بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:
ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ, الْحَدِيثُ لَهُ طُرُقٌ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِأَسَانِيدِهِ كُلِّهَا وَقَالَ الْجُوَيْنِيُّ: إنَّهُ صَحِيحٌ لَا يَتَطَرَّقُ احْتِمَالٌ إلَى مَتْنِهِ وَلَا ضَعْفٌ إلَى سَنَدِهِ، وَتَابَعَهُ الْغَزَالِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ يُعْمَلُ بِهِ، وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ. وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَفِيهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِمَّا يُؤَيِّدُ الْعَمَلُ بِهِ؛ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَنِينَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَيِّتًا بَعْدَ ذَكَاتِهَا فَهُوَ حَلَالٌ مُذَكًّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ حَتَّى قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَمْ يَرِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْجَنِينَ لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِاسْتِئْنَافِ الذَّكَاةِ فِيهِ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَلِكَ لِصَرَاحَةِ الْحَدِيثِ فِيهِ، فَفِي لَفْظٍ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ» أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ.
فَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَيْ أَنَّ ذَكَاتَهُ حَصَلَتْ بِسَبَبِ ذَكَاةِ أُمِّهِ أَوْ ظَرْفِيَّةٌ لِيُوَافِقَ مَا عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ أَيْضًا «ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ» وَاشْتَرَطَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَشْعَرَ لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «إذَا أَشْعَرَ الْجَنِينُ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» لَكِنَّهُ قَالَ الْخَطِيبُ: تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأِ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ أَصَحُّ وَعُورِضَ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ» وَفِيهِ ضَعْفٌ لِسُوءِ حِفْظِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ» رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَفْعُهُ عَنْهُ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ (قُلْت) وَالْمَوْقُوفَانِ عَنْهُ قَدْ صَحَّا وَتَعَارَضَا فَيُطْرَحَانِ وَيُرْجَعُ إلَى إطْلَاقِ حَدِيثِ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ.
(الشرح)
تعارضا فتساقطا.
(المتن)
وَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ الْجَنِينَ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا مِنْ الْمُذَكَّاةِ فَإِنَّهُ مَيْتَةٌ لِعُمُومِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}[المائدة/3] وَكَذَا لَوْ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ إذَا خَرَجَ حَيًّا فَهُوَ ذَكَاةُ أُمِّهِ.
(الشرح)
هَذَا من أبعد ما يكون.
(المتن)
قَالَهُ فِي الْبَحْرِ (قُلْت) وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إلْغَاءٌ لِلْحَدِيثِ عَنْ الْإِفَادَةِ فَإِنَّهُ هُوَ خُلْفٌ مَعْلُومٌ أَنَّ ذَكَاةَ الْحَيِّ مِنْ الْأَنْعَامِ ذَكَاةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ جَنِينٍ وَغَيْرِهِ كَيْفَ وَرِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظِ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ» فَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِرِوَايَةِ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَفِي أُخْرَى بِذَكَاةِ أُمِّهِ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُسْلِمُ يَكْفِيهِ اسْمُهُ» الضَّمِيرُ لِلْمُسْلِمِ وَقَدْ فَسَّرَهُ حَدِيثُ الْبَيْهَقِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِيهِ «فَإِنَّ الْمُسْلِمَ فِيهِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ» «فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ حِينَ يَذْبَحُ فَلْيُسَمِّ ثُمَّ لِيَأْكُلْ» . أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِيهِ رَاوٍ فِي حِفْظِهِ ضَعْفٌ) بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ وَهُوَ صَدُوقٌ ضَعِيفُ الْحِفْظِ. وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ بِلَفْظِ: «ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَمْ يَذْكُرْ» وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ) وَفِي الْبَابِ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهَا لَا تُقَاوِمُ مَا سَلَفَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّهَا تَفُتُّ فِي عَضُدِ وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ مُطْلَقًا وَتَجْعَلُ تَرْكَ أَكْلِ مَا لَمْ يُسَمَّ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ التَّوَرُّعِ.
(الشرح)
الصواب أَنَّهُ يصح ولَيْسَ من باب التورع.