شعار الموقع

شرح كتاب الجهاد من سبل السلام_9

00:00
00:00
تحميل
82

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:

قَتْلُ الْكُفَّارِ بِالْمَنْجَنِيقِ إذَا تَحَصَّنُوا.

(وَعَنْ مَكْحُولٍ) هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَكْحُولُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيِّ كَانَ مِنْ سَبْيِ كَابِلَ وَكَانَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ قِيسَ وَكَانَ سِنْدِيًّا لَا يُفْصِحُ، وَهُوَ عَالِمُ الشَّامِ وَلَمْ يَكُنْ أَبْصَرَ مِنْهُ بِالْفُتْيَا فِي زَمَانِهِ، سَمِعَ مِنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَوَاثِلَةَ وَغَيْرِهِمَا، وَرَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَبِيعَةُ الرَّأْيِ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِف» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ, وَوَصَلَهُ الْعُقَيْلِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ثَوْرٍ رِوَايَةً عَنْ مَكْحُولٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مَكْحُولًا فَكَانَ مِنْ قِسْمِ الْمُعْضَلِ، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ ذَكَرَ الرَّمْيَ بِالْمَنْجَنِيقِ الْوَاقِدِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ مَكْحُولٌ وَذَكَرَ أَنَّ الَّذِي أَشَارَ بِهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ وَمِنْ «حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً» وَلَمْ يَذْكُرْ أَشْيَاءَ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِف شَهْرًا» وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ الْمُدَّةَ كَانَتْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً, وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ الْكُفَّارِ إذَا تَحَصَّنُوا بِالْمَنْجَنِيقِ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْمَدَافِعِ وَنَحْوِهَا.

وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ» بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فَفَاءٌ، فِي الْقَامُوسِ الْمِغْفَرُ كَمِنْبَرِ وَبِهَاءٍ وَكَكِتَابَةٍ زَرَدٌ مِنْ الدِّرْعِ يُلْبَسُ تَحْتَ الْقَلَنْسُوَةِ أَوْ حَلَقٌ يَتَقَنَّعُ بِهَا الْمُسَلَّحُ «فَلَمَّا نَزَعَ الْمِغْفَرَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ»  مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ يَوْمَ الْفَتْحِ لِأَنَّهُ دَخَلَ مُقَاتِلًا وَلَكِنْ يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ.

(الشرح)

القتال يَعْنِي, القتال في مكة.

(المتن)

فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ الْقِتَالُ فِيهَا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» الْحَدِيثَ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ وَهُوَ أَحَدُ جَمَاعَةٍ تِسْعَةٍ أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِمْ وَلَوْ تَعَلَّقُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَأَسْلَمَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ وَقُتِلَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ خَطَلٍ «وَكَانَ ابْنُ خَطَلٍ قَدْ أَسْلَمَ فَبَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَانَ مَعَهُ مَوْلًى يَخْدُمُهُ مُسْلِمًا فَنَزَلَ مَنْزِلًا وَأَمَرَ مَوْلَاهُ أَنْ يَذْبَحَ لَهُ تَيْسًا وَيَصْنَعَ لَهُ طَعَامًا فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَصْنَعْ لَهُ شَيْئًا فَعَدَا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا، وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِهِ بِهِجَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمَا مَعَهُ فَقُتِلَتْ إحْدَاهُمَا وَاسْتُؤْمِنَ لِلْأُخْرَى فَأَمَّنَهَا».

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَتْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَقِّ مَا جَنَاهُ فِي الْإِسْلَامِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَرَمَ لَا يَعْصِمُ مِنْ إقَامَةِ وَاجِبٍ وَلَا يُؤَخِّرُهُ عَنْ وَقْتِهِ انْتَهَى, وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَذَهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ يُسْتَوْفَى الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ بِكُلِّ مَكَان وَزَمَانٍ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِهَذِهِ الْقِصَّةِ, وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ قَوْلُ الْهَادَوِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى فِيهَا حَدٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}[آل عمران/ 97].

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُسْفَكُ بِهَا دَمٌ» وَأَجَابُوا عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُ لَا عُمُومَ لِلْأَدِلَّةِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بَلْ هِيَ مُطْلَقَاتٌ مُقَيَّدَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ فَإِنَّهُ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ بَعْدَ شَرْعِيَّةِ الْحُدُودِ، وَأَمَّا قَتْلُ ابْنِ خَطَلٍ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أُحِلَّتْ فِيهَا مَكَّةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَمَرَّتْ مِنْ صَبِيحَةِ يَوْمِ الْفَتْحِ إلَى الْعَصْرِ وَقَدْ قُتِلَ ابْنِ خَطَلٍ وَقْتَ الضُّحَى بَيْنَ زَمْزَمَ وَالْمَقَامِ.

وَهَذَا الْكَلَامُ فِيمَنْ ارْتَكَبَ حَدًّا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ثُمَّ الْتَجَأَ إلَيْهِ وَأَمَّا إذَا ارْتَكَبَ إنْسَانٌ فِي الْحَرَمِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يُقَامُ فِيهِ حَدٌّ، فَذَهَبَ بَعْضُ الْهَادَوِيَّةِ أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ الْحَرَمِ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ فِيهِ، وَخَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: مَنْ سَرَقَ أَوْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ, رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: «مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ مَا أَحْدَثَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ» وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}[البقرة/191].

وَدَلَّ كَلَامُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ يُقَامُ, وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُلْتَجِئِ إلَيْهِ بِأَنَّ الْجَانِيَ فِيهِ هَاتِكٌ لِحُرْمَتِهِ وَالْمُلْتَجِئُ مُعَظِّمٌ لَهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَمْ الْحَدُّ عَلَى مَنْ جَنَى فِيهِ مِنْ أَهْلِهِ لَعَظُمَ الْفَسَادُ فِي الْحَرَمِ وَأَدَّى إلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْفَسَادَ قَصَدَ إلَى الْحَرَمِ لِيَسْكُنَهُ وَفَعَلَ فِيهِ مَا تَتَقَاضَاهُ شَهْوَتُهُ وَأَمَّا الْحَدُّ بِغَيْرِ الْقَتْلِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْقِصَاصِ فَفِيهِ خِلَافٌ أَيْضًا.

فَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُسْتَوْفَى لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ فِيمَنْ سَفَكَ الدَّمَ وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْقَتْلِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِهِ فِي الْحَرَمِ تَحْرِيمُ مَا دُونَهُ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ أَعْظَمُ وَالِانْتِهَاكُ بِالْقَتْلِ أَشَدُّ وَلِأَنَّ الْحَدَّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ جَارٍ مَجْرَى تَأْدِيبِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ: وَعَنْهُ رِوَايَةٌ بِعَدَمِ الِاسْتِيفَاءِ لِشَيْءٍ عَمَلًا بِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَخَصِّ حَيْثُ صَحَّ أَنَّ سَفْكَ الدَّمِ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا إلَى الْقَتْلِ, قُلْت: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّلِيلَ خَاصٌّ بِالْقَتْلِ وَالْكَلَامُ مِنْ أَوَّلِهِ فِي الْحُدُودِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْقَتْلِ إذْ حَدُّ الزِّنَى غَيْرُ الرَّجْمِ وَحَدُّ الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ يُقَامُ عَلَيْهِ.

(الشرح)

الصواب: أنها تقام الحدود في مكة وهذا هو الذي عليه العمل الآن, وأما الآية فهي عامة: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}[آل عمران/ 97]؛ استثنى من ذلك من وجب عليه الحد أو القصاص فَإِنَّهُ يقام عليه الحد, وَكَذَلِكَ النهي عن سفك الدم, المراد النهي عن سفك الدم ابتداءً, أما من سفك الدم في الحرم فَإِنَّهُ يقام عليه الحد قصاصًا, ويدل عَلَى ذلك قول الله تعالى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}[البقرة/191], هو الذي بدأ وانتهك حرمة الحرم, من انتهك حرمة الحرم أُقيم عليه الحد, ويقام عليه القصاص وهذا هو الصواب والذي عليه العمل.

 

 

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد