شعار الموقع

شرح كتاب الجهاد من سبل السلام_1

00:00
00:00
تحميل
49

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:

جِهَاد النِّسَاءِ.

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟» هُوَ خَبَرٌ فِي مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ وَفِي رِوَايَةٍ: «أَعَلَى النِّسَاءِ؟ قَالَ نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ, بِلَفْظِ: «قَالَتْ عَائِشَةُ: اسْتَأْذَنْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ» وَفِي لَفْظٍ لَهُ آخَرَ: «فَسَأَلَهُ نِسَاؤُهُ عَنْ الْجِهَادِ فَقَالَ: نَعَمْ الْجِهَادُ الْحَجُّ».

وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «جِهَادُ الْكَبِيرِ أَيْ الْعَاجِزِ وَالْمَرْأَةِ وَالضَّعِيفِ الْحَجُّ» دَلَّ مَا ذُكِرَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْجِهَادُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَعَلَى أَنَّ الثَّوَابَ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ ثَوَابِ جِهَادِ الرِّجَالِ حَجُّ الْمَرْأَةِ وَعُمْرَتُهَا، ذَلِكَ لِأَنَّ النِّسَاءَ مَأْمُورَاتٌ بِالسَّتْرِ وَالسُّكُونِ، وَالْجِهَادُ يُنَافِي ذَلِكَ، إذْ فِيهِ مُخَالَطَةُ الْأَقْرَانِ وَالْمُبَارَزَةُ وَرَفْعُ الْأَصْوَاتِ، وَأَمَّا جَوَازُ الْجِهَادِ لَهُنَّ فَلَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْجَوَازِ، وَقَدْ أَرْدَفَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْبَابَ بِبَابِ خُرُوجِ النِّسَاءِ لِلْغَزْوِ وَقِتَالِهِنَّ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: «أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ خِنْجَرًا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَقَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذْتُهُ إنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بَقَرْت بَطْنَهُ» فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْقِتَالِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُقَاتِلُ إلَّا مُدَافَعَةً.

(الشرح)

يَعْنِي: دفاع عن النفس, لَكِنْ لا تطلب العدو وتدخل مع الرجال.

(المتن)

وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا تَقْصِدُ الْعَدُوَّ إلَى صَفِّهِ وَطَلَبَ مُبَارَزَتِهِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جِهَادَهُنَّ إذَا حَضَرْنَ مَوَاقِفَ الْجِهَادِ سَقْيُ الْمَاءِ وَمُدَاوَاةُ الْمَرْضَى وَمُنَاوَلَةُ السِّهَامِ.

(الشرح)

وتهيئة الطعام وما أشبه ذلك.

(المتن)

 وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, سَمَّى إتْعَابَ النَّفْسِ فِي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْأَبَوَيْنِ وَإِزْعَاجِهَا فِي طَلَبِ مَا يُرْضِيهِمَا وَبَذْلَ الْمَالِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِمَا جِهَادًا مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ لَمَّا اسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ مِنْ بَابِ قَوْله تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[الشورى/40].

(الشرح)

يَعْنِي: بالمقابلة جزاء سيئة سيئةٌ مثلها, والثانية ليست سيئة لَكِنْ هذا من باب المشاكلة, استأذن في الجهاد قَالَ: جاهد في والديك, وهذا معروف, ومن ذلك قَالَ الشاعر:

قالوا اقترح شَيْئًا نجز لك طبخه *** قلت اطبخوا لي جبة وقميصًا.

ومنه قوله تعالى: {وَيَسْخَرُونَ}[الصافات/12]؛ سخر الله منهم من باب المقابلة, يهزئون؛ {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}[البقرة/15], {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ}[الأنفال/30], {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا}[الطارق/15-16].

الثاني سماه كيد وهو عقوبةً لهم عَلَى كيدهم ومكرهم وسخريتهم.

(المتن)

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعَارَةً بِعَلَاقَةِ الضِّدِّيَّةِ لِأَنَّ الْجِهَادَ فِيهِ إنْزَالُ الضَّرَرِ بِالْأَعْدَاءِ.

(الشرح)

هذا ليس مجاز.

(المتن)

وَاسْتُعْمِلَ فِي إنْزَالِ النَّفْعِ بِالْوَالِدَيْنِ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْقُطُ فَرْضُ الْجِهَادِ مَعَ وُجُودِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا لِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ أَنَّ أَبَاهُ «جَاهِمَةَ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْت الْغَزْوَ وَجِئْت لِأَسْتَشِيرَك فَقَالَ هَلْ لَك مِنْ أُمٍّ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ الْزَمْهَا» وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ أَوْ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَسَوَاءٌ تَضَرَّرَ الْأَبَوَانِ بِخُرُوجِهِ أَوْ لَا.

وَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ الْجِهَادُ عَلَى الْوَلَدِ إذَا مَنَعَهُ الْأَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ لِأَنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَلَا, فَإِنْ قِيلَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ أَيْضًا وَالْجِهَادُ عِنْدَ تَعْيِينِهِ فَرْضُ عَيْنٍ فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فَمَا وَجْهُ تَقْدِيمِ الْجِهَادِ, قُلْت: لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ أَعَمُّ إذْ هِيَ لِحِفْظِ الدِّينِ وَالدِّفَاعِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَمَصْلَحَتُهُ عَامَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا وَهُوَ يُقَدَّمُ عَلَى مَصْلَحَةِ حِفْظِ الْبَدَنِ.

وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عِظَمِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ، وَأَنَّ الْمُسْتَشَارَ يُشِيرُ بِالنَّصِيحَةِ الْمَحْضَةِ؛ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَفْصِلَ مِنْ مُسْتَشِيرِهِ لِيُدِلَّهُ عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ, وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ نَحْوُهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ وَوَالِدَاهُ فِي الْحَيَاةِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا كَمَا دَلَّ لَهُ قَوْلُهُ وَزَادَ أَيْ أَبُو سَعِيدٍ فِي رِوَايَةٍ: «ارْجِعْ فَاسْتَأْذِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لَك» بِالْخُرُوجِ لِلْجِهَادِ «وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا» بِعَدَمِ الْخُرُوجِ لِلْجِهَادِ وَطَاعَتِهِمَا.

(الشرح)

والحاصل أن بر الوالدين فرض عين والجهاد فرض كفاية, وفرض العين مقدم عَلَى فرض الكفاية فإذا كَانَ له والدين ومنعاه فلا يأتي للجهاد, والأصل في الجهاد أَنَّه فرض كفاية.

  • ويكون فرض عين في ثلاث حالات:

الحالة الأولى: إذا داهم العدو بلدًا من بلاد المسلمين؛ في هَذِه الحالة يقدم عَلَى بر الوالدين؛ لِأَنّ صار الجهاد الآن لحفظ النفس.

الحالة الثانية: إذا وقف في صف القتال وجب عليه وليس له أن يفر؛  لِأَنَّهُ إذا فر في هَذِه الحالة خذل إخوانه المسلمين, فقبل أن يقف ليس بواجبٍ عليه فإذا وقف صار فرض عين لا يجوز له الفرار إِلَّا كما قَالَ الله: {إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ}[الأنفال/16].

الحالة الثالثة: إذا ندب العدو أو أمره واحدًا أو جماعة بالجهاد فَإِنَّهُ يكون في هَذِه الحالة فرض عين, وما عدا ذلك يكون فرض كفاية عَلَى الأمة تقوم بِهِ, لابد أن يقوم الجهاد عَلَى الأمة فَإِن تركت الأمة الجهاد أثموا, وإن قامت طائفة أدت الفرض, ولهذا قَالَ بعض العلماء: يَجِبُ أن يكون الجهاد دائم باستمرار؛ لِأَنّ الجهاد فيهِ حفظ الدين وحفظ للمسلمين وما ترك قومٌ الجهاد إِلَّا ذلوا, وإذا ترك الناس الجهاد تسلط الأعداء عَلَيْهِمْ, ومن لم يغزو غُزي, فإذا لم يغزو المسلمين الكفار غزاهم الكفار كما هو حاصل الآن, الآن نحن غُزينا الآن, الكفار غزونا, تركنا الجهاد فغزونا, فإما أن تغزوهم أو يغزوك واحد من الأمرين, وصار المسلمين في حالة ضعف, نسأل الله أن يقوي عزائمهم وأن يرزقهم القوة والنشاط ويوفقهم للعلم والاستعداد والتدرب عَلَى أعتاد الجهاد وعلى ما يكون سببًا في النصرة, قَالَ تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال/60].

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد