شعار الموقع

شرح كتاب الجنايات من سبل السلام_18

00:00
00:00
تحميل
47

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:

بَابُ قِتَالِ الْجَانِي وَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ, وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُقَاتَلَةِ لِمَنْ قَصَدَ أَخْذَ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ قَلِيلًا كَانَ الْمَالُ، أَوْ كَثِيرًا، وَهَذَا قَوْلُ الْجَمَاهِيرِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ عَلَى أَخْذِ الْقَلِيلِ مِنْ الْمَالِ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: سَبَبُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ هَلْ الْقِتَالُ لِدَفْعِ الْمُنْكَرِ، فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، أَوْ مِنْ بَابِ دَفْعِ الضَّرَرِ فَيَخْتَلِفُ الْحَالُ فِي ذَلِكَ؟ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ، أَوْ نَفْسُهُ، أَوْ حَرِيمُهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الدَّفْعُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَوَدٌ، وَلَا دِيَةٌ، وَلَا كَفَّارَةٌ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصِدَ الْقَتْلَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.

(الشرح)

لَكِنْ عليه البينة, لو قتل شخص الآن وادعى أَنَّه صال عليه لابد من بينة, إذا ثبت بالبينة أَنَّه صال عليه فلا شيء عليه وإلا فَإِنَّهُ يُقتص منه؛  لِأَنَّهُ قد يقتل بعض الناس شخصًا ويدعي يقول: صال عليَ, هات الدليل وأثبت أنه صال عليك, لابد من البينة وإلا تكون المسألة فوضى.

(المتن)

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْفَعَ عَمَّا ذُكِرَ إذَا أُرِيدَ ظُلْمًا بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ، إلَّا أَنَّ كُلَّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ السُّلْطَانِ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ.

(الشرح)

يَعْنِي: السلطان إذا أراد أن يأخذ مال شخص ما يقاتل السلطان, السلطان مستثنى ما يُقاتل؛ لِأَنّ هذا خروج عليه, ويؤيده ما جاء في الحديث: «اصبر وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك» السلطان مستثنى.

(المتن)

وَتَرْكِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ, وَفَرَّقَ الْأَوْزَاعِيُّ بَيْنَ الْحَالِ الَّتِي لِلنَّاسِ فِيهَا جَمَاعَةٌ وَإِمَامٌ فَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَيْهَا. وَأَمَّا فِي حَالِ الْخِلَافِ وَالْفُرْقَةِ فَلْيَسْتَسْلِمْ، وَلَا يُقَاتِلْ أَحَدًا.

قُلْت: وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ «أَرَأَيْت إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ قَالَ أَرَأَيْت إنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ قَاتِلْهُ. قَالَ: أَرَأَيْت إنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ قَالَ أَرَأَيْت إنْ قَتَلْته؟ قَالَ: فَهُوَ فِي النَّارِ» وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ إطْلَاقُ الْأَحْوَالِ.

قُلْت: هَذَا فِي جَوَازِ قِتَالِ مَنْ يَأْخُذُ الْمَالَ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَيْ لِمَنْ يُرَادُ أَخْذُ مَالِهِ ظُلْمًا الِاسْتِسْلَامُ وَتَرْكُ الْمَنْعِ بِالْقِتَالِ؟ الظَّاهِرُ جَوَازُهُ. وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ «فَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ» فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِسْلَامِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ بِالْأَوْلَى فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ هُنَا، وَلَا تُعْطِهِ عَلَى أَنَّهُ نَهْيٌ لِغَيْرِ التَّحْرِيمِ.

وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «قَاتَلَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ رَجُلًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ فَاخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ» بِفَتْحِ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَاضِيهِ عَضِضَ بِكَسْرِ الضَّادِ الْأُولَى يَعْضَضُ بِفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ فَأُدْغِمَتْ وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إلَى مَا قَبْلَهَا (أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ) أَيْ الذَّكَرُ مِنْ الْإِبِلِ (لَا دِيَةَ لَهُ, مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ) .

اُخْتُلِفَ فِي الْعَاضِّ وَالْمَعْضُوضِ مِنْهُمَا، فَقَالَ الْحَافِظُ: الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ أَنَّ الْمَعْضُوضَ أَجِيرُ يَعْلَى لَا يَعْلَى قِيلَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ يَعْلَى هُوَ الْعَاضُّ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ الَّتِي وَقَعَتْ لِأَجْلِ الدَّفْعِ عَنْ الضَّرَرِ تُهْدَرُ، وَلَا دِيَةَ عَلَى الْجَانِي وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَقَالُوا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّائِلِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ شَهَرَ عَلَى آخَرَ سِلَاحًا لِقَتْلِهِ فَدَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ فَقَتَلَ الشَّاهِرَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالُوا: وَلَوْ جَرَحَهُ الْمَعْضُوضُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ مِنْ بَدَنِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَشَرْطُ الْإِهْدَارِ أَنْ يَتَأَلَّمَ الْمَعْضُوضُ، وَأَنْ لَا يُمْكِنَهُ تَخْلِيصُ يَدِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ضَرْبِ شِدْقِهِ، أَوْ فَكِّ لَحْيَيْهِ لِيُرْسِلَهُمَا وَمَهْمَا أَمْكَنَ التَّخَلُّصُ بِدُونِ ذَلِكَ فَعَدَلَ عَنْهُ إلَى الْأَثْقَلِ لَمْ يُهْدَرْ وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُهْدَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَدَلِيلُ شَرْطِ الْإِهْدَارِ بِمَا ذُكِرَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ فِي الشَّرْعِ وَإِلَّا، فَلَا يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ، فَإِنْ كَانَ الْعَضُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْبَدَنِ جَرَى فِيهِ هَذَا الْحُكْمُ قِيَاسًا.

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد