بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:
وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ أَنْ يُعَقَّ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ» وَفِي رِوَايَةٍ مُكَافِئَتَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ.
(الشرح)
متماثلات يَعْنِي متكافئتان في السن وفي اللون وفي الحجم يَعْنِي إِذَا أمكن.
(المتن)
«وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنِّي لَمْ أَجِدْ لَفْظَةَ " أَنْ يُعَقَّ " فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد: مَعْنَى مُكَافِئَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ أَوْ مُتَقَارِبَتَانِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُرَادُ التَّكَافُؤُ فِي السِّنِّ فَلَا تَكُونُ إحْدَاهُمَا مُسِنَّةً وَالْأُخْرَى غَيْرَ مُسِنَّةٍ بَلْ يَكُونَانِ مِمَّا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ يُذْبَحَ إحْدَاهُمَا مُقَابِلَةً لِلْأُخْرَى.
دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ يُعَقُّ عَنْ الْغُلَامِ بِضِعْفِ مَا يُعَقُّ عَنْ الْجَارِيَةِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد لِهَذَا الْحَدِيثِ. وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَمَالِكٌ إلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ لِلْحَدِيثِ الْمَاضِي (وَأُجِيبَ) بِأَنَّ ذَلِكَ فِعْلٌ وَهَذَا قَوْلٌ وَالْقَوْلُ أَقْوَى، وَبِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ عَنْ الذَّكَرِ كَبْشًا لِبَيَانِ أَنَّهُ يُجْزِئُ، وَذَبْحُ الِاثْنَيْنِ مُسْتَحَبٌّ، عَلَى أَنَّهُ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بِلَفْظِ كَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ. وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مِثْلُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَعَارُضَ.
وَفِي إطْلَاقِ لَفْظِ الشَّاةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَمِنْ اشْتَرَطَهَا فَبِالْقِيَاسِ.
(الشرح)
والصواب أَنَّهُ يشترط, فلا يجزئ أقل من ستة أشهر في الشهر ولا أقل من سنة من الماعز, ولا يجزئ أَيْضًا ما فِيهِ عيبٌ كالعوراء البين عروها, والعرجاء البين عرجها, والهزيلة الَّتِي لا مخ فِيهَا, والمريضة البين مرضها هَذِهِ لا تجزئ لا في الأضاحي ولا في العقيقة.
(المتن)
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ أُمِّ كُرْزٍ, بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا زَايٌ الْكَعْبِيَّةِ الْمَكِّيَّةِ صَحَابِيَّةٌ لَهَا أَحَادِيثُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّقْرِيبِ (نَحْوُهُ) أَيْ نَحْوُ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَلَفْظُهُ فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ سِبَاعِ بْنِ ثَابِتٍ أَنْ مُحَمَّدَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ سِبَاعٍ أَخْبَرَهُ «أَنَّ أُمَّ كُرْزٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعَقِيقَةِ قَالَ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنْ الْأُنْثَى وَاحِدَةٌ وَلَا يَضُرُّكُمْ أَذُكْرَانًا كُنَّ أَمْ إنَاثًا» قَالَ أَبُو عِيسَى - يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ - حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ يُفِيدُ مَا يُفِيدُ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ. .
وَعَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ غُلَامٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ) وَهَذَا هُوَ حَدِيثُ الْعَقِيقَةِ الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ الْحَسَنُ مِنْ سَمُرَةَ وَاخْتَلَفُوا فِي سَمَاعِهِ لِغَيْرِهِ مِنْهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ فَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَهُوَ طِفْلٌ لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَشْفَعُ لِأَبَوَيْهِ (قُلْت) وَنَقَلَهُ الْحَلِيمِيُّ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ وَهُمَا إمَامَانِ عَالَمَانِ مُتَقَدِّمَانِ عَلَى أَحْمَدَ.
وَقِيلَ إنَّ الْمَعْنَى الْعَقِيقَةُ لَازِمَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا فَشُبِّهَ لُزُومُهَا لِلْمَوْلُودِ بِلُزُومِ الرَّهْنِ لِلْمَرْهُونِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ يُقَوِّي قَوْلَ الظَّاهِرِيَّةِ بِالْوُجُوبِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مَرْهُونٌ بِأَذَى شَعْرِهِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ " فَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى " وَيُقَوِّي قَوْلَ أَحْمَدَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: إنَّ النَّاسَ يُعْرَضُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْعَقِيقَةِ كَمَا يُعْرَضُونَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَهَذَا دَلِيلٌ - لَوْ ثَبَتَ - لِمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِالْيَوْمِ السَّابِعِ كَمَا دَلَّ مَا مَضَى وَدَلَّ لَهُ هَذَا أَيْضًا.
وَقَالَ مَالِكٌ: تَفُوتُ بَعْدَهُ وَقَالَ مَنْ مَاتَ قَبْلَ السَّابِعِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْعَقِيقَةُ.
وَلِلْعُلَمَاءِ خِلَافٌ فِي الْعَقِّ بَعْدَهُ وَفِي قَوْلِهَا أَمَرَهُمْ أَيْ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَعِقَّ كُلُّ مَوْلُودٍ لَهُ عَنْ وَلَدِهِ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ لِلْمَوْلُودِ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَبِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يَمْتَنِعَ وَأُخِذَ مِنْ لَفْظِ تُذْبَحُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَنَّهُ يُجْزِئُ أَنْ يَعِقَّ عَنْهُ الْأَجْنَبِيُّ وَقَدْ تَأَيَّدَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنَيْنِ كَمَا سَلَفَ إلَّا أَنَّهُ يُقَالُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُوهُمَا كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ «كُلُّ بَنِي أُمٍّ يَنْتَمُونَ إلَى عَصَبَةٍ إلَّا وَلَدَ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَنَا وَلِيُّهُمْ وَأَنَا عَصَبَتُهُمْ» وَفِي لَفْظٍ " وَأَنَا أَبُوهُمْ " أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لَمَّا وَلَدَتْ حَسَنًا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَعُقُّ عَنْ وَلَدِي بِدَمٍ؟ قَالَ لَا وَلَكِنْ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِ شَعْرِهِ فِضَّةً» فَهُوَ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ مَا ذَبَحَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَأَنَّهَا ذَكَرَتْ هَذَا فَمَنَعَهَا ثُمَّ عَقَّ عَنْهُ وَأَرْشَدَهَا إلَى تَوَلِّي الْحَلْقَ وَالتَّصَدُّقَ وَهَذَا أَقْرَبُ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَأْذِنُهُ إلَّا قَبْلَ ذَبْحِهِ وَقَبْلَ مَجِيءِ وَقْتِ الذَّبْحِ وَهُوَ السَّابِعُ.
وَفِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ " وَيُحْلَقُ " دَلِيلٌ عَلَى شَرْعِيَّةِ حَلْقِ رَأْسِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَظَاهِرُهُ عَامٌّ لِحَلْقِ رَأْسِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ. وَحَكَى الْمَازِرِيُّ كَرَاهَةَ حَلْقِ رَأْسِ الْجَارِيَةِ وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ تُحْلَقُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ.
(الشرح)
والأقرب الكراهة؛ لِأَنَّ الأنثى لَيْسَ من شأنها حلق الرأس.
(المتن)
وَأَمَّا تَثْقِيبُ أُذُنِ الصَّبِيَّةِ لِأَجْلِ تَعْلِيقِ الْحُلِيِّ فِيهَا الَّذِي يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ وَقَبْلَهَا فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: إنَّهُ لَا يَرَى فِيهِ رُخْصَةً فَإِنَّ ذَلِكَ جُرْحٌ مُؤْلِمٌ وَمِثْلُهُ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَالْخِتَانِ، وَالتَّزَيُّنُ بِالْحُلِيِّ غَيْرُ مُهِمٍّ فَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُعْتَادًا فَهُوَ حَرَامٌ وَالْمَنْعُ مِنْهُ وَاجِبٌ وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْأُجْرَةُ الْمَأْخُوذَةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ اهـ.
(الشرح)
هَذَا ما أنزل الله بِهِ من سلطان, هَذَا شيء يسير لمصلحة راجحة مثل الختان, هَذَا شيء يسير يثقب أذنها ما يضيرها الشيء اليسير والمصلحة راجحة هَذَا شيء مستثنى, صحيح فِيهِ أذي للصبية أول ما يخرق لكن ما يضرها الشيء اليسير, تشديد الغزالي هَذَا ما أنزل الله بِهِ من سلطان, هَذِهِ مصلحة راجحة, لا بأس بثقب أن الصبية بَعْدَ ذَلِكَ يحصل لها فرح وسرور وتجمل فيما بَعْدَ, وَهَذِهِ مفسدة قليلة مغمورة في هَذَا, يخرق بإبرة شيء يسير ما يضرها.
ومثل كَذَلِكَ الختان يتأثر الذكر ولكنه بسرعة يبرأ لاسيما إِن كَانَ صغير.
وختام البنت كَذَلِكَ مستحب إِذَا أمكن ووجد خاتنة تختن, ولكنه بالنسبة للذكر واجب.
(المتن)
ـ وَفِي كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ تَثْقِيبَ آذَانِ الصَّبَايَا لِلْحُلِيِّ جَائِزٌ وَيُكْرَهُ لِلصِّبْيَانِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: لَا بَأْسَ بِثَقْبِ أُذُنِ الطِّفْلِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَفْعَلُونَهُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَيُسَمَّى " هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الرِّوَايَةِ.
وَأَمَّا رِوَايَتُهُ بِلَفْظِ " وَيُدْمَى " مِنْ الدَّمِ أَيْ يُفْعَلُ فِي رَأْسِهِ مِنْ دَمِ الْعَقِيقَةِ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ فَقَدْ وَهَمَ رَاوِيهَا بَلْ الْمُرَادُ تَسْمِيَةُ الْمَوْلُودِ. وَيَنْبَغِي اخْتِيَارُ الِاسْمِ الْحَسَنِ لَهُ لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُغَيِّرُ الِاسْمَ الْقَبِيحَ وَصَحَّ عَنْهُ «أَنَّ أَخْنَعَ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ تُسَمَّى شَاهَانْ شَاهْ مَلِكُ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى».
(الشرح)
وفي لفظ: «شاهٍ شاه», هَذَا من أسماء العجم ومعناه ملك الملوك, وفي لفظ: «إِن أخنع اسم عِنْد الله وأخبثه رجل تسمى بملك الأملاك, لا مالك إِلَّا الله», قَالَ سفيان: مثل تسمية العجم شاهٍ شاه أو شاهان شاه, ترجمته مالك الأملاك أو ملك الملوك.
(المتن)
فَتَحْرُمُ التَّسَمِّيَةُ بِذَلِكَ وَأُلْحِقَ بِهِ تَحْرِيمُ التَّسْمِيَةِ بِقَاضِي الْقُضَاةِ وَأَشْنَعُ مِنْهُ حَاكِمُ الْحُكَّامِ نَصَّ عَلَيْهِ الْأَوْزَاعِيُّ.
(الشرح)
حاكم الحكام هُوَ الله, أو سلطان السلاطين, قاضي القضاة, ملاك الأملاك, كُلّ هَذَا, لكن لو أضيف قِيلَ: قاضي قضاة الرياض مثلاً, قاضي قضاة نجد, قاضي قضاة مصر, قاضي قضاة الشام لا بأس إِذَا أضيف؛ لِأَنَّهُ صار مخصصًا, لكن قاضي القضاة بإطلاق ما يجوز, ولهذا ترجم الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد " باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه " مثل قاضي القضاة مثل حاكم الحكام وسلطان السلاطين ومالك الأملاك هَذَا لا يجوز؛ لِأَنَّ هَذَا وصف الله سبحانه وتعالى هُوَ حاكم الحكام وَهُوَ سلطان السلاطين, وَهُوَ قاضي القضاة الَّذِي يقضي بين عباده ويفصل بين عباده عز وجل .
(المتن)
وَمِنْ الْأَلْقَابِ الْقَبِيحَةِ مَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: إنَّهُ تَوَسَّعَ النَّاسُ فِي زَمَانِنَا حَتَّى لَقَّبُوا السَّفَلَةَ بِأَلْقَابِ الْعَلِيَّةِ، وَهَبْ أَنَّ الْعُذْرَ مَبْسُوطٌ فَمَا أَقُولُ فِي تَلْقِيبِ مَنْ لَيْسَ مِنْ الدِّينِ فِي قَبِيلٍ وَلَا دَبِيرٍ بِفُلَانِ الدِّينِ هِيَ لَعَمْرِي وَاَللَّهِ لِلْغُصَّةِ الَّتِي لَا تُسَاغُ.
وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَنَحْوُهُمَا وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ وَلَا تُكْرَهُ التَّسْمِيَةُ بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَيس وَطَه خِلَافًا لِمَالِكٍ وَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدَهُمْ بِمُحَمَّدٍ فَقَدْ جَهِلَ».
(الشرح)
هَذَا الحديث لا يصح, أخرجه بن عدي في الكامل وَقَالَ عقبه وَهَذَا لا أعلم يرويه عَنْ ليث غير موسى بن أعين, الحديث أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات, ثُمَّ أخرجه السيوطي في اللآلئ, وَقَالَ ليث: لَمْ يبلغ أمره أن يحكم عَلَى حديث بالوضع, فقد روى له مسلم والأربعة ووثقه ابن معين وغيره, ثُمَّ ذكر السيوطي له شاهد مرسل, وَقَالَ: هَذَا حديث مرسل, يعضد حديث ابن عباس ويدخله في قسم المقبول.
(المتن)
فَيَنْبَغِي التَّسَمِّي بِاسْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ أَخْرَجَ فِي كِتَابِ الْخَصَائِصِ لِابْنِ سَبْعٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَلَا لِيَقُمْ مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٍ فَلْيَدْخُلْ الْجَنَّةَ تَكْرِمَةً لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(الشرح)
هَذَا أخرجه ابن سبع, ذكر معلقًا عليها, كُلّ الأحاديث هَذِهِ باطلة ولا تصح كما قَالَ ابن الجوزي في الموضوعات, قَالَ المحشي: وأقل درجات حديث ابن عباس أَنَّهُ ضعيف, والصواب أَنَّهُ موضوع الأحاديث المكذوبة هَذِهِ لا تصح العبرة بالعمل لَيْسَ العبرة بالتسمية, هَذَا يسمى محمد وَهُوَ من أفجر النَّاس ومن أخبث النَّاس, هَذَا مثل ما قَالَ البوصيري:
فإن لي ذمة منه بتسميتي ... محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
(المتن)
وَقَالَ مَالِكٌ: سَمِعْت أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ فِيهِمْ اسْمُ مُحَمَّدٍ إلَّا رُزِقُوا رِزْقَ خَيْرٍ قَالَ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا عَرَفُوا ذَلِكَ بِالتَّجْرِبَةِ أَوْ عِنْدَهُمْ فِيهِ أَثَرٌ.
(فَائِدَةٌ) رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ حِينَ وُلِدَا» . وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْمُرَادُ الْأُذُنُ الْيُمْنَى وَفِي بَعْضِ الْمَسَانِيدِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي أُذُنِ مَوْلُودٍ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ».
وَأَخْرَجَ ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ الصَّلَاةَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ» وَهِيَ التَّابِعَةُ مِنْ الْجِنِّ.
وَيُسْتَحَبُّ تَحْنِيكُهُ بِتَمْرٍ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ «أَبِي مُوسَى».
(الشرح)
فِيهِ ضعف هَذَا الحديث يؤذن في أذنه اليمنى, قَالَ الشيخ الألباني: أخرجه في المستدرك وَقَالَ: هَذَا حديث صحيح إسناده وَلَمْ يخرجها, وتعقبه الذهبي فَقَالَ: عاصم ضعيف, قلت: وأخرجه والبيهقي وعبد الرزاق وَهُوَ حديث حسن بشاهده عِنْد البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس.
وَأَمَّا لَمْ تضره أم الصبيان قَالَ: أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة وَفِيهِ جبارة بن مغلس ضعيف, ويحيى بن العلاء رمي بالوضع, ومروان بن سالم ضعيف, وتعقبه المنوي في فيض القدير بقوله: تعصيبه الجناية برأسه وحده يؤذن بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ما يحمل عَلَيْهِ سواه.
قوله: «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ الصَّلَاةَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ» وَهِيَ التَّابِعَةُ مِنْ الْجِنِّ, هَذَا لا يصح, ثُمَّ قَالَ المحشي: هَذَا حديث موضوع.
(المتن)
وَيُسْتَحَبُّ تَحْنِيكُهُ بِتَمْرٍ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ «أَبِي مُوسَى قَالَ: وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمَّاهُ إبْرَاهِيمَ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ».
(الشرح)
هَذَا فِيهِ الرد عَلَى من قَالَ كراهة التسمية بأسماء الأنبياء النَّبِيّ سماه إبراهيم.
(المتن)
وَالتَّحْنِيكُ أَنْ يَضَعَ التَّمْرَ وَنَحْوَهُ فِي حَنَكِ الْمَوْلُودِ حَتَّى يَنْزِلَ إلَى جَوْفِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُحَنِّكُ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ مِمَّنْ يُرْجَى بَرَكَتُهُ.
(الشرح)
هَذَا لا أصل له, يحنكه أبوه أو غيره, أخذه من كون أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذِي حنك, هَذَا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم, تبرك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يقاس عَلَيْهِ غيره.
فَإِن قِيلَ: ما ورد في الأزمنة الأخيرة من تسمية النَّاس أبنائهم بأسماء الغربيين واللاعبين وأصحاب الغناء؟ هَذَا ما يجوز, هَذَا محبة للفسقة إِذَا كَانَ يتعمد هَذَا يسمى بأسماء المغنيين وأسماء اللاعبين الْكَفَرَة هَذَا معناه يَعْنِي أَنَّهُ يحب هؤلاء, ومحبته لهم أمر خطير, محبة الفساق «من أحب قوم حشر معهم», نسأل الله العافية.