شعار الموقع

شرح كتاب الطلاق من سبل السلام_11

00:00
00:00
تحميل
77

ِبسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:

لعان الْحَامِل وَثُبُوت الْوَلَد بَعْد اللِّعَان.

وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبِطًا» بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا طَاءٌ مُهْمَلَةٌ، وَهُوَ الْكَامِلُ الْخَلْقُ مِنْ الرِّجَالِ «فَهُوَ لِزَوْجِهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ، وَهُوَ الَّذِي مَنَابِتُ أَجْفَانِهِ كُلُّهَا سُودٌ كَأَنَّ فِيهَا كُحْلًا وَهِيَ خِلْقَةٌ (جَعْدًا) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَدَالٍ مُهْمَلَةٍ، وَهُوَ مِنْ الرِّجَالِ الْقَصِيرُ «فَهُوَ لِلَّذِي رَمَاهَا بِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَهُمَا فِي أُخْرَى فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ.

وَفِي الْأَحَادِيثِ ثَبَتَتْ لَهُ عِدَّةُ صِفَاتٍ, وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا وَلِلنَّسَائِيِّ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ سَرْدِ صِفَاتِ مَا فِي بَطْنِهَا: اللَّهُمَّ بَيِّنْ فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِاَلَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ اللِّعَانُ لِلْمَرْأَةِ الْحَامِلِ، وَلَا يُؤَخَّرُ إلَى أَنْ تَضَعَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ لَا لِعَانَ لِنَفْيِ الْحَمْلِ.

(الشرح)

أبو حنيفة والأحناف ورواية عن الإمام أحمد عَلَى أنها لا تُلاعن الحامل, والجمهور عَلَى أنها تُلاعن وهذا الصواب والحديث صريح في هذا.

(المتن)

لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رِيحًا، فَلَا يَكُونُ لِلِّعَانِ حِينَئِذٍ مَعْنًى.

قُلْت: وَهَذَا رَأْيٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَكَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنَّهُ لَا لِعَانَ بِمُجَرَّدِ ظَنِّ الْحَمْلِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لَا لِوِجْدَانِهِ مَعَهَا الَّذِي هُوَ صُورَةُ النَّصِّ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْتَفِي الْوَلَدُ بِاللِّعَانِ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ النَّفْيُ فِي الْيَمِينِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اللِّعَانُ عَلَى الْحَمْلِ إلَّا بِشَرْطِ ذِكْرِ الزَّوْجِ لِنَفْيِ الْوَلَدِ دُونَ الْمَرْأَةِ.

(الشرح)

يصح بشرط ذكر الزوج لنفي الولد دون المرأة, الأول أبو حنيفة وراية عن الإمام أحمد يقول: لا يصح, وهنا يقول: يصح بشرط.

(المتن)

وَأَنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُ الْوَلَدِ، وَهُوَ حَمْلٌ وَيُؤَخَّرُ اللِّعَانُ إلَى مَا بَعْدَ الْوَضْعِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِمَا بَلْ الْحَقُّ قَوْلُ الظَّاهِرِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي اللِّعَانِ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْيُ الْوَلَدِ وَلَمْ نَرَهُ فِي حَدِيثِ هِلَالٍ، وَلَا عُوَيْمِرٍ وَلَمْ يَكُنْ اللِّعَانُ إلَّا مِنْهُمَا فِي عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَأَمَّا لِعَانُ الْحَامِلِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَقَدْ أَخْرَجَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأُلْحِقَ الْوَلَدُ بِالْمَرْأَةِ» .

وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ وَكَانَتْ حَامِلًا فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا وَذَكَر أَنَّهُ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ وَلَكِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ نَفْيِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ الرَّجُلُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ نَفْيُ الْحَمْلِ وَاللِّعَانُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَاعَنَهَا حَامِلًا ثُمَّ أَتَتْ بِالْوَلَدِ لَزِمَهُ وَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْ نَفْيِهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَهَذِهِ قَدْ بَانَتْ بِلِعَانِهِمَا فِي حَالِ حَمْلِهَا, وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا رَأْيٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ الثَّابِتِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْبُخَارِيُّ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ فِيهِ وَكَانَتْ حَامِلًا مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ لَكِنَّ حَدِيثَ الْبَابِ صَحِيحٌ صَرِيحٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى الْعَمَلِ بِالْقِيَافَةِ وَكَانَ مُقْتَضَاهَا إلْحَاقُ الْوَلَدِ بِالزَّوْجِ إنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لِلْفِرَاشِ لَكِنَّهُ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَانِعَ عَنْ الْحُكْمِ بِالْقِيَافَةِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا بِقَوْلِهِ لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ.

(الشرح)

فيكون هذا مستثنى, الملاعنة تُستثنى من حديث: «الولد للفراش».

(المتن)

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ عَلَى فِيهِ، وَقَالَ إنَّهَا الْمُوجِبَةُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ, فِيهِ: دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ مِنْ الْحَاكِمِ الْمُبَالَغَةُ فِي مَنْعِ الْحَلِفِ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعَ بِالْقَوْلِ بِالتَّذْكِيرِ وَالْوَعْظِ كَمَا سَلَفَ ثُمَّ مَنَعَ هَاهُنَا بِالْفِعْلِ وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ أَمَرَ بِوَضْعِ يَدِ أَحَدٍ عَلَى فَمِ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ.

وَقَوْلُهُ: إنَّهَا الْمُوجِبَةُ أَيْ لِلْفُرْقَةِ وَلِعَذَابِ الْكَاذِبِ, وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّعْنَةَ الْخَامِسَةَ وَاجِبَةٌ.

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّحْلِيفِ فَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي تَحْلِيفِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْلِفْ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إنِّي لَصَادِقٌ يَقُولُ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ» الْحَدِيثُ بِطُولِهِ قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد