شعار الموقع

شرح كتاب الجنايات من سبل السلام_3

00:00
00:00
تحميل
79

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:

لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ.

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَارُودِ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّهُ مُضْطَرِبٌ, قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مُرْسَلًا، وَهَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى.

(الشرح)

جماهير العلماء عَلَى العمل بهذا الحديث.

(المتن)

وَفِي إسْنَادِهِ عِنْدَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَوَجْهُ الِاضْطِرَابِ أَنَّهُ اخْتَلَفَ عَلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَقِيلَ: عَنْ عَمْرٍو وَهِيَ رِوَايَةُ الْكِتَابِ وَقِيلَ: عَنْ سُرَاقَةَ وَقِيلَ: بِلَا وَاسِطَةٍ. وَفِيهَا الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: طُرُقُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهَا مُنْقَطِعَةٌ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ لَا يَصِحُّ فِيهَا شَيْءٌ.

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: حَفِظْت عَنْ عَدَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَقِيتُهُمْ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَبِذَلِكَ أَقُولُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ كَالْهَادَوِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ مُطْلَقًا لِلْحَدِيثِ قَالُوا: لِأَنَّ الْأَبَ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْوَلَدِ، فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ سَبَبًا لِإِعْدَامِهِ.

وَذَهَبَ الْبَتِّيُّ إلَى أَنَّهُ يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ مُطْلَقًا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}[المائدة/ 45] وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُخَصَّصٌ بِالْخَبَرِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ.

وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ يُقَادُ بِالْوَلَدِ إذَا أَضْجَعَهُ وَذَبَحَهُ. قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ عَمْدٌ حَقِيقَةً لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ فِي مِثْلِ اسْتِعْمَالِ الْجَارِحِ فِي الْمَقْتَلِ هُوَ قَصْدُ الْعَمْدِ وَالْعَمْدِيَّةُ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُحْكَمُ بِإِثْبَاتِهَا إلَّا بِمَا يَظْهَرُ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ فِيمَا يُحْتَمَلُ عَدَمُ إزْهَاقِ الرُّوحِ بَلْ قَصْدُ التَّأْدِيبِ مِنْ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ يُحْكَمُ فِيهِ بِالْعَمْدِ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْأَبِ وَغَيْرِهِ لِمَا لِلْأَبِ مِنْ الشَّفَقَةِ عَلَى وَلَدِهِ وَغَلَبَةِ قَصْدِ التَّأْدِيبِ عِنْدَ فِعْلِهِ مَا يُغْضِبُ الْأَبَ فَيُحْمَلُ عَلَى عَدَمِ قَصْدِ الْقَتْلِ، وَهَذَا رَأْيٌ مِنْهُ: وَإِنْ ثَبَتَ النَّصُّ لَمْ يُقَاوِمْهُ شَيْءٌ، وَقَدْ قَضَى بِهِ عُمَرُ فِي قِصَّةِ الْمُدْلِجِيِّ وَأَلْزَمَ الْأَبَ الدِّيَةَ وَلَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا شَيْئًا، وَقَالَ لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ، فَلَا يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ إجْمَاعًا، وَلَا مِنْ غَيْرِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَالْجَدُّ وَالْأُمُّ كَالْأَبِ عِنْدَهُمْ فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ.

وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: «قُلْت لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنْ الْوَحْيِ غَيْرَ الْقُرْآنِ قَالَ: لَا وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إلَّا فَهْمٌ» اسْتِثْنَاءٌ مِنْ لَفْظِ شَيْءٍ مَرْفُوعٌ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ.

(الشرح)

في نسخة مرفوع عَلَى البدلية, وفي أخرى: منصوب.

(المتن)

يُعْطِيهِ اللَّهُ تَعَالَى رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ, أَيْ الْوَرَقَةِ الْمَكْتُوبَةِ (قُلْت وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ الْعَقْلُ) أَيْ الدِّيَةُ سُمِّيَتْ عَقْلًا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْقِلُونَ الْإِبِلَ الَّتِي هِيَ دِيَةٌ بِفِنَاءِ دَارِ الْمَقْتُولِ (وَفِكَاكُ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا الْأَسِيرِ، «وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ», رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ فِيهِ: «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» أَيْ تَتَسَاوَى فِي الدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ «وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ, قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّمَا سَأَلَ أَبُو جُحَيْفَةَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الشِّيعَةِ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ لِأَهْلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ.

(الشرح)

(عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) هذا من بعض الكتاب, المفروض رضي الله عنهم.

فإن قيل: أما ورد في البخاري: كرم الله وجهه؟.

التخصيص هذا من الشيعة, وكل الصحابة كرم الله وجوههم.

(المتن)

لَاسِيَّمَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اخْتِصَاصًا بِشَيْءٍ مِنْ الْوَحْيِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَقَدْ سَأَلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ أَبِي جُحَيْفَةَ أَيْضًا ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ هُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الْوَحْيِ الشَّامِلِ لِكِتَابِ اللَّهِ الْمُعْجِزِ وَسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا وَحْيًا إذْ فَسَّرَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}[النجم/ 3].

(الشرح)

السنة وحيٌ ثاني, قَالَ الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم/3-4].

(المتن)

بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقُرْآنِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ) ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ مَا نُسِبَ إلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الْجَفْرِ وَغَيْرِهِ.

(الشرح)

ما تكلم عن الجفر؟.

فإن قيل: ذكر المحقق لعله يريد ما ينسبه الرافضة إِلَى آل البيت من التحدث عن الغيب, ومثل هذا لا يحل نسبته لعلي ولا لغيره من الموحدين بَعْدَمَا ثبت الدليل من الْقُرْآن والسنة.

لَكِنْ كيف لا يلزم, المفروض يلزم منه, لعله: فيلزم منه نفي ما نُسب.

فإن قيل: بَعْدَمَا ثبت الدليل من الْقُرْآن والسنة أن الغيب لا يعلمه إِلَّا الله, وأن الجفر هذا قولٌ عَلَى الله بلا علمٍ وهو من أمر الشيطان وعفا الله عن الصنعاني تلك القولة الَّتِي لا تليق بمثله, والكمال لله وحده.

هذا بناءًا علة قوله: فلا يلزم منه, لَكِنْ لعله فيلزم منه نفي, وتكون الا زائدة ويكون الصنعاني كغيره, ينفي هذا ما يوافق عَلَى هذا, لو كَانَ يوافق عَلَى هذا معناه أن عقيدته فيها خلل, فلعل العبارة فيلزم منه نفي, يلزم من هذا تكذيب ما نُسب إِلَى علي من الجفر.

(المتن)

وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ (إلَّا فَهْمٌ يُعْطِيهِ اللَّهُ تَعَالَى رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ) ، فَإِنَّهُ كَمَا نَسَبَ إلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِأَنْوَاعِ الْعُلُومِ وَنَوَّرَ بَصِيرَتَهُ أَنَّهُ يَسْتَنْبِطُ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ.

وَالْحَدِيثُ قَدْ اشْتَمَلَ عَلَى مَسَائِلَ:

الْأُولَى: الْعَقْلُ، وَهُوَ الدِّيَةُ وَيَأْتِي تَحْقِيقُهَا.

وَالثَّانِيَةُ: فِكَاكُ الْأَسِيرِ أَيْ حُكْمُ تَخْلِيصِ الْأَسِيرِ مِنْ يَدَيْ الْعَدُوِّ، وَقَدْ وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِي ذَلِكَ.

وَالثَّالِثَةُ: عَدَمُ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ قَوَدًا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ، وَأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ فَذُو الْعَهْدِ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فَيَدْخُلُ عَلَيْنَا بِأَمَانٍ، فَإِنَّ قَتْلَهُ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُسْلِمِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَأْمَنِهِ فَلَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ، فَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ إذَا قَتَلَهُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، وَلَا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ»، فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مُؤْمِنٌ، فَلَابُدَّ مِنْ تَقْيِيدٍ فِي الثَّانِي كَمَا فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ فَيُقَدَّرُ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْكَافِرِ فِي الْمَعْطُوفِ بِلَفْظِ الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ وَيُقْتَلُ بِالْمُسْلِمِ، وَإِذَا كَانَ التَّقْيِيدُ لَابُدَّ مِنْهُ فِي الْمَعْطُوفِ، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ وَمَفْهُومُ حَرْبِيٍّ أَنَّهُ قُتِلَ بِالذِّمِّيِّ بِدَلِيلِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا تَعْمَلُ بِالْمَفْهُومِ فَهُمْ يَقُولُونَ إنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّ صَرِيحًا. وَأَمَّا قَتْلُهُ بِالذِّمِّيِّ فَبِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}[المائدة/45].

وَلِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ مُسْلِمًا بِمُعَاهَدٍ، وَقَالَ أَنَا أَكْرَمُ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ»، وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ،وهو ضعيف, وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ ابْنُ الْبَيْلَمَانِيُّ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ إذَا وَصَلَ الْحَدِيثُ فَكَيْفَ بِمَا يُرْسِلُهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمُسْنَدٍ، وَلَا يَجْعَلُهُ مِثْلُهُ إمَّا مَا تُسْفَكُ بِهِ دِمَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ كَانَ فِي قِصَّةِ الْمُسْتَأْمِنِ الَّذِي قَتَلَهُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ فَعَلَى هَذَا لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ مَنْسُوخًا؛ لِأَنَّ حَدِيثَ: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» خَطَبَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ كَمَا فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَقِصَّةُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ مُتَقَدِّمَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ.

هَذَا وَأَمَّا مَا ذَكَرَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ التَّقْدِيرِ، فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّقْدِيرُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» كَلَامٌ تَامٌّ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ؛ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيَكُونُ نَهْيًا عَنْ قَتْلِ الْمُعَاهَدِ.

وَقَوْلُهُمْ إنَّ قَتْلَ الْمُعَاهَدِ مَعْلُومٌ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْعَهْدِ فَائِدَةٌ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِخْبَارِ بِهِ.

جَوَابُهُ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ إذْ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِطَرِيقِ الشَّارِعِ وَإِلَّا، فَإِنَّ ظَاهِرَ الْعُمُومَاتِ يَقْضِي بِجَوَازِ قَتْلِهِ، وَلَوْ سُلِّمَ تَقْدِيرُ الْكَافِرِ، فَلَا يُسَلَّمُ اسْتِلْزَامُ تَخْصِيصِ الْأَوَّلِ بِالْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَطْفِ مُطْلَقُ الِاشْتِرَاكِ لَا الِاشْتِرَاكُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» أَنَّهُ إذَا أَمَّنَ الْمُسْلِمُ حَرْبِيًّا كَانَ أَمَانًا مِنْ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُ امْرَأَةً كَمَا فِي قِصَّةِ أُمِّ هَانِئٍ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُؤْمِنِ مُكَلَّفًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ أَمَانًا مِنْ الْجَمِيعِ، فَلَا يَجُوزُ نَكْثُ ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ: «وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» أَيْ هُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ لَا يَحِلُّ لَهُمْ التَّخَاذُلُ بَلْ يُعِينُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى جَمِيعِ مَنْ عَادَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ كَأَنَّهُ جَعَلَ أَيْدِيَهُمْ يَدًا وَاحِدَةً وَفِعْلَهُمْ فِعْلًا وَاحِدًا.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد