شعار الموقع

شرح كتاب الجهاد من سبل السلام_12

00:00
00:00
تحميل
67

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:

لَا تُوطَأُ مسبية حَتَّى تستبرأ أَوْ تضع.

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ لَهُنَّ أَزْوَاجٌ فَتَحَرَّجُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء/ 24] الْآيَةَ».

(الشرح)

والمقصود أن هَذِه الآية معطوفة عَلَى الآية السابقة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} هَذِه محرمات؛ {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء/ 23-24].

ولهذا من الخطأ وضع الجزء من قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء/ 24]؛ المحصنات تابعة للآية السابقة, الآية متعلقة تعلق شديد بالآية الَّتِي قبلها.

(المتن)

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ, قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ أَوْطَاسٌ وَادٍ فِي دِيَارِ هَوَازِن. وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى انْفِسَاخِ نِكَاحِ الْمَسْبِيَّةِ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى هَذَا مُتَّصِلٌ, وَإِلَى هَذَا ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالشَّافِعِيُّ وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ سُبِيَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ لَا, وَدَلَّتْ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ الْوَطْءِ وَلَوْ قَبْلَ إسْلَامِ الْمَسْبِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً إذْ الْآيَةُ عَامَّةٌ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَ عَلَى سَبَايَا أَوْطَاسَ الْإِسْلَامَ وَلَا أَخْبَرَ أَصْحَابَهُ أَنَّهَا لَا تُوطَأُ مَسْبِيَّةٌ حَتَّى تُسْلِمَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.

وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ وَطْءَ السَّبَايَا حَتَّى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنَّ» فَجَعَلَ لِلتَّحْرِيمِ غَايَةً وَاحِدَةً وَهِيَ وَضْعُ الْحَمْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِسْلَامَ وَمَا أَخْرَجَهُ فِي السُّنَنِ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا» وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِسْلَامَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ أَيْضًا «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَنْكِحُ شَيْئًا مِنْ السَّبَايَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِسْلَامَ وَلَا يُعْرَفُ اشْتِرَاطُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَسْبِيَّةِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ, وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ طَاوُسٌ وَغَيْرُهُ, وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْءُ الْمَسْبِيَّةِ بِالْمِلْكِ حَتَّى تُسْلِمَ إذَا لَمْ تَكُنْ كِتَابِيَّةً، وَسَبَايَا أَوْطَاسَ هُنَّ وَثَنِيَّاتٌ فَلَا بُدَّ عِنْدَهُمْ مِنْ التَّأْوِيلِ بِأَنَّ حِلَّهُنَّ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا لِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِشَرْطِيَّةِ الْإِسْلَامِ.

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً» بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ (وَأَنَا فِيهِمْ قِبَلَ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ جِهَةَ «نَجْدٍ فَغَنِمُوا إبِلًا كَثِيرَةً وَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ» بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ سَهْمٍ وَهُوَ النَّصِيبُ «اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, السَّرِيَّةُ قِطْعَةٌ مِنْ الْجَيْشِ تَخْرُجُ مِنْهُ وَتَعُودُ إلَيْهِ وَهِيَ مِنْ مِائَةٍ إلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَالسَّرِيَّةُ الَّتِي تَخْرُجُ بِاللَّيْلِ وَالسَّارِيَةُ الَّتِي تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ سُهْمَانُهُمْ أَيْ أَنْصِبَاؤُهُمْ أَيْ أَنَّهُ بَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هَذَا الْقَدْرَ أَعْنِي اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا وَالنَّفَلُ زِيَادَةٌ يُزَادُهَا الْغَازِي عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ الْمَغْنَمِ وَقَوْلُهُ (نُفِلُوا) مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَفَّلَهُمْ أَمِيرُهُمْ وَهُوَ أَبُو قَتَادَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظَاهِرُ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ الْقَسْمَ وَالتَّنْفِيلَ كَانَ مِنْ أَمِيرِ الْجَيْشِ وَقَرَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا بِلَفْظِ «وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا بَعِيرًا».

فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ: نُسِبَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ مُقَرِّرًا لِذَلِكَ.

(الشرح)

لما أقرهم عَلَى ذلك نُسب إليه وإلا قائد الجيش هو اللي وزع عَلَيْهِمْ, فَلَمّا جاء النَّبِيِّ r أقرهم عَلَى ذلك ولم يُنكر عَلَيْهِمْ فنُسب إِلَى النَّبِيِّ r.

(المتن)

وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِلَفْظِ «فَأَصَبْنَا نِعَمًا كَثِيرًا وَأَعْطَانَا أَمِيرُنَا بَعِيرًا بَعِيرًا لِكُلِّ إنْسَانٍ ثُمَّ قَدِمْنَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَسَمَ بَيْنَنَا غَنِيمَتَنَا فَأَصَابَ كُلُّ رَجُلٍ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا بَعْدَ الْخُمُسِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّنْفِيلَ مِنْ الْأَمِيرِ وَالْقِسْمَةَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ التَّنْفِيلَ كَانَ مِنْ الْأَمِيرِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَعْدَ الْوُصُولِ قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْجَيْشِ وَتَوَلَّى الْأَمِيرُ قَبْضَ مَا هُوَ لِلسَّرِيَّةِ جُمْلَةً ثُمَّ قَسَمَ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَمَنْ نَسَبَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِكَوْنِهِ الَّذِي قَسَمَ أَوَّلًا، وَمَنْ نَسَبَ ذَلِكَ إلَى الْأَمِيرِ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ الَّذِي أَعْطَى ذَلِكَ أَصْحَابَهُ آخِرًا.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّنْفِيلِ لِلْجَيْشِ وَدَعْوَى أَنَّهُ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ تَنْفِيلُ الْأَمِيرِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ, وَقَوْلُ مَالِكٍ: إنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ التَّنْفِيلُ بِشَرْطٍ مِنْ الْأَمِيرِ بِأَنْ يَقُولَ مَنْ فَعَلَ كَذَا فَلَهُ كَذَا، قَالَ: لِأَنَّهُ يَكُونُ الْقِتَالُ لِلدُّنْيَا فَلَا يَجُوزُ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» سَوَاءٌ قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْقِتَالِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ تَشْرِيعٌ عَامٌّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا لُزُومُ كَوْنِ الْقِتَالِ لِلدُّنْيَا فَالْعُمْدَةُ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ قَوْلُ الْإِمَامِ.

(الشرح)

يَعْنِي: العمدة عَلَى ما في القلب لو قصد الدنيا فللدنيا.

(المتن)

مَنْ فَعَلَ كَذَا فَلَهُ كَذَا قِتَالُهُ لِلدُّنْيَا بَعْدَ الْإِعْلَامِ لَهُ أَنَّ الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ جَاهَدَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا.

فَمَنْ كَانَ قَصْدُهُ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ أَنْ يُرِيدَ مَعَ ذَلِكَ الْمَغْنَمَ وَالِاسْتِرْزَاقَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي» وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَكُونُ التَّنْفِيلُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنْ الْخُمُسِ أَوْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ؟ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَكْثَرُ مَا رُوِيَ مِنْ الْأَخْبَارِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفَلَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد