شعار الموقع

شرح كتاب الجنايات من سبل السلام_15

00:00
00:00
تحميل
59

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:

بَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ.

الْبَغْيُ مَصْدَرُ بَغَى عَلَيْهِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بَغْيًا بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ عَلَا وَظَلَمَ وَعَدَلَ عَنْ الْحَقِّ، وَلَهُ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ وَذَكَرَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيَّ هُنَا وَسَاقَهُ عَلَى اصْطِلَاحِ الْهَادَوِيَّةِ، وَقَدْ أَبَنَّا مَا فِيهِ فِي حَوَاشِي ضَوْءِ النَّهَارِ وَلَمْ نَذْكُرْ هُنَا لِعَدَمِ انْطِبَاقِ الْأَحَادِيثِ عَلَيْهِ.

عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

أَيْ مَنْ حَمَلَهُ لِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ كُنِيَ بِحَمْلِهِ عَنْ الْمُقَاتَلَةِ إذْ الْقَتْلُ لَازِمٌ لِحَمْلِ السَّيْفِ فِي الْأَغْلَبِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا كِنَايَةَ فِيهِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ حَمْلُهُ حَقِيقَةً لِإِرَادَةِ الْقِتَالِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ عَلَيْنَا, وَقَوْلُهُ (فَلَيْسَ مِنَّا) تَقَدَّمَ بَيَانُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ عَلَى طَرِيقَتِنَا وَهَدْيِنَا، فَإِنَّ طَرِيقَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصْرُ الْمُسْلِمِ وَالْقِتَالُ دُونَهُ لَا تَرْوِيعُهُ وَإِخَافَتُهُ وَقِتَالُهُ.

(الشرح)

لَكِنْ هذا عند أهل العلم لا يُفسر, يُترك عَلَى حاله ليكون أبلغ في الزجر, هذا يُترك وَلَكِن يُبين معناه لأهل العلم وطلبة العلم وأما العامة فلا يُفسر لهم, ويُترك عَلَى حاله ليفيد الزجر والتنفير من هذا العمل.

(المتن)

وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُسْتَحِلِّ فَإِنْ اسْتَحَلَّ الْقِتَالَ لِلْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِاسْتِحْلَالِهِ الْمُحَرَّمِ الْقَطْعِيِّ.

(الشرح)

 لِأَنَّهُ أنكر أمرًا معلوم من الدين بالضرورة, والمسلم معصوم الدم, هذا معروف من الدين بالضرورة, إذا استحل دم اَلْمُسْلِم كفر.

(المتن)

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ قِتَالِ الْمُسْلِمِ وَالتَّشْدِيدِ فِيهِ, وَأَمَّا قِتَالُ الْبُغَاةِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ خَارِجٌ مِنْ عُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ عَنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَمَاتَ فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَصْدَرٌ نَوْعِيٌّ جَاهِلِيَّةٌ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ, قَوْلُهُ عَنْ الطَّاعَةِ أَيْ طَاعَةِ الْخَلِيفَةِ الَّذِي وَقَعَ الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ خَلِيفَةُ أَيِّ قُطْرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ إذْ لَمْ يُجْمِعْ النَّاسُ عَلَى خَلِيفَةٍ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْ أَثْنَاءِ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ بَلْ اسْتَقَلَّ أَهْلُ كُلِّ إقْلِيمٍ بِقَائِمٍ بِأُمُورِهِمْ.

(الشرح)

لِأَنّ بعد الدولة العباسية صار هناك أكثر من دولة, تعدد الدول, وأما في الدول الأموية والدول العباسية ما في إِلَّا خليفة واحد, هارون الرشيد يروى عنه أَنَّه يقول للسحابة: أمطري حيث شئتِ فسيأتينني خراجك, اشتد الخلاف وكثر التفرق بعد سقوط الدولة العثمانية وصارت دويلات كما ترون الآن, كل دويلة لها حاكم, لَكِنْ كل قطر الآن له حاكم, ومن تَحْتَ ولاية هذا الحاكم عليه أن يطيع ولي الْأَمْرِ في طاعة الله, وعليه ألا يشق عصا الطاعة ويتعاون معه في الخير.

(المتن)

إذْ لَوْ حُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى خَلِيفَةٍ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ لَقَلَّتْ فَائِدَتُهُ.

(الشرح)

وهذا قد يكون فيهِ شبهة لبعض الناس وبعض ضعفاء البصيرة, اللي يخرج عَلَى ولي الْأَمْرِ يقول: ما اجتمع الناس عليه, يقول: ما يَجِبُ طاعته حتى يكون خليفة عام لأهل الأرض كلهم وهذا ما يمكن الآن.

(المتن)

وَقَوْلُهُ: (وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ) أَيْ خَرَجَ عَنْ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ اتَّفَقُوا عَلَى طَاعَةِ إمَامٍ انْتَظَمَ بِهِ شَمْلُهُمْ وَاجْتَمَعَتْ بِهِ كَلِمَتُهُمْ وَحَاطَهُمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ.

قَوْلُهُ: (فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ) أَيْ مَنْسُوبَةٌ إلَى أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ تَشْبِيهٌ لِمِيتَةِ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ بِمَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ بِجَامِعِ أَنَّ الْكُلَّ لَمْ يَكُنْ تَحْتَ حُكْمِ إمَامٍ، فَإِنَّ الْخَارِجَ عَنْ الطَّاعَةِ كَأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا إمَامَ لَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا فَارَقَ أَحَدٌ الْجَمَاعَةَ وَلَمْ يَخْرُجْ عَلَيْهِمْ، وَلَا قَاتَلَهُمْ أَنَّا لَا نُقَاتِلُهُ لِنَرُدَّهُ إلَى الْجَمَاعَةِ وَيُذْعِنَ لِلْإِمَامِ بِالطَّاعَةِ بَلْ نُخَلِّيهِ وَشَأْنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِهِ بَلْ أَخْبَرَ عَنْ حَالِ مَوْتِهِ، وَأَنَّهُ كَأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا ثَبَتَ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْخَوَارِجِ " كُونُوا حَيْثُ شِئْتُمْ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا تَسْفِكُوا دَمًا حَرَامًا، وَلَا تَقْطَعُوا سَبِيلًا، وَلَا تَظْلِمُوا أَحَدًا، فَإِنْ فَعَلْتُمْ نَفَذْت إلَيْكُمْ بِالْحَرْبِ "، وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْهُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ, أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ فَوَاَللَّهِ مَا قَتَلَهُمْ حَتَّى قَطَعُوا السَّبِيلَ وَسَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْخِلَافِ عَلَى الْإِمَامِ لَا يُوجِبُ قِتَالَ مَنْ خَالَفَهُ.

(الشرح)

هذا ما له أثر, يَعْنِي: ينعزل وحده ما دام أَنَّه ما عمل شيء ولا قاتل الإمام؟ ما يعتبر خروج الآن, كونه يعتزل وحده ليس بظاهر.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد