بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:
بَابُ الدِّيَاتِ.
الدِّيَاتُ بِتَخْفِيفِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ جَمْعُ دِيَةٍ كَعِدَاتٍ جَمْعُ عِدَةٍ. أَصْلُ دِيَةٍ وَدِيَةٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ مَصْدَرُ وَدَى الْقَتِيلَ يَدِيهِ إذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ دِيَتَهُ حُذِفَتْ فَاءُ الْكَلِمَةِ وَعُوِّضَتْ عَنْهَا تَاءُ التَّأْنِيثِ كَمَا فِي عِدَةٍ.
(الشرح)
مثل عِدة وزِنة, وعد وزن, تُحذف فاء الكلمة ويُعوض عنها الهاء, عِدة, زِنة, دية.
(المتن)
وَهِيَ اسْمٌ لِأَعَمَّ مِمَّا فِيهِ الْقِصَاصُ وَمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ.
(الشرح)
سواء فيهِ قصاص وتنازل الولي, أو ليس فيهِ قصاص لِأَنَّهُ قتل خطأ.
(المتن)
(عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَفْتُوحَةً وَسُكُونِ الزَّايِ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ وَلِيَ الْقَضَاءَ فِي الْمَدِينَةِ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ (عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ) عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ) أَوَّلُهُ مِنْ " مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ إلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ وَالْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ قَيْلِ ذِي رُعَيْنٍ أَمَّا بَعْدُ " إلَى آخِرِ مَا هُنَا.
(وَفِيهِ أَنَّ مَنْ اعْتَبَطَ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ فَوْقِيَّةٌ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ آخِرُهَا طَاءٌ مُهْمَلَةٌ أَيْ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا بِلَا جِنَايَةٍ مِنْهُ، وَلَا جَرِيرَةٍ تُوجِبُ قَتْلَهُ «مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ، فَإِنَّهُ قَوَدٌ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ مُخَيَّرُونَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ «وَإِنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ» بَدَلٌ مِنْ الدِّيَةِ «وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ» بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَمُوَحَّدَةٍ (جَدْعُهُ) أَيْ قُطِعَ جَمِيعُهُ الدِّيَةُ، «وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ» إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ مَا يَمْنَعُ مِنْ الْكَلَامِ «وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ» إذَا قُطِعَتْ مِنْ مَفْصِلِ السَّاقِ.
(وَفِي الْمَأْمُومَةِ) هِيَ الْجِنَايَةُ الَّتِي بَلَغَتْ أُمَّ الرَّأْسِ وَهِيَ الدِّمَاغُ أَوْ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ عَلَيْهَا (ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ هِيَ الطَّعْنَةُ تَبْلُغُ الْجَوْفَ وَمِثْلُهُ فِي غَيْرِهِ (ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ نَقَّلَ مُشَدَّدُ الْقَافِ وَهِيَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهَا صِغَارُ الْعِظَامِ وَتَنْتَقِلُ مِنْ أَمَاكِنِهَا وَقِيلَ: الَّتِي تُنَقِّلُ الْعَظْمَ أَيْ تَكْسِرُهُ (خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ «، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ» اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَوْضَحَ وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ وَتَكْشِفُهُ «خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، الرَّجُلُ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْجَارُودِ وَابْنُ حِبَّانَ وَأَحْمَدُ, وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهِ.
قَالَ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ قَدْ أُسْنِدَ هَذَا، وَلَا يَصِحُّ وَاَلَّذِي قَالَ فِي إسْنَادِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد وَهِمَ إنَّمَا هُوَ ابْنُ أَرْقَمَ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ عَرَضْته عَلَى أَحْمَدَ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ, وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْيَمَانِيُّ ضَعِيفٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْخَوْلَانِيُّ ثِقَةٌ وَكِلَاهُمَا يَرْوِيَانِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَاَلَّذِي رَوَى حَدِيثَ الصَّدَقَاتِ هُوَ الْخَوْلَانِيُّ فَمَنْ ضَعَّفَهُ إنَّمَا ظَنَّ أَنَّ الرَّاوِيَ هُوَ الْيَمَانِي.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَمْ يَنْقُلُوا هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا كِتَابٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ مَعْرُوفٌ مَا فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةً تُغْنِي شُهْرَتُهَا عَنْ الْإِسْنَادِ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْمُتَوَاتِرَ لِتَلَقِّي النَّاسِ إيَّاهُ بِالْقَبُولِ وَالْمَعْرِفَةِ.
قَالَ الْعُقَيْلِيُّ حَدِيثُ ثَابِتٍ مَحْفُوظٌ إلَّا أَنَّا نَرَى أَنَّهُ كِتَابٌ غَيْرُ مَسْمُوعٍ عَمَّنْ فَوْقَ الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ لَا أَعْلَمُ فِي الْكُتُبِ الْمَنْقُولَةِ كِتَابًا أَصَحَّ مِنْ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ وَيَدَعُونَ رَأْيَهُمْ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَرَأْت فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى نَجْرَانَ وَكَانَ الْكِتَابُ عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا.
وَقَالَ الْحَافِظُ بْنُ كَثِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ مَا لَفْظُهُ: قُلْت وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَهَذَا الْكِتَابُ مُتَدَاوَلٌ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ وَيَفْزَعُونَ فِي مُهِمَّاتِ هَذَا الْبَابِ إلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ.
وَإِذَا عَرَفْت كَلَامَ الْعُلَمَاءِ هَذَا عَرَفْت أَنَّهُ مَعْمُولٌ بِهِ، وَأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الرَّأْيِ الْمَحْضِ، وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَى مَسَائِلَ فِقْهِيَّةٍ:
الْأُولَى: فِيمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا اعْتِبَاطًا أَيْ بِلَا جِنَايَةٍ مِنْهُ، وَلَا جَرِيرَةٍ تُوجِبُ قَتْلَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: اعْتَبَطَ بِقَتْلِهِ أَيْ قَتَلَهُ ظُلْمًا لَا عَنْ قِصَاصٍ، وَقَدْ رَوَى الِاغْتِبَاطَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا يُفِيدُهُ تَفْسِيرُهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد، فَإِنَّهُ قَالَ إنَّهُ سُئِلَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ عَنْ الِاغْتِبَاطِ، فَقَالَ الْقَاتِلُ الَّذِي يُقْتَلُ فِي الْفِتْنَةِ فَيَرَى أَنَّهُ فِي هُدًى لَا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْهُ, فَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ مِنْ الْغِبْطَةِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ وَحُسْنِ الْحَالِ، فَإِذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُؤْمِنًا وَفَرِحَ بِقَتْلِهِ، فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْوَعِيدِ.
وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، فَإِنَّهُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّيَةِ كَمَا سَلَفَ.
(الشرح)
أو العفو مجانًا؛ إما القصاص, وإما الدية, وإما العفو مجانًا.
(المتن)
الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ قَدْرَ الدِّيَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ, وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْوَاجِبَةُ، وَأَنَّ سَائِرَ الْأَصْنَافِ لَيْسَتْ بِتَقْدِيرٍ شَرْعِيٍّ بَلْ هِيَ مُصَالَحَةٌ.
(الشرح)
هذا هو الصواب, والقول الثاني أن المقادير متعددة, من الإبل مائة, ومن البقر مائتين, ومن الغُنم ألفين شاة, ومن الحُلل ألفي حُلة؛ هذا قول لبعض العلماء لَكِنْ الصواب أن الدية مقدرة بالإبل هذا هو الصواب, النَّبِيِّ r في قصة القتيل الذي قتله اليهود وأد مائة من الإبل من عند نفسه يَعْنِي: من بيت المال.
(المتن)
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْقَاسِمُ وَالشَّافِعِيُّ, وَأَمَّا أَسْنَانُهَا فَسَيَأْتِي فِي حَدِيثٍ بَعْدَ هَذَا بَيَانُهَا إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ «وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ» ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَصْلٌ أَيْضًا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْإِبِلُ أَصْلٌ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ.
(الشرح)
أهل الإبل يقدر بالإبل, وأهل الذهب يقدر بألف دينار, وأهل الغُنم يقدر عَلَيْهِمْ بألفي شاة, وأهل البز يقدر عَلَيْهِمْ بألفي حُلة.
(المتن)
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الْإِبِلِ، وَأَنَّ قِيمَةَ الْمِائَةِ مِنْهَا أَلْفُ دِينَارٍ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَوِّمُ دِيَةَ الخطأ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ عَدْلَهَا مِنْ الْوَرِقِ وَيُقَوِّمُهَا عَلَى أَثْمَانِ الْإِبِلِ إذَا غَلَتْ رَفَعَ مِنْ قِيمَتِهَا، وَإِذَا هَاجَتْ وَرَخُصَتْ نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا, وَبَلَغَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ أَرْبَعِمِائَةٍ إلَى ثَمَانِمِائَةٍ وَعَدْلُهَا مِنْ الْوَرِقِ ثَمَانِيَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ.
(الشرح)
هذا في الذهب ما بين أربعمائة إِلَى ثمانمائة هذا في الذهب, وعدله من الورق ثمانية آلاف درهم, (وَعَدْلُهَا مِنْ الْوَرِقِ ثَمَانِيَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ) يَعْنِي: من الفضة, من الفضة ثمانية آلاف, ومن الذهب من أربعمائة إِلَى ثمانمائة, ما أدري الآن كم الدية مقدرة في المحاكم, كانت في الأول مائة ألف, والآن خمسمائة ألف فارتفعت قيمتها.
(المتن)
قَالَ وَقَضَى عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ وَمَنْ كَانَ دِيَةُ عَقْلِهِ فِي الشَّاءِ بِأَلْفَيْ شَاةٍ» .
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَدِيٍّ قُتِلَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا» وَمِثْلُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَصَرَّحَ بِأَنَّهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّهَا مِنْ الْوَرِقِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَمِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذَلِكَ بِتَقْوِيمِ الدِّينَارِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَقْوِيمِ الْمِثْقَالِ بِهَا فِي الزَّكَاةِ.
(الشرح)
الدينار بمثابة الجنية, عشرة دراهم قيمته.
(المتن)
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «قَضَى فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ شَاءٍ أَلْفَيْ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْقَمْحِ شَيْئًا لَمْ يَحْفَظْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَسْهِيلِ الْأَمْرِ.
(الشرح)
يَعْنِي: هذا فيهِ تسهيل لِأَنّ كل صنف يقدر بما يناسبه, فأهل الإبل مائة من الإبل, وأهل الغُنم قدر ألفي شاة, وأهل البقر مائتي بقرة, وأهل البز مائتي حُلة, وأهل القمح كذلك, كلٌ يُخرج مما عنده.
(المتن)
وَأَنَّهُ لَيْسَ يَجِبُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ النَّوْعِ الَّذِي يَجِدُهُ وَيَعْتَادُ التَّعَامُلَ بِهِ فِي نَاحِيَتِهِ.
(الشرح)
هذا فيهِ بيان سماحة الشريعة ويُسرها, كل واحد يُكلف من النوع الذي يكون عنده, إذا كَانَ صاحب بقر ما يقال: اذهب اشتري مائة بقرة, وَلَكِن أخرج مما عندك مائتي بقرة, وإذا كَانَ صاحب غنم وعنده غنائم كثيرة ما يقال له: بع الغُنم واشتري إبل, وَلَكِن يُخرج مما عنده, وإذا كَانَ صاحب بز يدفع مائتي حُلة, والحُلة هي الثوب المكون من شيئين يقال له حُلة مثل الإزار والرداء, قطعتين, ومثل الآن الثوب والشماخ هَذِه حُلة الآن.
(المتن)
وَلِلْعُلَمَاءِ هُنَا أَقَاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ، وَهَذِهِ التَّقْدِيرَاتُ الشَّرْعِيَّةُ كَمَا عُرِفَتْ، وَقَدْ اسْتَبْدَلَ النَّاسُ عُرْفًا فِي الدِّيَاتِ، وَهُوَ تَقْدِيرُهَا بِسَبْعِمِائَةِ قِرْشٍ، ثُمَّ إنَّهُمْ يَجْمَعُونَ عُرُوضًا يُقْطَعُ فِيهَا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ فِي أَثْمَانِهَا فَتَكُونُ الدِّيَةُ حَقِيقَةً نِصْفَ الدِّيَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَا أَعْرِفُ لِهَذَا وَجْهًا شَرْعِيًّا.
(الشرح)
يَعْنِي: في زمان الشارح.
(المتن)
فَإِنَّهُ أَمْرٌ صَارَ مَأْنُوسًا وَمَنْ لَهُ الدِّيَةُ لَا يُعْذَرُ عَنْ قَبُولِ ذَلِكَ حَتَّى إنَّهُ صَارَ مِنْ الْأَمْثَالِ " قَطْعُ دِيَةٍ " إذَا قُطِعَ شَيْءٌ بِثَمَنٍ لَا يَبْلُغُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: «وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ» أَيْ اُسْتُؤْصِلَ، وَهُوَ أَنْ يُقْطَعَ مِنْ الْعَظْمِ الْمُنْحَدِرِ مِنْ مَجْمَعِ الْحَاجِبَيْنِ، فَإِنَّ فِيهِ الدِّيَةَ، وَهَذَا حُكْمٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.
(الشرح)
يَعْنِي: كاملة, أما إذا قطع النصف ففيه نصف الدية, لو نصف الأنف, لَكِنْ لو قطعه من الأساس الذي تَحْتَ الجبهة صار فيهِ الدية كاملة.
(المتن)
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَنْفَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ مِنْ قَصَبَةٍ وَمَارِنٍ وَأَرْنَبَةٍ وَرَوْثَةٍ فَالْقَصَبَةُ هِيَ الْعَظْمُ الْمُنْحَدِرُ مِنْ مَجْمَعِ الْحَاجِبَيْنِ وَالْمَارِنُ هُوَ الْغُضْرُوفُ الَّذِي يَجْمَعُ الْمَنْخَرَيْنِ وَالرَّوْثَةُ بِالرَّاءِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ طَرَفُ الْأَنْفِ, وَفِي الْقَامُوسِ الْمَارِنُ الْأَنْفُ، أَوْ طَرَفُهُ، أَوْ مَا لَانَ مِنْهُ وَاخْتُلِفَ إذَا جُنِيَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ فَقِيلَ: تَلْزَمُ حُكُومَةٌ عِنْدَ الْهَادِي.
(الشرح)
يَعْنِي: إذا أزال المارن وهو الذي بين الأنفين, أو أزال الأرنبة ماذا يُعمل؟ ربع الدية أو نصف الدية أو يُقدر؟!
(المتن)
وَذَهَبَ النَّاصِرُ وَالْفُقَهَاءُ إلَى أَنَّ فِي الْمَارِنِ دِيَةً لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ عِنْدَنَا فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي الْأَنْفِ إذَا قُطِعَ مَارِنُهُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَبْيَنُ مِنْ حَدِيثِ آلِ حَزْمٍ, وَفِي الرَّوْثَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قُطِعَتْ ثُنْدُوَةُ الْأَنْفِ بِنِصْفِ الْعَقْلِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ عَدْلُهَا مِنْ الذَّهَبِ، أَوْ الْوَرِقِ» قَالَ فِي النِّهَايَةِ الثَّنْدُوَةُ هُنَا رَوْثَةُ الْأَنْفِ وَهِيَ طَرَفُهُ وَمُقَدَّمُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: «وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ» أَيْ إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا قُطِعَ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ الْكَلَامَ. وَأَمَّا إذَا قُطِعَ مَا يُبْطِلُ بَعْضَ الْحُرُوفِ فَحِصَّتُهُ مُعْتَبَرَةٌ بِعَدَدِ الْحُرُوفِ وَقِيلَ: بِحُرُوفِ اللِّسَانِ فَقَطْ وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَرْفًا لَا حُرُوفِ الْحَلْقِ وَهِيَ سِتَّةٌ، وَلَا حُرُوفِ الشَّفَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِأَنَّ النُّطْقَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِاللِّسَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: «وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ» وَاحِدَتُهُمَا شَفَةٌ بِفَتْحِ الشِّينِ وَتُكْسَرُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَحَدُّ الشَّفَتَيْنِ مِنْ تَحْتِ الْمَنْخَرَيْنِ إلَى مُنْتَهَى الشِّدْقَيْنِ فِي عَرْضِ الْوَجْهِ, وَفِي طُولِهِ مِنْ أَعْلَى الذَّقَنِ إلَى أَسْفَلِ الْخَدَّيْنِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.
وَاخْتُلِفَ إذَا قُطِعَ إحْدَاهُمَا فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفَ الدِّيَةِ عَلَى السَّوَاءِ وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ فِي الْعُلْيَا ثُلُثًا، وَفِي السُّفْلَى ثُلُثَيْنِ إذْ مَنَافِعُهَا أَكْثَرُ لِحِفْظِهَا لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.
السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ «وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ» هَذَا إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَطَعَ الْحَشَفَةَ، فَفِيهَا الدِّيَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.
(الشرح)
الحشفة: رأس الذكر, إذا قطع الذكر كامل هذا فيهِ الدية, وإذا قطع الحشفة ففيه خلاف, يَعْنِي: رأس الذكر, وهي الَّتِي إذا غيبها في الفرج يَجِبُ الغُسل, ويجب حد الزنا بها, هي الَّتِي إذا غيبها في زوجته وجب الغُسل, وفي أجنبية يَجِبُ الحد ويقام عليه الحد, إن كَانَ بكرًا يوجد مائة جلدة, وإن كَانَ ثيبًا يرجم بالحجارة حتى يموت.
(المتن)
وَاخْتَارَهُ الْمَهْدِيُّ كَمَذْهَبِ الْهَادَوِيَّةِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ وَالْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ.
(الشرح)
العنين: هو الذي لا ينتشف ذكره, يَعْنِي: الذكر الآن إذا قطعه يقول فيهِ الدية سواء كَانَ عنين أو غير عنين, والعنين هو الذي لا ينتشف ذكره ولا ترغب فيهِ النساء, ومنهم من فرق, والرجل إذا تزوج امرأة وكان عنينًا فلها الخيار؛ لِأَنّ هذا عيب ما ينتشف ذكره, يتزوج امرأة ثم وجدته المرأة عنين فَإِن لها الفسخ ولها الخيار؛ لان هذا عيب.
(المتن)
وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ أَنَّ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ حُكُومَةٌ.
(الشرح)
الخصي: هو الذي قُطعت خصيته, وهذا لا يولد له, والعنين: هو الذي لا ينتشف ذكره, يَعْنِي: تموت شهوته, يوجد بعض العبيد أنهم كَانُوا قديمًا تُقطع الخصيتين فلا يكون له شهوة للنساء, والعنين: خلقة من الأصل لا ينتشف ذكره.
(المتن)
السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: «وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ» وَهُوَ حُكْمٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ الدِّيَةِ.
(الشرح)
البيضتين: يَعْنِي الخصيتين, إذا جنى عليه وقطع الخصيتين ففيهم الدية, وواحدة فيها نصف الدية.
(المتن)
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ فِي الْبَيْضَةِ الْيُسْرَى ثُلُثَيْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مِنْهَا وَفِي الْيُمْنَى ثُلُثُ الدِّيَةِ.
(الشرح)
هذا فيهِ نظر, والأقرب أن في كل بيضة نصف الدية.
(المتن)
الثَّامِنَةُ: أَنَّ فِي الصُّلْبِ الدِّيَةَ، وَهُوَ إجْمَاعٌ وَالصُّلْبُ بِالضَّمِّ وَالتَّحْرِيكِ عَظْمٌ مِنْ لَدُنْ الْكَاهِلِ إلَى الْعَجْبِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ.
(الشرح)
الصلب: هو العمود الفقري آخره عجب الذنب, آخر فقرة في العمود الفقري, إذا جنا عليه وأزال الصلب ففيه الدية كاملة.
(المتن)
أَصْلُ الذَّنَبِ كَالْمَصَالِبَةِ قَالَ تَعَالَى: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}[الطارق/ 7]، فَإِنْ ذَهَبَ الْمَنِيُّ مَعَ الْكَسْرِ فَدِيَتَانِ.
(الشرح)
هذا إذا كسر الصلب, كونه هنا يَجِبُ ديتان فيهِ نظر.
(المتن)
التَّاسِعَةُ: أَفَادَ أَنَّ فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةَ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَهَذَا فِي الْعَيْنِ الصَّحِيحَةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْأَعْوَرِ إذَا ذَهَبَتْ عَيْنُهُ بِالْجِنَايَةِ فَذَهَبَ الْهَادِي وَالْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ إذْ لَمْ يُفَصِّلْ الدَّلِيلُ، وَهُوَ هَذَا الْحَدِيثُ وَقِيَاسًا عَلَى مَنْ لَهُ يَدٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْعَيْنَيْنِ.
(الشرح)
لِأَنّ له عينين فإذا زال واحدة بقيت واحدة, والأعور إذا أزالها صار أعمى فتكون فيهِ الدية عَلَى هذا القول.
(المتن)
وَاخْتَلَفُوا إذَا جُنِيَ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فَالْجُمْهُورُ عَلَى ثُبُوتِ الْقَوَدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ}[المائدة/ 45] وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهَا.
الْعَاشِرَةُ: قَوْلُهُ: «وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ» وَحَدُّ الرِّجْلِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ مِنْ مَفْصِلِ السَّاقِ، فَإِنْ قُطِعَ مِنْ الرُّكْبَةِ لَزِمَ الدِّيَةُ وَحُكُومَةٌ فِي الزَّائِدِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَفِي الْأُذُنِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَضَيَا بِذَلِكَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ: وَفِي السَّمْعِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْعَقْلِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ الْمِصْرِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ فِي الْعَقْلِ إذَا ذَهَبَ الدِّيَةَ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ ثُلُثَ الدِّيَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ» ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ، وَقَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْجَائِفَةَ مِنْ جِرَاحِ الْجَسَدِ لَا مِنْ جِرَاحِ الرَّأْسِ، وَأَنَّهُ لَا يُقَادُ مِنْهَا.
(الشرح)
لا يمكن القود منها إِنَّمَا يقاد في الشيء الذي يستطيعه, مثل الموضحة قد يقاد منه, جرحت ووضح العظم هَذِه يمكن, لَكِنْ الجائفة اللي تصل إِلَى الجوف, أو المنقلة الَّتِي تهشم العظم لا يمكن القصاص منها.
(المتن)
وَأَنَّ فِيهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ، وَأَنَّهَا جَائِفَةٌ مَتَى وَقَعَتْ فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ.
وَاخْتَلَفُوا إذَا وَقَعَتْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْضَاءِ فَنَفَذَتْ إلَى تَجْوِيفِهِ فَحَكَى مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ فِي كُلِّ جِرَاحَةٍ نَافِذَةٍ إلَى تَجْوِيفِ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَيَّ عُضْوٍ كَانَ ثُلُثَ دِيَةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ وَاخْتَارَهُ مَالِكٌ. وَأَمَّا سَعِيدٌ، فَإِنَّهُ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى الْجَائِفَةِ عَلَى نَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُوضِحَةِ الْجَسَدِ.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: فِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا.
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أَفَادَ أَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ، فَإِنَّ فِيهَا عَشْرًا، وَهُوَ رَأْيُ الْجُمْهُورِ. وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ «وَالْأَصَابِعُ سَوَاءٌ» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَقَدْ كَانَ لِعُمَرَ فِي ذَلِكَ رَأْيٌ آخَرُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْحَدِيثِ لِمَا رُوِيَ لَهُ.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ, وَفِيهِ خِلَافٌ لَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ يُقَاوِمُ الْحَدِيثَ.
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَالْفَرِيقَانِ. وَفِيهِ خِلَافٌ لَيْسَ لَهُ مَا يُقَاوِمُ النَّصَّ.
فَائِدَةٌ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ فِي الْهَاشِمَةِ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ وَحَكَاهُ " الْبَيْهَقِيُّ " عَنْ عَدَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "قَضَى فِي رَجُلٍ ضُرِبَ فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَعَقْلُهُ وَنِكَاحُهُ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ".
(الشرح)
يَعْنِي: ليس فيهِ إلا واحدة, العقل دية, والسمع دية, والبصر دية, والنكاح دية, يَعْنِي: زالت الشهوة فصارت أربع ديات وهو حي.
(المتن)
رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ وَرَوَى النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا إذَا طُمِسَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا، وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ إذَا قُطِعَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا، وَفِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ إذَا نُزِعَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا» ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ.