بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله وسلم وبارك على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
القارئ:
يقول المؤلف رحمه الله: ولا يتم توحيد العبادة حتى يخلص العبد لله تعالى في إرادته وأقواله وأفعاله، وحتى يدع الشرك الأكبر المنافي للتوحيد، كل المنافاة، وهو: أن يصرف نوعًا من أنواع العبادة لغير الله تعالى، وكمال ذلك أن يدع الشرك الأصغر وهو: كل وسيلةٍ قريبةٍ يتوسل بها إلى الشرك الأكبر؛ كالحلف بغير الله ويسير الرياء ونحو ذلك.
شرح الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ولا يتم توحيد العبادة حتى يخلص العبد لله تعالى في إرادته وأقواله وأفعاله)؛ لا يتم توحيد العبادة إلا بذلك، سبق أن بيَّن المؤلف رحمه الله ما يدخل في توحيد الربوبية، وما يدخل في توحيد الأسماء والصفات، وبيَّن أن توحيد الأسماء والصفات لا يتم إلا بالإيمان بكل ما جاء في الكتاب والسنة من الأسماء والصفات، بيَّن أنه لا يتم توحيد الربوبية حتى يعتقد العبد أن أفعال العباد مخلوقة لله، وأن مشيئتهم تابعة لمشيئته، وهنا بين أنه لا يتم توحيد العبادة حتى يخلص العبد لله تعالى بإرادته وأقواله وأفعاله، والإخلاص هو: تجريد العمل لله، يقال: اللبن الخالص وهو الذي لم يشبه غيره، والمعنى أن تكون العبادة لله، لا يشوبها قصد لغير الله، ولا يتم توحيد العبادة حتى يخلص العبد لله في إرادته، والإرادة أمرٌ خفي، أمرٌ داخلي، لا يتم توحيد العبادة حتى يخلص لله في إرادته، بمعنى أنه يريد، بأن يريد بعمله وجه الله والدار الآخرة، بأن يريد بصلاته بصيامه بزكاته بحجه ببره للوالدين، بصلة رحمه بطلبه للعلم، بإحسانه إلى الجيران بكف نفسه عن المحرمات، لا يتم هذا التوحيد حتى يخلص العبد لله بإرادته، لا يكون مع الله مراد غيره.
وكذلك يخلص في أقواله، يكون قاصدًا بأقواله التي يتكلم بها وجه الله والدار الآخرة، هذه الأقوال، سواء كان الأذكار أو تلاوة القرآن، أو وعظ والإرشاد، القول بالمعروف أو النهي عن المنكر، أو دعوة إلى الله، أو أمر بمعروف أو نهي عن المنكر، لا بُدَّ أن يريد بها، بأقواله وجه الله، وكذلك أفعاله: كالصلاة والصيام والزكاة والحج كلها لا بُد، لا يتم توحيد العبادة حتى يخلص العبد لله في إرادته وهي القصد القلبي، وفي أقواله العبادة التي يتكلم بها، وفي أفعاله، وحتى يدع الشرك الأكبر المنافي للتوحيد كل المنافاة أيضًا، لا يتم توحيد العبادة حتى يدع الشرك الأكبر.
والشرك الأكبر: هو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، يعني يسوي غير الله في ربوبيته أو في ألوهيته، أو في أسمائه أو في صفاته أو في أفعاله، أو يسوي غير الله بالله في العبادة بأن يعبده مع الله، لا بُدَّ أن يدع الشرك الأكبر المنافي لكمال التوحيد؛ لأنه إذا لم يدع الشرك الأكبر نقض الشرك هذا التوحيد، التوحيد ينقضه الشرك ويحبط الأعمال، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر:65]؛ وقال سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام:88]؛ لأن توحيد العبادة لا يتم إلا بهاذين الأمرين:
الأمر الأول: أن يخلص العبادة لله في الإرادة وفي القول وفي الفعل.
والأمر الثاني: أن يدع ما ينقض هذا التوحيد وهو الشرك الأكبر، سواءً كان شركًا أكبر، أو ظلمًا أكبر، أو فسقًا أكبر.
فبهذين الأمرين يتم توحيد العبادة، أن يخلص العبد لله في الإرادة وفي القول وفي الفعل، والثاني: أن يترك الشرك الذي يناقض التوحيد وهو الشرك الأكبر المخرج من الملة.
بيَّن المؤلف رحمه الله قال: (وهو أن يصرف نوعًا من أنواع العبادة لغير الله) هذا هو الشرك الأكبر، كأن يصرف الدعاء لغير الله فيدعو غير الله، يدعو الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أو يدعو فلان أو الحسين أو عبد القادر الجيلاني، أو النجم أو الشجر أو الحجر، أو يذبح لغير الله، أو ينذر لغير الله، أو يخاف غير الله خوف السر وخوف العبادة، أو يرجو غير الله رجاء السر ورجاء العبادة، فإذا صرف نوعًا من أنواع العبادة لغير الله، فإنهُ في هذه الحالة لم يُخلص التوحيد لله؛ بل نقض هذا الشرك الذي يعمله نقض توحيده، فانتقض التوحيد وبطل، التوحيد ينتقض ويبطل بالشرك.
كما أن الطهارة والوضوء ينتقض ويبطل بالحدث، كما أن الحدث يبطل الوضوء والطهارة؛ فكذلك الشرك يبطل التوحيد والعبادة.
قال المؤلف رحمه الله: (وكمال ذلك أن يدع الشرك الأصغر وهو: كل وسيلةٍ قريبةٍ يتوسل بها إلى الشرك الأكبر؛ كالحلف بغير الله ويسير الرياء ونحو ذلك)؛ هذا هو الكمال، (كمال ذلك) الإشارة تعود إلى أي شيء؟ إلى تمام توحيد العبادة.
توحيد العبادة لا يتم إلا بأمرين:
- الإخلاص لله في الإرادة والقول والفعل.
- والثاني: ترك الشرك الأكبر.
وكمال ذلك ترك الشرك الأصغر، إذا ترك الشرك الأصغر؛ فإنه يحصل له الكمال في توحيد العبادة، لكن لو فعل الشرك الأصغر لا تبطل العبادة ولكن تضعف وتنقص، الشرك الأصغر يدخل تحت الموازنة بين الحسنات والسيئات، إذًا توحيد العبادة لا يتم إلا بأمرين:
- الإخلاص في الإرادة والقول والفعل والعمل.
- والثاني: ترك الشرك الأكبر الذي يناقض التوحيد.
وكمال ذلك: أن يترك الشرك الأصغر، والشرك الأصغر عرفه المؤلف قال: (وهو كل وسيلة قريبة يتوسل بها إلى الشرك الأكبر) كل وسيلة يتوسل بها للشرك الأكبر، كالحلف بغير الله، كالحلف بحياتك ولحيتك والنبي، ويسير الرياء هو الذي يصدر من المؤمن في صلاته أو صيامه أو حجه، أما كثير الرياء فإنه يصدر من المنافقين، وهذا يكون رياء أكبر.
فالرياء رياءان:
رياء أكبر: وهو الذي يصدر من المنافقين، الذين دخلوا في الإسلام رياءً مراءاةً للناس ونفاقًا.
والرياء الثاني: رياء أصغر، وهو الذي يصدر من المؤمن وهذا هو يسير الرياء، هو الذي يصدر من المؤمن في صلاته أو صومه أو حجه.
قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «ألا أُنبئكم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الرياء، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرَ من نظر الرجل إليه» إذًا هذا هو الكمال، كمال توحيد العبادة أن يترك، أن يدع الشرك الأصغر، وهو كل وسيلة توصل إلى الشرك الأكبر، وكل ذنبٍ سُمي شركًا، ولو لم يصل لحد الشرك الأكبر، مثل التشريك بين الخالق والمخلوق بالعطف بالواو، لولا الله وأنت، مالي إلى الله وأنت، ما شاء الله وشئت، وأنا بالله وبك؛ هذا كله من الشرك، أو أنا متوكل على الله وعليك؛ كل ذلك من الشرك الأصغر، ومن ذلك أيضًا: تعليق التمائم، والحروز والخيوط لدفع العين؛ يعني يعتقد أنه وسيلة وأنه سبب في دفع العين، تعليق التمائم والحروز وغيرها، تعليق الحلقة والخيط، كل هذا من الشرك الأصغر الذي يدعه المسلم ليكمل توحيده، وأنواع الشرك الأصغر كثيرة، مثل: الرياء، الحلف بغير الله، التشريك بين الخالق والمخلوق بالواو في المشيئة، لولا الله وأنت، ما شاء الله وشئت، أو يقول: مُطرنا بنجم كذا ويعتقد أن النجم سبب، وليس له تأثير فيكون الشرك الأصغر، فإذا اعتقد أن للنجم تأثيرًا هذا شرك أكبر.
القارئ:
قال رحمه الله:والناس في التوحيد على درجات متفاوتة بحسب ما قاموا به من معرفة الله، والقيام بعبوديته، فأكملهم في هذا الباب من عرف من تفاصيل أسماء الله وصفاته وأفعاله وآلائه، ومعانيها الثابتة في الكتاب والسنة، وفهمها فهمًا صحيحًا؛ فامتلأ قلبه من معرفة الله وتعظيمه وإجلاله، ومحبته والإنابة إليه، وانجذاب جميع دواعي قلبه إلى الله تعالى، متوجهًا إليه وحده لا شريك له.
ووقعت جميع حركاته وسكناته في كمال الإيمان والإخلاص التام الذي لا يشوبه شيء من الأغراض الفاسدة، فاطمأن إلى الله معرفة وإنابة وفعلًا وتركًا وتكميلًا لنفسه وتكميلًا لغيره، بالدعوة إلى هذا الأصل العظيم؛ فنسأل الله من فضله وكرمه أن يتفضل علينا بذلك.
شرح الشيخ:
يُبين المؤلف رحمه الله: أنَّ الناس في التوحيد على درجات متفاوتة، لا شكَّ في هذا، أن الناس ليسوا سواسية في التوحيد والإيمان، بل هم متفاوتون تفاوتًا عظيمًا، كما أن النور يتفاوت، فنور الشمس ليس مثل نور القمر، نور القمر ليس مثل نور السراج، وكما أن الناس يتفاوتون في البصر وفي الرؤية؛ منهم من بصره حاد يرى من مسافةٍ بعيدة، ومنهم من لا يبصر إلا من كان قريبًا، ومنهم لا يبصر إلا بواسطة زجاجة النظارة، ومنهم من يبصر الخط الثخين دون الخط الدقيق، ومنهم من يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل؛ فالناس يتفاوتون في البصر؛ فكذلك يتفاوتون في التوحيد، ويتفاوتون في الإيمان تفاوتًا لا يحصيه إلا الله.
فأعلى الناس أعلاهم وأفضلهم وأكملهم توحيدًا هم الأنبياء والرسل، الرسل أكمل الناس توحيدًا وإيمانًا، وأكملهم أولو العزم الخمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام وأكملهم الخليلان: إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وأكمل الخليلين نبينا وإمامنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو أكمل الناس توحيدًا وإيمانًا، وهو أعبد الناس وأزهد الناس، وأخشع الناس، وأكمل الناس في جميع الخصال الحميدة.
ثم يليه جده إبراهيم، ثم يليه موسى الكليم، ثم بقية أولو العزم الخمسة، ثم بقية الرسل، ثم الأنبياء أكمل الناس في التوحيد، ثم يليهم في كمال التوحيد الصديقون، جمع صديق، وفي مقدمتهم الصديق الأكبر: أبو بكر رَضِي اللهُ عَنْهُ، وسُمي الصدِّيق صيغة فعِّيل، لأن تصديقه وإيمانه القوي، لأن قوة تصديقه وإيمانه يُحرق الشبهات والشهوات، فلا يصر على معصية؛ ولهذا لو وُزن إيمان أهل الأرض بإيمان أبي بكر، لرجح إيمان أبي بكر رَضِي اللهُ عَنْهُ.
ثم يليهم الشهداء الذين قُتلوا في المعركة، الذين بذلوا جهدهم وأرواحهم رخيصة لإعلاء كلمة الله، ثم يليهم الصالحون فهم على درجات: الصالحون، أعلاهم السابقون المقربون الذين أدوا الواجبات، وفعلوا المستحبات والنوافل أيضًا، وتركوا المحرمات وتركوا المكروهات، وتركوا فضول المباحات؛ هؤلاء الصالحين.
ثم يليهم المقتصدون الأبرار، هم الذين أدوا الواجبات لكن لم يكن عندهم نشاط لفعل النوافل والمستحبات، وتركوا المحرمات ووقفوا عند هذا الحد، ولم يكن عندهم نشاط في ترك المكروهات، بل يفعلوا المكروهات كراهة التنزيه، وقد يتوسعوا في المباحات، وهذان الصنفان: السابقون المقربون، والأبرار المقتصدون يدخلون الجنة من أول وهلة فضل من الله وإحسان.
والطبقة الثالثة: الظالمون لأنفسهم، الذين قصروا في بعض الواجبات أو تركوا بعض المحرمات، هؤلاء على حرف: منهم من يُعفى عنه تحت مشيئة الله، ومنهم من يُعذب في قبره، ومنهم من تصيبه الشدائد والأهوال في موقف القيامة، ومنهم من يستحق دخول النار فيُشفع فيه، ومنهم من يدخل النار ويُعذب فيها مدة ثم يخرجون منها بتوحيدهم وإيمانهم يخرجهم الله بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين، فإذًا الناس يتفاوتون درجات تفاوتًا لا يحصيه إلا الله، خلافًا للمرجئة القائلين: بأن الإيمان واحد، وأن إيمان أهل السماء وإيمان أهل الأرض واحد، وإيمان جبريل وميكائيل وإيمان أبي بكر وعمر مثل إيمان أفسق الناس؛ لأن الإيمان هو التصديق والكل مصدق، الفاسق مصدق وأبو بكر مصدق والإيمان واحد، هكذا يقولون هذا باطل، بل إنه من أبطل الباطل من قال هذا؟ الإيمان يتفاوت بعضه أقوى من بعض، ويقوى ويضعف ويزيد وينقص.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (والناس في التوحيد على درجات متفاوتة بحسب ما قاموا به من معرفة الله، والقيام بعبوديته) يتفاوتون في هذا، فمن قام بعبودية الله أكمل من غيره فإنه يفوق غيره في تحقيق التوحيد، (فأكملهم في هذا الباب) أكمل الناس في هذا الباب: (من عرف من تفاصيل أسماء الله وصفاته وأفعاله وآلائه، ومعانيها الثابتة في الكتاب والسنة، وفهمها فهمًا صحيحًا؛ فامتلأ قلبه من معرفة الله وتعظيمه وإجلاله، ومحبته والإنابة إليه) هذا أكمل الناس في هذا الباب، في باب تحقيق التوحيد، أكملهم: من عرف من تفاصيل أسماء الله وصفاته وأفعاله وآلائه من نعمه ومعانيها الثابتة في الكتاب والسنة وفهمها فهمًا صحيحًا؛ فامتلأ قلبه من معرفة الله وتعظيمه وإجلاله ومحبته والإنابة إليه، (وانجذاب جميع دواعي قلبه إلى الله تعالى، متوجهًا إليه وحده لا شريك له) هذا هو أكملهم في هذا الباب، يتدبر ويتأمل في تفاصيل أسماء الله وصفاته، وأفعاله، يتدبر معانيها ويفهمها فهمًا صحيحًا؛ حينئذٍ يمتلئ قلبه من معرفة الله وتعظيمه وإجلاله ومحبته والإنابة إليه، وانجذاب جميع دواعي القلب إلى الله متوجهًا إليه وحده لا شريك له، فيكون مخلصًا لله، ووقعت جميع حركاته وسكناته في كمال الإيمان والإخلاص التام، في حركاته وسكناته وأفعاله تكمل إيمانه وتقوي إيمانه وإخلاصه.
ولهذا قال: (ووقعت جميع حركاته وسكناته في كمال الإيمان والإخلاص التام الذي لا يشوبه شيء من الأغراض الفاسدة، فاطمأن إلى الله تعالى معرفة وإنابة وفعلًا وتركًا وتكميلًا لنفسه وتكميلًا لغيره)؛ هؤلاء أكمل الناس توحيدًا، وهم الذين يتوسمون صفات الأنبياء، وهم الدعاة إلى الله عَزَّ وَجَلَّ أتباع الرسل، يكملون أنفسهم بالعمل بما علموا، ويكملون غيرهم بدعوتهم إلى الله.
ولهذا قال: (ووقعت جميع حركاته وسكناته في كمال الإيمان والإخلاص التام الذي لا يشوبه شيء من الأغراض الفاسدة) هكذا المؤمنون وهكذا الصادقون، وهكذا المجاهدون الذين يجاهدون أنفسهم لله، تقع ضمن حركاتهم وسكناتهم في كمال الإيمان والإخلاص التام الذي لا يشوبه شيء من الأغراض الفاسدة.
(فاطمأن إلى الله معرفة وإنابة وفعلًا وتركًا وتكميلًا لنفسه وتكميلًا لغيره)؛ هذا هو الإيمان الحق، اطمأن قلبه اطمان إلى الله معرفةً؛ لأنه عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، وإنابةً رجوعًا إليه، وفعلًا للواجبات والمستحبات، وتركًا للمحرمات والمكروهات، وتكميلًا لنفسه، يكمل نفسه بالعمل، والإنابة إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، وتكميلًا لغيره بالدعوة إلى هذا الأصل العظيم، بالدعوة إلى توحيد الله وأسمائه وصفاته وآلائه، ومعانيها الثابتة في الكتاب والسنة، وتكميلًا لنفسه وتكميلًا لغيره بالدعوة إلى هذا الأصل العظيم، فنسأل الله من فضله وكرمه أن يتفضل علينا بذلك آمين.
القارئ:
قال رحمه الله:الأصل الثاني:الإيـمان بنبوة جميع الأنبياء عمومًا ونبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خصوصًا.
وهذا الأصل مبناه على أن يعتقد ويؤمن بأن جميع الأنبياء قد اختصهم الله بوحيه وإرساله وجعلهم وسائط بينه وبين خلقه في تبليغ شرعه ودينه.
وأن الله أيدهم بالبراهين الدالة على صدقهم وصحة ما جاءوا به وأنهم أكمل الخلق علمًا وعملًا وأصدقهم وأبرهم وأكملهم أخلاقًا وأعمالًا، وأن الله خصهم بخصائص وفضائل لا يلحقهم بها أحد وأن الله برأهم من كل خلق رذيل، وأنهم معصومون فيما يبلغون عن الله تعالى وأنه لا يستقر في خبرهموتبليغم إلا الحق والصواب، وأنه يجب الإيمان بهم وبكل ما أوتوه من الله ومحبتهم وتعظيمهم وأن هذه الأمور ثابتة لنبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
شرح الشيخ:
هذا هو الأصل الثاني: أن الرسالة مبنية على خمسة أصول:
الأصل الأول: التوحيد.
الأصل الثاني: الإيمان بنبوة جميع الأنبياء عمومًا، ونبوة نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خصوصًا.
قال المؤلف رحمه الله: (وهذا الأصل مبناه على أن يعتقد ويؤمن بأن جميع الأنبياء قد اختصهم الله بوحيه وإرساله، وجعلهم وسائط بينه وبين خلقه في تبليغ شرعه ودينه) هذا الأصل مبنيٌ على العقيدة، على الاعتقاد والإيمان بأن جميع الأنبياء اختصهم الله بوحيه ورسالته، وجعلهم وثائق بينه وبين خلقه في تبليغ شرعه ودينه، لا بُدَّ من هذا، بأن يؤمن بأن الأنبياء ويعتقد ويؤمن بأن جميع الأنبياء اختصهم الله بوحيه وإرساله، وجعلهم وسائط بينه وبين خلقه في تبليغ شرعه ودينه.
وأن النبوة اصطفاء واختيار من الله، يصطفي الله ويتفضل، الله يصطفي من الملائكة رسل ومن الناس، وفيه الرد على الفلاسفة الذين يقولون: إن النبوة ليست هبة من الله، ولكنها وظيفة وسياسة يُمكن الحصول عليها من كل أحد، وذلك إذا روض نفسه ترويض والتعبد ويُجوع نفسه، ويسهر ليله، ويترك فضول الكلام، وفضول الطعام والشراب، وفضول النظر؛ وحينئذٍ يُمكن يصل إلى النبوة، الفلاسفة يقولون: النبوة ليست هبة ولا تفضل من الله؛ ولكنها صنعةٌ من الصناعات، وسياسة من السياسات، يُمكن أن يتصف بها كل أحد إذا روض نفسه.
وقالوا: إن لها ثلاث شروط، أو لها قوة الإدراك، قوة الإدراك حتى نال من العلم أكثر من غيره، في قوة الإدراك وقوة النفع وقوة التخيل، حتى يتخيل الملائكة في صورة أشخاص يخاطبونه، وقوة التخييل حتى يخيلها للناس فيرونه ويسمعون كلامه، يعني جعلوا الأنبياء كأنهم سحرة يخيلون للناس، فالنبي عندهم هو من استكمل هذه الخصال، وهذه الخصال يُمكن الحصول عليها بالتدريب والتمرين، قوة الإدراك أو سرعة الإدراك وقوة التخيل والتخييل، قوة النفع وقوة التخيل وقوة التخييل، وعلى هذا فليست النبوة هبة من الله أو منحة يختص الله بها من يشاء، ولكنها صنعة من الصناعات وحرفة من الحرف يمكن الحصول عليها لكل أحد، من استكمل هذه الخصائص فهو نبي: قوة الإدراك، قوة النفع، وقوة التخيل وقوة التخييل، وهذا من أبطل الباطل، النبوة والرسالة هبة من الله ومنحة واصطفاء، {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}[الحج:75]؛ فلا بد من الإيمان بنبوة الأنبياء عمومًا، ونبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خصوصًا.
وهذا الأصل –كما قال المؤلف- مبناه على أن يعتقد ويؤمن بأن جميع الأنبياء اختصهم الله بوحيهم وإرسالهم، وجعلهم وسائط بينه وبين خلقه لتبيين شرعه ودينه، والوساطة، الذي يعتقد إن الأنبياء وسائط بين الله وبين الناس يبلغونهم دين الله، هذه وسيلة نعم مباحة، بل إنه لا بد للمسلم أن يعتقد هذه الوساطة وأن الرسل والأنبياء وسائط بين الله وبين خلقه لتبليغ شرعه ودينه.
النوع الثاني من الوساطة: أن يدعو الميت من دون الله، دائمًا أنه ينقل الحوائج إلى الله وأنه واسطة بينه وبين الله؛ هذا شرك والعياذ بالله.
فإذًا الأصل الثاني مبناه على أن يعتقد ويؤمن بأن جميع الأنبياء قد اختصهم الله بوحيه وإرساله، وجعلهم وسائط بينه وبين خلقه في تبليغ شرعه ودينه، هذه هي وظيفة الأنبياء، وظيفة الأنبياء والرسل أنهم يبلغون عن الله، يبلغوا الناس عن الله شرعه ودينه، ومن الإيمان بنبوة الأنبياء: أن يعتقد المسلم أن الله أيدهم بالبراهين الدالة على صدقهم وصحة ما جاءوا به.
(وأن الله أيدهم بالبراهين الدالة على صدقهم وصحة ما جاءوا به) كما أيد موسى بالعصا إذا وضعها صارت حيةً تسعى عظيمة، وإذا أخذها بيده صارت عصا، آية من آيات الله، إذا وضعها في الأرض صارت حية عظيمة، وإذا أخذها صارت عصا، هذه من الآيات التي أيد الله بها موسى، وكذلك يده اليد يدخلها في جيبه ثم يخرجها بيضاء تتلألأ كالقمر من دون يعني عيب كالبرص وغيره، فهذه أيد الله موسى، وأيد الله عيسى بأنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، يخلق كهيئة الطير فينفخ فيه، فيكون طيرًا بإذن الله، وأيد نبينا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بمعجزات كثيرة أعظمها القرآن الكريم، المعجزة الخالدة الباقية إلى قيام الساعة، تحدى الله العرب وهم الفصحاء، والفرسان في البلاغة أن يأتوا بمثل هذا القرآن فعجزوا، فتحداهم الله أن يأتوا بعشر سورٍ من مثله فعجزوا، فتحداهم أن يأتوا بسورةٍ من مثله فعجزوا.
فلا بُدَّ من الاعتقاد بأن الله أيدهم بالبراهين، (أيد الرسل بالبراهين الدالة على صدقهم وصحة ما جاءوا به، وأنهم أكمل الخلق علمًا وعملًا وأصدقهم وأبرهم وأكملهم أخلاقًا وأعمالًا) يعني لا بد من الإيمان بهذا، لا بد من الإيمان والاعتقاد بأن الرسل أكمل الخلق علمًا وعملًا، وأصدقهم وأبرهم وأحسنهم أخلاقًا وأعمالًا، لأنه اصطفاهم واختصهم بالرسالة.
(وأن الله خصهم بخصائص وفضائل لا يلحقهم بها أحد، وأن الله برأهم من كل خلق رذيل) هكذا يعتقد المؤمن، بناءً على هذا الأصل والإيمان بجميع نبوة الأنبياء، ونبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا بُدَّ من اعتقاد أن الرسل أكمل الخلق علمًا وعملًا، وأن الرسل أصدقهم وأبرهم وأكملهم، وأكملهم أخلاقًا وأعمالًا، كل هذا داخل في نبوة الأنبياء، يعتقدوا أنهم أفضل الخلق علمًا وعملًا، وأصدقهم وأبرهم وأكملهم أخلاقًا وأعمالًا، وأن الله خصهم بخصائص وفضائل لا يلحقهم فيها أحد، وأن الله برأهم من كل خلق رذيل، فالله تعالى بعث الرسل في أوساط أحكامها، وكملهم والله سبحانه وتعالى خلق الخلق لتوحيده وطاعته وأرسل لهم الرسل مبشرين ومنذرين، فلا بُدَّ من الاعتقاد بأن الرسل أكمل الخلق علمًا وعملًا، وأصدقهم وأبرهم وأكملهم أخلاقًا وأعمالًا، لا بد من الاعتقاد بهذا، ولا بد من الاعتقاد أن الله خص الأنبياء بخصائص وفضائل لا يلحقهم فيها أحد، وأن الله برأهم من كل خلق رذيل، وأنه لا يستقر في خبرهم وتبليغهم إلا الحق والصواب يعني لا بُدَّ من الإيمان بأن الأنبياء بلغوا، وأنهم معصومون عن الخلق فيما يبلغون عن الله، وأنهم معصومون فيما يبلغون عن الله، الرسول عليهم الصلاة والسلام خصهم الله بخصائص وفضائل ليست لغيرهم، جبلهم على الخصال الحميدة.
ولا بُدَّ من الاعتقاد أن الرسول معصومون فيما يبلغون عن الله، ومعصومون عن الشرك الأكبر، ومعصومون عن الكبائر، والرسل معصومون عن الشرك الأكبر، ومعصومون عن الكبائر.
(وأنهم معصومون عن الخطأ فيما يبلغون عن الله تعالى وأنه لا يستقر في خبرهم وتبليغهم إلا الحق والصواب)؛ كل هذا داخل في الإيمان بنبوة الأنبياء، تعتقد أنه لا يستقر في خبرهم وتبليغهم إلا الحق والصواب.
قال المؤلف: (وأنه يجب الإيمان بهم وبكل ما أوتوه من الله ومحبتهم وتعظيمهم) من الإيمان بنبوة الأنبياء يجب الإيمان بهم،وبكل ما أوتوه من الله ومحبتهم وتعظيمهم، كل هذا داخل في الإيمان بنبوة الأنبياء، الاعتقاد بأنه يجب الإيمان بهم إجمالًا، ومن ورد النص بتعيينه بعينه يؤمن به تفصيلًا، جاء النص باسم جبريل وميكائيل وإسرافيل، كما توسل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بربوبيته لهؤلاء الملائكة الثلاثة للاستفتاح في صلاة الفجر «اللهم رب جبرائيل وميكائيل فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لدين الحق بإذنه، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»؛ فهذا استفتاح ورد في صحيح مسلم من حديث عائشة يستفتح به في صلاته، لكنه يستفتح به في صلاة الليل، ولو استفتح به في غير صلاة الليل فلا حرج.
فالرسل معصومون فيما يبلغون عن الله، ومعصومون من الشرك، ومعصومون عن فعل الكبائر، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (وأنه لا يستقر في خبرهم وتبليغهم إلا الحق والصواب، وأنه يجب الإيمان بهم وبكل ما أوتوه من الله ومحبتهم وتعظيمهم وأن هذه الأمور ثابتة لنبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أكمل الوجوه) هذه الأمور كاملة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أكمل الوجوه؛ لأنه خير الناس، وأفضل الناس، وأعبد الناس، وأشجع الناس، فلا بُدَّ من الاعتقاد بأن هذه الأمور ثابتة لنبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أكمل الوجوه.
القارئ:
قال رحمه الله:وأن هذه الأمور ثابتة لنبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أكمل الوجوه، وأنه يجب معرفة جميع ما جاء به من الشرع جملةً وتفصيلًا، والإيمان بذلك، والتزام طاعته في كل شيء، بتصديق خبره، وامتثال أمره واجتناب نهيه، ومن ذلك أنه خاتم النبيين، قد نسخت شريعته جميع الشرائع، وأن نبوته وشريعته باقية إلى قيام الساعة، فلا نبي بعده، ولا شريعة غير شريعته في أصول الدين وفروعه.
شرح الشيخ:
هذا كله داخلٌ في الإيمان بالأنبياء، والإيمان بنبوة نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: وهذه الأمور ثابتة لنبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أكمل الوجوه؛ فهي ثابتة لنبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أكمل الوجوه، وهو أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أكمل الخلق علمًا وعملًا، وأصدقهم وأبرهم وأكملهم أخلاقًا وأعمالًا، هذه ثابتة لنبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أكمل الوجوه، ومن الإيمان بنبوة الأنبياء أنه يجب معرفة جميع ما جاء به من الشرع جملةً وتفصيلًا والإيمان بذلك، يعني يجب معرفة جميع ما جاء به من الشرع جملةً وتفصيلًا والإيمان بذلك، والتزام طاعته في كل شيء، في تصديق خبره وامتثال أمره واجتناب نهيه، هذا كله داخلٌ في الإيمان بنبوة نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وذلك بأن يؤمن العبد بجميع ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشرع جملةً وتفصيلًا، وأن يلتزم طاعة الله في كل شيء، بتصديق خبره وامتثال أمره، بتصديق الأخبار، تصديق خبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صحَّ السند، وعُدَّ في الرواة، ولم يكن شاذًّا ولا مُعللًا، كل ما صح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجب الإيمان به.
ومن ذلك: أنه خاتم النبيين، الإيمان بأن نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم النبيين، قد نسخت شريعته جميع الشرائع.
القارئ:
قال رحمه الله: ومن ذلك: الإيمان بأنه خاتم النبيين، وقد نسخت شريعته جميع الشرائع وأن نبوته وشريعته باقيةٌ إلى قيام الساعة؛ فلا نبي بعده، ولا شريعة غير شريعته في أصول الدين وفروعه.
شرح الشيخ:
نعم؛ هذا لا بُدَّ من الإيمان به، يجب الإيمان بجميع الأنبياء، والإيمان بنبوة نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والإيمان بما جاء به الشرع جملةً وتفصيلًا، يجب معرفة ما جاء به الشرع جملةً وتفصيلًا، والإيمان بذلك، والتزام طاعته في كل شيء، وذلك بتصديق الأخبار وتنفيذ الأوامر، تصديق خبره وامتثال أمره واجتناب نهيه.
(ومن ذلك: الإيمان بأنه خاتم النبيين، قد نسخت شريعته جميع الشرائع وأن نبوته وشريعته باقيةٌ إلى قيام الساعة) لا بُدَّ من الإيمان، يدخل في الإيمان بنبوة الأنبياء: الإيمان بأن محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم النبيين، وأن شريعته نسخت جميع الشرائع، وأن نبوته وشريعته باقيةٌ إلى قيام الساعة.
(فلا نبي بعده، ولا شريعة غير شريعته في أصول الدين وفروعه) لا بُدَّ من الإيمان بهذا، من اعتقد أنه يُبعث نبي بعد نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو كافر، مُكذبٌ لله لقوله سبحانه: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[الأحزاب:40]؛ فلا بُدَّ من الإيمان بأنه خاتم النبيين، فمن قال: إن بعده نبي فهو كافر، كما يجب الإيمان بعموم رسالته وشريعته وأنها عامة، رسالة عامة للثقلين: الجن والإنس، العرب والعجم.
فلا بُدَّ من الإيمان بأنه خاتم النبيين، وأن شريعته نسخت جميع الشرائع، ولا بُدَّ من الإيمان بأن نبوته، ولا بُدَّ من الإيمان بأنَّ شريعة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نسخت جميع الشرائع، وأن الشريعة باقية إلى قيام الساعة، لأنه آخر الأنبياء، ولهذا المؤلف قال: (فلا نبي بعده، ولا شريعة غير شريعته في أصول الدين وفروعه) لا بُدَّ من الإيمان بهذا، أن شريعة نبينا أكمل الشرائع، وأن نبوة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشريعته باقية إلى قيام الساعة، وأنه لا نبي بعده، ولا شريعة غير شريعته في أصول الدين وفروعه جميعًا.
القارئ:
قال رحمه الله: ويدخل في الإيمان بالرسل: الإيمان بالكتب، والإيمان بمحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقتضي الإيمان بكل ما جاء به من الكتاب والسنة ألفاظها ومعانيها، فلا يتم الإيمان به إلا بذلك، وكل من كان أعظم علمًا بذلك وتصديقًا واعترافًا وعملًا، كان أكمل إيمانًا، والإيمان بالملائكة والقدر داخلٌ في هذا الأصل العظيم.
شرح الشيخ:
نعم يقول المؤلف رحمه الله: ومن الإيمان بنبوة نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإيمان بأنه خاتم النبيين، والإيمان بأن شريعته نسخت جميع الشرائع، والإيمان بأن نبوته وشريعته باقية إلى قيام الساعة، والإيمان بأنه لا نبي بعده، ولا شريعة غير شريعته في أصول الدين وفروعه، ويدخل في الإيمان بالرسل: الإيمان بالكتب، يدخل في الإيمان بالرسل الإيمان بالكتب؛ لأن الله تعالى أنزل الكتب على الرسل، كما قال سبحانه وتعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}[البقرة:213].
فمن الإيمان فيدخل في الإيمان بالرسل الإيمان بالكتب؛ لأن الله أنزل الكتب على الأنبياء والرسل؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (فالإيمان بمحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقتضي الإيمان بكل ما جاء به من الكتاب والسنة ألفاظها ومعانيها)؛ لأن السنة وحيٌّ ثاني، كما قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:3-4].
قال المؤلف رحمه الله: (فلا يتم الإيمان به إلا بذلك)؛ لا يتم الإيمان بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بالإيمان بأنه خاتم النبيين، وإلا بالإيمان بأن شريعته نسخت جميع الشرائع، وأن نبوته وشريعته باقية إلى قيام الساعة، فلا نبي بعده، ولا شريعة غير شريعته في أصول الدين وفروعه، من لم يؤمن بذلك فليس بمسلم.
ويدخل في الإيمان بالرسل الإيمان بالكتب، (فالإيمان بمحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقتضي الإيمان بكل ما جاء به من الكتاب والسنة ألفاظها ومعانيها، فلا يتم الإيمان به إلا بذلك؛ وكل من كان أعظم علمًا بذلك وتصديقًا واعترافًا وعملًا، كان أكمل إيمانًا) بيَّن المؤلف رحمه الله بأنه يدخل في الإيمان بالرسل الإيمان بالكتب؛ لأن الله سبحانه وتعالى أنزل الكتب على الرسل، فالإيمان بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقتضي الإيمان بكل ما جاء به من الكتاب والسنة ألفاظها ومعانيها، فلا يتم الإيمان به إلا بذلك؛ وكل من كان أعظم علمًا بذلك وتصديقًا واعترافًا وعملًا، كان أكمل إيمانًا بهذا، وإلا فلا يتم الإيمان بالرسل إلا بذلك.
الإيمان بالرسل، الإيمان بالكتب المنزلة، الإيمان بالكتب من الإيمان بالرسل؛ لأن الله تعالى أنزل الكتب على الأنبياء، قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ}[البقرة:213]؛ والكتاب جنس، يشمل جميع الكتب المنزلة، فيدخل في الإيمان بالرسل الإيمان بالكتب المنزلة، والإيمان بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقتضي الإيمان بكل ما جاء به من الكتاب والسنة ألفاظها ومعانيها.
قال المؤلف رحمه الله: (فلا يتم الإيمان إلا بذلك) بما سبق، (وكل من كان أعظم علمًا بذلك وتصديقًا واعترافًا وعملًا، كان أكمل إيمانًا) كل من كان أعظم علمًا بهذه الأمور السابقة، وتصديقًا واعترافًا وفعلًا وعملًا كان أكمل إيمانًا؛ لأن الناس يتفاوتون، كل من كان أعظم علم كان أكمل إيمانًا، وكل من كان أقوى تصديق كان أقوى إيمان، وكل من كان أعظم علمًا بذلك وتصديقًا واعترافًا وعملًا كان أكمل إيمانًا، يعني هذا من تمام الإيمان بالرسل، وتمام الإيمان بالرسل الإيمان بالكتب المنزلة التي أنزلها الله عليهم ألفاظها ومعانيها، وكل من كان أعظم علمًا بالرسل وتصديقًا واعترافًا وعملًا، كان أكمل إيمانًا.
القارئ:
قال رحمه الله: والإيمان بالملائكة والقدر داخلٌ في هذا الأصل العظيم، ومن تمام الإيمان به: أن يُعلم أن ما جاء به حق، لا يُمكن أن يقوم دليلٌ عقلي أو حسي على خلافه، كما لا يقوم دليلٌ نقلي على خلافه، فالأمور العقلية أو الحسية النافعة تجد دلالة الكتاب والسنة مثبتةً لها، حاسةً على تعلمها وعملها، وغير النافع من المذكورات ليس فيها ما ينفي وجودها، وإن كان الدليل الشرعي ينهى ويذم الأمور الضارة منها، ويدخل في الإيمان بما جاء به الرسول، بل وسائر الرسل.
شرح الشيخ:
يقول المؤلف رحمه الله: (والإيمان بالملائكة والقدر داخلٌ في هذا الأصل العظيم)؛ وهو الإيمان بنبوة الأنبياء، فالإيمان بالملائكة داخلٌ في الإيمان بنبوة الأنبياء، مع أن الإيمان بالملائكة هو الأصل الثاني من أصول الإيمان.
الأصل الأول: الإيمان بالله.
الأصل الثاني: الإيمان بالملائكة.
الإيمان بنبوة الأنبياء يدخل في هذا الأصل، الأصل ما هو؟ الإيمان بنبوة الأنبياء عمومًا، والإيمان بنبوة نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يدخل في الإيمان بنبوة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإيمان بالملائكة والقدر، وجه ذلك: أنك إذا آمنت بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن خاتم النبيين، وأنه رسول الله حقًّا، فإن النبي أخبر من الملائكة بل الله تعالى ذكر الملائكة في مواضع متعددة في كتابه العزيز الذي أنزله على نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن الملائكة ذكر الله لهم أوصاف: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا}[المرسلات:1-3]{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا}[النازعات:1-2]{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}[فاطر:1]؛ فالإيمان بالملائكة داخلٌ في الإيمان بنبوة الأنبياء.
من الذي علمنا الملائكة وأوصافها؟ قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام في الحديث الصحيح: «أُذن لي أن أُحدث عن ملكٍ من حملة العرش، ما بين منكبه وشحمة أذنه مسيرة ثلاثين عامًا» المسافة بين الكتف وبين الأذن مسيرة ثلاثين سنة، يسير الراكب السريع لا يقطعها إلا بعد ثلاثين سنة، عظمة الخلقة التي أعطاهم الله، من أين علمنا هذا؟ عن طريق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما آمنا بنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآمنا بأنَّ الوحي ينزل عليه، وأنه مؤيدٌ بالوحي، أخبرنا بهذا بالملائكة فآمنا بهم.
ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (والإيمان بالملائكة والقدر داخلٌ في هذا الأصل العظيم) وكذلك الإيمان بالقدر، الإيمان بالقدر من مراتبه الأربع: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق والإيجاد، فالإيمان بالقدر داخلٌ في هذا الأصل العظيم، وهو: الإيمان بنبوة الأنبياء، الإيمان بنبوة الأنبياء يدخل الإيمان بالملائكة ويدخل الإيمان بالقدر.
قال المؤلف رحمه الله: (ومن تمام الإيمان به)؛ بنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أن يُعلم أن ما جاء به حق، لا يُمكن أن يقوم دليلٌ عقلي أو حسي على خلافه)؛ هذا من تمام الإمام بنبوة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعلم المسلم أن ما جاء به حق، وأنهُ لا ينطق عن الهوى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وأنه لا يمكن أن يقوم دليل عقلي أو حسي على خلافه، لا يمكن أن يقوم دليل عقلي غير صحيح، أو حسي على خلاف ما جاء به، بل كل ما جاء به هو حق وصدق، فالأدلة العقلية والحسية تؤيد ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يمكن أن يقوم دليل عقلي أو دليل حسي على خلاف ما جاء به نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(كما لا يقوم دليلٌ نقلي على خلافه)؛ يعني من تمام الإيمان بنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحديث (54:46)من حديث آخر من حديث المعروف، «أنه ما بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة ثلاثين عامًا»، والمؤلف رحمه الله يقول: من تمام الإيمان بنبوة الأنبياء أن يعلم المسلم أن ما جاء به نبيناصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَحقٌّ وصدق، وأنه لا يمكن أن يقوم دليلٌ عقلي، ولا يُمكن أن يقوم دليلٌ حسي على خلاف ما جاء به عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
الفرق بين الدليل العقلي والحسي: أن الدليل العقلي ما يعقل الإنسان، ويتصوره، والدليل الحسي: هو ما يحس به ويدركه بإحدى حواسه الخمس، الحواس الخمس هي: السمع، والبصر، والكلام، والشم، والذوق، فلا يُمكن أن يقوم دليلٌ حسي على خلاف ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يمكن أن يقوم دليل عقلي على خلاف ما جاء به، والأدلة العقلية والأدلة الحسية كلها تؤيد ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كما أن أيضًا دليل الفطرة، الفطرة تؤيد ما جاء به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، العقل والحس والفطرة، قال: (كما لا يقوم دليل نقلي على خلافه)؛ يعني كما أنه لا يُمكن أن يقوم دليلٌ عقلي ولا دليل حسي على خلاف ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذلك لا يقوم دليل نقلي على خلافه أيضًا، فلا يقوم دليل نقلي، هو الدليل من الكتاب والسنة، يُقال: دليل نقلي، ويُقال: دليل سمعي، لأنه سُمع ونُقل، ويُقال: دليل عقلي، ولا يمكن أن يأتي أحد بدليلٍ نقلي وهو دليل من الكتاب والسنة، أو دليل عقلي أو دليل حسي على خلاف ما جاء به نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل الأدلة العقلية والحسية كلها تؤيد ما جاءت به الرسل.
قال المؤلف رحمه الله: (فالأمور العقلية أو الحسية النافعة تجد دلالة الكتاب والسنة مثبتةً لها، حاسةً على تعلمها وعملها) نعم؛ هذا حق فالأمور العقلية، والأدلة العقلية، والأدلة الحسية النافعة تجد أن الكتاب والسنة يثبتها، ويحس على تعليمها وعملها، لأن الشريعة جاءت بكل خير، وجاءت بإسعاد للبشرية، وبما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة.
يقول المؤلف رحمه الله: (فالأمور العقلية أو الحسية النافعة تجد دلالة الكتاب والسنة مثبتةً لها)؛ يعني الأدلة من الكتاب والسنة تثبت، دلائل الكتاب والسنة كلها تؤيد الأدلة العقلية، وتؤيد الأدلة الحسية، وتتوافق أدلة الشرع مع أدلة العقل مع أدلة الحس؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (فالأمور العقلية والحسية النافعة تجد دلالة الكتاب والسنة مثبتةً لها، حاسةً على تعلمها وعملها، وغير النافع من المذكورات ليس فيها ما ينفي وجودها)؛يعني الأمور النافعة العقلية والحسية، الأمور النافعة من الأمور العقلية أو الأمور الحسية تؤيدها أدلة الكتاب والسنة وتحس على تعلمها وعلى العمل بها.
أما غير النافع، الأمور العقلية أو الحسية غير النافعة من المذكورات ليس فيها ما ينفي وجودها، ليس في الأدلة ما ينفي وجودها، وإن كان الدليل الشرعي ينهى ويذم الأمور الضارة منها، يعني الأمور العقلية والحسية نوعان أو قسمان:
قسمٌ نافع: وهذا تؤيده أدلة الكتاب والسنة وتثبته وتحث على تعلمه وتعليمه.
والنوع الثاني: أمورٌ غير نافعة؛ عقلية وشرعية، فغير النافعة من المذكورات ليس في أدلة الكتاب والسنة ما ينفي وجودها؛ لأن أدلة الشرع تسكت عن الأمور المباحة، ولو لم تكن نافعة، فأدلة الكتاب والسنة ليس فيها ما ينفي وجودها، وليس فيها ما يثبتها مسكوت عنها.
المؤلف قال: (وإن كان الدليل الشرعي ينهى ويذم الأمور الضارة منها)؛ لأن الأمور نوعان:
أمورٌ نافعة: هذه تؤيدها أدلة الكتاب والسنة وتثبتها وتحث على تعلمها وتعليمها.
والأمر الثاني: غير النافع، الأمور العقلية والحسية غير النافعة أمورٌ حسية وعقلية غير نافعة، فهذه لا تنفيها الشريعة، لكنها تنهى وتذم الأمور الضارة فقط، أما الأمور المباحة تسكت عنها.
القارئ:
قال رحمه الله: ويدخل في الإيمان بما جاء به الرسول بل وسائر الرسل.
قال رحمه الله: الأصل الثالث: الإيمان باليوم الآخر، فكل ما جاء به الكتاب والسنة، مما يكون بعد الموت، فإنه من الإيمان باليوم الآخر؛ كأحوال البرزخ وأحوال يوم القيامة، وما فيها من الحساب والثواب والعقاب، والشفاعة والميزان والصحف المأخوذة باليمين والشمال والصراط وأحوال الجنة والنار وأحوال أهلهما، وأنواع ما أعد الله فيهما لأهلهما إجمالًا وتفصيلًا، فكل ذلك داخلٌ في الإيمان باليوم الآخر.
شرح الشيخ: (الأصل الثالث: الإيمان باليوم الآخر)، والإيمان باليوم الآخر أصلٌ من أصول الإيمان الستة، وركنٌ من أركان الإيمان وهو الركن الخامس، كما دل على ذلك حديث جبرائيل، الذي رواه عمر بن الخطاب رَضِي اللهُ عَنْهُ مفصلًا، مأخوذ من الإمام مسلم في صحيحه، لما جاء جبرائيل وسأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإسلام، ثم سأل عن الإيمان، فقال: «الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، فجعل الإيمان باليوم الآخر في المرتبة الخامسة، كما أن الكتاب العزيز أيضًا جاء في الإيمان باليوم الآخر، فقال سبحانه في آية البر: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}[البقرة:177]، فالإيمان باليوم الآخر أصلٌ من أصول الإيمان، وركنٌ من أركان الإيمان لا يصح لشخص الإيمان حتى يؤمن باليوم الآخر، وسُمي الآخر بكسر الخاء، مقابل الأول، إذا كان قال: الآخر يقابله الأول اثنان فقط، أما الآخَر: الثاني، هناك آخر وآخر وآخر، لكن إذا جاءت الآخِر بكسر الخاء يقابلها الأول، والإيمان باليوم الآخِر ليس بعده يوم، سُمي باليوم الآخِر؛ لأنه ليس بعده يوم، واليوم الأول هو يوم الدنيا، هي الدنيا، الدنيا هي اليوم الأول، والآخرة هي اليوم الآخر، وهذا هو التسمية، الإيمان باليوم الآخِر؛لأنه ليس بعده يوم، فالدنيا هي يوم، والآخرة يوم؛ لذلك سُمي باليوم الآخر.
قال المؤلف رحمه الله: (فكل ما جاء به الكتاب والسنة، مما يكون بعد الموت، فإنه من الإيمان باليوم الآخر؛ كأحوال البرزخ وأحوال يوم القيامة) كل ما جاء من الكتاب والسنة مما يكون بعد الموت فإنه من الإيمان باليوم الآخر؛ كالإيمان بأحوال البرزخ، وأحوال يوم القيامة، والإيمان أيضًا بضمة القبر وبسؤال الملكين الفتانان، وكذلك الإيمان بأحوال يوم القيامة.
(والإيمان بما فيها من الحساب والثواب والعقاب، والشفاعة والميزان والصحف المأخوذة باليمين والشمال والصراط وأحوال الجنة والنار وأحوال أهلهما، وأنواع ما أعد الله فيهما لأهلهما إجمالًا وتفصيلًا، فكل ذلك داخلٌ في الإيمان باليوم الآخر)؛ اليوم الآخر هو يوم القيامة، يبدأ من حين أن يأمر الله إسرافيل فينفخ في السور، فتعود الأرواح إلى أجسادها، وذلك بعد أن ينزل الله مطرًا تنبت منه أجساد الناس، وينشئهم الله نشأةً قوية، فإذا تم نباتهم وخلقهم أذن الله لإسرافيل فنفخ في السور فتطايرت الأرواح وعادت إلى أجسادها، ودخلت كل روح في جسدها، فقام الناس ينفضون التراب عن رؤوسهم وقوفًا بين يدي رب العالمين، هنا يبدأ اليوم الآخر، لكن يُلحق به ما يكون في البرزخ من سؤال منكر ونكير الفتانان، ومن تضييق القبر وتوسيعه، ومن كونه روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، كل هذا داخلٌ في اليوم الآخر.
كان عثمان رَضِي اللهُ عَنْهُ إذا مر بقبر بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن هذا أول ابن آدم، وما بعده أيسر منه أو كما جاء من أمير المؤمنين عثمان رَضِي اللهُ عَنْهُ.
إذًا الإيمان باليوم الآخر هو يوم القيامة، وله أسماء، سُمي اليوم الآخر، يُسمى يوم القيامة، له أسماء، يُسمى اليوم الآخر، يُسمى يوم القيامة، يُسمى يوم التغابن، إلى آخر ما جاء من الأسماء، قال: يدخل في الإيمان باليوم الآخر كل ما جاء في الكتاب والسنة مما يكون بعد الموت، فإنه من الإيمان باليوم الآخر، مثل: أحوال البرزخ، ومثل أحوال يوم القيامة، وما فيه من الحساب والثواب والعقاب، والشفاعة والميزان والصحف المأخوذة باليمين والشمال والصراط وأحوال الجنة والنار وأحوال أهلهما، كل هذا داخل في الإيمان باليوم الآخر، ثم بأحوال البرزخ، وأن المؤمن تُقبض روحه بيسر وسهولة، والفاجر تُقبض روحه بقوة، والإيمان بأحوال يوم القيامة بما فيها من الحساب، يحاسب الله الخلائق، والثواب لمن أطاع الله والعقاب لمن عصى الله، والشفاعة كل هذا داخل في الإيمان باليوم الآخر، أحوال البرزخ، وأحوال يوم القيامة وما فيها من الحساب والثواب والعقاب والشفاعة والميزان، الله تعالى يُحاسب الخلائق، فمن رجحت حسناته نجا، ومن رجحت سيئاته هلك.
وكذلك ما يكون في يوم القيامة من تطاير الصحف فآخذٌ كتابه بيمينه وهم المؤمنون، وآخذٌ كتابه بشماله ملوية وراء ظهره وهم الهالكون، كذلك أيضًا لا بُد من العلم بالميزان وأنه يوزن الأعمال ويوزن الأشخاص، كما في الحديث، حديث البطاقة وأنه يؤتى برجل يوم القيامة ويُنشر له تسعة وتسعون سجلًا كل سجل مد البصر سيئات، ثم يُقال له: هل لك حسنة؟ هل تذكر حسنة؟
فيقول الله له: بلى، إنا لنا عندك حسنة لا تُظلم، ويُؤتى ببطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، فتوضع البطاقة في كفة، وتوضع السجلات في كفة، فطافت السجلات وثقلت البطاقة فنجا فغفر الله له، لماذا نجا وغيره لا ينجو؟ معلوم أن كل مؤمن له مثل هذه البطاقة أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، وكثيرٌ منهم يُعذب، أما هذا الرجل فإنه قالها عن إخلاص وصدق، إما أنه قالها عند الموت توبة فأحرقت الشبهات والشهوات، فلا بد من الإيمان بالميزان، وكذلك الأشخاص يوزنون.
في الحديث يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يؤتىبالرجل العظيم السمين لا يزن عند الله جناح بعوضة» ولما كشفت الريح عن ساقي عبد الله بن مسعود وكانتا دقيقتين ضحك الصحابة، فقال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «مِمَّا تضحكون؟» قالوا: من دقة ساقيه يا رسول الله، فقال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «والذي نفسي بيده لهو في الميزان أثقل من جبل أُحد يوم القيامة».
والميزان الذي ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميزانٌ حسي، له كفتان عظيمتان، والكفة الواحدة أعظم من أطباق السماوات والأرض وله لسان، وهذه الأحاديث كلها تدل على إثبات الميزان، وقد أنكرت المعتزلة الميزان، وقالوا: ليس هناك ميزان، فقالوا: إن الله لا يحتاج إلى ميزان، الذي يحتاج إلى ميزان البقال والفوال، أما الله فلا يحتاج إلى ميزان، وأولوا الميزان بأنه العدل، قالوا: المراد بالميزان: العدل؛ وهذا من جهلهم وضلالهم، هو ميزانٌ حسي له كفتان حسيتان عظيمتان، ولا بُدَّ من الإيمان بالصراط الذي يُنصب على متن جهنم، فمن تجاوزه فقد نجا، ومن سقط سقط بذنوبه، وعلى الصراط كلاليب، تخطف من أُمرت بخطفه وتلقيه في النار، وكذلك أنكرت المعتزلة أن يكون هناك صراط الصراط الحسي، وكذلك تطاير الصحف المأخوذة باليمين وبالشمال، وكذلك أيضًا لا بُدَّ من الإيمان بالصحف المأخوذة باليمين أو بالشمال، ولا بد من الإيمان بالصراط، ولا بُدَّ من الإيمان بأحوال الجنة والنار وأحوال أهلهما، وأنواع ما أعد الله فيهما لأهلهما إجمالًا وتفصيلًا، وكل ذلك داخلٌ في إيمانه باليوم الآخر، إذ يدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بأحوال البرزخ؛ لأن من مات فقد قامت قيامته، والإيمان بأحوال يوم القيامة، الإيمان بالحساب، وأن الله يحاسب الخلائق في وقت واحد، لا يلهه شأن عن شأن، ويفرغ منهم في مقدار منتصف النهار، ثم يستقر أهل الجنة في الجنة في وقت القيلولة، {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}[الفرقان:24]، ثم الثواب، الله تعالى يثيب المؤمنين بأن يرضى عنهم؛ وهذا أعظم الثواب، ويدخلهم جنته التي هي دار كرامته، ومن دخل الجنة فله ما اشتهت نفسه ولذت وطابت، {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة:17].
والعقاب، العقاب: الإيمان بالنار التي أعدها الله للعصاة والكفرة كل هذا داخل في الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالصحف المأخوذة باليمين والشمال، والإيمان بالصراط والإيمان بأحوال الجنة والنار، لهما أحوال وتفاصيل وأحوال أهلهما، أهل الجنة الذين يتنعمون بما أُعطوا من أنواع الكرامات، وأهل النار الذين يُعذبون، نسأل الله السلامة والعافية، وأنواع ما أعد الله فيهما لأهلهما إجمالًا وتفصيلًا، لا بُدَّ من الإيمان بأنواع ما أعد الله في الجنة والنار لأهلهما إجمالًا وتفصيلًا.
قال المؤلف: وكل ذلك داخلٌ في الإيمان باليوم الآخر، وكذلك الإيمان بالشفاعة، والشفاعة في اللغة: الوساطة، وشرعًا: طلب الخير، الوساطة أو طلب الخير للغير، والشفاعة هي: المساعدة للحاجة صاحب الحاجة عندما يطلب الحاجة، مساعدة صاحب الحاجة عندما يملك الحاجة.
والشفاعة أنواع يوم القيامة:
أعظمها: الشفاعة العُظمى التي تكون في موقف القيامة، وهي خاصةٌ بنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي المقام المحمود الذي يغبطه فيه الأولون والآخرون، هذه الشفاعة العظمى، تكون في موقف القيامة حين يشتد الكرب بالناس، ويهزمهم العرق على حسب الأعمال، منهم من ينزل العرق إلى كعبيه، ومنهم من ينزل العرق إلى ركبتيه، ومنهم من ينزل العرق إلى حقبيه، ومنهم من يلجمه لجامًا، فيفزع الناس إلى الأنبياء يطلبون الشفاعة، يسألونهم الشفاعة عند الله حتى يريحهم من هذا الموقف، يأتوا إلى آدم فيمتنع، ويقول: أنه أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها فيقول: لست أهلًا لذلك، فيقول: اذهبوا إلى نوح فيأتوا إلى نوح، فيقول: أنه دعا دعوته على قومه، فيقول: اذهبوا إلى إبراهيم، فإنه خليل الرحمن فيأتون إبراهيم عليه السلام فيعتذر ويقول: كذبت ثلاث كذبات، وهي (01:16:22) فيعتذر، فيذهبوا إلى موسى فيعتذر ويقول: إنه قتل نفسًا لم يؤمر بقتلها، فيذهبون إلى عيسى فلا يذكر ذنبًا، ويقول: اتخذت أنا وأمي إلهين من دون الله، ولكن اذهبوا لخاتم النبيين، فيأتون إلى نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول: أنا لها أنا لها، فيذهب ويسجد تحت العرش، ويفتح الله عليه المحامد، في ذلك الموقف لا يحسنه في (1:17:00)، فيأتيه الإذن من الرب عَزَّ وَجَلَّ فقال: «يا محمد ارفع رأسك، واسأل تعطى، واشفع تُشفع»، فيشفع عند الله عَزَّ وَجَلَّ في الناس أن يحاسبهم الله ويقضي بينهم فيحاسبهم سبحانه وتعالى، هذه الشفاعة العظمى في موقف القيامة، ولا يبدأ بالشفاعة أولًا، بل يسجد تحت العرش حتى يأتيه الإذن، قال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[البقرة:255]؛ وهي خاصة بنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهناك أيضًا شفاعة خاصة بنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي الشفاعة لأهل الجنة بالإذن لهم في دخولها.
والشفاعة الثالثة من الشفاعات الخاصة بنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشفاعة في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب.
وهذه الشفاعات الثلاث خاصة بنبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والشفاعات الأخرى مشتركة، كالشفاعة في قوم من العصاة استحقوا دخول النار فيشفع لهم أن لا يدخلوها، والشفاعة في قوم دخلوا النار يشفع لهم في أن يخرجوا منها، وهاتان الشفاعتان أنكرهما الخوارج والمعتزلة فبدعهم العلماء وأنكروا عليهم وصاحوا بهم؛ لأن الأدلة متواترة في شفاعة العصاة، قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»، هناك أيضًا شفاعة (01:18:31)من أهل الجنة، هذه الشفاعات لا بد من الإيمان بها، وهذه أقسام للشفاعة المثبتة، أما الشفاعة المنفية كقول الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[البقرة:255]؛ هذه تكون لأهل الشرك، هذه منفية، والشفاعة هذه أنواعها، فلا بد يدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالبرزخ، الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، الإيمان بضمة القبر، الإيمان بالبعث والنشور، الإيمان بالحساب والميزان والصراط، والإيمان بتطاير الصحف، لا بُدَّ من الإيمان بهذا، وكل هذا داخلٌ في الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بتطاير الصحف، آخذٌ كتابه بيمينه وآخذٌ كتابه بشماله.
ولا بُدَّ من الإيمان بالميزان، وكما سبق أنه ميزان حسي، ولا بد من الإيمان بالحوض، حوض نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي وصف في الحديث بأن طوله مسيرة شهر، وعرضه مسيرة شهر، وأوانيه عدد نجوم السماء، وهو ماءٌ عذب أحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأطيب ريحًا من المسك، وأوانيه عدد نجوم السماء، من شرب منه شربةً لم يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، الإيمان بالحوض، والإيمان بالميزان، والإيمان بالصراط، والإيمان بالحساب والجزاء، والإيمان بالصحف المأخوذة باليمين والشمال، والإيمان بأنواع ما أعد الله في الجنة والنار لأهلهما من النعيم والعذاب إجمالًا وتفصيلًا.
قال المؤلف: (وكل ذلك داخلٌ في الإيمان باليوم الآخر).
وفق الله الجميع لطاعته، وثبت الله الجميع على هداه.