بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:
1252 - وَعَنْ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ، فَقَالَ: إذَا أَصَبْت بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أَصَبْت بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ، فَلَا تَأْكُلْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(الشرح)
الحمد لله في البلد ألان في الذبائح والدجاج كثير والذبائح مذبوحة في البلد والحمد لله يكتفى بها, ولا يشترى إِذَا كَانَ هُوَ يريد بنفسه يشتري من الحي ذبيحة يذبحها أو يشتري دجاج يتولى ذبحه والحمد لله.
(المتن)
حُكْم صَيْد الْمِعْرَاضِ
وَعَنْ عَدِيٍّ قَالَ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ» بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ آخِرُهُ مُعْجَمَةٌ يَأْتِي تَفْسِيرُهُ (فَقَالَ: «إذَا أَصَبْت بِحَدِّهِ فَكُلْ وَإِذَا أَصَبْت بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ» بِفَتْحِ الْوَاوِ.
(الشرح)
وقيذ فيعل بمعنى مفعول يَعْنِي موقوذ مضروب.
(المتن)
وَبِالْقَافِ فَمُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ وَذَالٌ مُعْجَمَةٌ بِزِنَةِ عَظِيمٍ يَأْتِي بَيَانُهُ (فَلَا تَأْكُلْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْمِعْرَاضِ عَلَى أَقْوَالٍ لَعَلَّ أَقْرَبَهَا مَا قَالَهُ ابْنُ التِّينِ إنَّهُ عَصًا فِي طَرَفِهَا حَدِيدَةٌ يَرْمِي بِهِ الصَّائِدُ.
(الشرح)
والحديدة محددة مثل السكين في طرفه مثل السكين, فَإِذَا أصاب الصيد بطرفه المحدد هَذَا ذكي, وإن ضربها بَعْض العصا فهذا موقوذة, إِذَا رميت الصيد بالمعراض ثُمَّ الحديدة أصابت الصيد ودخلت فِيهِ وخرج الدم هَذَا ذكي, وإن قتل الصيد بعرضه ولا خرج دم بثقله هَذَا موقوذ ميتة.
(المتن)
يَرْمِي بِهِ الصَّائِدُ فَمَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَهُوَ ذَكِيٌّ يُؤْكَلُ وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ أَيْ مَوْقُوذٌ وَالْمَوْقُوذُ مَا قُتِلَ بِعَصًا أَوْ حَجَرٍ أَوْ مَا لَا حَدَّ فِيهِ وَالْمَوْقُوذَةُ الْمَضْرُوبَةُ بِخَشَبَةٍ حَتَّى تَمُوتَ مِنْ وَقَذْتُهُ ضَرَبْتُهُ، وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَى آلَةٍ مِنْ آلَاتِ الِاصْطِيَادِ وَهِيَ الْمُحَدَّدُ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَهُ أَنَّهُ إذَا أَصَابَ بِحَدِّ الْمِعْرَاضِ أَكَلَ فَإِنَّهُ مُحَدَّدٌ وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا يَأْكُلْ. وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ صَيْدُ الْمُثَقَّلِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالثَّوْرِيُّ وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ عُلَمَاءِ الشَّامِ إلَى أَنَّهُ يَحِلُّ صَيْدُ الْمِعْرَاضِ مُطْلَقًا.
(الشرح)
هَذَا ضعيف عَلَى الحديث ما بلغهم اللي تأولوه تأويل لا وجه له, لَيْسَ الحديث صريح في هَذَا, قوله مصادم للنص.
(المتن)
وَسَبَبُ الْخِلَافِ مُعَارَضَةُ الْأُصُولِ فِي هَذَا الْبَابِ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ وَمُعَارَضَةُ الْأَثَرِ لَهَا وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ الْأُصُولِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْوَقِيذَ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ وَمِنْ أُصُولِهِ أَنَّ الْعَقْرَ ذَكَاةُ الصَّيْدِ فَمَنْ رَأَى أَنَّ مَا قَتَلَهُ الْمِعْرَاضُ وَقِيذًا مَنَعَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمَنْ رَآهُ عَقْرًا مُخْتَصًّا بِالصَّيْدِ وَأَنَّ الْوَقِيذَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ لَمْ يَمْنَعْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا خُزِقَ مِنْ ذَلِكَ وَمَا لَمْ يُخْزَقْ نَظَرَ إلَى حَدِيثِ عَدِيٍّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
هَذَا وَقَوْلُهُ (فَإِنَّهُ وَقِيذٌ) أَيْ كَالْوَقِيذِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَقِيذَ الْمَضْرُوبَ بِالْعَصَا مِنْ دُونِ حَدٍّ وَهَذَا قَدْ شَارَكَهُ فِي الْعِلَّةِ وَهِيَ الْقَتْلُ بِغَيْرِ حَدٍّ.
وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا رَمَيْت بِسَهْمِك فَغَابَ عَنْك فَأَدْرَكْته فَكُلْ مَا لَمْ يَنْتُنْ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ, تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيمَا غَابَ عَنْ مَصْرَعِهِ مِنْ الصَّيْدِ سَوَاءٌ كَانَ بِسَهْمٍ أَوْ جَارِحٍ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِ مَا أَنْتَنَ مِنْ اللَّحْمِ قِيلَ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَضُرُّ الْآكِلَ أَوْ صَارَ مُسْتَخْبَثًا أَوْ يُحْمَلُ عَلَى التَّنْزِيهِ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَطْعِمَةِ الْمُنْتِنَةِ.
(الشرح)
أَنَّهُ للتنزيه لِأَنَّهُ بَعْض النَّاس قَدْ يأكل المنتن ولا يتأثر, بشرط ألا يكون مضرًا, فَإِذَا كَانَ غير مضر فتكون كراهية تنزيه وَالنَّاس يختلفون في هَذَا؛ لِأَنَّ بَعْض النَّاس قَدْ يأكله ولو كَانَ منتن.
فَإِن قِيلَ: مثل تقديد اللحم, قَدْ يبقى بَعْض أطرافه فِيهِ رائحة؟ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قدم له خبز شعير وإهالة سلخة متغيرة, وأكل مِنْهَا عليه الصلاة والسلام وَهُوَ أشرف الخلق, فالأقرب أَنَّهُ للتنزيه, ما لَمْ يكن مضرًا, ما دام غير مضر يكون للتنزيه, فَإِذَا كَانَ يشتهيه ويأكله وَهُوَ منتن فلا بأس, ما دام ما عَلَيْهِ ضرر.
(المتن)
التَّسْمِيَة عَلَى مَا لَمْ يسم عَلَيْهِ
وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيْ عِنْدَ ذَكَاتِهِ أَمْ لَا؟ قَالَ: سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ, تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ " أَنَّ قَوْمًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ " وَهِيَ هُنَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ بِلَفْظِ " قَالَتْ وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْكُفْرِ " وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ زِيَادَةٌ " وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ " وَالْحَدِيثُ قَدْ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ وَلَيْسَ بِعِلَّةٍ عِنْدَنَا عَلَى مَا عَرَفْت سِيَّمَا وَقَدْ وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ أَدِلَّةِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَعْلَمُوا التَّسْمِيَةَ فِيمَا يُجْلَبُ إلَى أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا مَا ذَبَحَهُ الْأَعْرَابُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ قَدْ عَرَفُوا التَّسْمِيَةَ.
(الشرح)
هَذَا من التنطع, يذهب إِلَى أسواق الْمُسْلِمِين وَيَقُولُ: أنتم سميت عليها أو ما سميتم؟ هَذَا فِيهِ تنطع الحمد لله, الأصل في اَلْمُسْلِم هكذا, لَيْسَ عَلَى الإنسان أن يتنطع ويتكلف, يَقُولُ: أنتم ذكرتم اسم الله ولا نسيتم, أو يَقُولُ كذا, ما يصح هَذَا.
فَإِن قِيلَ: في الحج بَعْض النَّاس يَقُولُ: أنا أذبح هديي بيدي؛ لِأَنَّ بَعْض الذابحين قَدْ يكون من أهل البدع المكفرة, من أصحاب القبور وغيرها؟ الظاهر يختارون ما في منهم من أصحاب القبور من الْمُشْرِكِينَ, لكن كونه يتولى ذبحه بيده أفضل؛ حَتَّى ولو كَانَ مسلم ملتزم, كونك تتولى بنفسك أفضل إِذَا تيسر.
(المتن)
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُظَنُّ بِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الْخَيْرَ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ وَيَكُونَ الْجَوَابُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: فَسَمُّوا إلَخْ مِنْ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ وَهُوَ جَوَابُ السَّائِلِ بِغَيْرِ مَا يَتَرَقَّبُ كَأَنَّهُ يَقُولُ الَّذِي يُهِمُّكُمْ أَنْتُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ.
(الشرح)
اللي همك أنت؛ أنت سمى الله, أَمَّا هُوَ اتركه هُوَ المسئول عنها وَهُوَ مسلم فلا تبحث, لكن عليك ما يخصك أنت إِذَا أردت أن تأكل تقول: بسم الله.
(المتن)
وَتَأْكُلُوا مِنْهُ وَهَذَا يُقَرِّرُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ إلَّا أَنْ نَحْمِلَ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى السَّلَامَةِ, وَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ مِنْ حَدِيثِ «الْمُؤْمِنُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ سَمَّى أَمْ لَمْ يُسَمِّ».
(الشرح)
هَذَا الحديث ضعيف فلا يعول عَلَيْهِ.
(المتن)
وَإِنْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ إنَّهُ صَحِيحٌ فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ إنَّهُ مُنْكَرٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَكَذَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ الصَّلْتِ السَّدُوسِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ» فَهُوَ مُرْسَلٌ وَإِنْ كَانَ الصَّلْتُ ثِقَةً فَالْإِرْسَالُ عِلَّةٌ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَرَاسِيلَ وَقَوْلُنَا فِيمَا تَقَدَّمَ إنَّهُ لَيْسَ الْإِرْسَالُ عِلَّةً نُرِيدُ إذَا أَعَلُّوا بِهِ حَدِيثًا مَوْصُولًا ثُمَّ جَاءَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى مُرْسَلًا.
النَّهْيُ عَنْ مَا يُقْتَلُ بِالْخَذْفِ مِنْ الصَّيْدِ
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْخَذْفِ» بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَفَاءٌ (وَقَالَ إنَّهَا) أَنَّثَ الضَّمِيرَ مَعَ أَنَّ مَرْجِعَهُ الْخَذْفُ وَهُوَ مُذَكَّرٌ نَظَرًا إلَى الْمَخْذُوفِ بِهِ وَهِيَ «الْحَصَاةُ لَا تَصِيدُ صَيْدًا وَلَا تَنْكَأُ بِفَتْحِ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ وَهَمْزَةٌ فِي آخِرِهِ عَدُوًّا وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ) الْخَذْفُ رَمْيُ الْإِنْسَانِ بِحَصَاةٍ أَوْ نَوَاةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا يَجْعَلُهُمَا بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ أَوْ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ. وَفِي تَحْرِيمِ مَا يُقْتَلُ بِالْخَذْفِ مِنْ الصَّيْدِ الْخِلَافُ الَّذِي مَضَى فِي صَيْدِ الْمُثَقَّلِ، لِأَنَّ الْحَصَاةَ تَقْتُلُ بِثِقَلِهَا لَا بِحَدٍّ.
(الشرح)
إِذَا رميت حصاة تقتل بالثقل ما في حد, الثقل هُوَ الَّذِي يقتل.
(المتن)
وَالْحَدِيثُ نَهَى عَنْ الْخَذْفِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَيُخَافُ مِنْهُ الْمَفْسَدَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَيَلْحَقُ بِهِ كُلُّ مَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا يُقْتَلُ بِالْبُنْدُقَةِ فَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ إذَا كَانَ الرَّمْيُ بِالْبَنَادِقِ وَبِالْخَذْفِ إنَّمَا هُوَ لِتَحْصِيلِ الصَّيْدِ وَكَانَ الْغَالِبُ فِيهِ عَدَمَ قَتْلِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا أَدْرَكَهُ الصَّائِدُ وَذَكَّاهُ كَرَمْيِ الطُّيُورِ الْكِبَارِ بِالْبَنَادِقِ. وَأَمَّا أَثَرُ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ " الْمَقْتُولَةُ بِالْبُنْدُقَةِ تِلْكَ الْمَوْقُوذَةُ " فَهَذَا فِي الْمَقْتُولَةِ بِالْبُنْدُقَةِ، وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي الَّذِي لَا يَقْتُلُهَا وَإِنَّمَا يَحْبِسُهَا عَلَى الرَّامِي حَتَّى يُذَكِّيَهَا، وَكَلَامُ أَكْثَرِ السَّلَفِ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مَا قُتِلَ بِالْبُنْدُقَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قُتِلَ بِالْمُثَقَّلِ.
(قُلْت) وَأَمَّا الْبَنَادِقُ الْمَعْرُوفَةُ الْآنَ فَإِنَّهَا تَرْمِي بِالرَّصَاصِ فَيَخْرُجُ وَقَدْ صَيَّرَتْهُ نَارَ الْبَارُودِ كَالْمِيلِ فَيَقْتُلُ بِحَدِّهِ لَا بِصَدْمِهِ فَالظَّاهِرُ حِلُّ مَا قَتَلَتْهُ.
(الشرح)
كأن البندقة عندهم شيء يرمى بثقله, كأنه حجر أو مشابه يرمي بثقله, هَذَا إِذَا رمى الصيد الكبار وسقطت وَلَمْ تمت تأخذها وتذبحها, فَإِن ماتت فلا, ترمي بها حَتَّى تأخذها ثُمَّ تذكيها, أنت, أَمَّا إِذَا قتلها هَذَا كَانَ البندقة عندهم شيء هكذا, غير البنادق المعروفة عندنا.
البنادق الموجودة الآن ترمى بالرصاص, الرصاص تخرجه النَّاس محدب, لكن البندقة الَّتِي يقصدها غير البندقة هَذَا, كانت بندقة شيء يرمى بها وَهُوَ يقتل بثقله, كالحجر كأن يجعل فِيهِ حجر أو يجعل فِيهِ شيء ثقيل ثُمَّ يرمى بِهِ, فَإِن قتله بثقله فلا, وإن ضرب صيد كبير وسقط وَلَمْ يمت وسقط الطائر وذبحته فلا بأس.
إِذَا أدركه يَجِبُ عَلَيْهِ أن يذكيه لو كَانَ حيًا؛ حَتَّى ولو ضرب بمحدد.
(المتن)
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا» بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ فَضَادٌ مُعْجَمَةٌ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْهَدَفُ يُرْمَى إلَيْهِ ثُمَّ جُعِلَ اسْمًا لِكُلِّ غَايَةٍ يَتَحَرَّى إدْرَاكُهَا (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) الْحَدِيثُ نَهْيٌ عَنْ جَعْلِ الْحَيَوَانِ هَدَفًا يُرْمَى إلَيْهِ وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ وَيُؤَيِّدُهُ قُوَّةُ حَدِيثِ «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا لِمَا مَرَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَائِرٌ قَدْ نُصِبَ وَهُمْ يَرْمُونَهُ» . وَوَجْهُ حِكْمَةِ النَّهْيِ أَنَّ فِيهِ إيلَامًا لِلْحَيَوَانِ وَتَضْيِيعًا لِمَالِيَّتِهِ وَتَفْوِيتًا لِذَكَاتِهِ إنْ كَانَ مِمَّا يُذَكَّى وَلِمَنْفَعَتِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُذَكًّى.