بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:
شُرُوط الْأُضْحِيَّة وَحُكْمهَا
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَرَجَّحَ الْأَئِمَّةُ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْحَاكِمِ وَقْفَهُ, وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ التَّضْحِيَةِ عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ.
(الشرح)
الصواب أن هَذَا الحديث موقوف وَأَيْضًا في سنده علة فلا يصح, وَهُوَ دَلِيل الظاهرية عَلَى وجوب الأضحية, الأضحية سُنَّة مؤكدة ما ينبغي الإخلال بها, وَهِيَ من السنن الَّتِي ينبغي إشاعتها وإظهارها في القرى والأمصار, وبين الأهل والأولاد, فينبغي أن تذبح في البلد أو في البيت حَتَّى يرها الأولاد والأهل والأطفال, ويعرفون هَذِهِ السُّنَّة, وما يفعله بَعْض النَّاس من أَنَّهُمْ يذبحونها في بلاد بعيدة خارج هَذَا لَيْسَ بجيد؛ بَلْ هُوَ خلاف السُّنَّة, يأخذون تبرعات من النَّاس ويذبحون الضحايا في الخارج, هَذَا لَيْسَ بجيد, ولا ينبغي هَذَا, ينبغي للإنسان أن تكون الأضحية في بيته وفي بلده واللي في الخارج يعطيهم تبرعات, بَعْض الجمعيات يتساهلون يأخذون من النَّاس تبرعات ويذبحون, وَكَذَلِكَ زكاة الفطر أَيْضًا يأخذونها في الخارج وَمَعَ أن الزَّكَاة عَلَى البدن وَهَذَا لَيْسَ بجيد, وغالب الَّذِي يتولى هَذِهِ المؤسسات ما عندهم علم أو ما عندهم بصيرة, بس التبرعات للخارج للخارج, زكاة الفطر هَذِهِ عَنْ البدن لَابُدَّ أن تكون في البلد ما تكون في الخارج, والأضحية كَذَلِكَ في البلد, ومن تبرع تبرع فالحمد لله الخير كثير والتجارة في الأموال كثيرة, لكن الأضحية في البلد تكون, وزكاة الفطر تكون في البلد عَنْ البدن, ما تنقل إِلَى الخارج.
فَإِن قِيلَ: ما تيسر له ذبح الأضحية في بلده كالرياض وحج هل للحاج أن يجمع بين الهدي والأضحية في مكة؟ ما يجتمعان لكن ليست واجبة والحمد لله, الرَّسُوْل صلى الله عليه وسلم حج وذبح عَنْ نسائه البقر وَهُوَ في حجة الوداع, عليه الصلاة والسلام ذبح مائة جمل, مائة بعير.
(المتن)
لِأَنَّهُ لَمَّا نَهَى عَنْ قُرْبَانِ الْمُصَلَّى دَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا كَأَنَّهُ يَقُولُ لَا فَائِدَةَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ تَرْكِ هَذَا الْوَاجِبِ.
(الشرح)
لو صح الحديث لكن الحديث ما يصح هُوَ موقوف.
(المتن)
وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر/2] وَلِحَدِيثِ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ مَرْفُوعًا «عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ» دَلَّ لَفْظُهُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَالْوُجُوبُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ أَوْجَبَهَا عَلَى الْمُعْدِمِ وَالْمُوسِرِ.
(الشرح)
يَعْنِي عل الفقير والغني.
(المتن)
وَقِيلَ لَا تَجِبُ وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مَوْقُوفٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَالثَّانِي ضَعْفٌ بِأَبِي رَمْلَةَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إنَّهُ مَجْهُولٌ وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ فَقَدْ فُسِّرَ قَوْلُهُ {وَانْحَرْ}[الكوثر/2] بِوَضْعِ الْكَفِّ عَلَى النَّحْرِ فِي الصَّلَاةِ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ شَاهِينَ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ رِوَايَاتٌ عَنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَوْ سُلِّمَ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ النَّحْرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ تَعْيِينٌ لِوَقْتِهِ لَا لِوُجُوبِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ إذَا نَحَرْت فَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْحَرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَأُمِرَ أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَنْحَرُ» وَلِضَعْفِ أَدِلَّةِ الْوُجُوبِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بَلْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ فَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا بَشَرِهِ شَيْئًا».
قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ قَوْلَهُ (فَأَرَادَ أَحَدُكُمْ) يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ.
(الشرح)
يَعْنِي جعل الإرادة إليه.
(المتن)
وَلِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أُمِرْت بِيَوْمِ الْأَضْحَى عِيدًا جَعَلَ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ. فَقَالَ الرَّجُلُ فَإِنْ لَمْ أَجِدْ إلَّا مَنِيحَةَ أُنْثَى أَوْ شَاةَ أَهْلِي وَمَنِيحَتَهُمْ أَذْبَحُهَا؟ قَالَ: لَا» - الْحَدِيثَ وَلِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرْضٌ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ وَعَدَّ مِنْهَا الضَّحِيَّةَ» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى بِلَفْظِ «كُتِبَ عَلَيَّ النَّحْرُ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ» رُبَّمَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا ضَحَّى قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي» وَأَفْعَالُ الصَّحَابَةِ دَالَّةٌ عَلَى عَدَمِ الْإِيجَابِ. فَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ خَشْيَةَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِمَا وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا حَضَرَ الْأَضْحَى أَعْطَى مَوْلًى لَهُ دِرْهَمَيْنِ فَقَالَ اشْتَرِ بِهِمَا لَحْمًا وَأَخْبِرْ النَّاسَ أَنَّهُ ضَحَّى ابْنُ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ أَنَّ بِلَالًا ضَحَّى بِدِيكٍ.
(الشرح)
كُلّ هَذَا اجتهادات, الصواب أن الديك لا يجزئ إِلَّا بهيمة الأنعام, وَكَذَلِكَ اللحم لا يجزئ, لو صح يكون هَذَا اجتهاد, لَابُدَّ أن يشتري شاةً بلغت السن الضأن ما له ستة أشهر, والماعز ما له سنة, أو سبع بدنة أو سبع بقرة, وَأَمَّا شراء اللحم ما يجزئ, وَكَذَلِكَ الديك لَابُدَّ أن يكون من بهيمة الأنعام, هَذِهِ أقوال شاذة لا يعول عليها, ولو صحت يكون اجتهاد.
(المتن)
وَمِثْلُهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالرِّوَايَاتُ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ.
وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جُنْدُبُ بْنُ سُفْيَانِ الْبَجَلِيُّ الْعَلْقَمِيُّ الْأَحْمَسِيُّ، كَانَ بِالْكُوفَةِ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الْبَصْرَةِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَمَاتَ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ قَالَ «شَهِدْت الْأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ بِالنَّاسِ نَظَرَ إلَى غَنَمٍ قَدْ ذُبِحَتْ فَقَالَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيَذْبَحْ شَاةً مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(الشرح)
وجوب التسمية معروف من الأدلة الكثيرة.
(المتن)
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ التَّضْحِيَةِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِيدِ فَلَا تُجْزِئُ قَبْلَهُ وَالْمُرَادُ صَلَاةُ الْمُصَلِّي نَفْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَأَنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ فِي قَوْلِهِ الصَّلَاةُ يُرَادُ بِهَا الْمَذْكُورَةُ قَبْلَهَا وَهِيَ صَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ فَقَالَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَخُطْبَتِهِ وَذَبْحِهِ وَدَلِيلُ اعْتِبَارِ ذَبْحِ الْإِمَامِ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ فَتَقَدَّمَ رِجَالٌ فَنَحَرُوا وَظَنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَحْرَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا» وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ زَجْرُهُمْ عَنْ التَّعْجِيلِ الَّذِي قَدْ يُؤَدِّي إلَى فِعْلِهَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَلِذَا لَمْ يَأْتِ فِي الْأَحَادِيثِ إلَّا تَقْيِيدُهَا بِصَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَحْمَدُ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَبْحَهُ، وَنَحْوُهُ عَنْ الْحَسَنِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ؛ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَدَاوُد: وَقْتُهَا إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَمَضَى قَدْرُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَخُطْبَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ وَلَا صَلَّى الْمُضَحِّي.
(الشرح)
والصواب أن هَذَا لأهل البوادي, أَمَّا في البلد لَابُدَّ أن يصلي بَعْدَ صلاة الإمام في المدن والقرى.
(المتن)
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ظَوَاهِرُ الْحَدِيثِ تَدُلُّ عَلَى تَعْلِيقِ الذَّبْحِ بِالصَّلَاةِ لَكِنْ لَمَّا رَأَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ مَنْ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ مُخَاطَبٌ بِالتَّضْحِيَةِ حَمَلَ الصَّلَاةَ عَلَى وَقْتِهَا.
(الشرح)
لِأَنَّ أهل البوادي ما عَلَيْهِمْ صلاة عيد, صلاة العيد إِنَّمَا في القرى والمدن.
(المتن)
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: هَذَا اللَّفْظُ أَظْهَرُ فِي اعْتِبَارِ قَبْلِ الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى» قَالَ لَكِنْ إنْ أَجْرَيْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ اقْتَضَى أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ الْأُضْحِيَّةُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعِيدَ، فَإِنْ ذَهَبَ إلَيْهِ أَحَدٌ فَهُوَ أَسْعَدُ النَّاسِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِلَّا وَجَبَ الْخُرُوجُ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَيَبْقَى مَا عَدَاهَا فِي مَحَلِّ الْبَحْثِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَهَى أَنْ يَذْبَحَ أَحَدٌ قَبْلَ الصَّلَاةِ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَقَدْ عَرَفْت الْأَقْوَى دَلِيلًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي ابْتِدَاءِ وَقْتِ الضَّحِيَّةِ وَأَمَّا انْتِهَاؤُهُ فَأَقْوَالٌ فَعِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ الْعَاشِرُ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنْ أَيَّامَ الْأَضْحَى أَرْبَعَةٌ: يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةٌ بَعْدَهُ؛ وَعِنْدَ دَاوُد وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ يَوْمُ النَّحْرِ فَقَطْ إلَّا فِي مِنًى فَيَجُوزُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ، وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ، قَالَ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ مَا هِيَ فِي قَوْله تَعَالَى {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}[الحج/28] الْآيَةَ فَقِيلَ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ الْعَشْرُ الْأَوَّلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَالسَّبَبُ الثَّانِي مُعَارَضَةُ دَلِيلِ الْخِطَابِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ وَكُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ» فَمَنْ قَالَ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ إنَّهَا يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الضَّحَايَا الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ضَلْعُهَا وَالْكَبِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي» بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيْ الَّتِي لَا نِقْيَ لَهَا بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُوَ الْمُخُّ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ) وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا وَصَوَّبَ كَلَامَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ لَمْ يُخْرِجْهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَحَسَّنَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ مَا أَحْسَنَهُ مِنْ حَدِيثٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ صَحِيحٌ حَسَنٌ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ الْعُيُوبِ مَانِعَةٌ مِنْ صِحَّةِ التَّضْحِيَةِ وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ الْعُيُوبِ، فَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّهُ لَا عَيْبَ غَيْرُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا مِمَّا كَانَ أَشَدَّ مِنْهَا أَوْ مُسَاوِيًا لَهَا كَالْعَمْيَاءِ وَمَقْطُوعَةِ السَّاقِ.
وَقَوْلُهُ (الْبَيِّنُ عَوَرُهَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ يُعْفَى عَمَّا كَانَ الذَّاهِبُ الثُّلُثَ فَمَا دُونَ وَكَذَا فِي الْعَرَجِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْعَرْجَاءُ إذَا تَأَخَّرَتْ عَنْ الْغَنَمِ لِأَجْلِهِ فَهُوَ بَيِّنٌ. وَقَوْلُهُ (ضَلْعُهَا) أَيْ اعْوِجَاجُهَا.