بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين , اللهم اغفر لنا و لشيخنا و للحاضرين و السامعين برحمتك يا أرحم الراحمين .
( متن )
وَأما الْقسم الثَّانِي مِمَّا يجب أَن تَكُونَا عَلَيْهِ وتتمسكا بِهِ فَأن يلْتَزم كل وَاحِد مِنْكُمَا لِأَخِيهِ الْإِخْلَاص و البر وَالْإِكْرَام والمراعاة فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة والمراقبة فِي المغيب والشهادة وليلزم أكبركما لِأَخِيهِ الإشفاق عَلَيْهِ والمسارعة إِلَى كل مَا يُحِبهُ والمعاضدة فِيمَا يؤثره والمسامحة لكل مَا يرغبه ويلتزم أصغركما لِأَخِيهِ تَقْدِيمه عَلَيْهِ وتعظيمه فِي كل أَمر بِالرُّجُوعِ إِلَى مذْهبه و الاتباع لَهُ فِي سره وجهره وتصويب قَوْله وَفعله وَإِن أنكر مِنْهُ فِي الْمَلأ أمرا يُريدهُ أَو ظهر إِلَيْهِ خطأ فِيمَا يَقْصِدهُ فَلَا يظْهر إِنْكَاره عَلَيْهِ وَلَا يجْهر فِي الْمَلأ بتخطئته وليبين لَهُ ذَلِك على انْفِرَاد مِنْهُمَا ورفق من قَوْلهمَا فَإِن رَجَعَ إِلَى الْحق وَإِلَّا فليتبعه على رَأْيه فَإِن الَّذِي يدْخل عَلَيْكُمَا من الْفساد باختلافكما أعظم مِمَّا يحذر من الْخَطَأ مَعَ اتفاقكما مَا لم يكن الْخَطَأ فِي أَمر الدّين فَإِن كَانَ فِي أَمر الدّين فَليتبعْ الْحق حَيْثُ كَانَ.
( شرح )
الحمد لله رب العاملين و صلى الله و سلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .. أما بعد :
قال في القسم الثاني من وصية الحافظ أبي الوليد الباجي لولديه و قال إن هذه الوصية تنقسم إلى قسمين قسم فيما يلزم من أمر الشريعة و قسم فيما يجب أ يكون عليه من أمر دنياكما و لكن القسم الثاني في الحقيقة ليس أمرا يتعلق بأمر الدنيا بل يتعلق في أمر الدين ففيه من أبواب الشريعة إن لم يكن كله لأن هذه التوجيهات و هذه الإرشادات التي بينها وهذه المعاملة التي تكون بينهما هذا أمر جاء به الإسلام و جاء به الدين و أمر تقتضيه الأخوة و أمر تقتضيه صلة الرحم فليس أمرا دنيويا محضا هذا مما يلاحظ على الحافظ رحمه الله قال ( القسم الثاني فيما يجب عليه أن تكونا في أمر دنياكما ) و قد يكون المراد بأن الشارع نظم أمر الدين و أمر الدنيا فعلى هذا يكون كل من القسمين داخل في أمر الدين و ليس أمرا دنيويا محضا و سيتبين هذا الآن , يقول المؤلف رحمه الله ( و أما القسم الثاني مما يجب أن تكونا عليه ) الخطاب لولديه ( وتتمسكا بِهِ فَأن يلْتَزم كل وَاحِد مِنْكُمَا لِأَخِيهِ الْإِخْلَاص و البر وَالْإِكْرَام والمراعاة فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة والمراقبة فِي المغيب والمشاهدة ) هذا ليس أمرا دنيويا هذا أمر يحث عليه الشرع التزام كل واحد منهما لأخيه الإخلاص و البر و الإكرام حتى غير الأخ مطلوب قال الله تعالى إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةࣱ و قال عليه الصلاة و السلام في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري رحمه الله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه أيعني هذا أمر دنيوي ! لكن كما سبق أراد المعاملة أن تكون بينهما معاملة خاصة قبل أن يلتزم بالإخلاص يعني ينصح له و أن يمنح له النصيحة و البر و الإكرام كل واحد منهما يقدر الآخر و ينصح له يسدي إليه البر و الإكرام و المراعاة في السر و العلن و المراقبة في المغيب و المشاهدة في الحاضر وفي الشيء الحاضر و الشيء الغائب قال ( وليلزم أكبركما لِأَخِيهِ الإشفاق عَلَيْهِ والمسارعة إِلَى كل مَا يُحِبهُ و يلتزم أصغركما تقديمه عليه ) يعني الأكبر عليه أن يشفق على الأصغر و الأصغر عليه أن يحترم الأكبر و هذا الأمر جاء في الشريعة , الأكبر يشفق على الأصغر و الأصغر يحترم الأكبر و لهذا قال ( وليلزم أكبركما لِأَخِيهِ الإشفاق عَلَيْهِ والمسارعة إِلَى كل مَا يُحِبهُ والمعاضدة فِيمَا يؤثره والمسامحة لكل مَا يرغبه ) يلتزم يعني يلزم الأكبر لأخيه الإشفاق و المبادرة و المسارعة إلى كل ما يحبه لنفسه و أخيه و المعاضدة بمعنى المعاونة فيما يؤثره يعني فيما يريد الإنفراد به و الاختصاص به و المسامحة لكل ما يرغبه هذه فيه سقط كلمة هنا كما قال المحشي و المسامحة لكل ما يرغبه يعني المسامحة فيما يكون بينهما يعني فيما يحصل مسامحة في كل ما يرغبه يعني مسامحة له في كونه مثلا يأتي بكلمات غير مناسبة أو يفعل فعلا غير مناسب فيسامحه يسامحه في كل ما يرغب أن يكون عليه لكنه فعل شيئا لا يرغب أن يكون عليه فيسامحه و هذا عام و مقيد هذا بما يخالف الشرع هذا بالنسبة للأكبر و بالنسبة للأصغر قال ( ويلتزم أصغركما لِأَخِيهِ تَقْدِيمه عَلَيْهِ ) يعني تقديم أخيه عليه تقديمه في الرأي و في المشورة و بالدخول و الخروج و قال (ويلتزم أصغركما لِأَخِيهِ تَقْدِيمه عَلَيْهِ وتعظيمه فِي كل أَمر بِالرُّجُوعِ إِلَى مذْهبه ) يعني إلى ما يذهب إليه و يريده ( و الاتباع لَهُ فِي سره وجهره ) يعني فيما يظهره و فيكما يخفيه ( وتصويب قَوْله وَفعله ) يعني في الجملة و لهذا قال ( وَإِن أنكر مِنْهُ فِي الْمَلأ أمرا يُريدهُ ) يقصد في قوله و فعله يعني في الجملة إلا إذا كان هناك شيء ينتقد و إذا كان هناك شيء ينتقد فالطريقة التي يسلكها أنه ينصحه على انفراده يبين له على انفراده و لا يبين له الخطأ على رؤوس الأشهاد لأن هذا أدعى إلى قبوله و لهذا قال ( وتصويب قَوْله وَفعله ) يعني في الجملة ( وَإِن أنكر مِنْهُ فِي الْمَلأ أمرا يُريدهُ أَو ظهر إِلَيْهِ خطأ فِيمَا يَقْصِدهُ ) و في بعض النسخ ( مما يقصده ) (فَلَا يظْهر إِنْكَاره عَلَيْهِ وَلَا يجْهر فِي الْمَلأ بتخطئته وليبين لَهُ ذَلِك على انْفِرَاد ) يعني لا يبين له الخطأ أمام الناس و لا يجهر في الملأ بتخطئته و إنما يون التنبيه و النصيحة على انفراد لأن هذا أدعى للقبول من نصحك أمام الناس فقد فضحك و من نصحك في السر فقد محض لك النصيحة ( وليبين لَهُ ذَلِك على انْفِرَاد مِنْهُمَا ورفق من قَوْلهمَا ) يعني يكون على انفراد و يكون أيضا بأسلوب مناسب بأسلوب اللين و الرفق قال ( فَإِن رَجَعَ إِلَى الْحق وَإِلَّا فليتبعه على رَأْيه ) إذا دعاه إلى الحق و قبله فالحمد لله و إلا فليتبعه على رأيه و هذا مقيد بما إذا كان هناك مخالفة بالشريعة و إذا ما ترتب على ذلك مفسدة أما إذا كان في أمر تقتضي الشريعة ألا يوافقه فلا يوافقه فلا يوافقه و بين العلة في أنه يوافقه قال ( فَإِن الَّذِي يدْخل عَلَيْكُمَا من الْفساد باختلافكما أعظم مِمَّا يحذر من الْخَطَأ مَعَ اتفاقكما مَا لم يكن الْخَطَأ فِي أَمر الدّين ) هذا قيده وهذا حسن ( فَإِن كَانَ فِي أَمر الدّين فَليتبعْ الْحق حَيْثُ كَانَ ) يقول إذا قبل النصيحة من قبل فالحمد لله و إن لم يقبل يوافقه درءا للمفسدة لأن الاختلاف شر و لذلك لما أتم أمير المؤمنين عثمان بن عفان الصلاة في السفر في الحج قال عبد الله بن مسعود ( إنا لله و إنا إليه راجعون ) اعتبرها مصيبة صليت في هذا المكان ( في منى ) خلف رسول الله - ﷺ - بمنى ركعتين، وصليت خلف أبي بكر ركعتين، وصليت خلف عمر بن الخطاب ركعتين و صليت خلف عثمان في فترة خلافته ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات، ركعتان متقبلتان ) فكان ( 10:48 ) فقيل تصلي خلفه و تقول إنا لله و إنا إليه راجعون فهي مصيبة ! قال : في الخلاف شر في الخلاف شر و كان عثمان قد أتم أربع في منى درءا لمفسدة الاختلاف و في صلاة الصحابة خلف أمير المؤمنين عثمان أربع دليل على أن قصر الصلاة غير واجبة و إنما هو مستحب فلو كان واجبا لما أقره الصحابة على ذلك قال من أقوى الأدلة على أن الصلاة في السفر قصر الصلاة ليس بواجب , قال بعض العلماء أنه واجب و كان الإمام أحمد رحمه الله لا يرى القنوت في صلاة الفجر و إذا صلى خلف من يقنت فإنه يؤمن على دعائه و يقول لا يخالفه و يقول الخلاف شر و هو لا يرى القنوت و كذلك هنا يقول الحافظ إذا الأخ الأكبر عليه أن ينصح الأخ الأصغر ينصح أخاه الأصغر فإن قبل الحمد لله و إن لم يقبل يتابعه درءا للمفسدة و الخلاف شر إلا إذا كان الخطأ في أمر الدين هذا ليس فيه مجاملة ( مَا لم يكن الْخَطَأ فِي أَمر الدّين فَإِن كَانَ فِي أَمر الدّين فَليتبعْ الْحق حَيْثُ كَانَ ) .
( متن )
و ليثابر على نصح أَخِيه وتسديده مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يحل يَده عَن تَعْظِيمه وتوقيره وَلَا يُؤثر أَحَدكُمَا على أَخِيه شَيْئا من عرض الدُّنْيَا فيبخل بأَخيه من أَجله أو يعرض عَنهُ بِسَبَبِهِ أَو ينافسه فِيهِ .
( شرح )
نعم يقول ( و ليثابر على نصح أخيه ) يعني يستمر , يستمر على النصح و لا ينقطع المثابرة لها تأثير و الانقطاع له آثاره السلبي و لهذا قال ( و ليثابر على نصح أخيه و تسديده ما استطاع ) تسديده يعني إرشاده إلى السداد و الصواب ( و ليثابر على نصح أخيه و تسديده ما استطاع ) ( و لا يحل يده عن تعظيمه و توقيره ) بمعنى أنه يستمر ( و لا يؤثر أحكما على أخيه شيئا من عرض الدنيا ) هذا نصيحة للولدين للابنين معا الأكبر و الأصغر ( و لا يؤثر أحدكما على أخيه شيئا ) الأكبر و الأصغر كل واحد منهما لا يؤثر على أخيه شيئا من عرض الدنيا (فيبخل بأخيه من أجله ) و لعله أولي ( فيبخل بشيء من عرض الدنيا بأخيه من أجله أو يعرض عنه بسببه و ينافسه فيه ) المانع أن لا تكون الدنيا سببا في القطيعة بينكما و الجفاء بسبب شيء فيبخل بشيء من المال أو ينافسه فيه فتحصل النفرة .
( متن )
وَمن وسع عَلَيْهِ مِنْكُمَا فِي دُنْيَاهُ فليشارك بهَا أَخَاهُ وَلَا ينْفَرد بهَا دونه وليحرص على تثمير مَال أَخِيه كَمَا يحرص على تثمير مَاله .
( شرح )
هذه نصيحة للابنين معا ( فمن وسع عليه في دنياه ) يعني أعطاه الله مالا فليشارك به أخاه لا ينفرد ( و لا ينفرد بها دونه و ليحرص على تثمير مال أخيه كما يحرص على تثمير ماله ) يعني تنميته ينميه و يتجنب الأخطاء كما يفعل ولي اليتيم في مال اليتيم .
( متن )
وأظهرا التعاضد والتواصل والتعاطف و التناصر حَتَّى تعرفا بِهِ فَإِن ذَلِك مِمَّا ترضيان بِهِ رَبكُمَا وتغيظان بِهِ عدوكما .
( شرح )
نعم و هذا في حثهما على التعاون و التناصر و التعاضد يعني يعضد أحدكما الآخر و التواصل عدم الهجر و القطيعة و التعاطف إظهار العطف و التناصر بمعنى التعاطف ( حتى تعرفا به ) حتى يعرف خصمكما بأنكما متعاونين متناصرين متواصلين غير متهاجرين ( فإن ذلك مما ترضيان به ربكما ) لأن الله أمركما به التعاون و التناصر و أمر بصلة الأرحام في كتابه و أمر به النبي صلى الله عليه سلم و هذا أيضا يغيظ العدو يرضي الله و يغيظ العدو و يجعله في غيظ و حنق و لأن العدو حاث وإغاظة العدو مطلوبة و النبي ﷺ لما بعث معاذ إلى اليمن و معه أبو موسى الأشعري أمرهما بالتعاون و التناصح قال بشرا و لا تنفرا و يسرا و لا تعسرا و تطاوعا و لا تختلفا .
( متن )
وإياكما والتنافس والتقاطع والتدابر والتحاسد وَطَاعَة النِّسَاء فِي ذَلِك فَإِنَّهُ مِمَّا يفْسد دينكما ودنياكما وَيَضَع من قدركما ويحط من مَكَانكُمَا ويحقر أمركما عِنْد عدوكما ويصغر شأنكما عِنْد صديقكما .
( شرح )
هذا كل هذه إرشادات كلها شرعية ولكن مقصود الحافظ حينما قال أنها دنيوية أنها تتعلق بالتعامل الذي يكون بينهما بالتعامل الذي يكون بينهما خاصة و تلك في أمور الدنيا المحرمات و الواجبات و في أمور الدين المحرمات الغيبة و النميمة و الزنا و الربا و في أمور الدين و التوحيد و هذه في التعامل فيما يكون و بينهما و كلها داخل في الشريعة ليس خاصا بالدنيا أو دنيويا محضا قال ( و إياكما ) يعني أحذركما تحذير ( و التنافس ) بين بعضكما الآخر في الدنيا أو في منصب ( و التقاطع ) بل الواجب التواصل ( و التدابر ) يولي أحدكم دبره يولي أخاه دبره و الأخذ بقول النبي ﷺ لا تحاسدوا و لا تناجشوا و لا تدابروا و كونوا عباد الله إخوانا و التدابر هو أن يهجر أخاه و إذا لقيه ولاه دبره معرضا عنه هذا تحذير من التنافس و التقاطع و التدابر و التحاسد يحسد أحدهما الآخر بأن يتمنى زوال النعمة عنه ( و طاعة النساء ) و احذرا طاعة النساء في ذلك ( فإنه مما يفسد دينكما و دنياكما ) يعني هذه الأمور التنافس و التقاطع و التدابر و التحاسد و طاعة النساء مما يفسد الدين و الدنيا و هذا يدل على أن الأمر ليس أمرا دنيويا محضا كما قال فإنه قال ( فإنه يفسد دينكما و دنياكما ) و قال ( و يضع من قدركما ) لأن هذه الأمور معاصي و المعصية تحط من قدر الإنسان المؤمن إذا أطاع الله كان له قدرا ومنزلة عند الله و من عصى الله نزل منزلته و قدره و لهذا قال هذه الأمور تفسد الدين و الدنيا التنافس و التقاطع و التدابر و التحاسد يقول النبي ﷺ لا تحاسدوا و لا تناجشوا و لا تدابروا و كونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخذله فكيف بالأخوين ( و يحط من مكانكما و يحقر من أمركما عند عدوكما ) إذا حصل التنافس بينكما لا شك أن العدو يرى أن كل منهما قدره ناقص ( و يصغر شأنكما عند صديقكما ) العدو يحقر أمركما و الصديق يصغر شأنكما عنده و قوله طاعة النساء يعني هذا ليس على إطلاق , طاعة النساء فيما يخالف الشرع قد تكون مفيدة إذا كانت موافقة للشرع و قد تكون امرأة لها رأي سديد و آراء بعض النساء قد تفوق آراء الرجال , أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية لما أمر النبي ﷺ الناس أن يحلقوا رؤوسهم و لما أمرهم أن يذبحوا و يحلقوا ويتحللوا و كانوا يرجون الصحابة دخول مكة و هم متشوفون و متشوقون فالنبي ﷺ عقد الصلح بينهما فقال : تحللوا سنرجع فهم متشوقون و متشوفون و يرجون أن يسمح لهم فلم يفعل أحد قال : تحللوا احلقوا رؤوسكم و تحللوا فلم يفعل و لا واحد , لا عصيانا لكن رجاء أن يسمح لهم , فدخل النبي ﷺ على أم سلمة مغضبا فقالت مالك يا رسول الله فقال : إني آمر الناس و لا يمتثلون قالت : يا رسول الله تريدهم أن يمتثلوا قال : نعم قالت : اخرج و لا تكلم أحدا و ابدأ بنفسك اذبح و احلق رأسك و الناس يتابعونك فخرج النبي و لم يكلم أحد و حلق رأسه فتتابع الناس يكادوا يتقاتلوا هذا رأي سديد من امرأة أم سلمة رضي الله عنها فقوله ( و طاعة النساء ) ليس على الإطلاق يعني فيما طاعة النساء في الجملة في الغالب يعني الرأي غير سديد لأن الرجل أفضل و أولى لكن ليس هذا على الإطلاق المقصود أن هذا فيما لم يظهر رشده فإن ظهر رشد الرأي فإنه يقبل تتفاوت النساء في ذلك .
( متن )
وَمن أسدى مِنْكُمَا إِلَى أَخِيه مَعْرُوفا أَو مكارمة أَو مُوَاصلَة فَلَا ينْتَظر مقارضة عَلَيْهَا وَلَا يذكر مَا أَتَى مِنْهَا فَإِن ذَلِك مِمَّا يُوجب الضغائن ويسبب التباغض ويقبح الْمَعْرُوف ويحقر الْكَبِير وَيدل على المقت والضعة ودناءة الهمة .
( شرح )
قوله ( و من أسدى منكما إلى أخيه معروفا أو مكارمة ) يكارمه فيها يعني هدية أو ما أشبه ( أو مواصلة فلا ينتظر مقارضة عليها ) يعني لا ينتظر الرد منه لا ينتظر ثمنا لها فهو لا ينتظر ثمنا لها أو ينتظر جزاءا عليها , لا , لأنه إذا انتظر جزاءا لها يعني بقي في نفسه شيء ينتظر, لما أعطاني ! ثم إذا أعطاني مقابل المعروف أقل أو مماثل أو أكثر , فلهذا قال ( وَمن أسدى مِنْكُمَا إِلَى أَخِيه مَعْرُوفا أَو مكارمة أَو مُوَاصلَة فَلَا ينْتَظر مقارضة ) لا ينتظر جزاءا عليها و كتابة عليها و الهبة كما ذكر نوعان هبة أراد بها وجه الله هذه لا ينتظر صاحبها شيء و الهبة هبة الدواب و هي كالبيع يعني أن يهدي له هدية لكن يريد أن يرد له مثلها أو أكثر مثل الهدايا التي تهدى للملوك و الأمراء بعض الناس الملك أو الأمير أو الرئيس يهدي له هدية يهدي له مثلا ناقة أو كذا من الناقة مثلا يغالون فيها قد تصل إلى عشرين ألف أو أربعين ألف يريد أن يعطيه مئة ألف أو خمسين ألف فيهديها للأمير و ينتظر الثواب هذه بمثابة البيع هذه إما أن يقبلها صاحبها و يرد عليه بالمثل و إما أن يردها و النوع الثاني هبة تبرع يريد بها وجه الله فالحافظ يريد النوع الأول يقول من أسدى إليك معروفا فلا تنتظر ثوابا و لا جزاءا ( وَلَا يذكر مَا أَتَى مِنْهَا ) قول كذا و أعطاني كذا أو لم يعطن كذا أو رد علي أقل لأنه إن ذكر ذلك يكون هذا مما يوجب الضغائن في النفوس ( ويسبب التباغض ويقبح الْمَعْرُوف ) لأن المعروف أهداني هدية أو مكافئة فلا أتكلم أقول ما ردها علي أو ما أعطاني أو أعطاني أقل لأن هذا يسبب الضغائن في النفوس و يسبب التباغض و يقبح المعروف يجعل المعروف قبيح ( و يحقر الكبير و يدل على المقت ) البغض المقت شدة البغض ( و الضعة ) يعني يكون الإنسان وضيع و دنيء الهمة .
( متن )
وَإِن أَحَدكُمَا زل وَترك الْأَخْذ بوصيتي فِي بر أَخِيه ومراعاته فليتلاف الآخر ذَلِك بتمسكه بوصيتي وَالصَّبْر لِأَخِيهِ والرفق بِهِ وَترك المقارضة لَهُ على جفوته والمتابعة لَهُ على سوء مُعَامَلَته فَإِنَّهُ يحمد عَاقِبَة صبره ويفوز بِالْفَضْلِ فِي أمره و يكون مَا يَأْتِيهِ أَخُوهُ كَبِير تَأْثِير فِي حَاله .
( شرح )
يقول ( و إن أحدكما ) الخطاب لولديه ( زل ) يعني حصلت منه هفوة و ترك الأخذ بالوصية ( بوصيتي فِي بر أَخِيه ومراعاته ) فليتدارك هذا الأمر لا ينهزم بل يتدارك هذا الذي زل يتنافى أو أن هذا خطاب للآخر إذا زل أحدهما فالآخر لا يؤاخذه بهذه الزلة بل يتنافى الآخر ذلك ( بتمسكه بوصيتي ) إذا زل أحدهما فالآخر لا يحاسبه على هذه الزلة بل يتلافى ذلك و يسد النقص بتمسكه بالوصية ( و الصبر ) لأخيه الصبر على زلته و هفوته ( و الرفق به ) يعني يرفق به ( و ترك المقارضة له على جفوته ) يعني ترك الجزاء مقابلته بالجزاء لا يجازيه على هفوته فيعطيه الصاع صاعين بل يتحمل ( وَترك المقارضة لَهُ على جفوته والمتابعة لَهُ على سوء مُعَامَلَته ) لا يعامله بالسيئة و إنما يجزي بالسيئة الحسنة فإنه إذا فعل ذلك ( يحمد عاقبة صبره و يفوز بالفضل في أمره و يكون مَا يَأْتِيهِ أَخُوهُ كَبِير تَأْثِير فِي حَاله ) قال كما قال الله تعالى في سورة فصلت وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلࣰا مِّمَّن دَعَاۤ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا وَقَالَ إِنَّنِی مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ وَلَا تَسۡتَوِی ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّیِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِی بَیۡنَكَ وَبَیۡنَهُۥ عَدَ ٰوَةࣱ كَأَنَّهُۥ وَلِیٌّ حَمِیمࣱ إذا فعل لك شخص بعض الناس إذا أساء له شخص رد له الصاع صاعين والثاني يرد عليه بالمثل ويحصل النزاع و الشقاق و تحصل المضاربة ثم يحصل القتل لكن الله تعالى أرشدنا ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ إذا شتمك تدعوا له إذا أذاك تهديه هدية فتنقلب عداوته صداقة يكون كأنه ولي حميم فَإِذَا ٱلَّذِی بَیۡنَكَ وَبَیۡنَهُۥ عَدَ ٰوَةࣱ كَأَنَّهُۥ وَلِیٌّ حَمِیمࣱ و هذا في معاملة غير الماس فكيف بالأخوين فيقول لا ترد على جفوته و لا تعامله بالمثل و تحمل حتى تحمد العاقبة على صبرك و تفوز بالفضل و يكون لما يأتي من أخيك كبير تأثير في حاله بسبب المعاملة الحسنة .
( متن )
واعلما أَنِّي قد رَأَيْت جمَاعَة لم تكن لَهُم أَحْوَال وَلَا أقدار أَقَامَ أَحْوَالهم وَرفع أقدارهم اتِّفَاقهم وتعاضدهم وَقد رَأَيْت جمَاعَة كَانَت أقدارهم سامية وأحوالهم ظاهرة نامية محق أَحْوَالهم وَوضع أقدارهم اخْتلَافهمْ و تنابذهم فاحذرا أَن تَكُونَا مِنْهُم .
( شرح )
الحافظ يضرب لولديه المثل , المثل بأحوال أناس لم يسلكوا السبيل القويم فصارت عاقبتهم غير حميدة فيقول لا تسلكوا مسلكهم حتى لا تكونوا مثلهم ( واعلما أَنِّي قد رَأَيْت جمَاعَة لم تكن لَهُم أَحْوَال وَلَا أقدار ) ليس لهم حال ( ليس لهم أحوال و لا أقدار ) يعني ضرب المثل بجماعتين جماعة ليس لهم أحوال و لا أقدار وليس لهم مكانة في المجتمع لكن تعاونوا فيما بينهم و جعلوا لهم مكانة في المجتمع سارت لهم الحال و ارتفعت أقدارهم بسبب اتفاقهم و تعاضدهم و تناصرهم و الجماعة الآخرون لهم أقدار عالية لكن زال هذا القدر العالي و حصل لهم ما حصل لمنزلتهم و مكانتهم بسبب اختلافهم و تنافرهم و عدم اتفاقهم و اختلاف قلوبهم فكونوا من الجماعة الأولى و لا تكونوا من الجماعة الثانية و لهذا قال ( واعلما أَنِّي قد رَأَيْت جمَاعَة لم تكن لَهُم أَحْوَال وَلَا أقدار أَقَامَ أَحْوَالهم وَرفع أقدارهم اتِّفَاقهم وتعاضدهم ) فيما بينهم ( و قد رأيت جماعة ) يعني آخرين ( كَانَت أقدارهم سامية وأحوالهم ظاهرة نامية محق أَحْوَالهم وَوضع أقدارهم اخْتلَافهمْ و تنابذهم ) نزلت مكانتهم و أقدارهم عند الناس بسبب الاختلاف و التنافر ( فاحذرا أن تكونا منهم ) احذرا أن تكونا من الجماعة الثانية و كونا من الجماعة الأولى .
( متن )
ثمَّ عَلَيْكُم بمواصلة بني أعمامكما وَأهل بيتكما وَالْإِكْرَام لَهُم والمواصلة لكبيرهم وصغيرهم والمشاركة لَهُم بِالْمَالِ وَالْحَال و الجاه والمثابرة على مهاداتهم والمتابعة لزيارتهم والتعاهد لأمورهم وَالْبر لكبيرهم والإشفاق على صَغِيرهمْ والحرص على نَمَاء مَال غنيهم وَالْحِفْظ لغيبهم وَالْقِيَام بحوائجهم دون اقْتِضَاء لمجازاة وَلَا انْتِظَار مقارضة فَإِن ذَلِك مِمَّا تسودان بِهِ فِي عشيرتكما وتعظمان بِهِ عِنْد أهل بيتكما .
( شرح )
و هذا أمر بصلة الرحم صلة الرحم لأن الرحم هي القرابة من جهة الأب و من جهة الأم و عمودا النسب الأب و الأم هما أقرب الأرحام ثم الآباء و الأجداد و الأمهات و الجدات ثم الأخوة الأشقاء لأب و لأم و أبنائهم و الأخوان و الأخوات و أبنائهم ثم الأعمام الأشقاء لأب ولأم و أبنائهم ثم الأخوال و الخالات و الأعمام و العمات و أبنائهم و من أقربهم كان أحق و أعظم و قال ( ثم عليكما بمواصلة بني أعمامكما ) لأنهم من الرحم من القرابة ( و أهل بيتكما و الإكرام لهما ) يعني هذه صلة الرحم الصلة تواصل بينهم و الإكرام ( و المواصلة لكبيرهم و صغيرهم ) يعني صلة الكبير و الصغير ( و المشاركة لهم بالمال و الجاه ) يعني مواساتهم و الوقوف معهم و المشاركة في آمالهم و ألامهم ( و المثابرة على مهاداتهم ) يعني التواصل و خفض الجناح و اللين و المتابعة لزيارتهم تتكرر الزيارة ( و التعاهد لأمورهم ) التعاهد يعني التأمل و النظر لأحوالهم ( و البر لكبيرهم و الإشفاق على صغيرهم ) الصغير له الإشفاق و الكبير له البر ( و الحرص على نماء مال غنيهم ) مال غنيهم الحرص على نماء ماله و لا يعمل أي شيء يكون سببا في نقصه ( و الحفظ لغيبهم ) الغائب يحفظ له غيبته ( و القيام بحوائجهم دون اقتضاء لمجازاة ) يعني يقضي حوائجهم دون أن يطلب الجزاء و المجازاة ( و لا انتظار مقارضة ) هي الجزاء ( فَإِن ذَلِك مِمَّا تسودان بِهِ فِي عشيرتكما ) عند العشيرة و بني العم ( وتعظمان بِهِ ) يعني يكون لكما مكانة و تقدير و احترام عندهم .
سؤال :
في الفقرة السابقة يقول في العبارة السابقة ( و يكون مَا يَأْتِيهِ أَخُوهُ كَبِير تَأْثِير فِي حَاله ) عند قوله ( و إن أحدكما زل ) في آخر الفقرة يقول في نسختنا ( و لا يكون مَا يَأْتِيهِ أَخُوهُ كَبِير تَأْثِير فِي حَاله ) فيه إثبات لا النافية و بها يستقيم الكلام ؟؟
جواب :
الأمر واسع في هذا يمكن توجيه هذا و هذا .
( متن )
وصلا رحمكما وَإِن ضعف سَببهَا وقربا مَا بعد مِنْهَا واجتهدا فِي الْقيام بِحَقِّهَا وإياكما والتضييع لَهَا فقد رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ من أحب النسأ فِي الْأَجَل وَالسعَة فِي الرزق فَليصل رَحمَه
وَهَذَا مِمَّا يشرف بِهِ ملتزمه ويعظم به عِنْد النَّاس معظمه وَمَا علمت أهل بَيت تقاطعوا وتدابروا إِلَّا هَلَكُوا وانقرضوا وَلَا علمت أهل بَيت تواصلوا وتعاطفوا إِلَّا نموا وكثروا وبورك لَهُم فِيمَا حاولوا .
( شرح )
لا يزال الحافظ رحمه الله يأمر ولديه بصلة الرحم قال ( و صلا رحمكما ) الأول اختص ببني العم و هذا عام لبني العم و غيرهم ( و صلا رحمكما و إن ضعف سببها ) ولعله يقصد و إن كان بعيدا و لو كان بعيد ابن ابن ابن ابن عم أو بنت بنت بنت بنت عم و لو كان بعيدا ( و قربا ما بعد منها ) البعيد قرباه إذا وصلتما البعيد صار قريبا ( واجتهدا فِي الْقيام بِحَقِّهَا وإياكما والتضييع لَهَا ) للرحم القيام بحق الرحم فقد رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ من أحب النسأ فِي الْأَجَل وَالسعَة فِي الرزق فَليصل رَحمَه هذا الحديث معروف حديث صحيح رواه الشيخان و غيرهما البخاري و مسلم و من بعض ألفاظه من أحب أن يبسط له في رزقه و ينسأ له في أجله فليصل رحمه كأنه رواه بمعنى آخر من أحب أن يبسط له في رزقه و ينسأ له في أجله فليصل رحمه يبسط له في رزقه و ينسأ له في أجله يعني يؤخر في أجله في عمره فيصل رحمه و هذا دليل على أن صلة الرحم من أسباب الرزق و طول العمر والنسأ في الأجل قال ( وَهَذَا مِمَّا يشرف بِهِ ملتزمه ويعظم عِنْد النَّاس معظمه ) لا شك أن الإنسان يشرف بصلة الرحم عند الله و عند الناس قال ( وَمَا علمت أهل بَيت تقاطعوا وتدابروا إِلَّا هَلَكُوا وانقرضوا ) يعني أن قطيعة الرحم من أسباب الهلاك تدابروا كل واحد يولي الآخر دبر أخيه ( وَلَا علمت أهل بَيت تواصلوا وتعاطفوا إِلَّا نموا وكثروا وبورك لَهُم فِيمَا حاولوا ) نعم و هذا وقع و الله تعالى يقول فَهَلۡ عَسَیۡتُمۡ إِن تَوَلَّیۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوۤا۟ أَرۡحَامَكُمۡ أَفَلَا یَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَاۤ فهو من أسباب اللعنة و عمى البصيرة نسأل الله السلامة و العافية .
( متن )
ثمَّ الْجَار عَلَيْكُمَا بحفظه والكف عَن أَذَاهُ والستر لعورته والإهداء إِلَيْهِ وَالصَّبْر على مَا كَانَ مِنْهُ فقد رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ لَا يُؤمن من لَا يَأْمَن جَاره بوائقه وَرُوِيَ عَنهُ ﷺ أَنه قَالَ مَا زَالَ جِبْرِيل يوصيني بالجار حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيورثه واعلما أَن الْجوَار قرَابَة وَنسب فتحببا إِلَى جيرانكما كَمَا تتحببان إِلَى أقاربكما ارعيا حُقُوقهم فِي مشهدهم ومغيبهم وأحسنا إِلَى فقيرهم وبالغا فِي حفظ غنيهم وعلما جاهلهم .
( شرح )
هذا وصية للجار و هذا من الأمور الشرعية هذا تابع للقسم الأول و لكن أدخله في القسم الثاني لأنه من تعامل الناس الجار معاملة الجار هذا جاءت به الشريعة فالقسمان متداخلان في الحقيقة قسمهما و هما متداخلان ( ثم الجار عليكما بحفظه ) احفظا الجار في غيبته و حضوره ( والكف عَن أَذَاهُ والستر لعورته ) هذا من حق الجار على جاره أن يحفظه و أن يكف عن أذاه لا بقول و لا بفعل لا بالأطفال و لا بالأولاد و لا بالماء و لا بالقمامة يرميها أمام البيت و لا بالقمامة و لا بالسيارة يغلقها عليه و غير ذلك من أنواع الأذى ( و الستر لعورته ) إذا حصلت له عورة من حق الجار أن تستره ( و الإهداء إليه ) كما في الحديث أن النبي ﷺ قال لأبي ذر يا أبا ذر ، إذا طبخت مرقه ؛ فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك و قال ﷺ يا معشر النساء لا تحقرن جارة لجارتها لو فرسن شاة و لو بشيء قليل معلوم أن فرسن الشاة لا يهدى ( و الصبر على ما كان منه ) الصبر على أذاه و قد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليكرم جاره و من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليحسن إلى جاره و من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يؤذي جاره ثلاثة ألفاظ من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليكرم جاره و اللفظ الثاني و من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليحسن إلى جاره و اللفظ الثالث و من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يؤذي جاره قال لَا يُؤمن من لَا يَأْمَن جَاره بوائقه الحديث رواه الإمام مسلم قال لَا يُؤمن من لَا يَأْمَن جَاره بوائقه يعني نوائبه و شره و هذا دليل على ضعف الإيمان الذي لا يأمن جاره بوائقه و يخشى من شره دليل على ضعف إيمانه قول لا يؤمن يعني الإيمان الكامل الواجب فيكون ضعيف الإيمان و ليس المراد أنه كافر , لا , ليس نفي لأصل الإيمان بل المراد نفي كمال الإيمان الواجب لا يؤمن الإيمان الواجب إذا كان لا يأمن جاره بوائقه , إذا كان جارك يأمنك هذا دليل على أنك إذا كان لا يأمنك جارك هذا دليل على ضعف إيمانك لَا يُؤمن من لَا يَأْمَن جَاره بوائقه يعني نوائبه و شره و قول الحافظ فقد روي في صحيح مسلم ليس بجيد الأولى أن يقول و قد ثبت أو وقد صح عن النبي ﷺ لا يقول فقد روي بصفة التعميم و لعله ما تأكد من الحديث ( وَرُوِيَ عَنهُ ﷺ أَنه قَالَ مَا زَالَ جِبْرِيل يوصيني بالجار حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيورثه و كذلك ثبت في الصحيحين عن البخاري و مسلم فكيف يقول و روي الأولى أن يقول و ثبت في الصحيحين و صح عن النبي صلى الله عله و سلم أنه قال مَا زَالَ جِبْرِيل يوصيني بالجار حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيورثه ظن أنه سيورث الجار يقول الجار يرث جاره من كثرة وصيته له و تأكيده عليه قال ( واعلما أَن الْجوَار قرَابَة وَنسب ) قرابة و نسب قرابة لأنه قريب منه و نسب يعني صلة , صلة الجار صلة لجاره كما أن النسب صلة بين القرابة ( فتحببا إِلَى جيرانكما كَمَا تتحببان إِلَى أقاربكما ) يعني صلا الجار كما تصلا الأقارب( ارعيا حُقُوقهم ) حقوق الجوار ( فِي مشهدهم ومغيبهم ) يعني في وقت سفرهم و في وقت حضورهم (وأحسنا إِلَى فقيرهم وبالغا فِي حفظ غنيهم وعلما جاهلهم ) هذه نصيحة , نصيحة في حق الجار يحفظ الجار في المشهد و المغيب و يحسن إلى الفقير و يحفظ الغني و يعلم الجاهل .
( متن )
ثمَّ من علمتما من إخْوَانِي وَأهل مودتي فَإِنَّهُ يتَعَيَّن عَلَيْكُمَا مراعاتهم وتعظيمهم وبرهم وإكرامهم ومواصلتهم فقد رُوِيَ عَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنه حدث عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ إِن أبر الْبر أَن يصل الرجل أهل ود أَبِيه.
( شرح )
يقول ( ثم من علمتما من إخواني و أهل مودتي فإنه يتعين عليكما مراعاتهم و تعظيمهم ) يعني عليكما أن تحسنا إلى صديق الأب صديق الأب من البر بالأب أن تصلا صديق والدك و تحسن إليه و تكرمه و تبره و تصله هذا من البر بأبيك قال فقد رُوِيَ عَن عبد الله بن عمر أَنه حدث عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ إِن أبر الْبر أَن يصل الرجل أهل ود أَبِيه و أيضا هذا ثابت في صحيح مسلم في كتاب البر و الصلة و قول المؤلف و قد روي غير مناسب فلعله لم يتأكد من الحديث الأولى أن يقول فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال إِن أبر الْبر أَن يصل الرجل أهل ود أَبِيه و هذا لا شك فيه أن صلة و بر صديق الأب و الإحسان إليه من البر بالأب فثبت في الحديث الصحيح أن رجلا جاء إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما قال : ( الدعاء لهما و الاستغفار لهما و إنفاذ عهدهما من بعدهما و إكرام صديقهما و صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ) قال إكرام صديقهما , ثبت أن ابن عمر لقيه أعرابي فوقف و أعطاه حمار قال هذا حمار تتروح عليه و أعطاه عمامة تشد بها رأسك فقال له من حوله رحمك الله يا أبا عبد ارحمن هذا أعرابي و الأعراب يكفيهم الشيء القليل فأعطيته العمامة فقال إن أبا هذا كان ودا لعمر أبوه كان صديقا لأبيه فأكرمه .
( متن )
ثمَّ إخوانكما عاملاهم بالإخلاص وَالْإِكْرَام وَقَضَاء الْحُقُوق و التجافي عَن الذُّنُوب والكتمان للأسرار .
وإياكما أَن تحدثا أنفسكما أَن تنتظرا مقارضة مِمَّن أحسنتما إِلَيْهِ وأنعمتما عَلَيْهِ فَإِن انْتِظَار المقارضة يمسح الصنيعة ويعيد الْأَفْعَال الرفيعة وضيعة وتقلب الشُّكْر ذما وَالْحَمْد مقتا وَلَا يجب أَن تعتقدا معاداة أحد واعتمدا التَّحَرُّز من كل أحد فَمن قصدكما بمطالبة أَو تكَرر عَلَيْكُمَا بأذية فَلَا تقارضاه جهدكما والتزما الصَّبْر لَهُ مَا استطعتما فَمَا الْتزم أحد الصَّبْر والحلم إِلَّا عز وَنصر وَمن بغي عَلَيْهِ لينصرنه الله .
( شرح )
يقول المؤلف رحمه الله ( ثم إخوانكما عاملاهم بالإخلاص وَالْإِكْرَام وَقَضَاء الْحُقُوق و التجافي عَن الذُّنُوب والكتمان للأسرار ) هذه نصيحة لمعاملة الإخوان بإخلاص يعني محض النصيحة و الإكرام ضد الإهانة و قضاء الحقوق و التغاضي عن الذنوب و الكتمان للأسرار ،الإخلاص وَالْإِكْرَام وَقَضَاء الْحُقُوق و التجافي عَن الذُّنُوب والكتمان للأسرار خمسة أشياء هذه الأمور جاء بها الإسلام و هذا مما يدل على أن هذه ليست من أمور الدنيا لكن تقسيم هذا تقسيم الوصية بما يتعلق بأمور الدنيا و ما يتعلق بأمر الشريعة لأن هذا تعمل خاص فيما بينهم و لكن أدخل فيه شيئا من القسم الأول الكثير قال ( وإياكما أَن تحدثا أنفسكما أَن تنتظرا مقارضة مِمَّن أحسنتما إِلَيْهِ وأنعمتما عَلَيْهِ ) يعني لا يحدث أحدكما نفسه بمناجاة على الإحسان إذا أحسنتما إلى أحد لا تحدث نفسك بأن يجازيك تنتظر منه المجازاة أعطيته هدية تنتظر مثلها أو أحسنت إليه فتنتظر أن يحسن إليك , لا , عليك أن تعمل الإحسان و تتحمل ما يأتيك من أخيك بل إنك تكون مرتاح النفس تكون سليم الصدر لأخيك سواء جازاك أو لم يجازك قال ( فإن انتظار المقارضة يمسح الصنيعة ) كون الإنسان ينتظر الجزاء من أخيه و لا يعطيه جزاء مسح الصنيعة صارت ليست صنيعة ألغاها صنيعة المعروف زالت إذا كان ينتظر المجازاة ( و يعيد الأفعال الرفيعة وضيعة ) الفعل الرفيع يكون وضيعا لأنه زالت قيمته صنع المعروف لأنه يريد مجازاة ( و يقلب الشكر ذما ) إذا لم يشكر ( و الحمد مقتا ) بغضا إذا لم يحمد يبغضه ( و لا يجب أن تعتقدا معاداة أحد ) يعني عليكما ألا يكون في قلبيكما عداوة لأحد ( و اعتمدا التحرز من كل أحد ) يعني التحرز ما يكون سببا في الإساءة ( فَمن قصدكما بمطالبة أَو تكَرر عَلَيْكُمَا بأذية فَلَا تقارضاه جهدكما ) من قصد أن يطالبكم بشيء أو تكررت أذيته لكما فلا تقابلوه بذلك لا تقابلوا السيئة بالسيئة بل قابلوها بالحسنة قال ( و التزما الصبر له ما استطعتما ) بالصبر يكون الفرج تكون العاقبة حميدة ( فَمَا الْتزم أحد الصَّبْر والحلم إِلَّا عز وَنصر ) و هذا الصحيح يلتزم الصبر و الحلم عزه الله ونصره و من يتصبر يصبره الله و من يستغني يغنه الله قال ( وَمن بغي عَلَيْهِ لينصرنه الله ) تكون العاقبة حميدة له .
( متن )
فَقد اسْتعْملت هَذَا بِفضل الله مرَارًا فحمدت الْعَاقِبَة واغتبطت بالكف عَن المقارضة وَلَا تستعظما من حوادث الْأَيَّام شَيْئا فَكل أَمر ينقرض حقير وكل كَبِير لَا يَدُوم صَغِير وكل أَمر يَنْقَضِي قصير وانتظرا الْفرج فَإِن انْتِظَار الْفرج عبَادَة وعلقا رجاءكما بربكما وتوكلا عَلَيْهِ فَإِن التَّوَكُّل عَلَيْهِ سَعَادَة واستعينا بِالدُّعَاءِ والجآ إِلَيْهِ فِي البأساء وَالضَّرَّاء فَإِن الدُّعَاء سفينة لَا تعطب وحزب لَا يغلب وجند لَا يهرب .
( شرح )
يقول الحافظ رحمه الله ( وقد استعملت هذا بفضل الله ) يعني النصيحة التي أسديتها لكما صبرت على الأذى و لا أقابل السيئة بالسيئة و استعملت هذا مرارا فكان العاقبة حميدة فاسلك هذا المسلك حتى تكون العاقبة حميدة لكما و لهذا قال ( فَقد اسْتعْملت هَذَا بِفضل الله مرَارًا فحمدت الْعَاقِبَة واغتبطت بالكف عَن المقارضة ) يعني فرحت كان عندي فرح و سرور حيث أني لم أرد السيئة بالسيئة لم أجاز من أساء إلي قال ( وَلَا تستعظما من حوادث الْأَيَّام شَيْئا ) يعني لا تستعظما الأذى من أحد حوادث الأيام الأمور تتغير و الناس يتغيرون يعني توقعا أن يأتيكما أذية لا تنتظرا أن تكون المعامل حسنة من كل أحد , لا بل الناس يتفاوتون عليكما أن تتوقعا الجفاء و المعاملة السيئة أن تقابلاها بالصفح و الحلم و الصبر و العفو و عدم مقابلة السيئة بالسيئة و لهذا قال ( فحمدت الْعَاقِبَة واغتبطت بالكف عَن المقارضة وَلَا تستعظما من حوادث الْأَيَّام شَيْئا فَكل أَمر ينقرض حقير وكل كَبِير لَا يَدُوم صَغِير ) كل أمر ينتهي فهو حقير و كل كبير لا يدوم فهو صغير و كل أمر ينقضي فهو قصير ما دام ينتهي فهو قصير ( وانتظرا الفرج ) يعني ما دام هذا الأمر ينتهي الإساءة تنتهي فهي أمر يسير فصبرا و الكبير إذا كان لا يدوم ينتهي فهو صغير و الذي ينقضي قصير فانتظرا الفرج من الله الصبر معه الفرج كما في وصية ابن عباس ( و اعلما أن الفرج مع الكرب و أن مع العسر يسرا ) ( و انتظرا الفرج ) قال ( فَإِن انْتِظَار الْفرج عبَادَة ) عبادة لأنه مأمور به و كل مأمور به يعتبر عبادة قال ( وعلقا رجاءكما بربكما ) ترجوا الخير و العاقبة الحميدة من الله ( وتوكلا عَلَيْهِ ) يعني اعتمدا في أموركما عليه و فوضا إليه أموركما ( فَإِن التَّوَكُّل عَلَيْهِ سَعَادَة ) السعادة هو العبادة و أيضا فيه كفاية من توكل على الله كفاه وَمَن یَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥۤۚ بالإضافة إلى ما ذكره أضاف أن التوكل سعادة و عبادة و كفاية وَمَن یَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥۤۚ يني يكفيه و من كان الله كافيه فلا مطمع لأحد فيه قال ( واستعينا بِالدُّعَاءِ والجآ إِلَيْهِ فِي البأساء وَالضَّرَّاء ) دعاء الله يخفف الشدة و يفرج الكرب إذا نزل بكما و الجآ إلى الله في البأساء و الضراء في الشدة و الرخاء ( فَإِن الدُّعَاء سفينة لَا تعطب ( لا تهلك ( وحزب لَا يغلب وجند لَا يهرب ) لا شك أن الدعاء سفينة يركبها الإنسان فلا يهلك لأنه لأن الدعاء لرب كريم و حزب لا يغلب لأنه تضرع و لجوء إلى الله و جند لا يهرب لأن الإنسان قد دعا و علق الدعوة بالله فهو منصور .
( متن )
وإياكما أَن تستحيلا عَن هَذَا الْمَذْهَب أَو تعتقدا غَيره أَو تتعلقا بسواه فتهلكا وتخسرا الدّين وَالدُّنْيَا وَرُبمَا دعوتما فِي شَيْء فنالكما مَعَ الدُّعَاء معرة أَو وصلت إلَيْكُمَا مضرة فازدادا حرصا على الدُّعَاء ورغبة فِي الْإِخْلَاص والتضرع والبكاء فَإِن مَا نالكما من الْمضرَّة بِمَا سلف من ذنوبكما واكتسبتماه من سيء أعمالكما وَمَعَ ذَلِك فَالَّذِي ألهمكما إِلَى الدُّعَاء و وفقكما له لَا بُد أَن يحسن الْعَاقِبَة لَكمَا وَقد نجاكما بدعائكما عَن الْكثير وَصرف بِهِ عنكما من الْبلَاء الْكَبِير .
( شرح )
المؤلف رحمه الله يحذر ولديه أن يتركا هذا المسلك و أن يتخلفا عن هذا المسلك الذي ذكره وهو من المعاملة الحسنة و العفو و الصفح و الصبر و التحمل و عدم مجازاة المسيء بإساءته قال ( إياكما أن تستحيلا عن هذا المذهب ) عن هذا الطريق ( أَو تعتقدا غَيره أَو تتعلقا بسواه فتهلكا وتخسرا الدّين وَالدُّنْيَا) لأنكما إذا خالفتما مر الله و أر رسوله في هذا حصل الهلاك كل هذا يحرم في الشرع حرمه الله في القرآن و في السنة و من خالف كتاب الله و سنة رسوله فهو خاسر في دينه و دنياه قال ( وَرُبمَا دعوتما فِي شَيْء فنالكما مَعَ الدُّعَاء معرة ) ربما دعوتما بشيء فنالكما مع الدعاء مشقة ( أو وصلت إليكما مضرة فازدادا حرصا على الدعاء ) يقول قد تحصل لكما مشقة و مضرة في الدعاء لكن عليكما بالصبر و ازدادا حرصا على الدعاء و أخلصا العمل لله و تضرعا لله مع البكاء ( فَإِن مَا نالكما من المشقة الْمضرَّة ) إنما هو بسبب الذنب بسبب الذنوب فتوبا إلى الله من هذا الذنب فالله تعالى يقول وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ و الله تعالى قال لخير الناس للصحابة أفضل الناس بعد الأنبياء و معهم نبيهم عليه الصلاة و السلام أفضل الخلق قال الله تعالى لهما لما أصابهم في غزوة أحد من الجراح و القتل و قال لمن استنكر كيف حصل هذا كيف جاء هذا القتل و الجراح قال الله تعالى لهم أَوَلَمَّاۤ أَصَـٰبَتۡكُم مُّصِیبَةࣱ من القتل و قتل منكم سبعون قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَیۡهَا في بدر قتلتم سبعين و أسرتم سبعينا أَوَلَمَّاۤ أَصَـٰبَتۡكُم مُّصِیبَةࣱ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَیۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَـٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡ إذا كان هذا يقال لخير الناس الصحابة رضوان الله عليهم و معهم نبيهم ( من عند أنفسكم ) فغيرهم من باب أولى فالمؤلف يقول لولديه ما أصابكم من المشقة و المعرة بسبب الذنوب فاستغفرا و توبا إلى الله و الله تعالى يقول وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ ( فَإِن مَا نالكما من الْمضرَّة بِمَا سلف ) يعني بسبب ( بِمَا سلف من ذنوبكما ) بسبب ذنوبكما ( واكتسبتماه من سيء أعمالكما ) الذي أصابكم كسب اكتسبتموه بسبب سيء الأعمال وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ قال ( وَمَعَ ذَلِك فَالَّذِي ألهمكما إِلَى الدُّعَاء و وفقكما له لَا بُد أَن يحسن الْعَاقِبَة لَكمَا ) يعني ما دام الإنسان وفق للدعاء ألهم الدعاء فهو حري بالإجابة ولهذا ثبت عن عمر بن الخطاب أنه قال ( إني لا أحمل هم الإجابة و إنما أحمل هم الدعاء فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه ) قال ( وَمَعَ ذَلِك فَالَّذِي ألهمكما إِلَى الدُّعَاء و وفقكما له لَا بُد أَن يحسن الْعَاقِبَة لَكمَا وَقد نجاكما بدعائكما عَن الْكثير وَصرف بِهِ عنكما من الْبلَاء الْكَبِير ) يعني الدعاء عاقبته حميدة و آثاره طيبة فالله ينجي عبده بدعائه و يصرف عنه البلاء و الشرور .
( متن )
وَإِذا أنعم عَلَيْكُمَا رَبكُمَا بِنِعْمَة فتلقياها بالإكرام لَهَا وَالشُّكْر عَلَيْهَا والمساهمة فِيهَا واجعلاها عونا على طَاعَته وسببا إِلَى عِبَادَته والحذر الحذر من أَن تهينا نعْمَة رَبكُمَا فتترككما مذمومين وتزول عنكما ممقوتين رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ يَا عَائِشَة أحسني جوَار نعم الله تَعَالَى فَإِنَّهَا قل مَا زَالَت عَن قوم فَعَادَت إِلَيْهِم وإياكما أَن تطغيكما النِّعْمَة فتقصرا في شكرها أَو تنسيا حَقّهَا أَو تظنا أنكما نلتماها بسعيكما أَو وصلتما إِلَيْهَا باجتهادكما فتعود نقمة مؤذية وبلية عَظِيمَة.
( شرح )
هذا أمر لهما بشكر النعمة و الأول الأمر لهما بالصبر على المصيبة قال ( و إذا أنعم عليكما ربكما ) و في نسخة ( و إذ أنعم ربكما عليكما ) ( فتلقياها بالإكرام لَهَا وَالشُّكْر عَلَيْهَا والمساهمة فِيهَا واجعلاها عونا على طَاعَته ) يعني إذا أنعم الله عليكم بالنعم فاحمدا الله عليها و أشرا الله عليها و اعترفا لله بالنعمة و تعظيم الله و إجلاله و خشيته و استعمالها فيما يرضيه و يكون الشكر بالتحدث بها ظاهرا و الإسراف بها فيما يرضي الله و استعمالها في طاعته ( و المساهمة فيها ) في طاعة الله ( و اجعلاها عونا على طاعته وسببا إِلَى عِبَادَته ) يعني وسيلة ‘إلى عبادة أخر قال ( والحذر الحذر من أَن تهينا نعْمَة رَبكُمَا فتترككما مذمومين ) ( و الحذر الحذر من أن تهينا نعمة ربكما ) يعني بألا تقيما بشكرها ( فتتركا مذمومين وتزول عنكما ممقوتين ) يعني احذرا كفر النعمة فتكون العاقبة أنكما تتركان مذمومين و نزول النعمة عنكما و أنتما ممقوتين ثم ذكر الحديث ( رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ يَا عَائِشَة أحسني جوَار نعم الله تَعَالَى فَإِنَّهَا قل مَا زَالَت عَن قوم فَعَادَت إِلَيْهِم هذا الحديث كما ذكر المحشي حديث ضعيف أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر لله عز و جل و أخرجه البيهقي في شعب الإيمان في كتاب الأطعمة ( 1:04:42 ) العمال للحكيم الترمذي و عند الشيخ الألباني كلهم عندهم ضعيف فيه الوليد ابن محمد المونقلي و هو متروك المقصود أن فيه ضعف و لا حاجة إلى هذا الحديث الأدلة على أن النعمة تزول إذا لم يشكر في ذلك كثيرة الأمر بشكر النعمة كثيرة ( و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير ) قال ( وإياكما أَن تطغيكما النِّعْمَة فتقصرا في شكرها أَو تنسيا حَقّهَا أَو تظنا أنكما نلتماها بسعيكما أَو وصلتما إِلَيْهَا باجتهادكما فتعود نقمة مؤذية وبلية عَظِيمَة ) يعني يحذرهما التحذير لهما من أن تطغيهما النعمة فإذا أطغت النعمة قصر في شكرها و نسي حق الله فيها أو ظن أنما حصل على هذه النعمة بسعيهما و اجتهادهما فتكون النعمة في حقهما بلية , بلية عظيمة و نقمة مؤذية هذا كما قال قارون لما نصح نصحه قومه وَٱبۡتَغِ فِیمَاۤ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡـَٔاخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِیبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡیَاۖ وَأَحۡسِن كَمَاۤ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَیۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِی ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِینَ ماذا قال ! قال إِنَّمَاۤ أُوتِیتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِیۤۚ قال مجاهد على علم عندي في المكاسب و قيل على إني حقيق به و كما قال الأبرص و الأقرع للملك لما جاء يطلب من هذا البعير و من هذا البقرة قال الحقوق كثيرة قال كأني أعرفك ألم تكن أبرصا فقيرا قال لا إنما ملكت هذا المال كابرا عن كابر أنكر أنظر ابن آدم أنكر نعمة الله نسبها إلى نفسه و جهده و كسبه فهذا هو معنى أخذ الحافظ بن الوليد من هذه النصوص قال إياكما أن تنسيا النعمة و لا تفيا بحقها و تنسباها إلى جهدكم و سعيكم فتكون النقمة في حقكم و بلية .
( متن )
وعليكما بِطَاعَة من ولاه الله أمركما فِيمَا لَا مَعْصِيّة فِيهِ لله تَعَالَى فَإِن طَاعَته من أفضل مَا تتمسكان بِهِ من دنياكما وتعتصمان بِهِ مِمَّن عاداكما وإياكما والتعريض للْخلاف لَهُم وَالْقِيَام عَلَيْهِم فَإِن هَذَا فِيهِ العطب العاجل والخزي الآجل وَلَو ظفرتما فِي خلافكما ونفذتما فِيمَا حاولتما لَكَانَ ذَلِك سَبَب هلاككما لما تكتسبانه من المآثم وتحدثان على النَّاس من الْحَوَادِث والعظائم ثمَّ من سعيتما لَهُ ووثقتما بِهِ لَا يقدم شَيْئا على إهلاككما والراحة مِنْكُمَا فَإِنَّهُ لَا يَأْمَن أَن تحدثا عَلَيْهِ مَا أحدثتما لَهُ وتنهضان بِغَيْرِهِ كَمَا نهضتما بِهِ فالتزاما الطَّاعَة وملازمة الْجَمَاعَة فَإِن السُّلْطَان الجائر الظَّالِم أرْفق بِالنَّاسِ من الْفِتْنَة وانطلاق الْأَيْدِي والألسنة فَإِن رَابكُمَا أَمر مِمَّن ولي عَلَيْكُمَا أَو وصلت مِنْهُ أذية إلَيْكُمَا فاصبرا وانقبضا وتحيلا لصرف ذَلِك عنكما بالاستنزال وَالِاحْتِمَال والإجمال وَإِلَّا فاخرجا عَن بَلَده إِلَى أَن تصلح لَكمَا جِهَته وتعود إِلَى الْإِحْسَان إلَيْكُمَا نِيَّته وإياكما وَكَثْرَة التظلم مِنْهُ والتعرض لذكره بقبيح يُؤثر عَنهُ فَإِن ذَلِك لَا يزِيدهُ إِلَّا حنقا عليكما وبغضة لكما و لا يزيد الناس إلا إقامة لعذره فيكما ورضا بإضراره بكما وابدآ بعد سد هَذِه الباب عنكما بترك مُنَافَسَة من نافسكما ومطالبة من طالبكما فَإِنَّهُ قد يبْدَأ بِهَذِهِ الْمعَانِي من يعْتَقد أَنه لَا يتَوَصَّل مِنْهَا إِلَى مَحْظُور وَلَا يتشبث مِنْهَا بمكروه ثمَّ يُفْضِي الْأَمر إِلَى مَا لَا يُريدهُ وَلَا يعتمده من مُخَالفَة الرئيس الَّذِي يقهر من ناوأه ويغلب من غالبه وعاداه وَإِن رأيتما أحدا قد خَالف من ولي عَلَيْهِ أَو أقَامَ على من أسْند أمره إِلَيْهِ فَلَا ترضيا فعله وانقبضا مِنْهُ وأغلقا على أنفسكما الْأَبْوَاب واقطعا بَيْنكُمَا وَبَينه الْأَسْبَاب حَتَّى تنجلي الْفِتْنَة وتنقضي المحنة وإياكما والاستكثار من الدُّنْيَا وحطامها وعليكما بالتوسط فِيهَا والكفاف الصَّالح الوافر مِنْهَا فَإِن الْجمع لَهَا والاستكثار مِنْهَا مَعَ مَا فِيهِ من الشّغل بهَا والشغب بِالنّظرِ فِيهَا يصرف وُجُوه الْحَسَد إِلَى صَاحبهَا والطمع في جَامعهَا والحنق على الْمُنْفَرد بهَا فالسلطان يتَمَنَّى أَن يزل زلَّة يتسبب بهَا إِلَى أَخذ مَا عظم فِي نَفسه من مَاله وَالْفَاسِق مرصد لخيانته واغتياله والصالح ذام لَهُ على استكثاره مِنْهُ واحتفاله يخَاف عَلَيْهِ صديقه و حميمه ويبغضه من أَجله أَخُوهُ شقيقه إِن مَنعه لم يعْدم لائما وَإِن بذله لم يجد رَاضِيا .
( شرح )
هذه التوجيهات فيما يتعلق بولاة الأمور فيما يتعلق بولاة الأمور و ولاة الأمور الواجب على الرعية السمع و الطاعة في طاعة الله و في الأمور المباحة أما إذا أمر ولي الأمر بمعصية فلا يطاع لقول النبي ﷺ ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و إنما الطاعة في المعروف ) و لكن لا يتمرد عليه و يؤلب الناس عليه , لا , لا نطيعه في المعصية و نطيعه فيما سواها إذا أمره بشرب الخمر أو بقتل إنسان بغير حق لا نطيعه لكن لا يتمرد عليه و يؤلب الناس عليه و يخرج كما أن الزوجة إذا أمرها زوجها بمعصية لا تطيعه و العبد إذا أمره سيده بمعصية لا يطيعه و الأب إذا أمر ابنه بمعصية لا يطيعه لكن لا يتمردون عليه و كذلك الأب إذا أمر بمعصية لا يطاع و لهذا قال الله یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَأُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ و لم يقل و أطيعوا ولاة الأمر قال العلماء و الفقه في ذلك أن الله تعالى أعاد الفعل في طاعة الرسول لأن الرسول لا يأمرنا إل بطاعة الله و لم يعد الفعل في ولي الأمر لأنه لا يطاع إلا في طاعة الله ورسوله و إذا صدر من ولي الأمر شيء يكرهه الإنسان فإن الواجب على الرعية الصبر و النصيحة المبذولة من قبل أهل الحل و العقد و من قبل أهل العلم فإن قبل الحمد لله و إن لم يقبل ففعل الناس ما عليهم و لابد من الصبر و لا يجوز الخروج على ولي الأمر الخروج على ولي الأمر من كبائر الذنوب من كبائر الذنوب العظيمة و لهذا قال النبي ﷺ من رأى من أميره شيئا يكرهه ثبت في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية هذا وعيد شديد على أنه من الكبائر و ما ذالك إلا لأن الخروج على ولي الأمر تترتب عليه مفاسد صحيح أن ولي الأمر يفعل معصية هذه مفسدة إذا مثلا فعل معصية من المعاصي شرب الخمر أو ظلم بعض الناس و سجن بعض الناس و قتل بعض الناس هذه مفسدة لكن الخروج عليه يجلب مفاسد أعظم و أعظم تترتب عليه اختلال الأمن و إراقة الدماء و اختلال أحوال الناس في الأمور الاقتصادية و السياسية و التعليم و الزراعة و التجارة و تدخل الأعداء و زحف الفتن من أولها إلى آخرها تقضي على الأخضر و اليابس بسبب الخروج على ولي الأمر أيها أعظم أم الصبر على المعصية , المعصية التي تحصل الشريعة جاءت بدرء المفاسد و تعطيلها و جلب المصالح و تقريرها يقول ( وعليكما بِطَاعَة من ولاه الله أمركما فِيمَا لَا مَعْصِيّة فِيهِ ) يعني تطيعا ولي الأمر فيما لا معصية فيه ( فَإِن طَاعَته من أفضل مَا تتمسكان بِهِ من دنياكما ) يعني ولي الأمر تثبت له الولاية و الطاعة بأحد من الأمور الثلاثة الأمر الأول : الاختيار من الحل و العقد و الانتخاب , الثاني : ولاية العهد من الخليفة السابق , الثالث : القوة و الغلبة إذا غلب الناس بقوته و سيفه و سلطانه و استتب له الأمن ثبتت له الخلافة تثبت الخلافة بأحد هذه الأمور و الدليل على ذلك قول النبي ﷺ لأبي هريرة اسمع و أطع و إن تأمر عليك عبد حبشي كأن رأسه زبيبة المعلوم أن في الاختيار لا يختارون العبد الحبشي لأنهم من قريش فيكون الاختيار و الانتخاب إذا كانوا يقومون بالدين و لهذا في حديث معاوية قال ( لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان)) في رواية ( ما أقاموا الدين ) إذا كان الاختيار و الانتخاب إذا كانوا يقيمون الدين إذا كان يوجد من يقيم الدين و إلا اختير من غيره قال (وعليكما بِطَاعَة من ولاه الله أمركما فِيمَا لَا مَعْصِيّة فِيهِ ) إلا المعصية لا يطاع أحد فيه إنما الطاعة في المعروف قال (فَإِن طَاعَته من أفضل مَا تتمسكان بِهِ من دنياكما ) لاشك أن طاعة ولي الأمر تفيد الإنسان في أمره في طاعة الله و في الأمور المباحة (من أفضل مَا تتمسكان بِهِ من دنياكما و تعتصمان بِهِ مِمَّن عاداكما وإياكما والتعريض للْخلاف لَهُم وَالْقِيَام عَلَيْهِم ) تحريم من الخروج عليهم ( فَإِن هَذَا فِيهِ العطب العاجل ) الهلاك كما العطب المفاسد ( والخزي الآجل ) قال ( وَلَو ظفرتما فِي خلافكما ونفذتما فِيمَا حاولتما لَكَانَ ذَلِك سَبَب هلاككما ) لو خرجتم على ولي الأمر و ظفرتم في شيء مما تريدانه و حصلتما على شيء مما تحرمانه لكان سببا في الهلاك , لماذا ! لأنكما تأثمان لقول الرسول ﷺ ( من فارق الجماعة شبرا مات ميتة الجاهلية ) ( لما تكسبانه من المآثم وتحدثان على النَّاس من الْحَوَادِث والعظائم ) كما سبق من الفتن و إراقة الدماء و اختلال الأمن و اختلال المعيشة و الزراعة و التجارة و التعليم و الاقتصاد ( ثمَّ من سعيتما لَهُ ووثقتما بِهِ لَا يقدم شَيْئا على إهلاككما ) يعني إذا أطعتما أحد على الخروج على ولي الأمر فهو الآن يدعوكما إلى الهلاك ( لا يقدم شيء على هلاككما والراحة مِنْكُمَا فَإِنَّهُ لَا يَأْمَن أَن تحدثا عَلَيْهِ مَا أحدثتما لَهُ ) يعني لا يأمن من الحصول عليه مثلما حصلتما على غيره يعني من سعيتما في أن يكون بدل لولي الأمر بدلا منه و خلع ولي الأمر السابق لا يأمن أن يحصل عليه مثل ما حصل لولي الأمر السابق ( وتنهضان بِغَيْرِهِ كَمَا نهضتما بِهِ ) يعني ما فعلتما في الأول تفعلانه في الثاني ثم قال ( فالتزاما الطَّاعَة وملازمة الْجَمَاعَة ) يعني طاعته في طاعة الله و المباح قيد ( فَإِن السُّلْطَان الجائر الظَّالِم أرْفق بِالنَّاسِ من الْفِتْنَة وانطلاق الْأَيْدِي والألسنة ) يقول فصبر الناس على السلطان الجائر الظالم أولى من الفتنة من اختلال الأمن و إراقة الدماء و لهذا يقول العلماء : ستون سنة في مولى جائر يعني ظالم خير من ليلة واحدة بدون إمام ليلة واحدة يحصل فيها هذا الفساد ولاة الأمور يحصل معهم المصالح تقام بهم الحدود و ينتصر بهم المظلوم من الظالم و كذلك أيضا تدرء بهما الفتن فولاة الأمور تجلب معهم المصالح لا تقام إلا بولي الأمر و لهذا ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) أولهم الإمام العادل فيقول المؤلف السلطان الجائر الظالم أرفق بالناس من الفتنة و الإمام الجائر أولى من أن تكون هناك فتنة و موبقات من دون الإمام و انطلاق الأيدي و الألسنة أولى الصبر على السلطان الظالم أرفق من الفتنة و التكلم في ولي الأمر و انطلاق الأيدي و الألسنة على المنابر أو غيرها الواجب الكف و غيبت ولاة الأمور و غيبت العلماء مسمومة أشد الغيبة و الغيبة محرمة و إذا كانت لولاة الأمور و إذا كانت للعلماء فيه تجريح لأهل العلم و عدم الاستفادة منهم و الغيبة في ولاة الأمور سبب للخروج عليهم ولهذا لما تجع بعض السفهاء من البصرة و الكوفة و مصر في زمن الخليفة عثمان و نشروا معايبه و تجمعوا أحاطوا به ثم قتلوه بسبب الكلام و نشر العيوب فلا ينبغي الكلام و نشر العيوب و لا الكلام في المنابر لا في ولاة الأمور و لا العلماء أشد من غيرهم و هذه غيبة لكل أحد لكن العلماء و ولاة الأمور أشد قال ( فَإِن رَابكُمَا أَمر مِمَّن ولي عَلَيْكُمَا أَو وصلت مِنْهُ أذية إلَيْكُمَا فاصبرا وانقبضا وتحيلا لصرف ذَلِك عنكما بالاستنزال وَالِاحْتِمَال والإجمال ) إذا حصل لكم مضرة من ولي الأمر عليكم بالصبر و محاولة إبعاد هذا الضرر عنكم بالتحمل و الإجمال ( وَإِلَّا فاخرجا عَن بَلَده إِلَى أَن تصلح لَكمَا جِهَته ) اخرجا عن بلد ولي الأمر الذي فيها الظلم و الجهل ( وتعودا إِلَى الْإِحْسَان إلَيْكُمَا نِيَّته ) لكن هذا إذا أمكن و لكن نقول الصبر و النصيحة المبذولة من قبل أهل الحل و العقد أما الخروج من البلاد لا يكون حل دائما قال ( وإياكما وَكَثْرَة التظلم مِنْهُ والتعرض لذكره بقبيح يُؤثر عَنهُ فَإِن ذَلِك لَا يزِيدهُ إِلَّا حنقا عليكما وبغضا لكما ) يقول لا تظهروا التظلم لولي الأمر و لا تذكروه بقبيح ولا بسوء فإنه هذا يزيده حقدا عليكما و بغضا لكما ( و لا يزيد الناس إلا إقامة لعذره فيكما ) الناس يعذرونه فيكما حينما يعاقبكما يعذرونه لأنكم تتكلمون فيه و تتكلمون في عرضه و تنفرون الناس منه الناس يعذرونه فلا يزيد الناس إلا إقامة لعذر ولي الأمر فيكما ( ورضا بإضراره بكما ) يرضون بإضراره بكما لأنكم معتدون ( وابدآ بعد سد هَذِه الباب عنكما يعني عليكما أن تسدا هذا الباب ( بترك مُنَافَسَة من نافسكما ومطالبة من طالبكما فَإِنَّهُ قد يبْدَأ بِهَذِهِ الْمعَانِي من يعْتَقد أَنه لَا يتَوَصَّل مِنْهَا إِلَى مَحْظُور وَلَا يتشبث مِنْهَا بمكروه ثمَّ يُفْضِي الْأَمر إِلَى مَا لَا يُريدهُ وَلَا يعتمده من مُخَالفَة الرئيس الَّذِي يقهر من ناوأه ويغلب من غالبه وعاداه ) يعني يقول أغلق هذا الباب الكلام في ولاة الأمور و سد هذا الباب بترك منافسة من نافسكما و مطالبة من طالبكما فإنه قد يعتقد الإنسان أنه لا يتوصل الإنسان إلى إزالة ظلم ولي الأمر إلا بهذه الأمور و هذه الأمور المحظورة و المكروهة و الممنوعة ثم العاقبة يفضي الأمر إلى شيء لا تحمد عقباه إلى ما لا يريده ولا يعتمده من مخالفة الرئيس الذي يقهر من ناوأه و يغلب من عاداه و غالبه قد يصل الأمر إلا أن يغلبكما و يسجنكما بسبب ما صدر منكما من الأذية والكلام فاحذرا من مخالفة ولي الأمر و احذرا من الكلام فيه قال ( وَإِن رأيتما أحدا قد خَالف من ولي عَلَيْهِ أَو قَامَ على من أسْند أمره إِلَيْهِ فَلَا ترضيا فعله وانقبضا مِنْهُ وأغلقا على أنفسكما الْأَبْوَاب ) يقول إذا رأيتما أحدا يتكلم في ولي الأمر و ينشر معايبه فلا ترضيا بذلك أنكرا عليه و أغلقا على أنفسكما الباب لا تشاركا في هذا ( واقطعا بَيْنكُمَا وَبَينه الْأَسْبَاب حَتَّى تنجلي الْفِتْنَة وتنقضي المحنة ) يعني لا تدخلا في الفتنة و تتكلما في ولاة الأمر و لا تشاركا من تكلم في ولاة الأمور حتى تزول الفتنة و تنسد بابها قال ( وإياكما والاستكثار من الدُّنْيَا وحطامها وعليكما بالتوسط فِيهَا والكفاف الصَّالح الوافر مِنْهَا فَإِن الْجمع لَهَا والاستكثار مِنْهَا يصرف وجوه الحسد إلى صاحبها ) هذا تحذير من الاستكثار في الدنيا و الأمر بالتوسط يعني يمد رجله على قدر استطاعته كما في المثل المشهور : ي( يمد رجله على قدر لحافه ) بعض الناس و خصوصا في هذا الزمن يتحمل تجده يتحمل الديون يأخذ ديون و قروض يقول أنه يريد أن يفتح مؤسسة أو شركة و يأتي بعمال و يأتي بكذا و يأتي بسيارات ليعمل ثم يخسر خسارة فادحة , لا , لا تعمل إلا بمقدار ما عندك من المال مد رجليك على قدر لحافك هذا معنا قوله التوسط (وعليكما بالتوسط فِيهَا والكفاف الصَّالح الوافر مِنْهَا فَإِن الْجمع لَهَا والاستكثار مِنْهَا مَعَ ) يسبب الحسد مع الشغل و الشغب يعني يحصل فيه مفسدتان المفسدة الأولى الانشغال و الشغب بالنظر فيها و ضياع الأوقات بجمع هذا المال و تنميته ثم الأمر الثاني ( يصرف وُجُوه الْحَسَد إِلَى صَاحبهَا ) الحساد يكونون متطلعون إليك و يطمعون فيما عندك و يحنقون يكون عندهم حنق و غيظ على ما تجود به دونهم ذكر ( 1:27:20 ) في الحاشية أن أحد ولدي البادي مقصودا بهذه الوصية و هو أبا القاسم تخلى عن تركة أبيه و هذا دليل على عظم تأثير هذه الوصية و حصول النفع بها يعني بعض الأولاد استفاد حتى أنه تخلا عن ماله مع أ،ه كثير لما قرأ هذا تخلا عن ماله مع أ، ماله كثير و عمل بهذه النصيحة و توسط قال ( فالسلطان يتَمَنَّى أَن يزل زلَّة يتسبب بهَا إِلَى أَخذ مَا عظم فِي نَفسه من مَاله ) يعني قد يكون هذا من بعض السلاطين يتمنى أن يزل أحد زلة فيتمكن بها من أخذ ما يريده من هذا الذي زل زلة من ماله يتمنى أ يزل هذا الشخص زلة حتى يحصل على ماله و يرتاح ( وَالْفَاسِق مرصد لخيانته واغتياله ) و الفاسق يعد العدة و يرصد الرصد لخيانة ولي الأمر و اغتياله ( والصالح ذام لَهُ على استكثاره مِنْهُ واحتفاله
يخَاف عَلَيْهِ صديقه و حميمه ويبغضه من أَجله أَخُوهُ شقيقه إِن مَنعه لم يعْدم لائما وَإِن بذله لم يجد رَاضِيا ) السلطان يتمنى أن يزل أحد زلة هذا بعضهم حتى يصل إلى ماله و الفاسق يعد العدة لخيانته و اغتياله و الصالح يذم له على استكثاره من المال و احتفائه ( يخَاف عَلَيْهِ صديقه و حميمه ويبغضه من أَجله أَخُوهُ شقيقه ) يعني يخاف عليه الصديق و الحميم يخاف عليه و الشقيق يبغضه من أجله ( إِن مَنعه لم يعْدم لائما وَإِن بذله لم يجد رَاضِيا ) يعني التوسط هو المطلوب لأن الصالح يذم له على الاستكثار و يخاف عليه صديقه و حميمه و يبغضه من أجله الشقيق و إن منعه لم يعدم لائما و إن بذله لم يجد راضيا .
( متن )
وَمن رزق مِنْكُمَا مَالا فَلَا يَجْعَل فِي الْأُصُول إِلَّا أَقَله فَإِن شغبها طَوِيل وصاحبها ذليل وَ لَيست بِمَال على الْحَقِيقَة إِن تغلب على الْجِهَة عَدو حَال بَينه وَبَينهَا وَإِن احْتَاجَ إِلَى الِانْتِقَال عَنْهَا تَركهَا أَو ترك أَكْثَرهَا وَمن احْتَاجَ مِنْكُمَا فليجمل فِي الطّلب فَإِنَّهُ لَا يفوتهُ مَا قدر لَهُ وَلَا يدْرك مَا لم يقدر لَهُ وَقد ذكر الله تَعَالَى مَا وعظ بِهِ العَبْد الصَّالح ابْنه فِي مثل هَذَا فَقَالَ يَا يَبْنِي إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل فتكن فِي صَخْرَة أَو فِي السَّمَوَات أَو فِي الأَرْض يَأْتِ بهَا الله إِن الله لطيف خَبِير.
( شرح )
يقول الحافظ رحمه الله ( وَمن رزق مِنْكُمَا مَالا فَلَا يَجْعَل فِي الْأُصُول إِلَّا أَقَله فَإِن شغبها طَوِيل وصاحبها ذليل وَ لَيست بِمَال على الْحَقِيقَة إِن تغلب على الْجِهَة عَدو حَال بَينه وَبَينهَا وَإِن احْتَاجَ إِلَى الِانْتِقَال عَنْهَا تَركهَا أَو ترك أَكْثَرهَا ) يقول من رزق منكم مال فلا يجعل في الأصول إلا أقله غير واضح المراد بالأصول يعني المراد ألا يجعل في الأصول الأمور التي معروفة عند كل أحد التي يحصل فيها النزاع و الشقاق و إنما يجعلها في الأمور الواضحة التي لا يكون فيها شقاق و لا نزاع , تسميتها بالأصول ( وَمن رزق مِنْكُمَا مَالا فَلَا يَجْعَل فِي الْأُصُول إِلَّا أَقَله ) يجعل شيء قليل في الأصول و إنما يجعله بشيء أقل من ذلك و علل ذلك فقال ( فَإِن شغبها طَوِيل ) الأصول ( وصاحبها ذليل وَ لَيست بِمَال على الْحَقِيقَة ) هذا المراد بالأصول الشيء الذي , الأصول قد تطلق مثلا على النخيل و غيرها و قد تطلق على العقارات أو غيرها يعني لا تجعل , إن رزقك الله مالا لا تجلعه مثلا في العقارات أو لا تجعله مثلا في النخيل فإن النزاع فيها كثير النزاع في العقارات , اجعلها في الشيء القليل لماذا ! لأن الأصول أمور ثابتة , ثابتة لا تتحرك بخلاف السيارات و بخلاف مثلا الأنعام و الدواب و المال عرض المال هذه ليست أصول ليست ثابتة و إنما متحركة تذهب و تأتي بخلاف الأصول , الأصول كالعقارات و الأراضي و البساتين و المزارع لا تجعل إذا رزقك الله مالا فلا تجعل في الأصول إلا الشيء القليل , لماذا ! قال ( فَإِن شغبها طَوِيل ) الشغب و النزاع لأنهم يتنازعون فيها ( وصاحبها ذليل وَ لَيست بِمَال على الْحَقِيقَة إِن تغلب على الْجِهَة عَدو حَال بَينه وَبَينهَا ) إذا تغلب على المال الذي عندك عدو حال بينك و بينها أخذ المال أخذ المزارع و أخذ الأراضي ( وَإِن احْتَاجَ إِلَى الِانْتِقَال عَنْهَا تَركهَا أَو ترك أَكْثَرهَا ) إذا أراد انتقال من مكانه لا يستطيع أن يأخذها معه الأراضي و العقارات و المزارع ليست مثل السيارات و مثل الأموال و الشيء الذي يزول يأخذه معه إذا خرج من البلد هذه نصيحة يقول لا تجعلوا في الأصول في العقارات الثابتة لماذا ! لأمرين الأمر الأول : النزاع فيها كثير و الشغب و الخصومات تجري عند المحاكم في العقارات و في الأراضي و الأمر الثاني : أنك لو انتقلت من البلد لو جاء ظالم أمير ظالم أخذها منك و نزعها منك و لا تستطيع إذا أردت الخروج من البلد أن تأخذها بخلاف مثلا السيارات و الدواب و الذهب والفضة تستطيع تأخذها معك و تذهب هذا اجتهاد منه قال ( وَمن احْتَاجَ مِنْكُمَا فليجمل فِي الطّلب فَإِنَّهُ لَا يفوتهُ مَا قدر لَهُ وَلَا يدْرك مَا لم يقدر لَهُ ) يحتاج شيء من المال يجمل في الطلب يعني لا يحرق شيئا كثيرا لا يحرق و يشتغل في ليله و نهاره في طلب المال بل يجمل في الطلب يكون متوسط فإن الله تعالى سيؤتيك ما قدره لك ما قدر لك سيأتيك و ما فاتك فلا تستطيع الحصول عليه ( فَإِنَّهُ لَا يفوتهُ مَا قدر لَهُ وَلَا يدْرك مَا لم يقدر لَهُ ) قال ( وَقد ذكر الله تَعَالَى مَا وعظ بِهِ العَبْد الصَّالح ابْنه ) و هو لقمان الحكيم في قوله يَا يَبْنِي إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل فتكن فِي صَخْرَة أَو فِي السَّمَوَات أَو فِي الأَرْض يَأْتِ بهَا الله إِن الله لطيف خَبِير الشاهد من الآية أن ما قدره الله لابد أن يحصل و أنه لا يخفى على الله شيء و ما قدر للإنسان سيأتيه سواء حرص على الشيء أو لم يحرص فلا تحرص خليك متوسط لا يشتد حرصك على الدنيا فسيأتيك ما قدر لك .
( متن )
واجتنبا صُحْبَة السُّلْطَان مَا استطعتما وتحريا الْبعد مِنْهُ مَا أمكنكما فَإِن الذل مع الْبعد مِنْهُ أفضل من الْعِزّ مع الْقربِ مِنْهُ فَإِن صَاحب السُّلْطَان خَائِف لَا يَأْمَن وخائن لَا يُؤمن ومسيء إِن أحسن يخَاف مِنْهُ وَيخَاف بِسَبَبِهِ ويتهمه النَّاس من أَجله إِن قرب فتن وَإِن أبعد أَحْزَن يحسدك الصّديق على رِضَاهُ إِذا رَضِي ويتبرأ مِنْك ولدك ووالداك إِذا سخط وَيكثر لائموك إِذا منع ويقل شاكروك إِذا شبع فَهَذِهِ حَال السَّلامَة مَعَه وَلَا سَبِيل إِلَى السَّلامَة مِمَّن يَأْتِي بعده فَإِن امتحن أَحَدكُمَا بِصُحْبَتِهِ أَو دَعَتْهُ إِلَى ذَلِك ضَرُورَة فليتقلل من المَال وَالْحَال وَلَا يغتب عِنْده أحدا وَلَا يُطَالب عِنْده بشرا وَلَا يعْص لَهُ فِي الْمَعْرُوف أمرا وَلَا يستنزله إِلَى مَعْصِيّة الله تَعَالَى فَإِنَّهُ يَطْلُبهُ بِمِثْلِهَا وَيصير عِنْده من أَهلهَا وَإِن حظي عِنْده بِمِثْلِهَا فِي الظَّاهِر فَإِن نَفسه تمقته فِي الْبَاطِن وَلَا يرغب أَحَدكُمَا فِي أَن يكون أرفع النَّاس دَرَجَة وأتمهم جاها وَأَعْلَاهُمْ منزلَة فَإِن تِلْكَ حَال لَا يسلم صَاحبهَا ودرجة لَا يثبت من احتلها وَأسلم الطَّبَقَات الطَّبَقَة المتوسطة لَا تهتضم من ضعة وَلَا ترمق من رفْعَة وَمن عيب الدرجَة الْعليا أَن صَاحبهَا لَا يَرْجُو الْمَزِيد وَلكنه يخَاف النَّقْص والدرجة الْوُسْطَى يَرْجُو الازدياد وَبَينهَا وَبَين المخاوف حجاب فاجعلا بَين أيديكما دَرَجَة يشْتَغل بهَا الحسود عنكما ويرجوها الصّديق لَكمَا وَلَا يطْلب أَحَدكُمَا ولَايَة فَإِن طلبَهَا شين وَتركهَا لمن دعِي إِلَيْهَا زين فَمن امتحن بهَا مِنْكُمَا فلتكن حَاله فِي نَفسه أرفع من أَن تحدث فِيهِ بأوا أَو يُبْدِي فيها زهوا وليعلم أَن الْولَايَة لَا تزيده رفْعَة وَلكنهَا فتْنَة ومحنة وَأَنه معرض لأحد أَمريْن إِمَّا أَن يعْزل فَيَعُود إِلَى حَالَته أَو يسيء اسْتِدَامَة ولَايَته فيقبح ذكره ويثقل وزره وَإِن اسْتَوَت عِنْده ولَايَته وعزله كَانَ جَدِيرًا أَن يستديم الْعَمَل فَيبلغ الأمل أَو يعْزل لإحسانه فَلَا يحط ذَلِك من مَكَانَهُ .
( شرح )
هذا التوجيه و النصيحة في صحبة السلطان ماذا تكون نصحهما باجتناب صحبة السلطان ما استطاعا إلى ذلك سبيلا و ذكر المبررات فقال ( واجتنبا صُحْبَة السُّلْطَان مَا استطعتما ) يعني كونا بعيدين من السلطان لا تكونا قريبين منه ( وتحريا الْبعد مِنْهُ مَا أمكنكما ) كأنه يقول حاولا بجهدكما البعد عن السلطان و عدم القرب منه و علل المبرر كما قال ( فَإِن الذل مع الْبعد مِنْهُ أفضل من الْعِزّ مع الْقربِ مِنْهُ ) كونك أن تكون بعيد من السلطان و أنت ذليل خير من أن تكون عزيزا و أنت قريب و هذا يعني ليس على إطلاقه المراد العدل من السلاطين و الخير و كذلك الإنسان إذا كان له تأثير على السلطان إن كان من أهل علم و بصيرة و يناصح السلطان و يسد له الصيحة هذا مطلوب لا يكون بعيدا إذا كان له تأثير و يرشد ولي الأمر عنده آراء سديدة و يخفف من الشر ما استطاع هذا مطلوب لكن في معنى كلامه إذا كان الإنسان لا يستطيع أو ليس له هذه المكانة التي يستطيع بها التأثير قال ( فَإِن الذل مع الْبعد عنه أفضل من الْعِزّ ) كونك تكون ذليلا و أنت بعيد خير لك من أن تكون عزيزا و أنت قريب منه لماذا قال السبب ( فَإِن صَاحب السُّلْطَان خَائِف لَا يَأْمَن وخائن لَا يُؤمن ) خائف لا يأمن لأنه لا يأمن من السلطان لأنه قد ينكبه السلطان و نكبة البرابكة كما معروف في تاريخ هارون الرشيد نكبة البرابكة و كانوا مقربين ثم نكبهم النكبة المشهورة نكبة البرابكة قال ( فَإِن صَاحب السُّلْطَان خَائِف لَا يَأْمَن وخائن لَا يُؤمن ) خائن لأنه يكون مع السلطان في الخيانة خائن معه لا يؤمن ( ومسيء ) هكذا يصفه الناس يصفه الناس بالخيانة و الإساءة قال ( إِن أحسن يخَاف مِنْهُ وَيخَاف بِسَبَبِهِ ويتهمه النَّاس من أَجله ) إن أحسن يخاف منه و يخاف أيضا بسببه و يتهمه الناس من أجله من أجل السلطان ( إِن قرب ) قربه السلطان (فتن ) فتن في دينه ( وَإِن أبعد أَحْزَن ) صار حزينا قال ( يحسدك الصّديق على رِضَاهُ إِذا رَضِي ) الصديق يحسدك على رضاه إذا رضي السلطان ( ويتبرأ مِنْك ولدك ووالداك إِذا سخط ) إذا سخط عليك السلطان و جفاك و عاقبك يتبرأ منك القريب و البعيد ولدك ووالدك بسببه ( وَيكثر لائموك إِذا منع ) إذا منع شيء كثر اللائمون يقولون بسببك أنت الذي سببت ( ويقل شاكروك إِذا شبع ) إذا شبع يعني إذا شبع لك أو رفعك قال ( فَهَذِهِ حَال السَّلامَة مَعَه وَلَا سَبِيل إِلَى السَّلامَة مِمَّن يَأْتِي بعده ) هذه حال السلامة إذا كنت معه و لا سبيل للسلامة من السلطان الذي يأتي بعده السلطان الذي يأتي بعده و أنت قد بقيت معه مع قربك فلا سبيل لك من السلامة ممن يأتي بعده ثم قال لولديه ( فَإِن امتحن أَحَدكُمَا بِصُحْبَتِهِ أَو دَعَتْهُ إِلَى ذَلِك ضَرُورَة ) يعني إذا ابتلي بصحبة السلطان أو اضطر إلى صحبته فإني أوصيه بما يأتي فليلتزم بهذه الوصية ( فليتقلل من المَال وَالْحَال ) يتقلل من المال لا تأخذ المال عن طريقه و تنشد منه المال ( و لا يغتب عنده أحد ) لا تغتب عنده أحد من الناس أو لا ترضى أن يغتاب عنده أحد ( وَلَا يُطَالب عِنْده بشرا ) لا يطالب أحد بشيء أو لعلها يخاطب بهذه العبارة ( فَإِن امتحن أَحَدكُمَا بِصُحْبَتِهِ أَو دَعَتْهُ إِلَى ذَلِك ضَرُورَة فليتقلل من المَال وَالْحَال) ( ولا يغتب ) يعني هذا الذي امتحن لا يغتب عنده أحد لا يغتب عند السلطان ( 1:44:15 ) يعاقبه ( و لا يطالب عنده بشرا ) لا يطالب عنده أحدا يقول فلان عنده كذا و فلان عنده كذا و فلان في ذمته كذا حتى لا يكتب له في ذلك نصيب ( وَلَا يعْص لَهُ فِي الْمَعْرُوف أمرا ) إذا أمره السلطان بمعروف يمتثل ( وَلَا يستنزله إِلَى مَعْصِيّة الله تَعَالَى ) يكون سبب في دعوته أو مثلا في فعل المعصية ( فَإِنَّهُ يَطْلُبهُ بِمِثْلِهَا ) إذا فعل المعصية يطالبه بأن يوافقه فيه ( وَيصير عِنْده من أَهلهَا ) من أهل المعصية ( وَإِن حظي عِنْده بِمِثْلِهَا فِي الظَّاهِر فَإِن نَفسه تمقته فِي الْبَاطِن ) إذا حظي عند السلطان في الظاهر لكن نفسه تمقته في الباطن حيث وافق على المعصية قال ( وَلَا يرغب أَحَدكُمَا فِي أَن يكون أرفع النَّاس دَرَجَة وأتمهم جاها وَأَعْلَاهُمْ منزلَة فَإِن تِلْكَ حَال لَا يسلم صَاحبهَا ) يعني لا يرغب أحدكما إذا صحب السلطان أن يكون أرفع الناس درجة و أن يكون له جاه له أنصار و منزلة عالية فهذه الحال قال لا تسر صاحبها ( ودرجة لَا يثبت من احتلها ) لماذا ! لأنه إذا وصل إلى القمة لابد أن يسقط و لهذا قال ( وَأسلم الطَّبَقَات الطَّبَقَة المتوسطة ) خليك متوسط (لَا تهضم من ضعة ) خليك متوسط لست وضيع حتى تهضم ( وَلَا ترمق من رفْعَة ) لست رفيعا حتى تنظر و يتطلع الناس إليك و لا أيضا يحتقرك الناس لأنك تكون وضيع و تكون في درجة متوسطة قال ( وَمن عيب الدرجَة الْعليا أَن صَاحبهَا لَا يَرْجُو الْمَزِيد وَلكنه يخَاف النَّقْص ) لا تقبل الدرجة العليا صاحبها لا يرجو المزيد لكن يخاف النقص هذا من عيبها ( والدرجة الْوُسْطَى يَرْجُو الازدياد ) يرجوا زيادته ( وَبَينهَا وَبَين المخاوف حجاب ) يقول الدرجة العليا من عيبها أن صاحبها لا يرجو المزيد لا يرجوا المزيد انتهى و يخاف النقص و الدرجة الوسطى يرجوا الازدياد و بينها و بين المخاوف حجاب درجة متوسطة ليس بالوضيع و ليس بالرفيع قال ( فاجعلا بَين أيديكما دَرَجَة يشْتَغل بهَا الحسود عنكما ويرجوها الصّديق ) يعني كونا في درجة متوسطة من السلطان الصديق يرجو و الحسود ينشغل عنكما بخلاف الذي في الدرجة العالية هذا يحسد و الذي في الدرجة السافلة هذا حقير بل كونوا في الدرجة المتوسطة بين بين لا يحسد و لا يهان قال ( وَلَا يطْلب أَحَدكُمَا ولَايَة فَإِن طلبَهَا شين وَتركهَا لمن دعِي إِلَيْهَا زين ) و ثبت أن النبي ﷺ قال لعبد الرحمن بن سمرة يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل العمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها و إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها لا يطلب الإنسان الولاية إن طلبها دل على أنه متساهل و لهذا يوكل إليه و يخذل و إن ألزم بها و التزم أعانه الله هذا معنى الحديث و الحديث ثبت في الصحيح يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل العمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها و إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها و قال لأبي ذر يا أبا ذر إني أحب لك ما أحب لنفسي و إني أراك ضعيفا و إني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين و لا تولين مال يتيم لأنه ضعيف و الولاية لا تصلح للضعيف و لهذا قال ( وَلَا يطْلب أَحَدكُمَا ولَايَة فَإِن طلبَهَا شين وَتركهَا زين ) و قيل جاء أعرابي إلى النبي ﷺ و قال يا محمد إن حمدي لزين و إن ذمي شين فقال النبي ﷺ ( فذاك الله عز و جل ) قال ( فَمن امتحن بهَا مِنْكُمَا ) امتحن بولاية عند السلطان ( فلتكن حَاله فِي نَفسه أرفع من أَن تحدث فِيهِ بأن يُبْدِي بهَا زهوا ) يعني إذا ابتلي فلا يحدث نفسه بأن يكون عنده عظمة و زهو و افتخار على الناس و كبر بل يتواضع عليه بالتواضع و لهذا قال ( فلتكن حَاله فِي نَفسه أرفع من أَن تحدث فِيهِ بأوا ) زهوا و كبرا و عظما ( أَو يُبْدِي بهَا زهوا ) و هو الكبر ( وليعلم أَن الْولَايَة لَا تزيده رفْعَة وَلكنهَا فتْنَة ومحنة ) الولاية ليست تشريف و لكنها تكليف هذا كما يقال أن الولاية ليست تشريف ولكنها تكليف و لهذا قال ( وليعلم أَن الْولَايَة لَا تزيده رفْعَة وَلكنهَا فتْنَة ومحنة وَأَنه معرض لأحد أَمريْن إِمَّا أَن يعْزل فَيَعُود إِلَى حَالَته أَو يسيء اسْتِدَامَة ولَايَته فيقبح ذكره ) بين أمرين إما أن يعزل فيعود لحالة السابقة ولا قيمة له و إما أن يستمر في ولايته و عنده كبر و إعجاب فيكون ذكره قبيح و تثقل عليه الأوزار و لهذا قال ( وَأَنه معرض لأحد أَمريْن إِمَّا أَن يعْزل فَيَعُود إِلَى حَالَته ) السابقة ( أَو يسيء اسْتِدَامَة ولَايَته فيقبح ذكره ويثقل وزره ) يعني معاصيه ( وَإِن اسْتَوَت عِنْده ولَايَته وعزله ) إذا استوى عنده المران كله واحد عنده سواء ولي أو عزل إذا استوت عنده ولايته أو عزله ( كَانَ جَدِيرًا أَن يستديم الْعَمَل فَيبلغ الأمل ) يعني أن يستمر بالعمل و يعمل بالعمل الصالح الذي يقربه إلى الله ( فيبلغ الأمل أَو يعْزل لإحسانه فَلَا يحط ذَلِك من مَكَانَهُ ) إذا استوى عنده الأمران إذا بقي في الولاية يعمل فيها بما يكون سببا في الخير و بما يخفف الشر فحين إذن يبلغ الأمل أو يعزل فيكون الثناء عليه فيكون مثنى عليه من قبل الناس والله تعالى راض عنه و لهذا قال ( وَإِن اسْتَوَت عِنْده ولَايَته وعزله كَانَ جَدِيرًا أَن يستديم الْعَمَل فَيبلغ الأمل أَو يعْزل لإحسانه فَلَا يحط ذَلِك من مَكَانَهُ ) .
( متن )
وأقلا ممازحة الإخوان وملابستهم والمبالغة فِي الاسترسال مَعَهم فَإِن الْأَعْدَاء أَكثرهم مِمَّن هَذِه صفته وَقل من يعاديك مِمَّن لَا يعرفك وَلَا تعرفه فَهَذَا الَّذِي يجب أَن تمتثلاه و تلتزماه وَلَا تتركاه لعرض وَلَا لوجه طمع فَرُبمَا عرض وَجه أَمر يروق فيستزل عَن الْحَقَائِق بِغَيْر تَحْقِيق وَآخره يظْهر من سوء الْعَاقِبَة مَا يُوجب النَّدَم حَيْثُ لَا ينفع ويتمنى لَهُ التلافي فَلَا يُمكن فَإِن فقدتما وصيتي هَذِه ونسيتما مَعْنَاهَا فعليكما بِمَا ذكر الله تَعَالَى فِي وَصِيَّة لُقْمَان لِابْنِهِ فَإِن فِيهَا جماع الْخَيْر وَهِي یَـٰبُنَیَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَ ٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالࣲ فَخُورࣲ وَٱقۡصِدۡ فِی مَشۡیِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَ ٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِیرِ وَإِنِّي لأوصيكما وَأعلم أَنِّي لن أُغني عنكما من الله شَيْئا إِن الحكم إِلَّا لله عَلَيْهِ توكلت وَعَلِيهِ فَليَتَوَكَّل المتوكلون وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل.
( شرح )
التوجيه الأخير لولديه قال ( وأقلا ممازحة الإخوان وملابستهم والمبالغة فِي الاسترسال مَعَهم ) هذه النصيحة في تقليل المزاح و هذا حق في أن بعض الناس يكثر المزاح و لا سيما في السفر و الرحلات فتحصل العداوة بينهم الإكثار من المزح قد يتكلمون فيه مزح يمزحون فيه فيصفونه بصفات غير مناسبة قد يسخرون منه في شخصه و في ذاته و في عمله و في تصرفاته تحصل العداوة و هذا واقع من كثر المزاح لا ينبغي للإنسان أن يكثر من المزاح و لكن المزاح يكون قليل كالملح على الطعام و يكون مزاح مناسب أما الإكثار منه يكون كل وقته هدر بعض الناس كل وقته مزاح هذا ليس بطيب هذا يؤدي إلى العداوة و البغضاء و يؤدي إلى كون الإنسان لا قيمة له ولا كأنه رجل له قيمته و الله سبحانه و تعالى خلقه لعبادته و طاعته أكثر أوقاته كلها في المزاح و الهدر ما ينتهي منها و لهذا قال ( وأقلا ممازحة الإخوان وملابستهم والمبالغة فِي الاسترسال مَعَهم ) التعليل قال ( فَإِن الْأَعْدَاء أَكثرهم مِمَّن هَذِه صفته وَقل من يعاديك مِمَّن لَا يعرفك وَلَا تعرفه ) الذي يعاديك إنما هو من يعرفك و تعرفه كثرة المزاح قد تؤدي إلى العداوة قد تؤدي إلى العداوة أما الذي ما يعرفك لا يمكن أن يعاديك لا يعرفك لا يعاديك ولا يصادقك لكن الذي يعاديك الذي يعرفك لكثرة المزاح قد يؤدي إلى العداوة فأقلا من المزاح قال ( فَهَذَا الَّذِي يجب أَن تمتثلاه و تلتزماه ) يعني هذه النصيحة التي ذكرتها بقسميها هذا الذي يجب أن تمتثلاه و تلتزماه يعني نقل فيما يوافق الشرع فيما يخالف الشرع أما ما فيه مخالفة فلا قال ( وَلَا تتركاه لعرض وَلَا لوجه طمع ) يعني فيما ظهرت مصلحته و ظهرت فائدته و إلا فيها النصيحة فيها شيء فيها بعض التوجيهات لا يؤخذ عليها كما سبق لكن المقصود في الجملة يعني في الجملة و في أغلب ما ورد فيها يجب أن تلتزما لا في كل حين في دقيقة و جليلة ( وَلَا تتركاه لعرض وَلَا لوجه طمع فَرُبمَا عرض وَجه أَمر يروق فيستزل عَن الْحَقَائِق بِغَيْر تَحْقِيق ) يعني قد يعرض للإنسان وجه أو أمر يروقه و يفره و يريد فعله فيستزل و ينكشف عن الحقائق بغير تحقيق يعني فيتبين أنه على خلاف ما أراد ( وَآخره يظْهر من سوء الْعَاقِبَة مَا يُوجب النَّدَم حَيْثُ لَا ينفع ويتمنى لَهُ التلافي فَلَا يُمكن ) يقول قد يعرض للإنسان أمر يروقه و يريد فعله ثم بعد ذلك إذا نظر و تمعن في الحقائق تبين له أنه خلاف ما تصوره و ظهر منه من آخره من سوء العاقبة ما يوجب الندم على فعله يجب أن تتروى في الأمر الذي تريد فعله بعض الناس يندفع يرى أنه شيء طيب فيندفع ثم تنكشف الأمور عن سوء العاقبة و يندم لكن لا ينفع الندم لا ينفع الندم و يتمنى أن يتلافى ما صدر منه فلا يستطيع و مثل هذا في المساهمات الآن يندفع كثير من الناس في المساهمات في الشركات و صاروا يبيعون باعوا سياراتهم باعوا عقاراتهم و جعلوها في مساهمات ثم ماذا حصل ندموا تمنوا أنهم لم يساهموا و هناك من خل عقله و هناك من مات و هناك من قتل من أمات بسبب المساهمات , اندفاع ليشارك و لا يدري هذه الشركات أين تذهب بالمال أين لمال الآن هل ترابي أم لا ترابي و أين البيع كيف البيع كيف يعاقدهم دراهم بدراهم ما في قبض ما في قبض إلا بالشاشات بيع بالشاشات و عيونهم بالشاشات في وقت الصلاة و في وقت العمل ينظر متى يطلع و متى يرتفع السعر و متى ينزل السعر ربحت إما ربحا فاحش أو خسارة فاحشة و أين القبض أين السلعة كله كلام في الشاشة ما هو الشيء الذي بيع ما هو الشيء الذي قبض و لا يبالي بعض الناس فقد يساهم و يأخذ بطاقة ابنه و ابنته و زوجته و يساهم و يندفع فصارت النتيجة ندم أشد الندم فصار و تراكمت الديون فصاروا بدل ما عندهم أموال صارت عندهم ديون متراكمة و لا يستطيعون التخلص و يتمنون أنهم لم يساهموا مع ما يلحقهم من الإثم من هذه المعاملات التي حرمت شرعا و لا تجوز شرعا التعامل بالربا و البيع من دون قبض و لا من التجارة الربح الفاحش في لحظات في يوم أو خسارة فاحشة التجارة تحتاج إلى وقت , ربح فاحش في لحظات و خسارة فاحشة في لحظة فتوى في تحريم الربا و تحريم الميسر كلها وجودة و مفصلة في هذه المساهمات فلذلك ندم الكثير أشد الندم و ركبتهم الديون و تمنوا أن يعيدوا إلى حالتهم و لم يقدروا و لهذا قال ( فَرُبمَا عرض وَجه أَمر يروق فيستزل عَن الْحَقَائِق بِغَيْر تَحْقِيق وَآخره يظْهر من سوء الْعَاقِبَة مَا يُوجب النَّدَم حَيْثُ لَا ينفع ويتمنى لَهُ التلافي ) يتلافى ( فَلَا يُمكن ) فقد سلف ما سلف قال ( فَإِن فقدتما وصيتي هَذِه ونسيتما مَعْنَاهَا فعليكما بِمَا ذكر الله تَعَالَى فِي وَصِيَّة لُقْمَان لِابْنِهِ فَإِن فِيهَا جماع الْخَيْر ) يقول إذا فقدتما هذه الوصية أو ضاعت منكما أو نسيتماها أوصيكم بوصية لا تنفك في القرآن الكريم وصية لقمان تدبروا الآيات فإن هذه الآيات كافية إذا تدبرها الإنسان و تأملها و عمل بها و ما هذه الآيات فيها جماع الخير قال الله تعالى يَا بني أقِم الصَّلَاة و لو أتى بالآية الأولى وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَـٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ یَعِظُهُۥ یَـٰبُنَیَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِیمࣱ لو أتى بالآيات الأولى لكان أولى لأنها الوصية العظيمة وصية بالتوحيد و النهي عن الشرك یَـٰبُنَیَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِیمࣱ نهاه عن الشرك و النهي عن الشرك أمر بالتوحيد النهي عن الشيء أمر بضده و الأمر بالتوحيد نهي عن الشرك و النهي عن الشرك أمر بالتوحيد أمر بالتوحيد ثم قال يَا بني أقِم الصَّلَاة أمر أعظم حكم بعد التوحيد الصلاة أقمها و لم يقل يا بني صلي لا لأنك قد تصلي و لا تقيم الصلاة إقامة الصلاة يعني أن يؤديها معطيا حقوقها من الإخلاص و الصدق و الرغبة و الإتيان بشروطها و أركانها و هيئاتها و خشوعها و وضوئها و الطمأنينة فيها و التأني فيه هذا إقامة الصلاة و لم يقل أدي الصلاة فالمؤدون كثير و مقيموا الصلاة قليل و الركن كثير و الحاج قليل لم يأمره بفعل الصلاة و إنما قال و أقم الصلاة و لم يقل صلي فإن الصلاة مع الغفلة مع السهو متوعد عليها بالويل فَوَیۡلࣱ لِّلۡمُصَلِّینَ ٱلَّذِینَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ يا بني أقم الصلاة وَأمر بِالْمَعْرُوفِ عام و أعظم المعروف التوحيد ثم تأتي الواجبات وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ عام و أعظم المنكر الشرك ثم تأتي بقية المنكرات و العدوان على النفس بالدماء و العدوان على الأموال و العدوان في الأعراض وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَكَۖ لأن الداعي لابد أن يقف أمام الناس يصادمهم يقف أمام رغباتهم فيؤذونه لابد أن يؤذوه فلابد أن يصبر فإن لم يصبر انقطع الآمر و الناهي لابد له من الصبر وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَاۤ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَ ٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ الأمور التي تعز وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ نهي عن الترفع عن الناس و الاختيال و الكبر وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ احتقارا لهم وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ اختيالا وتكبرا إِن الله لَا يحب كل مختال فخور فيه إثبات المحبة لله و إثبات البغض أيضا الله يبغض المختال و لا يحبه وَٱقۡصِدۡ فِی مَشۡیِكَ التوسط كن في أمورك متوسط كما في قوله تعالى وَلَا تَجۡعَلۡ یَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ لا تكون بخيل ولا تكون مبذر بين بين لا تجعل يدك مغلولة فتكون بخيل و لا تبسطها كل البسط فتكون مبذر و ابتغ بين ذلك سبيلا وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ الاقتصاد يعني التوسط تكون متوسطا في مشيك لا تعدوا عدوا و لا تتماوت كان النبي ﷺ إذا مشى كأنه ينحدر من صبب لا يمشي مشي متماوت كما يمشي بعض الناس و لا يسرع فيعدوا عدوا وَٱقۡصِدۡ فِی مَشۡیِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ يعني اخفض من صوتك إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَ ٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِیرِ ذمه الله تعالى و قال ( وَإِنِّي لأوصيكما ) في هذه الوصية ( وَأعلم أَنِّي لن أُغني عنكما من الله شَيْئا ) لأن التوفيق بيد الله , أوصيكم بهذه الوصية إنما هي سبب يعني أدعوكما يريد به الدعوة و هداية الدلالة و الإرشاد أما هداية التوفيق و التسديد بيد الله (لن أُغني عنكما من الله شَيْئا ) عني لا استطيع أن أجعلكما تقبلان هذه الوصية و اقذف الهداية في قلوبكما و أجعلكما تقبلان الحق , لا , هذا بيد الله هداية التوفيق لكن بيدي هداية الدلالة و الإرشاد ( لن أُغني عنكما من الله شَيْئا ) كما قال الله لنبيه (إنك لا تهدي من أحببت ) لما عجز عن هداية عمه أبو طالب (لن أُغني عنكما من الله شَيْئا ) و قال في هداية الدلالة و الإرشاد وَإِنَّكَ لَتَهدِ إِلَىٰ صِرَٰط مُّستَقِم قال (لن أُغني عنكما من الله شَيْئا ) لأن الهداية بيد الله لكن هذا سبب كما قال يعقوب عليه السلام لبنيه قال یَـٰبَنِیَّ لَا تَدۡخُلُوا۟ مِنۢ بَابࣲ وَ ٰحِدࣲ وَٱدۡخُلُوا۟ مِنۡ أَبۡوَ ٰبࣲ مُّتَفَرِّقَةࣲۖ قال في تتمة الآية وَمَاۤ أُغۡنِی عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَیۡءٍۖ في الآية وَمَاۤ أُغۡنِی عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَیۡءٍۖ الآية في سورة يوسف وَقَالَ یَـٰبَنِیَّ لَا تَدۡخُلُوا۟ مِنۢ بَابࣲ وَ ٰحِدࣲ وَٱدۡخُلُوا۟ مِنۡ أَبۡوَ ٰبࣲ مُّتَفَرِّقَةࣲۖ وَمَاۤ أُغۡنِی عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَیۡءٍ هذا الشاهد لأن هذا من باب السبب لأنه خاف عليهم من العين قال العلماء خاف عليهم من العين لأنها إحدى عشر قال لا تدخلوا من باب واحد و ادخلوا من أبواب متفرقة و ما أغني عنكم من الله من شيء لكن هذا سبب فإذا قدر الله شيء يصيبكم أصابكم لكن هذا سبب من باب السبب فأنا لا أغني عنكم من الله شيئا لكن يفعل السبب لا تدخلوا من باب واحد تقية العين و ما قدر سيكون و كذلك هنا الحافظ يقول أوصيكما و اعلم أني لن أغني عنكما من الله من شيء لكن هذا سبب و التوفيق بيد الله إن وفقكما الله و هداكما فله الفضل و المنة و إلا فلن أغني عنكم من الله شيئا ( إِن الحكم إِلَّا لله عَلَيْهِ توكلت ) اعتمدت و فوضت أمري إليه ( وَعَلِيهِ فَليَتَوَكَّل المتوكلون ) يعتمدون عليه و يوفضون أمرهم و أنا منهم ( وَهُوَ حَسبنَا ) أي كافينا ( وَنعم الْوَكِيل ) .
وفق الله الجميع لطاعته و صلى الله على محمد و آله و صحبه .