الأول: (إثبات مشيئة الله العامة الشاملة للذوات والأفعال والصفات)؛ فمشيئة الله شاملة للذوات بوجود الإنسان، وشاملة لأفعاله، وشاملة لصفاته.

  •  

ولا منافة بين أمرين:

الأمر الأول: (إثبات مشيئة الله العامة الشاملة للذوات والأفعال والصفات) فمشيئة الله شاملة، تشمل الذوات كلها، والأفعال كلها، والصفات، وكذلك نؤمن بأن العبد له قدرة على أفعاله وأقواله، الله تعالى أقدره على ذلك، وأعطاه إياها، وأعطاه هذه القدرة والإرادة؛ فلا منافة بين أمرين.

وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع، والعمل الصالح.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد