شعار الموقع

شرح كتاب الجنايات من سبل السلام_21

00:00
00:00
تحميل
71

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ, الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ عَامٌّ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْأَوَّلُ إجْمَاعٌ, وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ.

ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ الْمُرْتَدَّةُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَنْ هُنَا تَعُمُّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَلِأَنَّهُ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَاوِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ "تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ الْمُرْتَدَّةُ " وَلِمَا أَخْرَجَهُ هُوَ وَالدَّارَقُطْنِيّ" أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَتَلَ امْرَأَةً مُرْتَدَّةً فِي خِلَافَتِهِ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ "، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَخْرَجَ أَيْضًا حَدِيثًا مَرْفُوعًا فِي قَتْلِ الْمَرْأَةِ وَلَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ «خَالِدٍ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَيُّمَا رَجُلٍ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَادْعُهُ، فَإِنْ عَادَ وَإِلَّا فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَادْعُهَا، فَإِنْ عَادَتْ وَإِلَّا فَاضْرِبْ عُنُقَهَا» وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَهُوَ نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهَا لَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ إذَا ارْتَدَّتْ قَالُوا؛ لِأَنَّهُ قَدْ «وَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ لَمَّا رَأَى امْرَأَةً مَقْتُولَةً، وَقَالَ مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ عَنْ قَتْلِ الْكَافِرَةِ الْأَصْلِيَّةِ كَمَا وَقَعَ فِي سِيَاقِ قِصَّةِ النَّهْيِ فَيَكُونُ النَّهْيُ مَخْصُوصًا بِمَا فُهِمَ مِنْ الْعِلَّةِ، وَهُوَ لَمَّا كَانَتْ لَا تُقَاتِلُ فَالنَّهْيُ عَنْ قَتْلِهَا إنَّمَا هُوَ لِتَرْكِهَا الْمُقَاتَلَةَ فَكَانَ ذَلِكَ فِي دِينِ الْكُفَّارِ الْأَصْلِيِّينَ الْمُتَحَزَّبِينَ لِلْقِتَالِ وَبَقِيَ عُمُومُ قَوْلِهِ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ وَأَيَّدَتْهُ الْأَدِلَّةُ الَّتِي سَلَفَتْ.

وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ إطْلَاقُ التَّبْدِيلِ فَيَشْمَلُ مَنْ تَنَصَّرَ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَهُودِيًّا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَدْيَانِ الْكُفْرِيَّةِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَدْيَانِ الَّتِي تُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ أَمْ لَا لِإِطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ وَخَالَفَتْ الْحَنَفِيَّةُ فِي ذَلِكَ، وَقَالُوا لَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا تَبْدِيلَ الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. قَالُوا: وَإِطْلَاقُ الْحَدِيثِ مَتْرُوكٌ اتِّفَاقًا فِي حَقِّ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ مَعَ تَنَاوُلِ الْإِطْلَاقِ لَهُ وَبِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَالْمُرَادُ مَنْ بَدَّلَ دِينَ الْإِسْلَامِ بِدِينٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ خَالَفَ دِينُهُ دِينَ الْإِسْلَامِ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» فَصَرَّحَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ فَيَنْهَاهَا، فَلَا تَنْتَهِي فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ أَخَذَ الْمِعْوَلَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَفَتْحِ الْوَاوِ فَجَعَلَهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَلَا اشْهَدُوا، فَإِنَّ دَمَهَا هَدَرٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.

الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُهْدَرُ دَمُهُ، فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا كَانَ سَبُّهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِدَّةً فَيُقْتَلُ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ أَنَّهُ يُسْتَتَابُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ.

وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ اللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُ يُقْتَلُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ وَعَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُعَزَّرُ الْمُعَاهَدُ، وَلَا يُقْتَلُ وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتُلْ الْيَهُودَ الَّذِي قَالُوا السَّامُّ عَلَيْك، وَلَوْ كَانَ هَذَا مِنْ مُسْلِمٍ لَكَانَ رِدَّةً وَلِأَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ أَشَدُّ مِنْ السَّبِّ.

قُلْت يُؤَيِّدُهُ أَنَّ كُفْرَهُمْ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَيُّ سَبٍّ أَفْحَشُ مِنْ هَذَا، وَقَدْ أَقَرُّوا عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا النَّصَّ فِي حَدِيثِ الْأَمَةِ يُقَاسُ عَلَيْهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ.

وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ دِمَاءَهُمْ إنَّمَا حُقِنَتْ بِالْعَهْدِ وَلَيْسَ فِي الْعَهْدِ أَنَّهُمْ يَسُبُّونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ سَبَّهُ مِنْهُمْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ فَيَصِيرُ كَافِرًا بِلَا عَهْدٍ فَيُهْدَرُ دَمُهُ، فَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ أَنَّ عَهْدَهُمْ تَضَمَّنَ إقْرَارَهُمْ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَعْظَمُ سَبٍّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: يُخَصُّ مِنْ بَيْنِ غَيْرِهِ مِنْ السَّبِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الشرح)

ويؤيد العموم حديث اِبْن مسعود رضي الله عنه: «لا يحل دم امرئ مسلم إِلَّا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني, والنفس بالنفس, والتارك لدينه المفارق للجماعة» وهو المرتد وهذا عام يشمل المرأة والرجل, وهذا الحديث رواه البخاري في الصحيح, هذا أيضًا كذلك حجة للجمهور وفيه الرد عَلَى الأحناف, التارك لدينه المفارق للجماعة مطلقًا ذكرًا أو أنثى يُقتل.

 

 

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد