شعار الموقع

شرح كتاب الجنايات من سبل السلام_13

00:00
00:00
تحميل
71

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:

اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي ثُبُوتِ الْقَسَامَةِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا وَهُمْ الْجَمَاهِيرُ، فَإِنَّهُمْ أَثْبَتُوهَا وَبَيَّنُوا أَحْكَامَهَا.

وَنَتَكَلَّمُ عَلَى مَسَائِلَ:

الْأُولَى: أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ مِنْ دُونِ شُبْهَةٍ إجْمَاعًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَدَاوُد ثُبُوتُهَا مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ، وَلَا دَلِيلَ لَهُمَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الشُّبْهَةِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الْقَسَامَةُ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الشُّبْهَةَ اللَّوْثَ، وَهُوَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى إقْرَارِ الْمَقْتُولِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي، أَوْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى عَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا، أَوْ تَهْدِيدٍ لَهُ مِنْهُ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

وَمِنْ اللَّوْثِ التَّلَطُّخُ, وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَالْهَادَوِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: وُجُودُ الْمَيِّتِ وَبِهِ أَثَرُ الْقَتْلِ فِي مَحَلٍّ يَخْتَصُّ بِمَحْصُورِينَ تَثْبُتُ بِهِ الْقَسَامَةُ عِنْدَهُمْ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُدَّعِي عَلَى غَيْرِهِمْ قَالُوا: لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ, وَرُدَّ بِأَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ أَصَحُّ مَا وَرَدَ, وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اللَّوْثِ وَحَقِيقَتُهُ شُبْهَةٌ يَغْلِبُ الظَّنُّ بِالْحُكْمِ بِهَا كَمَا فَصَّلَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَهُوَ هُنَا الْعَدَاوَةُ فَلِهَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهَذَا قَسَامَةٌ إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَقْتُولِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ عَدَاوَةٌ كَمَا كَانَ فِي قِصَّةِ خَيْبَرَ.

(الشرح)

يَعْنِي: خصوا اللوث بالعداوة فقط, مالك والشافعي, والقول الثاني: أن اللوث كل شبهة عن جميع الشبه سواء مثلًا عداوة أو وُجد في مكان خاص بهم, أو شهد صبيان أو شهد نساء, أو شهد كفار, هَذِه تصير شبهة  لِأَنَّهُ ما تُقبل شهادة الصبيان ولا النساء ولا الكفار.

(المتن)

قَالُوا: فَإِنَّهُ يَقْتُلُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَيُلْقِيهِ فِي مَحَلِّ طَائِفَةٍ لِيُنْسَبَ إلَيْهِمْ.

وَقَدْ عَدُّوا مِنْ صُوَرِ اللَّوْثِ قَوْلَ الْمَقْتُولِ قَبْلَ وَفَاتِهِ قَتَلَنِي فُلَانٌ.

وَقَالَ مَالِكٌ إنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ، أَوْ يَقُولُ جَرَحَنِي وَيَذْكُرُ الْعَمْدَ وَادَّعَى مَالِكٌ أَنَّهُ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. وَرَدَّهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ غَيْرُهُ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ اللَّيْثُ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِقِصَّةِ بَقَرَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَإِنَّهُ أَحْيَا الرَّجُلَ وَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مُعْجِزَةٌ لِنَبِيٍّ وَتَصْدِيقُهَا قَطْعِيٌّ.

قُلْت: وَلِأَنَّهُ أَحْيَاهُ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعَيَّنَ قَاتِلَهُ، فَإِذَا أَحْيَا اللَّهُ مَقْتُولًا بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَيَّنَ قَاتِلَهُ قُلْنَا بِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَبَدًا.

(الشرح)

قَالَ الله تعالى: «إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون» ما أحد يرجع إِلَى الدنيا, لَكِنْ هذا أحياه الله معجزة ثم عاد ميتًا كما كَانَ.

(المتن)

وَاحْتَجَّ أَصْحَابُهُ بِأَنَّ الْقَاتِلَ يَطْلُبُ غَفْلَةَ النَّاسِ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُ الْمَجْرُوحِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى إبْطَالِ الدِّمَاءِ غَالِبًا وَلِأَنَّهَا حَالَةٌ يَتَحَرَّى فِيهَا الْمَجْرُوحُ الصِّدْقَ وَيَتَجَنَّبُ الْكَذِبَ وَالْمَعَاصِيَ وَيَتَحَرَّى التَّقْوَى وَالْبِرَّ فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذِهِ الِاسْتِدْلَالَاتِ، وَقَدْ عَدُّوا صُوَرَ اللَّوْثِ مَبْسُوطَةً فِي كُتُبِهِمْ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَتْلِ وَكُلٌّ عَلَى أَصْلِهِ تَثْبُتُ دَعْوَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ الْقَسَامَةَ فَتَثْبُتُ أَحْكَامُهَا، فَمِنْهَا الْقِصَاصُ عِنْدَ كَمَالِ شُرُوطِهَا لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «تَسْتَحِقُّونَ قَتِيلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ» وَقَوْلُهُ (دَمَ صَاحِبِكُمْ) فِي لَفْظِ مُسْلِمٍ " يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ "، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ " إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ الْحَدِيثَ " يُشْعِرُ بِعَدَمِ الْقِصَاصِ إلَّا أَنَّ هَذَا التَّصْرِيحَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَقْوَى فِي الْقَوْلِ بِالْقِصَاصِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ ثَبَتَ الْقَوَدُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى جَمَاعَةٍ حَلَفُوا وَثَبَتَتْ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا، فَإِنَّ الْأَيْمَانَ لَازِمَةٌ لِلْوَرَثَةِ ذُكُورًا كَانُوا، أَوْ إنَاثًا عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

(الشرح)

الصواب: أَنَّه خاص بالذكور, وأنه إذا حلفوا خمسين يمينًا عَلَى شخص دُفع إليهم وليس هناك دية, فإذا امتنعوا فإنها تُرد الأيمان عَلَى المدعى عَلَيْهِمْ فإذا حلفوا برئوا.

(المتن)

وَمِنْهَا أَنْ يُبْدَأَ بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ فِي الْقَسَامَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الدَّعَاوَى كَمَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا فِي الْقَسَامَةِ» وَفِي إسْنَادِهِ لِينٌ إلَّا أَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ قَالُوا وَلِأَنَّ جَنْبَةَ الْمُدَّعِي إذَا قَوِيَتْ بِشَهَادَةٍ.

(الشرح)

يَعْنِي: جانبه.

(المتن)

أَوْ شُبْهَةٍ صَارَتْ الْيَمِينُ لَهُ وَهُنَا الشُّبْهَةُ قَوِيَّةٌ فَصَارَ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ مُشَابِهًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُتَأَيَّدِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ.

وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِينَ فَيَحْلِفُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ مَا قَتَلْنَاهُ، وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلَهُ وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْبُخَارِيُّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ اخْتَلَفَتْ فِي ذَلِكَ فِي قِصَّةِ الْأَنْصَارِ وَيَهُودِ خَيْبَرَ فَيُرَدُّ الْمُخْتَلَفُ إلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَدُّعِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفُوا فَهَلْ تَلْزَمُهُمْ الدِّيَةُ أَمْ لَا.

(الشرح)

الأحناف ما يحلفون ضد المطالبون إِنَّمَا يحلف المدعى عَلَيْهِمْ والمتهمون.

(المتن)

وذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّهَا تَلْزَمُهُمْ الدِّيَةُ بَعْدَ الْأَيْمَانِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُمْ إذَا حَلَفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا بَرِئُوا، وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ قِصَّةُ أَبِي طَالِبٍ الْآتِيَةُ وَاسْتَدَلَّ الْجَمَاعَةُ الْمَذْكُورَةُ وَمَنْ مَعَهُمْ فِي إيجَابِ الدِّيَةِ بِأَحَادِيثَ لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ رَفْعِهَا عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ. وَقَوْلُهُ (فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ) وَفِي لَفْظِ (أَنَّهُ وَدَاهُ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ) فَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ اقْتَرَضَهَا مِنْهَا، وَأَنَّهُ لَمَّا تَحَمَّلَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْإِصْلَاحِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْقَضَاءِ عَنْ الْغَارِمِ لِمَا غَرِمَهُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَلَمْ يَأْخُذْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَهُ وَلَكِنْ جَرَى إعْطَاءُ الدِّيَةِ مِنْهَا مَجْرَى إعْطَائِهَا فِي الْغُرْمِ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبِينِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى ذَلِكَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ، فَلَا يَصِحُّ، فَإِنَّ غَارِمَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ كَذَا قِيلَ.

(الشرح)

والصواب: أن هذا من بيت المال وأن ولي الْأَمْرِ يدفعه من بيت المال من باب الإصلاح إذا كَانَ فيهِ سعة.

(المتن)

قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْيَهُودَ لَمْ تَلْزَمْهُمْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعُونَ كَمَا عَرَفْت فَمَا وَدَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا تَبَرُّعًا مِنْهُ لِئَلَّا يُهْدِرَ دَمَهُ.

(الشرح)

يَعْنِي: لئلا يضيع دم القتيل, دفعها  لِأَنَّهُم أبوا أن يحلفوا وأبوا أن يقبلوا أيمان الكفار, فدفعها من باب الإصلاح.

(المتن)

وَأَمَّا رِوَايَةُ النَّسَائِيّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَهَا عَلَى الْيَهُودِ وَأَعَانَهُمْ بِبَعْضِهَا، فَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، فَإِنَّ الدِّيَةَ لَا تَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْقَتِيلِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إقْرَارٍ، أَوْ بَيِّنَةٍ، أَوْ أَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ عَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُدَّعِينَ أَنْ يَحْلِفُوا فَأَبَوْا فَكَيْفَ يُلْزِمُ الْيَهُودَ بِالدِّيَةِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى انْتَهَى.

(الشرح)

هذا الصواب: أن اليهود ما أُلزموا بشيء, والحديث صريح وهو متفق عليه؛ لان النَّبِيِّ r دفعهم من عنده من إبل الصدقة.

(المتن)

قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُكْمٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَامَةِ أَصْلًا كَمَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ، وَإِنَّمَا دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى حِكَايَةٍ لِلْوَاقِعِ لَا غَيْرُ وَذَكَرَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِصَّةَ الْحُكْمِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ, وَمِنْ ثَمَّ كَتَبَ إلَى يَهُودَ بَعْدَ أَنْ دَارَ بَيْنَهُمْ الْكَلَامُ الْمَذْكُورُ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ.

وَقَوْلُهُ (فَكَتَبُوا وَاَللَّهِ مَا قُلْنَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْمُكَاتَبَةِ وَبِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ إمْكَانِ الْمُشَافَهَةِ.

فَائِدَةٌ: اخْتَارَ مَالِكٌ إجْرَاءَ هَذِهِ الدَّعْوَى فِي الْأَمْوَالِ فَأَجَازَ شَهَادَةَ الْمَسْلُوبِينَ عَلَى السَّالِبِينَ، وَإِنْ كَانُوا مُدَّعِينَ قَالَ: لِأَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَ الْغَفْلَةِ وَالِانْفِرَادِ عَنْ النَّاسِ انْتَهَى، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَتِمُّ هَذَا إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بِالْقَسَامَةِ وَعَرَّفْنَاك هُنَا عَدَمَ نُهُوضِ ذَلِكَ وَسَنَزِيدُهُ بَيَانًا عَنْ قَرِيبٍ.

(الشرح)

عجيب الشارح, قَالَ: «تحلفون خمسين يمينًا» هذا حُكم, «وتستحقون دم صاحبكم؟ قالوا: لا» في لفظ أنهم قالوا: «لم نرى ولم نشهد, قَالَ: تبرئكم يهود بخمسين يمينًا؟ قالوا: أيمان قومٍ كفار» هذا واضح أَنَّه حكم, وَلَكِن لما لم يقبلوا دفع النَّبِيِّ r الدية من بيت المال.

(المتن)

وَإِذَا ثَبَتَ فَهَذَا قِيَاسٌ مِنْ مَالِكٍ مُصَادِمٌ لِنَصِّ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ».

(الشرح)

مالك قاس عَلَى القسامة مثلًا قطاع الطريق, إذا سلبوا من أشخاص أموال يحلفون عَلَى فلان أنه قطع الطريق قياس.

(المتن)

إلَّا أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُهُ جَوَازَ تَخْصِيصِ عُمُومِ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ وَلِلْعُلَمَاءِ كَلَامٌ فِي حُجِّيَّةِ الْعَامِّ بَعْدَ تَخْصِيصِهِ.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد