بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:
بَابُ الْأَضَاحِيِّ
الْأَضَاحِيُّ جَمْعُ أُضْحِيَّةٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَيَجُوزُ حَذْفُ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُ الضَّادِ كَأَنَّهَا اُشْتُقَّتْ مِنْ اسْمِ الْوَقْتِ الَّذِي شُرِعَ ذَبْحُهَا فِيهِ وَبِهَا سُمِّيَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْأَضْحَى.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ وَيُسَمِّي وَيُكَبِّرُ وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» بِالْمُهْمَلَتَيْنِ الْأُولَى مَكْسُورَةٌ. وَفِي النِّهَايَةِ صَفْحَةُ كُلِّ شَيْءٍ وَجْهُهُ وَجَانِبُهُ وَفِي لَفْظٍ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ. وَفِي لَفْظٍ سَمِينَيْنِ. وَلِأَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ. أَيْ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (ثَمِينَيْنِ بِالْمُثَلَّثَةِ بَدَلَ السِّينِ) هَذَا مَدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ أَحَدِ الرُّوَاةِ أَوْ أَبِي عَوَانَةَ أَوْ الْمُصَنِّفِ (وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ) مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ (وَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) الْكَبْشُ هُوَ الثَّنِيُّ إذَا خَرَجَتْ رُبَاعِيَّتُهُ وَالْأَمْلَحُ الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ وَقِيلَ: الَّذِي يُخَالِطُ بَيَاضَهُ شَيْءٌ مِنْ سَوَادٍ وَقِيلَ: الَّذِي يُخَالِطُ بَيَاضُهُ حُمْرَةً وَقِيلَ هُوَ الَّذِي فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ وَالْبَيَاضُ أَكْثَرُهَا وَالْأَقْرَنُ هُوَ الَّذِي لَهُ قَرْنَانِ. وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ التَّضْحِيَةَ بِالْأَقْرَنِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَجَازُوهَا بِالْأَجَمِّ الَّذِي لَا قَرْنَ لَهُ أَصْلًا.
(الشرح)
الَّذِي لَيْسَ له قرن لا بأس بالتضحية, لكن الأفضل الأقرن, أَمَّا مكسور القرن ففيه خلاف إِذَا كَانَ له قرن ومكسور أكثر من النصف يعتبر عيب, لكن الَّذِي لَيْسَ له قرن من الأساس لا بأس يسمى الأجم, وإن كَانَ الأقرن أفضل.
(المتن)
وَاخْتَلَفُوا فِي مَكْسُورِ الْقَرْنِ فَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ وَعِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ لَا يُجْزِئُ إذَا كَانَ الْقَرْنُ الذَّاهِبُ مِمَّا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ. اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الْأَمْلَحِ قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّ أَفْضَلَهَا عِنْدَ الصَّحَابَةِ الْبَيْضَاءُ ثُمَّ الصَّفْرَاءُ ثُمَّ الْغَبْرَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا يَصْفُو بَيَاضُهَا، ثُمَّ الْبَلْقَاءُ وَهِيَ الَّتِي بَعْضُهَا أَسْوَدُ وَبَعْضُهَا أَبْيَضُ، ثُمَّ السَّوْدَاءُ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ (يَطَأُ فِي سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ (فَمَعْنَاهُ أَنَّ قَوَائِمَهُ وَبَطْنَهُ وَمَا حَوْلَ عَيْنَيْهِ أَسْوَدُ (قُلْت) إذَا كَانَتْ الْأَفْضَلِيَّةُ فِي اللَّوْنِ مُسْتَنِدَةً إلَى مَا ضَحَّى بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَتَطَلَّبْ لَوْنًا مُعَيَّنًا حَتَّى يَحْكُمَ بِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ بَلْ ضَحَّى بِمَا اتَّفَقَ لَهُ وَتَيَسَّرَ حُصُولُهُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ لَوْنٍ مِنْ الْأَلْوَانِ.
وَقَوْلُهُ: (وَيُسَمِّي وَيُكَبِّرُ) فَسَّرَهُ لَفْظُ مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ " بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " أَمَّا التَّسْمِيَةُ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا.
(الشرح)
التذكية واجبة مَعَ التذكية, وَإِذَا تركها عمدًا فلا تصح الذبيحة عَلَى الصحيح, قَالَ بَعْض العلماء: لو تركها سهوًا لا تصح, وَقَالَ آخرون: تصح ولو تركها عامدًا, لكن الصواب التفصيل أَنَّهُ إِذَا ترك تسمية الصيد والذبيحة عمدًا فلا تصح, لقوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُون}[الأنعام/121].
أَمَّا إِذَا تركها سهوًا فَهُوَ معفو عنه, الأدلة دلت عَلَى أن الناسي معفو عنه, قَالَ الله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة/286]؛ قَالَ الله: قَدْ فعلت.
(المتن)
وَأَمَّا التَّكْبِيرُ فَكَأَنَّهُ خَاصٌّ بِالتَّضْحِيَةِ وَالْهَدْيِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}[البقرة/185].
(الشرح)
والتكبير مستحب, غير التسمية فَهِيَ واجبة, وَهِيَ خاصة بالهدي والأضاحي, وَإِذَا ذبح الإنسان ذبيحة من غير الهدي ولا الأضاحي ما يحتاج إِلَى تكبير, يَقُولُ: بسم الله, بَعْض العامة تجده يلازم التكبير, كُلّ ذبيحة بسم الله والله أكبر, التكبير في الهدي والأضاحي.
(المتن)
وَأَمَّا وَضْعُ رِجْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى صَفْحَةِ الْعُنُقِ وَهِيَ جَانِبُهُ فَلِيَكُونَ أَثْبَتَ لَهُ وَأَمْكَنَ لِئَلَّا تَضْطَرِبَ الضَّحِيَّةُ. وَدَلَّ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ أَنَّهُ يَتَوَلَّى الذَّبْحَ بِنَفْسِهِ نَدْبًا.
(الشرح)
عَلَى الأفضل إِن تيسر للإنسان بنفسه وإن لَمْ يتيسر يوكل مسلم أن يذبح هُوَ ويكون هُوَ حاضر يشهد, التسمية للذابح هون الَّذِي يتولى هَذَا, ما في نيابة هنا, مثل الوضوء ما يتوضأ أحد عَنْ أحد, ومثل الصَّلَاة لا يصلي أحد عَنْ أحد, والذبيحة ما أحد يسمى عَنْ الذابح, أو عَنْ الصيد, واحد يرمي وواحد يسمي لا, يتولى هَذَا الصائد أو الذابح.
(المتن)
وَلَهُ مِنْ حَدِيثٍ أَيْ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ (عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ فَقَالَ لَهَا يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ ثُمَّ قَالَ اشْحَذِيهَا» أَيْ الْمُدْيَةَ تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا وَهُوَ بِمَعْنَى وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ (بِحَجَرٍ فَفَعَلَتْ ثُمَّ أَخَذَهَا) أَيْ الْمُدْيَةَ (وَأَخَذَهُ فَأَضْجَعَهُ) أَيْ الْكَبْشَ «ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إضْجَاعُ الْغَنَمِ وَلَا تُذْبَحُ قَائِمَةً وَلَا بَارِكَةً لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهَا وَعَلَيْهِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ وَيَكُونُ الْإِضْجَاعُ عَلَى جَانِبِهَا الْأَيْسَرِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لِلذَّابِحِ فِي أَخْذِ السِّكِّينِ بِالْيُمْنَى وَإِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِالْيَسَارِ.
وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بِقَبُولِ الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ، وَقَدْ قَالَ الْخَلِيلُ وَالذَّبِيحُ عِنْدَ عِمَارَةِ الْبَيْتِ {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[البقرة/127].
(الشرح)
الخليل إبراهيم والذبيح إسماعيل عليهما السلام.
(المتن)
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عِنْدَ التَّضْحِيَةِ وَتَوْجِيهِهَا لِلْقِبْلَةِ {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ}[الأنعام/79]- الْآيَةَ وَدَلَّ قَوْلُهُ: (وَآلِ مُحَمَّد) وَفِي لَفْظِ (عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ) أَنَّهُ تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ مِنْ الرَّجُلِ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَيُشْرِكُهُمْ فِي ثَوَابِهَا وَأَنَّهُ يَصِحُّ نِيَابَةُ الْمُكَلَّفِ عَنْ غَيْرِهِ فِي فِعْلِ الطَّاعَاتِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْغَيْرِ أَمْرٌ وَلَا وَصِيَّةٌ فَيَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ صَلَاةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا.
(الشرح)
إهداء الثواب وإهداء الصَّلَاة فِيهِ خلاف, إهداء الصيام وقراءة الْقُرْآن والتسبيح هَذَا فِيهِ خلاف بين أهل العلم, والوارد إِنَّمَا هُوَ الدعاء له والصدقة والحج والعمرة, هَذِهِ أربعة أشياء وما عدا ذَلِكَ ففيه خلاف والأرجح المنع, كونه يصلي عنه أو يصوم إِلَّا ما ورد بِهِ الدَّلِيل كقوله عليه الصلاة والسلام: «من مات وَعَلَيْهِ صيام صام عنه وليه», الصوم الواجب النذر, وَأَمَّا صوم النفل يصوم عنه استحبابًا أو يصلي عنه, أو يطوف بالبيت سبعة أشواط وينوي عنه, أو يقرأ الْقُرْآن وينوي ثوابه, أو يسبح وينوي ثواب للميت, هَذَا قَالَ بِهِ بَعْض العلماء قياسًا عَلَى الأمور الأربعة, ومنع من ذَلِكَ آخرون؛ لِأَنَّ العبادات أصلها المنع والحظر, العبادة توقيفية.
الأربعة: الدعاء والصدقة والحج والعمرة والأضحية داخلة في الصدقة, الشارح مشى عَلَى القول بإهداء ثواب الصَّلَاة, العبادات توقيفية والأصل هُوَ المنع والحظر, ما يشرع عبادة إِلَّا بدليل, بخلاف البيوع الأصل فِيهَا الجواز والحل, لكن الذبائح الأصل فِيهَا المنع, والأضلاع الأصل فِيهَا المنع والحظر, والنكاح والفروج الأصل فِيهَا المنع والحظر, والذبائح الأصل فِيهَا المنع والحظر, والعبادات الأصل فِيهَا الحظر والمنع.
لو جاء واحد وشرع عبادة نَقُوْلُ: هات الدَّلِيل, ما في عبادة إِلَّا بدليل, لكن البيوع الأصل فِيهَا الإباحة والحل, كَذَلِكَ المأكولات الأصل فِيهَا الإباحة والحل.
(المتن)
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَدَلَّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ أَبَرُّهُمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا فَكَيْفَ لِي بِبِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ مِنْ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لَهُمَا مَعَ صَلَاتِك وَأَنْ تَصُومَ لَهُمَا مَعَ صِيَامِكَ».
(الشرح)
هُوَ حديث ضعيف تكلمت عَلَيْهِ في تخريج أحاديث حاشية ابن عبدين, والضعيف ما يعول عَلَيْهِ ما يصح هَذَا, وفي حديث أَيْضًا: «لا يصلي أحد عَنْ أحد ولا يصوم أحد عَنْ أحد». هَذَا أَيْضًا ضعيف, مقابله.