شعار الموقع

شرح كتاب الحدود من سبل السلام_14

00:00
00:00
تحميل
54

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:

اشْتِرَاطُ الْحِرْزِ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ التَّمْرِ الْمُعَلَّقِ فَقَالَ: مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً» بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ فَنُونٍ وَهُوَ مِعْطَفُ الْإِزَارِ وَطَرَفُ الثَّوْبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، «وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْغَرَامَةُ وَالْعُقُوبَةُ. وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينَ هُوَ مَوْضِعُ التَّمْرِ الَّذِي يُجَفَّفُ فِيهِ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ».

(الشرح)

الجرين: هو الحرز الذي فيهِ التمر, إذا وُضع في الجرين وأُغلق عليه ثم أخذه من الجرين هذا يعتبر أخذه من حرز.

(المتن)

أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ, قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: الْمُرَادُ بِالتَّمْرِ الْمُعَلَّقِ مَا كَانَ مُعَلَّقًا فِي النَّخْلِ قَبْلَ أَنْ يُجَذَّ وَيُجْرَنَ وَالتَّمْرُ اسْمٌ جَامِعٌ لِلرَّطْبِ وَالْيَابِسِ مِنْ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَغَيْرِهِمَا.

وَفِي الْحَدِيثِ مَسَائِلُ:

الْأُولَى: أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْمُحْتَاجُ بِفِيهِ لِسَدِّ فَاقَتِهِ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ.

(الشرح)

يَعْنِي: لا ذنب عليه ولا عقوبة ولا غرامة, هو مباح.

(المتن)

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَإِنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يُجَذَّ وَيُؤْوِيَهُ الْجَرِينَ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْجَذِّ فَعَلَيْهِ الْغَرَامَةُ وَالْعُقُوبَةُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَطْعِ وَإِيوَاءِ الْجَرِينِ لَهُ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ مَعَ بُلُوغِ الْمَأْخُوذِ النِّصَابَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْجَرِينَ حِرْزٌ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ إذْ لَا قَطْعَ إلَّا مِنْ حِرْزٍ كَمَا يَأْتِي.

(الشرح)

والحديث يدل عَلَى أَنَّه حرز.

(المتن)

الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ أَجْمَلَ فِي الْحَدِيثِ الْغَرَامَةَ وَالْعُقُوبَةَ وَلَكِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ تَفْسِيرَهَا بِأَنَّهَا غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَبِأَنَّ الْعُقُوبَةَ جَلَدَاتٌ نَكَالًا.

(الشرح)

مثليه: يَعْنِي مرتين, يُغرم مرتين, فإذا كَانَ ثمنها مثلًا مائة يُغرم مائتين, وإذا كَانَ ثمنها خمسمائة يُغرم ألف.

(المتن)

وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ هَذَا عَلَى جَوَازِ الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ، فَإِنَّ غَرَامَةَ مِثْلَيْهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ وَقَدْ أَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ: لَا تُضَاعَفُ الْغَرَامَةُ عَلَى أَحَدٍ فِي شَيْءٍ إنَّمَا الْعُقُوبَةُ فِي الْأَبْدَانِ لَا فِي الْأَمْوَالِ، وَقَالَ هَذَا مَنْسُوخٌ وَالنَّاسِخُ لَهُ «قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ بِاللَّيْلِ أَنَّ مَا أَتْلَفَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ» أَيْ مَضْمُونٌ عَلَى أَهْلِهَا، قَالَ: وَإِنَّمَا يَضْمَنُونَهُ بِالْقِيمَةِ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي حَدِيثِ بَهْزٍ فِي الزَّكَاةِ.

(الشرح)

في الزَّكَاة ما يدل عَلَى هذا في حديث: «إنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا» من منع الزَّكَاة يعاقب بأن يؤخذ منه زيادة, هذا يدل عَلَى أن العقوبة بالمال جائزة, والصواب: أنها لا بأس بالعقوبة بالمال؛ لِأَنَّهَا جاء في الزَّكَاة وفي السرقة هنا.

(المتن)

الرَّابِعَةُ: أُخِذَ مِنْهُ اشْتِرَاطُ الْحِرْزِ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينَ» وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ فَإِذَا آوَاهُ الْجَرِينَ أَوْ الْمُرَاحَ فَالْقَطْعُ فِيمَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ.

(الشرح)

ثمن المجن كما سبق ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم من الفضة, والأصل الذهب كما سبق.

(المتن)

 قَالُوا: وَالْإِحْرَازُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِ السَّرِقَةِ فَإِنَّ السَّرِقَةَ وَالِاسْتِرَاقَ هُوَ الْمَجِيءُ مُسْتَتِرًا فِي خُفْيَةٍ لِأَخْذِ مَالِ غَيْرِهِ مِنْ حِرْزٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَغَيْرِهِ، فَالْحِرْزُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِ السَّرِقَةِ لُغَةً وَلِذَا لَا يُقَالُ لِمَنْ خَانَ أَمَانَتَهُ: سَارِقٌ، هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ؛ وَذَهَبَتْ الظَّاهِرِيَّةُ وَآخَرُونَ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ؛ إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحِرْزُ مَأْخُوذًا فِي مَفْهُومِ السَّرِقَةِ فَلَا إطْلَاقَ فِي الْآيَةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ حَرِيسَةَ الْجَبَلِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَفْتُوحَةً فَرَاءٍ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ فَسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَالْجَبَلُ بِالْجِيمِ فَمُوَحَّدَةٍ قِيلَ: هِيَ الْمَحْرُوسَةُ، أَيْ لَيْسَ فِيمَا يُحْرَسُ بِالْجَبَلِ إذَا سَرَقَ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ حِرْزٍ وَقِيلَ: حَرِيسَةُ الْجَبَلِ الشَّاةُ الَّتِي يُدْرِكُهَا اللَّيْلُ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إلَى مَأْوَاهَا. وَالْمُرَاحُ الَّذِي تَأْوِي إلَيْهِ الْمَاشِيَةُ لَيْلًا كَذَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ أَقْرَبُ بِمُرَادِ الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا أَمَرَ بِقَطْعِ الَّذِي سَرَقَ رِدَاءَهُ فَشَفَعَ فِيهِ هَلَّا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ؟» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَارُودِ وَالْحَاكِمُ.

الْحَدِيثُ أَخْرَجُوهُ مِنْ طُرُقٍ مِنْهَا عَنْ طَاوُسٍ عَنْ صَفْوَانَ وَرَجَّحَهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ: إنَّ سَمَاعَ طَاوُسٍ مِنْ صَفْوَانَ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ عُثْمَانُ وَقَالَ: أَدْرَكْت سَبْعِينَ شَيْخًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَلِلْحَدِيثِ قِصَّةٌ: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: «بَيْنَمَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مُضْطَجِعٌ بِالْبَطْحَاءِ إذْ جَاءَ إنْسَانٌ فَأَخَذَ بُرْدَةً مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ فَأَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ فَقَالَ: إنِّي أَعْفُو وَأَتَجَاوَزُ، فَقَالَ: فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» وَلَهُ أَلْفَاظٌ فِي بَعْضِهَا "أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" وَفِي أُخْرَى: "فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ نَائِمًا" وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِيمَا كَانَ مَالِكُهُ حَافِظًا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُغْلَقًا عَلَيْهِ فِي مَكَان.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: رِدَاءُ صَفْوَانَ كَانَ مُحَرَّزًا بِاضْطِجَاعِهِ عَلَيْهِ, وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: وَإِذَا تَوَسَّدَ النَّائِمُ شَيْئًا فَتَوَسَّدَهُ لَهُ حِرْزٌ عَلَى مَا جَاءَ فِي رِدَاءِ صَفْوَانَ قَالَ فِي الْكَنْزِ لِلْحَنَفِيَّةِ: وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَرَبُّهُ عِنْدَهُ يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحَرَّزٍ بِالْحَائِطِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَا بُنِيَ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ مُحَرَّزًا بِالْمَكَانِ انْتَهَى.

وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْحِرْزِ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِشَرْطِيَّتِهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْإِمَامُ يَحْيَى: إنَّ لِكُلِّ مَالٍ حِرْزًا يَخُصُّهُ فَحِرْزُ الْمَاشِيَةِ لَيْسَ حِرْزُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.

(الشرح)

الذهب والفضة حرز لو كَانَ في صناديق بأقفال, حرز الماشية هذا مكان معد لها يكون مثلًا مكان تأوي فيهِ مثلًا جدار أو حوش يحوش وله أبواب, أو في مكان يكون فيهِ خشب ثم يخرجه منها, هذا يعتبر حرز, الحرز في كل شيء بحسبه, حرز النقود غير حرز الماشية, غير حرز الأموال الأخرى.

(المتن)

وَقَالَ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ: مَا أُحْرِزَ فِيهِ مَالٌ فَهُوَ حِرْزٌ لِغَيْرِهِ، إذْ الْحِرْزُ مَا وُضِعَ لِمَنْعِ الدَّاخِلِ أَلَّا يَدْخُلَ وَالْخَارِجِ أَلَّا يَخْرُجَ وَمَا كَانَ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِحِرْزٍ لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا، وَكَذَلِكَ قَالُوا: الْمَسْجِدُ وَالْكَعْبَةُ حِرْزَانِ لِآلَاتِهِمَا وَكِسْوَتِهِمَا.

(الشرح)

أشياء تخص المساجد والكعبة, من كسوتها وما أشبه ذلك.

(المتن)

وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَبْرِ هَلْ هُوَ حِرْزٌ لِلْكَفَنِ فَيُقْطَعُ آخِذُهُ أَوْ لَيْسَ بِحِرْزٍ؟.

(الشرح)

لو نبش القبر وأخذ الكفن يبيعه, هذا نباش القبور, نباش القبر هذا قلبه قاسي والعياذ بالله, ينبش القبر ويأخذ الكفن حتى يبيعه من شدة حرصه عَلَى الدنيا, هذا يُقطع النباش؛ لِأَنَّهُ أخذه من حرز عَلَى الصحيح, اللي يحفر القبر وينبش ويستخرج الكفن ويجرد الميت ويتركه بدون كفن ثم يبيع الكفن؛ هذا لاشك أَنَّه سارق وأيضًا معتدي عدوان عظيم عَلَى الميت, نسأل الله العافية.

(المتن)

فَذُهِبَ إلَى أَنَّ النَّبَّاشَ سَارِقٌ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْهَادِي وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَقَالُوا: يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ خُفْيَةً مِنْ حِرْزٍ لَهُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَائِشَةَ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا نَقْطَعُ النَّبَّاشَ؛ لِأَنَّ الْقَبْرَ لَيْسَ بِحِرْزٍ.

وَفِي الْمَنَارِ؛ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا صُعُوبَةٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَيِّتِ كَحُرْمَةِ الْحَيِّ، لَكِنَّ حُرْمَةَ يَدِ السَّارِقِ كَذَلِكَ الْأَصْلُ مَنْعُهَا وَلَمْ يَدْخُلْ النَّبَّاشُ تَحْتَ السَّارِقِ لُغَةً وَالْقِيَاسُ الشَّرْعِيُّ غَيْرُ وَاضِحٍ وَإِذَا تَوَقَّفْنَا امْتَنَعَ الْقَطْعُ انْتَهَى.

وَاخْتُلِفَ فِي السَّارِقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ يُقْطَعُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَالْخُمُسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا قَالُوا: لِأَنَّهُ قَدْ يُشَارِكُ فِيهَا بِالرَّضْخِ أَوْ مِنْ الْخُمُسِ.

(الشرح)

لِأَنّ له شبهة, الذي له شبهة أخذ من بيت المال أو أخذ من الغنيمة هذا له شبهة, شبهة أَنَّه واحدٌ منه, فهذا لا يُقطع يده لَكِنْ عليه عقوبة, ليس معناه أَنَّه لا يُقطع يده أَنَّه يُترك, يؤخذ منه المال ويعاقب بالسجن والجلد, ويعاقب بعقوبة رادعة, لَكِنْ قطع اليد لا يكون إلا من حرز, وهذا النباش ورد فيهِ الحديث الذي في الصحيحين في قصة الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه ويذروه, وقال: إنه لما حضرته الوفاة جمع أهله وأولاده وأخذ عَلَيْهِمْ المواثيق والعهود أنه إذا مات أن يُحرقوه ثم يسحقوه ثم يذروه في يوم شديد الهواء, وفي بعض الروايات: أَنَّهم يذروا نصفه في البر ونصفه في البحر, قَالَ: إن قدر الله عليَ ليعذبني عذابًا شديدًا.

جاء في بعض الروايات أَنَّه كَانَ نباشًا للقبور, واستعظم هذا, والحديث هذا في الصحيحين وفي غيرهما وهذا فيمن سبق ممن قبلنا, وأن الذي حمله عَلَى ذلك الجهل والخوف العظيم من الله وهو لم يُنكر البعث ولم يُنكر قدرة الله وَلَكِن من جهله ظن أَنَّه إذا وصل إِلَى هذه الحالة وأنه سُحق وذر يفوت عَلَى الله عز وجل, قَالَ: «فأمر الله البر فجمع ما فيهِ, وأمر البحر فجمع ما فيهِ فَقَالَ الله له: قم, فإذا هو قائم, فَقَالَ الله: ما حملك عَلَى ذلك؟ قَالَ: يا ربي مخافتك, فغفر الله له».

(المتن)

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَالْخُمُسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا قَالُوا: لِأَنَّهُ قَدْ يُشَارِكُ فِيهَا بِالرَّضْخِ أَوْ مِنْ الْخُمُسِ.

(الشرح)

أصل الرضخ: الحجارة المحماة, الرضخ: يَعْنِي: قد يُعطى شَيْئًا من الغنيمة.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد