شعار الموقع

شرح كتاب الجنايات من سبل السلام_20

00:00
00:00
تحميل
68

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:

اسْتِتَابَة الْمُرْتَدِّ.

وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَجُلٍ أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

(الشرح)

يَعْنِي معاذ يقول: هذا قضاء الله ورسوله, (لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) والمبادرة بقتل المرتد, كَانَ راكبًا  فَقَالَ: لا أجلس, جاء لزيارته, وهذا الرجل المرتد في الوثاق موثوق يديه ورجليه وأُعد للقتل,  فَقَالَ: ما هذا؟ قالوا: هذا رجل تهود جيء بِهِ للقتل, قَالَ: لا أجلس حتى تُضرب عنقه الآن, قالوا: ما جئنا بِهِ إلا ليُقتل, قَالَ: لا أجلس حتى ينفذ فيهِ الحد الآن, فضُربت عنقه قبل أن يجلس, هكذا القوة في الحق والمسارعة في تنفيذ الأحكام, وهذا والحمد لله عندنا في المملكة الآن تقام الحدود ثم يُعلن عنها, وليس في تأخر, لَكِنْ بعض الدول الأخرى يعلنون عنها ويتركونه مدة ثم يأتي مطالبات وكذا ويؤخر ويحاكم ثم يُترك, لَكِنْ مما يُحمد عندنا أَنَّه يقام الحد ثم يُعلن عنه, وليس هناك مجال للشفاعات ولا للتأخر.

(المتن)

جُوِّزَ فِي قَضَاءٍ رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَنَصْبُهُ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ حُذِفَ فِعْلُهُ، وَهُوَ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَسَيَأْتِي مَنْ خَرَّجَهُ (فَأُمِرَ بِهِ فَقُتِلَ, مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَكَانَ اُسْتُتِيبَ قَبْلَ ذَلِكَ) .

الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ قَتْلُ الْمُرْتَدِّ، وَهُوَ إجْمَاعٌ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ هَلْ تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ قَبْلَ قَتْلِهِ، أَوْ لَا؟ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى وُجُوبِ الِاسْتِتَابَةِ لِمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد هَذِهِ وَلَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَدَعَاهُ أَبُو مُوسَى عِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا وَجَاءَ مُعَاذٌ فَدَعَاهُ فَأَبَى فَضَرَبَ عُنُقَهُ.

وَذَهَبَ الْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَآخَرُونَ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ، وَأَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْحَالِ مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» يَعْنِي وَالْفَاءُ تُفِيدُ التَّعْقِيبَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلِأَنَّ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ حُكْمُ الْحَرْبِيِّ الَّذِي بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ، فَإِنَّهُ يُقَاتَلُ مِنْ دُونِ أَنْ يُدْعَى.

(الشرح)

الحربي يَعْنِي: المحارب الذي بلغته الدعوة ما يحتاج يُدعى, ولهذا فَإِن النَّبِيِّ r أغار عَلَى بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تُسقى عَلَى الماء  لِأَنَّهُ بلغتهم الدعوة, وإن كرر الدعوة وبلغهم فله وجه أيضًا كما قَالَ النَّبِيِّ r لعلي بْنُ أبي طالب لما أعطاه الراية يوم خيبر قَالَ: «ثم ادعهم إِلَى الإسلام» وأهل خيبر قد بلغتهم الدعوة, فهذا من باب الاستحباب, وإن قاتلهم بدون تبليغ لِأَنّ الدعوة قد بلغتهم فلا حرج, من بلغته الدعوة لا يَجِبُ تبليغه مرة أخرى, وأما من لم تبلغه الدعوة فلابد أن يُبلغ ويدعون أولًا فَإِن قبلوا فالحمد لله وإن لم يقبلوا قُتلوا.

(المتن)

قَالُوا: وَإِنَّمَا شُرِعَتْ الدَّعْوَةُ لِمَنْ خَرَجَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَا عَنْ بَصِيرَةٍ, وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ عَنْ بَصِيرَةٍ فَلَا.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ إنْ كَانَ أَصْلُهُ مُسْلِمًا لَمْ يُسْتَتَبْ وَإِلَّا اُسْتُتِيبَ نَقَلَهُ عَنْهُمَا الطَّحَاوِيُّ. ثُمَّ لِلْقَائِلِينَ بِالِاسْتِتَابَةِ خِلَافٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَكْفِي مَرَّةً، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثٍ فِي مَجْلِسٍ، أَوْ فِي يَوْمٍ، أَوْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؟ وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُسْتَتَابُ شَهْرًا.

(الشرح)

هَذِه أقوال عَلَى كل حال, وكما سبق الجمهور عَلَى الاستتابة, وآخرون من أهل العلم إِلَى أَنَّه لا يُستتاب وهذا عند المحققين في أنواع ممن يَجِبُ قتله, قالوا: المرتد, ومن تكررت ردته, والساب لله ورسوله, والمستهزئ, والساحر, قالوا: هؤلاء لا يستتابون  لِأَنَّهُم يشجعون الناس عَلَى مثل هذا الكفر الغليظ, وما عداهم فإنهم يستتابون والجمهور عَلَى الاستتابة, وعلى كل حال الحاكم الشرعي له اجتهاده في هَذِه الأقوال.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد