شعار الموقع

شرح كتاب الجنايات من سبل السلام_10

00:00
00:00
تحميل
48

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا إنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ, قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ هُوَ صَحِيحٌ، وَلَا يَضُرُّهُ الِاخْتِلَافُ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَفْسِيرًا لِلْحَدِيثِ الَّذِي سَلَفَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَفِيهِ تَغْلِيظُ عَقْلِ الْخَطَإِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ هُنَالِكَ فَبَيَّنَهُ هُنَا.

 وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ «رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هَذِهِ، وَهَذِهِ سَوَاءٌ يَعْنِي الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ, وَلِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ, أَيْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «دِيَةُ الْأَصَابِعِ سَوَاءٌ» هَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ «وَالْأَسْنَانُ سَوَاءٌ» زَادَهُ بَيَانًا بِقَوْلِهِ «الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ»، فَلَا يُقَالُ الدِّيَةُ عَلَى قَدْرِ النَّفْعِ وَالضِّرْسُ أَنْفَعُ فِي الْمَضْغِ وَلِابْنِ حِبَّانَ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «دِيَةُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءٌ عَشْرَةٌ مِنْ الْإِبِلِ لِكُلِّ أُصْبُعٍ» ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا مُسْتَوْفًى.

(الشرح)

الإصبع فيها عشر لغات: إصبِع؛ الهمزة مثلثة والباء مثلثة, فتقول مثلًا: إِصبع, أَصبِع, أُصبع, ثم تَأْتِيَ للباء المثلثة إصبِع, إصبَع, إصبُع, وتأتي بالهمزة: أصبِع, أصبَع, أصبُع, ثم تأتي بضم الهمزة: أُصبِع, أُصبَع, أُصبُع, والعاشر: أصبوع.

(المتن)

(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ قَالَ مَنْ تَطَبَّبَ) أَيْ تَكَلَّفَ الطِّبَّ وَلَمْ يَكُنْ طَبِيبًا كَمَا يَدُلُّ لَهُ صِيغَةُ تَفَعَّلَ «وَلَمْ يَكُنْ بِالطِّبِّ مَعْرُوفًا فَأَصَابَ نَفْسًا فَمَا دُونَهَا، فَهُوَ ضَامِنٌ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرِهِمَا إلَّا أَنَّ مَنْ أَرْسَلَهُ أَقْوَى مِمَّنْ وَصَلَهُ.

الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَضْمِينِ الْمُتَطَبِّبِ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ نَفْسٍ فَمَا دُونَهَا سَوَاءٌ أَصَابَ بِالسِّرَايَةِ أَوْ بِالْمُبَاشَرَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، وَقَدْ ادَّعَى عَلَى هَذَا الْإِجْمَاعَ.

وَفِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ إذَا أَعْنَتَ أَيْ الْمُتَطَبِّبُ كَانَ عَلَيْهِ الضَّرْبُ وَالسَّجْنُ وَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَقِيلَ: عَلَى الْعَاقِلَةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَطَبِّبَ هُوَ مَنْ لَيْسَ لَهُ خِبْرَةٌ بِالْعِلَاجِ وَلَيْسَ لَهُ شَيْخٌ مَعْرُوفٌ وَالطَّبِيبُ الْحَاذِقُ هُوَ مَنْ لَهُ شَيْخٌ مَعْرُوفٌ وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِجَوْدَةِ الصَّنْعَةِ وَإِحْكَامِ الْمَعْرِفَةِ.

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ: إنَّ الطَّبِيبَ الْحَاذِقَ هُوَ الَّذِي يُرَاعِي فِي عِلَاجِهِ عِشْرِينَ أَمْرًا وَسَرَدَهَا هُنَالِكَ. قَالَ: وَالطَّبِيبُ الْجَاهِلُ إذَا تَعَاطَى عِلْمَ الطِّبِّ، أَوْ عَلِمَهُ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ بِهِ مَعْرِفَةٌ، فَقَدْ هَجَمَ بِجَهَالَةٍ عَلَى إتْلَافِ الْأَنْفُسِ وَأَقْدَمَ بِالتَّهَوُّرِ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُهُ فَيَكُونُ قَدْ غَرَّرَ بِالْعَلِيلِ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْمُعَالِجَ إذَا تَعَدَّى فَتَلِفَ الْمَرِيضُ كَانَ ضَامِنًا وَالْمُتَعَاطِي عِلْمًا أَوْ عَمَلًا لَا يَعْرِفُهُ مُتَعَدٍّ، فَإِذَا تَوَلَّدَ مِنْ فِعْلِهِ التَّلَفُ ضَمِنَ الدِّيَةَ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِدُّ بِذَلِكَ دُونَ إذْنِ الْمَرِيضِ وَجِنَايَةُ الطَّبِيبِ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى عَاقِلَتِهِ اهـ. وَأَمَّا إعْنَاتُ الطَّبِيبِ الْحَاذِقِ، فَإِنْ كَانَ بِالسِّرَايَةِ لَمْ يَضْمَنْ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا سِرَايَةُ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَمِنْ جِهَةِ الْمُعَالَجِ وَهَكَذَا سِرَايَةُ كُلِّ مَأْذُونٍ فِيهِ لَمْ يَتَعَدَّ الْفَاعِلُ فِي سَبَبِهِ كَسِرَايَةِ الْحَدِّ وَسِرَايَةِ الْقِصَاصِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

(الشرح)

منه الآن كأن يكتب عَلَى نفسه تعهد إذا جاء المريض يسوي عملية يكتب عَلَى نفسه تعهد, هذا إذن للطبيب, أو توقيع بأنه أذن أن تُعمل له العملية هذا يعتبر إذن, لَكِنْ لو كَانَ الطبيب غير حاذق يضمن, لَكِنْ هذا إذا كَانَ الطبيب حاذق ومعروف في الطب, أما إذا كَانَ يتطبب وليس له علم فَإِنَّهُ يضمن مطلقًا.

(المتن)

فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الضَّمَانَ بِهَا وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ الْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا كَالْحَدِّ وَغَيْرِ الْمُقَدَّرِ كَالتَّعْزِيرِ، فَلَا يَضْمَنُ فِي الْمُقَدَّرِ وَيَضْمَنُ فِي غَيْرِ الْمُقَدَّرِ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الِاجْتِهَادِ، فَهُوَ فِي مَظِنَّةِ الْعُدْوَانِ، وَإِنْ كَانَ الْإِعْنَاتُ بِالْمُبَاشَرَةِ، فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى الْعَاقِلَةِ.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد