شعار الموقع

شرح كتاب الحدود من سبل السلام_20

00:00
00:00
تحميل
77

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:

قَالَ عَلَى حديث علي رضي الله عنه: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرَاتِ فَإِنْ مَاتَ ضَمِنَهُ الْإِمَامُ وَكَذَا كُلُّ مُعَزَّرٍ يَمُوتُ بِالتَّعْزِيرِ يَضْمَنُهُ الْإِمَامُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.

وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيمَنْ مَاتَ بِحَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ قِيَاسًا مِنْهُمْ لِلتَّعْزِيرِ عَلَى الْحَدِّ بِجَامِعِ أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ أَذِنَ فِيهِمَا قَالُوا: وَقَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ لِلِاحْتِيَاطِ وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ إذَا أَعْنَتَ فِي التَّعْزِيرِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ مِنْ أَصْلِهِ بِخِلَافِ الْإِعْنَاتِ فِي الْحَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي أَصْلِهِ فَإِنْ أَعْنَتَ فَإِنَّهُ لِلْخَطَأِ فِي صِفَتِهِ وَكَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا فِي غَيْرِ مَا أُذِنَ بِهِ بِخُصُوصِهِ كَالضَّرْبِ مَثَلًا وَإِلَّا فَهُوَ مَأْذُونٌ فِي مُطْلَقِ التَّعْزِيرِ، وَتَأْوِيلُهُمْ لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَاقِطٌ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ لَا مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ وَلِأَنَّ فِي تَمَامِ حَدِيثِهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهُ.

(الشرح)

تكملة كلام علي, قَالَ لهم: "ما كنت لأقيم الحد عَلَى أحدٍ فأجد في نفسي إِلَّا شارب الخمر فَإِنَّهُ لو مات وديته لِأَنّ رسول الله r لم يُسنه" استدل بهذا, والشارح هنا يرجح مذهب الجمهور.

(المتن)

 وَأَمَّا قَوْلُهُ: «جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ إلَى قَوْلِهِ وَكُلٌّ سُنَّةٌ» وَقَدْ تَقَدَّمَ فَلَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ جَلَدَ جَلْدًا غَيْرَ مُقَدَّرٍ وَلَا تَقَرَّرَتْ صِفَتُهُ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَالْأَيْدِي وَلِذَا قَالَ أَنَسٌ نَحْوُ أَرْبَعِينَ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِم مَا مَعْنَاهُ: وَأَمَّا مَنْ مَاتَ فِي حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ غَيْرِ الشُّرْبِ فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذَا جَلَدَهُ الْإِمَامُ أَوْ جَلَّادُهُ فَمَاتَ فَإِنَّهُ لَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى جَلَّادِهِ وَلَا بَيْتِ الْمَالِ؛ وَأَمَّا مَنْ مَاتَ بِالتَّعْزِيرِ فَمَذْهَبُنَا وُجُوبُ الضَّمَانِ لِلدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَذَكَرَ تَفَاصِيلَ فِي ذَلِكَ مَذْهَبِيَّةً.

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ, فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الدِّفَاعِ عَنْ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَشَذَّ مَنْ أَوْجَبَهُ فَإِذَا قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْت إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ. قَالَ: فَإِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ فَاقْتُلْهُ. قَالَ: أَرَأَيْت إنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ. قَالَ أَرَأَيْت إنْ قَتَلْته؟ قَالَ: فَهُوَ فِي النَّارِ» قَالُوا فَإِنْ قَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي مِنْهُ وَالْحَدِيثُ عَامٌّ لِقَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ ذَكَرَ الْمَالَ فَقَطْ.

وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ شَهِيدًا دَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ الْقَتْلَ وَالْقِتَالَ.

قَالَ فِي النَّجْمِ الْوَهَّاجِ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَجِدْ مَلْجَأً كَحِصْنٍ وَنَحْوِهِ أَوْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْهَرَبَ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ, قُلْت: لَا أَدْرِي مَا وَجْهُ وُجُوبِ الْهَرَبِ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَلَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ الْمَالِ بَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَظَلَّمَ إلَّا أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عُلَمَاءَ الْحَدِيثِ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ السُّلْطَانِ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ فَلَا يَجُوزُ دَفْعُهُ عَنْ أَخْذِ الْمَالِ وَيَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ الْبُضْعِ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إبَاحَتِهِ، قَالُوا: وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى النَّفْسِ إنْ قَصَدَهَا كَافِرٌ لَا إذَا قَصَدَهَا مُسْلِمٌ فَلَا يَجِبُ لِمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَصَحَّ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنَعَ عَبِيدَهُ أَنْ يَدْفَعُوا عَنْهُ وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ وَقَالَ: مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ حُرٌّ، قَالُوا: وَخَالَفَ الْمُضْطَرُّ فَإِنَّ فِي الْقَتْلِ شَهَادَةً بِخِلَافِ تَرْكِ الْأَكْلِ وَهَلْ تَرْكُ الدِّفَاعِ عَنْ قَتْلِ النَّفْسِ مُبَاحٌ أَوْ مَنْدُوبٌ؟ فِيهِ خِلَافٌ.

(الشرح)

عثمان رضي الله عنه اجتهد ولم يدافع عن نفسه, لما جاءه الثوار وأحاطوا بِهِ وأرادوا قتله أراد جمع من الصحابة أن يدافعوا عنه كالحسن والحسين وجماعة فمنعهم, وحتم عَلَيْهِمْ وألزمهم بأن ينصرفوا فأخذ السلاح عبيده وكان غنيًا رضي الله عنه عنده أموال وعبيد قَالَ الشارح أربعمائة عبد حملوا السلاح يدافعوا عنه فمنعهم فلم يمتنعوا, فَقَالَ: من ألقى السلاح فهو حر فألقوا السلاح وخرجوا أحرار وتركوه, فهو يعمل بالحديث: «كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل» رأى رضي الله عنه ألا يدافع عن نفسه وألا يدافع عنه أحد, وقال النَّبِيِّ r: «بشره عثمان بالجنة عَلَى بلوى تصيبه».

(المتن)

وأما حديث عبد الله بْنُ خباب؛ والحديث قَدْ أُخْرِجَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَفِيهَا كُلِّهَا رَاوٍ لَمْ يُسَمَّ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ كَانَ مَعَ الْخَوَارِجِ ثُمَّ فَارَقَهُمْ.

وَسَبَبُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إنَّ الْخَوَارِجَ دَخَلُوا قَرْيَةً فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُعْرًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ أَرْعَبْتُمُونِي مَرَّتَيْنِ قَالُوا أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ صاحب رسول الله r؟ قَالَ نَعَمْ قَالُوا هَلْ سَمِعْت مِنْ أَبِيك شَيْئًا تُحَدِّثُنَا بِهِ قَالَ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِتْنَةً الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي فَإِنْ أَدْرَكَك ذَلِكَ فَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ» قَالُوا: أَنْتَ سَمِعْت هَذَا مِنْ أَبِيك يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَدَّمُوهُ عَلَى ضِفَّةِ النَّهْرِ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ وَبَقَرُوا أُمَّ وَلَدِهِ عَمَّا فِي بَطْنِهَا.

(الشرح)

استثبتوا منه أَنَّه روى الحديث فقتلوه, قالوا: أنت رويت الحديث: «كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل» يَعْنِي: ما تدافع أنت, فقتلوه وشقوا بطن أم ولده وأخرجوا منها الولد.

(المتن)

وَالْحَدِيثُ قَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ قَانِعٍ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمَجْهُولِ إلَّا أَنَّ فِيهِ عَلِيَّ بْنَ زَيْدِ بْنَ جُدْعَانَ وَفِيهِ مَقَالٌ وَلَفْظُهُ عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ: «سَتَكُونُ فِتْنَةٌ بَعْدِي وَأَحْدَاثٌ وَاخْتِلَافٌ فَإِنْ اسْتَطَعْت أَنْ تَكُونَ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ لَا الْقَاتِلَ فَافْعَلْ» وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «فَإِنْ دَخَلَ عَلَى بَيْتِي وَبَسَطَ يَدَهُ لِيَقْتُلَنِي قَالَ كُنْ كَابْنِ آدَمَ» وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ «مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ إذَا جَاءَ أَحَدٌ يُرِيدُ قَتْلَهُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ابْنَيْ آدَمَ الْقَاتِلُ فِي النَّارِ وَالْمَقْتُولُ فِي الْجَنَّةِ».

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْفِتْنَةُ كَسِّرُوا فِيهَا قِسِيَّكُمْ وَأَوْتَارَكُمْ وَاضْرِبُوا سُيُوفَكُمْ بِالْحِجَارَةِ فَإِنْ دُخِلَ عَلَى أَحَدِكُمْ بَيْتُهُ فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ» وَصَحَّحَهُ الْقُشَيْرِيُّ فِي الِاقْتِرَاحِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ, وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ.

(الشرح)

وهذا الحديث وإن كَانَ فيهِ راويٍ لم يسمى يؤيد الحديث الآخر عبد الله بْنُ زيد بْنُ جُدعان ويشهد له الأحاديث الأخرى ويكون من باب الحسن, ففيه راوٍ لم يسمى لَكِنْ يشهد له الحديث الآخر وإن كَانَ ضعيف مع ضعيف فشد بَعْضُهُم بعضًا ويشهد لهم الأحاديث الأخرى الَّتِي فيها ترك القتال في الفتنة, ومن ذلك المظاهرات الآن اللي يُقتل في المظاهرات هَذِه من الفتن, القتل في المظاهرات الآن هَذِه من الأمور الملبسة الَّتِي لم يتبين فيها الحق ولا ينبغي الدخول فيها.

فإن قيل: لَكِنْ هل الخروج ومن يدعو إليه يدعو إلى فتنة, الخروج عَلَى الإمام مهما كَانَ؟.

الخروج عَلَى ولاة الأمور له شروط كما هو معروف: «إِلَّا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيهِ برهان».

  • الحديث دل عَلَى هَذِه الشروط وهي:

أولًا: أن يفعل ولي الْأَمْرِ كفر لا فسق ولا معصية.

ثانيًا: أن يكون هذا الكفر بواح يَعْنِي: واضح لا لبس فيهِ.

ثالثًا: أن يكون عليه دليل من الكتاب والسنة؛ فيهِ برهان.

رابعًا: أن يوجد البديل الذي يحل محله.

خامسًا: أن توجد القدرة والاستطاعة.

إذا وُجدت هَذِه الشروط الخمسة جاز الخروج وإلا فلا خروج, لابد يكون البديل, أما إذا كَانَ هذا الكافر يأتي كافر بدله مثله ماذا حصل؟ وما الفائدة؟ قتل وقتال ويأتي مثله أو أسوأ منه, وأيضًا لابد من القدرة والاستطاعة: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن/16].

{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة/286].

«إذا أمرتكم بأمرٍ فاتوا منه ما استطعتم».

{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق/7].

(المتن)

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ, فَذَهَبَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْكَفُّ عَنْ الْمُقَاتَلَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَلْزَمَ بَيْتَهُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّحَوُّلُ مِنْ بَلَدِ الْفِتْنَةِ أَصْلًا.

(الشرح)

مثل سلمة بْنُ الأكوع تحول وذهب إِلَى البادية وتزوج.

(المتن)

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَتْرُكُ الْمُقَاتَلَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَشَذَّ مَنْ أَوْجَبَهُ حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ قَتْلَهُ لَمْ يَدْفَعْهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُدَافِعُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَهْلِهِ وَعَنْ مَالِهِ وَهُوَ مَعْذُورٌ إنْ قُتِلَ أَوْ قَتَلَ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى وُجُوبِ نَصْرِ الْحَقِّ وَقِتَالِ الْبَاغِينَ وَحَمَلُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى مَنْ ضَعُفَ عَنْ الْقِتَالِ أَوْ قَصُرَ نَظَرُهُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالتَّفْصِيلِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْقِتَالُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ لَا إمَامَ لَهُمْ فَالْقِتَالُ حِينَئِذٍ مَمْنُوعٌ وَتُنَزَّلُ الْأَحَادِيثُ عَلَى هَذَا وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: إنْكَارُ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَمَنْ أَعَانَ الْمُحِقَّ أَصَابَ وَمَنْ أَعَانَ الْمُبْطِلَ أَخْطَأَ وَإِنْ أُشْكِلَ الْأَمْرُ فَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْقِتَالِ فِيهَا وَقِيلَ: إنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حَيْثُ تَكُونُ الْمُقَاتَلَةُ لِطَلَبِ الْمُلْكِ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الدِّفَاعُ عَنْ النَّفْسِ وَقَوْلُهُ إنْ اسْتَطَعْت يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ الْمُدَافَعَةُ وَأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ.

(الشرح)

والصواب: أَنَّه كما سبق إذا تبين الحق يَجِبُ نصر الحق, يكون مع إمام المسلمين, وإذا لم يتبين والأمور ملبسة هذا يعتزل, ثم الآن كثير من الذين يقاتلون الآن لا يطالبون بإقامة تحكيم الشريعة, بَعْضُهُم يطالب بالديمقراطية ويطالبون بكذا, والحرية, ويريدون أن يعيشون فقط ولا ينظر للشريعة ولا تحكيم الشريعة, ليس مرادهم نصر الدين, غوغاء يطالبون بأمورٍ تافهة.

فإن قيل: شهيد الثورة, شهيد الانقلاب, شهيد كذا؟.

من يقول شهيد, وهل لو قالوا هذا الكلام يؤخذ بِهِ؟ من سماه الله ورسوله شهيد فهو شهيد.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد