بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:
حُكْم أَكُلّ الضِّفْدَعِ
(وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ الْقُرَشِيُّ ابْنُ أَخِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّحَابِيُّ قِيلَ: إنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَتْ لَهُ رُؤْيَةٌ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَقِيلَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَقُتِلَ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ وَابْنُ الْمُنْكَدِرِ «أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الضِّفْدَعِ بِزِنَةِ الْخِنْصَرِ (يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ فَنَهَى عَنْ قَتْلِهَا» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ: «ذَكَرَ طَبِيبٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَوَاءً وَذَكَرَ الضِّفْدَعَ يَجْعَلُهَا فِيهِ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ الضَّفَادِعِ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ أَقْوَى مَا وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الضِّفْدَع.
وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «لَا تَقْتُلُوا الضَّفَادِعَ فَإِنَّ نَقِيقَهَا تَسْبِيحٌ وَلَا تَقْتُلُوا الْخُفَّاشَ فَإِنَّهُ لَمَّا خَرِبَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ قَالَ: يَا رَبِّ سَلِّطْنِي عَلَى الْبَحْرِ حَتَّى أُغْرِقَهُمْ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَعَنْ أَنَسٍ «لَا تَقْتُلُوا الضَّفَادِعَ فَإِنَّهَا مَرَّتْ عَلَى نَارِ إبْرَاهِيمَ فَجَعَلَتْ فِي أَفْوَاهِهَا الْمَاءَ وَكَانَتْ تَرُشُّهُ عَلَى النَّارِ» وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ الضَّفَادِعِ قَالُوا: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَحْرِيمُ أَكْلِهَا وَلِأَنَّهَا لَوْ حَلَّتْ لَمَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهَا وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ.
بَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ
الصَّيْدُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ التَّصَيُّدُ وَعَلَى الْمَصِيدِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَبَاحَ الصَّيْدَ فِي آيَتَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ الْأُولَى قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}[المائدة/94].
وَالثَّانِيَةُ: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}[المائدة/4] الْآيَةَ.
وَالْآلَةُ الَّتِي يُصَادُ بِهَا ثَلَاثَةٌ:
الْحَيَوَانُ الْجَارِحُ، وَالْمُحَدَّدُ، وَالْمُثَقَّلُ، فَفِي الْحَيَوَانِ.
(الشرح)
الحيوان الجارح مثل الكلب المعلم ومثل ما يصاد بِهِ كالصخر, والمحدد الآلة الَّتِي يصاد بها, الَّتِي لها حد كالسكين كما يأتي في الحديث أَنَّهُ إِذَا أصاب بحده فَإِنَّهُ يأكل, وَإِذَا أصاب بعرضه فَهُوَ وقيذ, محدد يخزق ويخرق, هَذَا المحدد, والمثقل الَّذِي يقتل بثقله كالحجر, المحدد حلال إِذَا صاد بالمحدد, وَإِذَا أصاب بالمثقل فلا, قتله بثقله كأن قتله بحجر أو الدابة قتلته بثقلها, هَذَا لا يصح, لكن إِذَا كَانَ بالمحدد وَهُوَ أَنَّهُ يخرق المصيد بحده هَذَا هُوَ المباح والمشروع.
(المتن)
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ اُنْتُقِصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ اتِّخَاذِ الْكِلَابِ وَاقْتِنَائِهَا وَإِمْسَاكِهَا إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ. وَقَدْ وَرَدَتْ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ رِوَايَاتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ الْمَنْعُ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلْكَرَاهَةِ فَقِيلَ بِالْأَوَّلِ وَيَكُونُ نُقْصَانُ الْقِيرَاطِ عُقُوبَةً فِي اتِّخَاذِهَا بِمَعْنَى أَنَّ الْإِثْمَ الْحَاصِلَ بِاِتِّخَاذِهَا يُوَازِنُ قَدْرَ قِيرَاطٍ مِنْ أَجْرِ الْمُتَّخَذِ لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ قِيرَاطَانِ، وَحُكْمُهُ التَّحْرِيمُ مَا فِي بَقَائِهَا فِي الْبَيْتِ مِنْ التَّسَبُّبِ إلَى تَرْوِيعِ النَّاسِ وَامْتِنَاعِ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ دُخُولُهُمْ يُقَرِّبُ إلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَيُبْعِدُ عَنْ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ وَبُعْدُهُمْ سَبَبٌ لِضِدِّ ذَلِكَ وَلِتَنْجِيسِهَا الْأَوَانِيَ، وَقِيلَ بِالثَّانِي بِدَلِيلِ نَقْصِ بَعْضِ الثَّوَابِ عَلَى التَّدْرِيجِ فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَذَهَبَ الثَّوَابُ مَرَّةً وَاحِدَةً.
(الشرح)
والصواب أن النهي للتحريم, الصواب أَنَّهُ يحرم اتخاذها.
(المتن)
وَفِيهِ أَنَّ فِعْلَ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا لَا يَقْتَضِي نَقْصَ شَيْءٍ مِنْ الثَّوَابِ. وَذَهَبَ إلَى تَحْرِيمِ اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ الشَّافِعِيَّةُ إلَّا الْمُسْتَثْنَى. وَاخْتُلِفَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ رِوَايَةِ قِيرَاطٌ وَرِوَايَةِ قِيرَاطَانِ، فَقِيلَ إنَّهُ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْأَضْرَارِ كَمَا فِي الْمُدُنِ يَنْقُصُ قِيرَاطَانِ وَقِلَّتِهِ كَمَا فِي الْبَوَادِي يَنْقُصُ قِيرَاطٌ أَوْ أَنَّ الْأَوَّلَ إذَا كَانَ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِهَا.
(الشرح)
كثير في المدن يكون قيرطان وفي الوادي قليل يكون قيراط, هَذَا قول.
(المتن)
وَقِلَّتِهِ كَمَا فِي الْبَوَادِي يَنْقُصُ قِيرَاطٌ أَوْ أَنَّ الْأَوَّلَ إذَا كَانَ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِهَا أَوْ قِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ النَّهَارِ وَقِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ اللَّيْلِ. فَالْمُقْتَصَرُ فِي الرِّوَايَةِ بِاعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْمُثَنَّى بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِهِمَا. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ النُّقْصَانُ مِنْ الْعَمَلِ الْمَاضِي أَوْ مِنْ الْأَعْمَالِ الْمُسْتَقْبَلَةِ قَالَ ابْنُ التِّينِ الْمُسْتَقْبَلَةُ وَحَكَى غَيْرُهُ الْخِلَافَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ اتَّخَذَ الْمَأْذُونَ مِنْهَا.
(الشرح)
هَذَا في المستقبل -- ((@ كلمة غير مفهومة- 09:14)) – السابق لا وجه لقوله من الأعمال السابقة.
(المتن)
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ اتَّخَذَ الْمَأْذُونَ مِنْهَا فَلَا نَقْصَ عَلَيْهِ وَقِيسَ عَلَيْهِ اتِّخَاذُهُ لِحِفْظِ الدُّورِ إذَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْكَلْبُ الْعَقُورُ فِي الْإِذْنِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِمَا يُنْقِصُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ. وَفِيهِ الْإِخْبَارُ بِلُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إبَاحَتِهِ لِمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ الْمَعَاشِ وَحِفْظِهِ.
(تَنْبِيهٌ) وَرَدَ فِي مُسْلِمٍ الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى الْأَخْذِ بِالْحَدِيثِ فِي قَتْلِ الْكِلَابِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى جَوَازِ اقْتِنَائِهَا جَمِيعًا وَنَسْخِ قَتْلِهَا إلَّا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ النَّهْيَ أَوَّلًا كَانَ نَهْيًا عَامًّا عَنْ اقْتِنَائِهَا جَمِيعًا وَأَمَرَ بِقَتْلِهَا جَمِيعًا ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِ مَا عَدَا الْأَسْوَدَ وَمَنَعَ الِاقْتِنَاءَ فِي جَمِيعِهَا إلَّا الْمُسْتَثْنَى اهـ .
(الشرح)
الصواب أَنَّهُ أمر بقتل الكلاب أولًا ثُمَّ نسخ النهي عَنْ قتلهم, لكن لَيْسَ معنى ذَلِكَ أَنَّهُ يقتنيها إِذَا نسخ, ما يقتنيها لكن ما تقتل ولا تقتنى, النهي عَنْ قتل ثُمَّ نسخ, وبقي الكلب الأسود العقور, هَذَا جاء في قتله نص خاص.
(المتن)
وَالْمُرَادُ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذُو النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ وَالْبَهِيمُ الْخَالِصُ السَّوَادُ وَالنُّقْطَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فَوْقَ عَيْنَيْهِ.
(الشرح)
الأسود البهيم يَعْنِي الخالص هَذَا الَّذِي يقتل, وكونه فِيهِ نقطتان فوق عينيه ما تمنع من قتله, ولا تمنع من كونه بهيمًا, والعلة فِيهِ أَنَّهُ شيطان, الكلام لا يجوز قتلها الآن نسخ, لكن لا يجوز الاقتناء مِنْهَا إِلَّا الثلاثة, ما في تلازم بين كونه ينهى عَنْ قتله والاقتناء, الاقتناء شيء وقتله شيء آخر.
والمؤذي شيء آخر يقتل من الكلام ومن غيره, إِذَا لَمْ يندفع أذاه إِلَّا بالقتل يقتل, إِذَا كَانَ يؤذي وَكَذَلِكَ القط إِذَا كَانَ يؤذي, يأكل مثلاً الحمام ويفسد اللبن وما أشبه ذَلِكَ وَلَمْ ينته إِلَّا بالقتل يقتل.