بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:
قَتْلُ الصَّبْرِ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فَمُثَنَّاةٌ فِرَاءٌ الْأَسَدِيُّ مَوْلَى بَنِي وَالِبَةَ بَطْنٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ كُوفِيٌّ أَحَدُ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ, سَمِعَ ابْنَ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَنَسًا وَأَخَذَ عَنْهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَأَيُّوبُ, قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ فِي شَعْبَانَ مِنْهَا وَمَاتَ الْحَجَّاجُ فِي رَمَضَانَ مِنْ السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ.
(الشرح)
سبحان الله ما بينه وبينه إِلَّا شهر, سعيد بْنُ جبير هذا من أعلام التابعين رضي الله عنه, يقال أَنَّه روي في هذا منامات وأنه رأُي الحجاج بعد موته في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قَالَ: قُتلت بكل قتيل قتلة إِلَّا سعيد بْنُ جبير قُتلت بِهِ كذا من القتلات.
(المتن)
«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَةً صَبْرًا» فِي الْقَامُوسِ صَبْرُ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْقَتْلِ أَنْ يُحْبَسَ وَيُرْمَى حَتَّى يَمُوتَ، وَقَدْ قَتَلَهُ صَبْرًا وَصَبَرَهُ عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ صَبُورَةٌ مَصْبُورٌ لِلْقَتْلِ انْتَهَى, أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ, وَالثَّلَاثَةُ هُمْ طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَمَنْ قَالَ بَدَلُ طُعَيْمَةُ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَقَدْ صَحَّفَ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الصَّبْرِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ وَفِي بَعْضِهِمْ مَقَالٌ: «لَا يُقْتَلَن قُرَشِيٌّ بَعْدَ هَذَا صَبْرًا» قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ يَوْمَ الْفَتْحِ.
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مُشْرِكٍ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ,
مِنْ الْكُفَّارِ حَرُمَ دَمُهُ وَمَالُهُ وَلِلْعُلَمَاءِ تَفْصِيلٌ فِي ذَلِكَ، قَالُوا: مَنْ أَسْلَمَ طَوْعًا مِنْ دُونِ قِتَالٍ مَلَكَ مَالَهُ وَأَرْضَهُ وَذَلِكَ كَأَرْضِ الْيَمَنِ، وَإِنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْقِتَالِ فَالْإِسْلَامُ قَدْ عَصَمَ دِمَاءَهُمْ وَأَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَالْمَنْقُولُ غَنِيمَةٌ وَغَيْرُ الْمَنْقُولِ فَيْءٌ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي صَارَتْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: لِمَالِكٍ وَنَصَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّهَا تَكُونُ وَقْفًا يُقْسَمُ خَرَاجُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَأَرْزَاقِ الْمُقَاتِلَةِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سُبُلِ الْخَيْرِ إلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي قِسْمَتِهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَكَانَتْ عَلَيْهِ سِيرَةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ بِلَالٌ وَأَصْحَابُهُ وَقَالُوا لِعُمَرَ: اقْسِمْ الْأَرْضَ الَّتِي فَتَحُوهَا فِي الشَّامِ.
(الشرح)
كأرض الشام وأرض العراق فُتحت وصارت وقفًا, أوقفها عمر رضي الله عنه وخالفه بعض الصحابة كبلال اجتهادًا منه.
(المتن)
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مُشْرِكٍ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ, فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ مُفَادَاةِ الْمُسْلِمِ الْأَسِيرِ بِأَسِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ وَيَتَعَيَّنُ إمَّا قَتْلُ الْأَسِيرِ أَوْ اسْتِرْقَاقُهُ.
(الشرح)
بأسير أو أكثر يَعْنِي: يفادى رجلٌ من المسلمين بأسير من المشركين أو أسيرين أو ثلاثة أو أربعة.
(المتن)
وَزَادَ مَالِكٌ أَوْ مُفَادَاتُهُ بِأَسِيرٍ, وَقَالَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ: لَا تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِغَيْرِهِ أَوْ بِمَالٍ أَوْ قَتْلِ الْأَسِيرِ أَوْ اسْتِرْقَاقِهِ، وَقَدْ «وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُ الْأَسِيرِ» كَمَا فِي قِصَّةِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَفِدَاؤُهُ بِالْمَالِ كَمَا فِي أَسَارَى بَدْرٍ، وَالْمَنُّ عَلَيْهِ كَمَا مَنَّ عَلَى أَبِي عَزَّةَ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى أَنْ لَا يُقَاتِلَ فَعَادَ إلَى الْقِتَالِ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَسَرَهُ وَقَتَلَهُ وَقَالَ فِي حَقِّهِ «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ» وَالِاسْتِرْقَاقُ وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ مَكَّة ثُمَّ أَعْتَقَهُمْ.
(الشرح)
أهل مكة قَالَ لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
فَإِن قيل: أخرجه اِبْن سعد في الطبقات بسندٍ منقطع, وابن السني في عمل اليوم والليلة, وفي سنده عبد الله بْنُ مؤمل وهو ضعيف والخلاصة: أن الحديث ضعيف.
فلا يُعول عليه.