بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ» أَيْ لَيْسَ يَجْرِي أَصَالَةً لَا أَنَّهُ رُفِعَ بَعْدَ وَضْعٍ وَالْمُرَادُ بِرَفْعِ الْقَلَمِ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ لَا قَلَمُ الثَّوَابِ، فَلَا يُنَافِيهِ صِحَّةُ إسْلَامِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ كَمَا ثَبَتَ فِي «غُلَامِ الْيَهُودِيِّ الَّذِي كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ».
وَكَذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّ: «امْرَأَةً رَفَعَتْ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبِيًّا، فَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ».
(الشرح)
فإن قيل: (...)؟.
يُخرج الزَّكَاة ويستعين الله في قضاء الدين, ما دام حال عليها الحول يُخرجها حتى لو كَانَ محتاج, ويستعين الله بعد ذلك.
فإن قيل: (...)؟.
يوكل من يُخرجها عنه, والمواصلات سريعة الآن.
فإن قيل: (...)؟.
حينها يُخرج الزَّكَاة ويستدين ليقضي دينه لِأَنَّهُ هو الذي فرط لمَ لم يقضي دينه قبل مرور الحول, لما حال عليه الحول وجب إخراجها.
(المتن)
وَنَحْوُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْأَحَادِيثِ: «عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ، أَوْ يُفِيقَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
الْحَدِيثُ فِيهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ لِأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ, وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ تَكْلِيفٌ، وَهُوَ فِي النَّائِمِ الْمُسْتَغْرِقِ إجْمَاعٌ وَالصَّغِيرِ الَّذِي لَا تَمْيِيزَ لَهُ.
وَفِيهِ خِلَافٌ إذَا عَقَلَ وَمَيَّزَ وَالْحَدِيثُ جَعَلَ غَايَةَ رَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ إلَى أَنْ يَكْبُرَ فَقِيلَ: إلَى أَنْ يُطِيقَ الصِّيَامَ وَيُحْصِيَ الصَّلَاةَ، وَهَذَا لِأَحْمَدَ وَقِيلَ: إذَا بَلَغَ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً وَقِيلَ: إذَا نَاهَزَ الِاحْتِلَامَ وَقِيلَ: إذَا بَلَغَ وَالْبُلُوغُ يَكُونُ بِالِاحْتِلَامِ فِي حَقِّ الذَّكَرِ مَعَ إنْزَالِ الْمَنِيِّ إجْمَاعًا.
(الشرح)
وَكَذَلِكَ الأنثى إذا احتلمت, قالت أم سُليم: «هل للمرأة من غُسل إذا احتلمت؟ قَالَ: نعم إذا رأت الماء» فهو في حق الذكر والأنثى.
(المتن)
وَفِي حَقِّ الْأُنْثَى عِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ، وَبُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَإِنْبَاتِ الشَّعْرِ الْأَسْوَدِ الْمُتَجَعِّدِ.
(الشرح)
خمسة عشر سنة إذا لم يوجد شيء من العلامات, لا الاحتلام ولا الإنبات, ولا الحيض من الأنثى يكون البلوغ خمسة عشر سنة.
(المتن)
وَإِنْبَاتِ الشَّعْرِ الْأَسْوَدِ الْمُتَجَعِّدِ فِي الْعَانَةِ بَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ عِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ وَكَذَلِكَ الْإِمْنَاءُ فِي حَالِ الْيَقِظَةِ إذَا كَانَ لِشَهْوَةٍ, وَفِي الْكُلِّ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ.
وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَالْمُرَادُ بِهِ زَائِلُ الْعَقْلِ فَيَدْخُلُ فِيهِ السَّكْرَانُ وَالطِّفْلُ كَمَا يَدْخُلُ الْمَجْنُونُ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي طَلَاقِ السَّكْرَانِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عُثْمَانُ وَجَابِرٌ وَزَيْدٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[النساء/ 43] فَجَعَلَ قَوْلَ السَّكْرَانِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَبِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ التَّكْلِيفِ الْعَقْلَ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ فَلَيْسَ بِمُكَلَّفٍ، أَوْ بِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ أَنْ يَقَعَ طَلَاقُهُ إذَا كَانَ مُكْرَهًا عَلَى شُرْبِهَا، أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّهَا خَمْرٌ، وَلَا يَقُولُهُ الْمُخَالِفُ.
الثَّانِي: وُقُوعُ طَلَاقِ السَّكْرَانِ وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَعَنْ الْهَادِي وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}[النساء/43]، فَإِنَّهُ نَهْيٌ لَهُمْ عَنْ قُرْبَانِهَا حَالَ السُّكْرِ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ حَالَ سُكْرِهِمْ وَالْمُكَلَّفُ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِنْشَاءَاتُ.
(الشرح)
والطلاق إنشاء, فيقع طلاقه, هذا قول الجمهور, الجمهور قالوا: مخاطب: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}[النساء/43], والمخاطب معناه المكلف, والمكلف خاطب بالإنشاءات, والطلاق إن شاء فيقع عَلَى السكران.
(المتن)
وَبِأَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ عُقُوبَةٌ لَهُ وَبِأَنَّ تَرْتِيبَ الطَّلَاقِ عَلَى التَّطْلِيقِ مِنْ بَابِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِأَسْبَابِهَا، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ السُّكْرُ وَبِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَقَامُوهُ مَقَامَ الصَّاحِي فِي كَلَامِهِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، فَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَحَدُّ الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ وَبِأَنَّهُ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ».
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ خِطَابٌ لَهُمْ حَالَ صَحْوِهِمْ وَنَهْيٌ لَهُمْ قَبْلَ سُكْرِهِمْ أَنْ يَقْرَبُوا الصَّلَاةَ حَالَةَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَا يَقُولُونَ فَهِيَ دَلِيلٌ لَنَا كَمَا سَلَفَ وَبِأَنَّ جَعْلَ الطَّلَاقِ عُقُوبَةً يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ عَلَى الْمُعَاقَبَةِ لِلسَّكْرَانِ بِفِرَاقِ أَهْلِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ عُقُوبَتَهُ إلَّا الْحَدَّ وَبِأَنَّ تَرْتِيبَ الطَّلَاقِ عَلَى التَّطْلِيقِ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ وَالْبَتِّيُّ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عَقْدٌ، وَلَا بَيْعٌ، وَلَا غَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ الْقَوْلَ بِتَرْتِيبِ الطَّلَاقِ عَلَى التَّطْلِيقِ صِحَّةُ طَلَاقِ الْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالسَّكْرَانِ غَيْرِ الْعَاصِي بِسُكْرِهِ وَالصَّبِيِّ وَبِأَنَّ مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إذَا شَرِبَ إلَى آخِرِهِ، فَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ إنَّهُ خَبَرٌ مَكْذُوبٌ بَاطِلٌ مُتَنَاقِضٌ، فَإِنَّ فِيهِ إيجَابَ الْحَدِّ عَلَى مَنْ هَذَى وَالْهَاذِي لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَبِأَنَّ حَدِيثَ: «لَا قَيْلُولَةَ فِي طَلَاقٍ» خَبَرٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ طَلَاقُ الْمُكَلَّفِ الْعَاقِلِ دُونَ مَنْ لَا يَعْقِلُ وَلَهُمْ أَدِلَّةٌ غَيْرُ هَذِهِ لَا تَنْهَضُ عَلَى الْمُدَّعَى.
(الشرح)
فإن قيل: (...)؟.
لا, إذا ثبت واحد يكفي.
فإن قيل: (...)؟.
إذا حاضت فهذا من العلامات.