شعار الموقع

شرح كتاب الأيمان والنذور من سبل السلام_2

00:00
00:00
تحميل
71

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:

 [الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ]

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَمِينُك عَلَى مَا يُصَدِّقُك بِهِ صَاحِبُك» وَفِي رِوَايَةٍ «الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ» أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ) الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ عَلَى نِيَّةِ الْمُحَلِّفِ وَلَا يَنْفَعُ فِيهَا نِيَّةُ الْحَالِفِ إذَا نَوَى بِهَا غَيْرَ مَا أَظْهَرهُ، وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُحَلِّفُ لَهُ الْحَاكِمَ أَوْ الْمُدَّعِي لِلْحَقِّ. وَالْمُرَادُ حَيْثُ كَانَ الْمُحَلِّفُ لَهُ التَّحْلِيفُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: " عَلَى مَا يُصَدِّقُك بِهِ صَاحِبُك " فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ لِلْمُحَلِّفِ التَّحْلِيفُ وَهُوَ حَيْثُ كَانَ صَادِقًا فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَى الْحَالِفِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَانَتْ النِّيَّةُ نِيَّةَ الْحَالِفِ.

وَاعْتَبَرَتْ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الْمُحَلِّفُ الْحَاكِمَ وَإِلَّا كَانَتْ النِّيَّةُ نِيَّةَ الْحَالِفِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا إذَا حَلَفَ بِغَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَوَرَّى فَتَنْفَعُهُ وَلَا يَحْنَثُ سَوَاءٌ حَلَفَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفٍ أَوْ حَلَّفَهُ غَيْرُ الْقَاضِي أَوْ غَيْرُ نَائِبِهِ وَلَا اعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِنِيَّةِ الْمُحَلِّفِ بِكَسْرِ اللَّامِ غَيْرِ الْقَاضِي. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إلَّا إذَا اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ فِي دَعْوًى تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ فَتَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ وَهُوَ مُرَادُ الْحَدِيثِ.

(الشرح)

وَهَذَا خاص بالقاضي, وَقَدْ الحلف لغير القاضي لكن ظالم, جاء سارق وحلفه وضع السلاح عَلَى رأسه, ثُمَّ ورى, أو سلطان ظالم حلفه, هَذَا يكون مظلوم في هَذِهِ الحالة, لَيْسَ بشرط أن يكون القاضي, إِذَا حلفه القاضي أو حلفه ظالم.

(المتن)

 أَمَّا إذَا حَلَفَ بِغَيْرِ اسْتِحْلَافِ الْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ فِي دَعْوًى تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ فَتَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ. وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إلَّا أَنَّهُ إذَا حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَتَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ وَيَكُونُ الِاعْتِبَارُ بِنِيَّةِ الْحَالِفِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَإِنَّمَا يَسْتَحْلِفُ بِاَللَّهِ اهـ.

(الشرح)

هَذَا لا يجوز, يَقُولُ: إِن كذا فزوجته طالق, أو إن كذا فعذروه عتيق, هَذَا تحليف بالطلاق والعتق.

(المتن)

 (قُلْت) وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءَ تَقْيِيدُ الْحَدِيثِ بِالْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ بَلْ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إذَا اسْتَحْلَفَهُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَالنِّيَّةُ نِيَّةُ الْمُسْتَحْلِفِ مُطْلَقًا.

(الشرح)

وَهَذَا لَيْسَ بجيد مطلقًا.

(المتن)

مِنْ حَلَفَ فرأى الحنث خيرًا

(وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ) بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ الْعَبْشَمِيِّ أَبِي سَعِيدٍ صَحَابِيٌّ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ افْتَتَحَ سِجِسْتَانَ ثُمَّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ خَمْسِينَ أَوْ بَعْدَهُ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَإِذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ) أَيْ عَلَى مَحْلُوفٍ مِنْهُ سَمَّاهُ يَمِينًا مَجَازًا «وَرَأَيْت غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ «فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك» . وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيْضًا «فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَإِسْنَادُهُمَا) بِالتَّثْنِيَةِ أَيْ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد.

وَالْأَوْلَى إفْرَادُ الضَّمِيرِ لِيَعُودَ إلَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فَقَطْ لِمَا عُلِمَ مِنْ عُرْفِهِمْ أَنَّ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ صَحِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُقَالَ إسْنَادُهُ (صَحِيحٌ) الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ وَكَانَ تَرْكُهُ خَيْرًا مِنْ التَّمَادِي عَلَى الْيَمِينِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ وَإِتْيَانُ مَا هُوَ خَيْرٌ كَمَا يُفِيدُهُ الْأَمْرُ وَلَكِنَّهُ صَرَّحَ الْجَمَاهِيرُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجِبُ وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ وَلَكِنَّهُ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ تَقْدِيمِهَا.

(الشرح)

هَذَا الحديث فِيهِ ائت الَّذِي هُوَ خير وكفر عَنْ يمينك, فِيهِ الأمران.

(المتن)

 وَعَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِهَا إلَى مَا بَعْدَ الْحِنْثِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ الْيَمِينِ.

وَدَلَّتْ رِوَايَةُ (ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) عَلَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْكَفَّارَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ لِاقْتِضَاءِ (ثُمَّ) التَّرْتِيبَ وَرِوَايَةُ الْوَاوِ تُحْمَلُ عَلَى رِوَايَةِ (ثُمَّ) حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَإِنْ تَمَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِهَا وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِهَا وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِ تَقَدُّمِهَا عَلَى الْحِنْثِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ.

لَكِنْ قَالُوا: يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا عَنْ الْحِنْثِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا جَارٍ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى عَدَمِ إجْزَاءِ تَقْدِيمِ التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ.

وَقَالَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْحِنْثِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَا يَجُوزُ تَقَدُّمُهَا عَلَى وَقْتِهَا كَالصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَأَمَّا التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الصَّوْمِ فَجَائِزٌ تَقْدِيمُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ. وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ التَّكْفِيرِ عَلَى الْحِنْثِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

(الشرح)

هَذَا مصادم للأحاديث, الأحاديث فِيهَا الجواز.

(المتن)

 قَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ: لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ هُوَ مَجْمُوعُ الْحِنْثِ وَالْيَمِينِ فَلَا يَصِحُّ التَّقْدِيمُ قَبْلَ تَمَامِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ السَّبَبُ الْحِنْثُ.

(الشرح)

الهادوية طائفة في اليمن, المؤلف كأنه عنده نوع من التشيع.

(المتن)

 وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ دَالٌ عَلَى خِلَافِ مَا عَلَّلُوا بِهِ وَذَهَبُوا إلَيْهِ فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الْعَمَلِ بِهِ.

[الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمِين]

(وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ. قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: كَانَ أَيُّوبُ يَرْفَعُهُ تَارَةً وَتَارَةً لَا يَرْفَعُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ إلَّا عَنْ أَيُّوبَ مَعَ أَنَّهُ شَكَّ فِيهِ (قُلْت) كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ رَفَعَهُ تَارَةً وَوَقَفَهُ أُخْرَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَيُّوبَ ثِقَةٌ حَافِظٌ لَا يَضُرُّ تَفَرُّدُهُ بِرَفْعِهِ وَكَوْنُهُ وَقَفَهُ تَارَةً لَا يَقْدَحُ فِيهِ لِأَنَّ رَفْعَهُ زِيَادَةُ عَدْلٍ مَقْبُولَةٍ وَقَدْ رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَكَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ وَأَيُّوبُ بْنُ مُوسَى وَحَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ مَرْفُوعًا فَقَوَّى رَفْعَهُ عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ إذْ لَا مَسْرَحَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ: وَإِلَى مَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ بِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُتَّصِلًا قَالَ: وَلَوْ جَازَ مُنْفَصِلًا كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لَمْ يَحْنَثْ أَحَدٌ فِي يَمِينٍ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْكَفَّارَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي زَمَنِ الِاتِّصَالِ.

(الشرح)

الحديث المروي عَنْ ابن عباس أَنَّهُ له الاستثناء أبدًا معناه ما أحد يحلف, كُلّ من حلف ثُمَّ أراد أن يرجع عنه قَالَ: إِن شاء الله ولو بَعْدَ أربعة أشهر, هَذَا كلام لَيْسَ بجيد, كَذَلِكَ من قاله (..) كُلّ هَذَا لا دَلِيل عَلَيْهِ.

وَمِمَّا يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ الحديث الصحيح أن نبي الله سليمان قَالَ: لأطوفن الليلة عَلَى تسعين امرأة, تلد لكل امرأة غلام يجاهد في سبيل الله, فَقَالَ له الملك: قل: إِن شاء الله, فلم يقل, وفي لفظ: فنسي, فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نفسي بيده لو قَالَ: إِن شاء الله لكان دركًا لحاجته, ولقاتلوا في سبيل الله أجمعون», فلو كَانَ ينفع الاستثناء كَانُوا يَقُولُونَ لسليمان بَعْدَ فترة.

(المتن)

 فَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُوَ أَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ بَيْنَهُمَا وَلَا يَضُرُّهُ التَّنَفُّسُ (قُلْت) وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَدُلُّ لَهُ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ " فَقَالَ " وَعَنْ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّ لَهُ الِاسْتِثْنَاءَ مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ قَدْرَ حَلْبَةِ نَاقَةٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ أَبَدًا مَتَى يَذْكُرُ.

(الشرح)

كُلّ هَذِهِ الأقوال ولا وجه لها.

(المتن)

 (قُلْت) وَهَذِهِ تَقَارِيرُ خَالِيَةٌ عَنْ الدَّلِيلِ وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْأَقَاوِيلَ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَبَرُّكًا أَوْ يَجِبُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}[الكهف/24] فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ رَافِعًا لِلْإِثْمِ الْحَاصِلِ بِتَرْكِهِ أَوْ لِتَحْصِيلِ ثَوَابِ النَّدْبِ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِهِ. وَلَمْ يُرِيدُوا بِهِ حَلَّ الْيَمِينَ وَمَنْعَ الْحِنْثِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ الِاسْتِثْنَاءُ مَانِعٌ لِلْحِنْثِ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَغَيْرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الظِّهَارِ وَالنَّذْرِ وَالْإِقْرَارِ.

فَقَالَ مَالِكٌ لَا يَنْفَعُ إلَّا فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ وَاسْتَقْوَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}[المائدة/89] فَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ إلَّا الْيَمِينُ الشَّرْعِيَّةُ وَهِيَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ وَذَهَبَ أَحْمَدُ إلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْعِتْقُ لِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا «إذْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ تَطْلُقْ، وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ حُرٌّ» إلَّا أَنَّهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ حُمَيْدُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ فِي إسْنَادِهِ.

وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُعْتَبَرٌ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيمَا شَاءَهُ اللَّهُ أَوْ لَا يَشَاؤُهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَشَاؤُهُ اللَّهُ بِأَنْ كَانَ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مُبَاحًا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ حَالَ التَّكَلُّمِ لِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ حَاصِلَةٌ فِي الْحَالِ فَلَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ بَلْ تَنْعَقِدُ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَشَاؤُهُ بِأَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا أَوْ مَكْرُوهًا فَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ فَجَعَلُوا حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْمَشِيئَةِ حُكْمَ التَّقْيِيدِ بِالشَّرْطِ فَيَقَعُ الْمُعَلَّقُ عِنْدَ وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ بِهِ وَيَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِ وَكَذَا قَوْلُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ حُكْمُهُ حُكْمُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ لَا تَطَابُقُهُ هَذِهِ الْأَقْوَالُ. وَفِي قَوْلِهِ فَقَالَ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الِاسْتِثْنَاءِ النِّيَّةُ وَهُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ النِّيَّةِ فِي الْأَيْمَانِ (يَعْنِي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ) وَمَذْهَبُ الْهَادَوِيَّةِ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ بِالنِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِالْعُمُومِ إلَّا مِنْ عَدَدٍ مَنْصُوصٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ بِاللَّفْظِ.

 [الْقَسَمُ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ]

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «كَانَتْ يَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا. وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ, الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ الَّذِي كَانَ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ فِي الْقَسَمِ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْسِمُ بِهَا " لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ " وَفِي رِوَايَةٍ (لَا وَمُصَرِّفِ الْقُلُوبِ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ - وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ - وَاَللَّهِ - وَرَبِّ الْكَعْبَةِ) وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ «كَانَ إذَا اجْتَهَدَ فِي الْيَمِينِ قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسُ أَبِي الْقَاسِمِ بِيَدِهِ» .

وَلِابْنِ مَاجَهْ «كَانَتْ يَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا أَشْهَدُ عِنْدَ اللَّهِ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ» وَالْمُرَادُ بِتَقْلِيبِ الْقُلُوبِ تَقْلِيبُ أَعْرَاضِهَا وَأَحْوَالِهَا لَا تَقْلِيبُ ذَاتِ الْقَلْبِ.

قَالَ الرَّاغِبُ تَقْلِيبُ اللَّهِ الْقُلُوبَ وَالْبَصَائِرَ صَرْفُهَا عَنْ رَأْيٍ إلَى رَأْيٍ وَالتَّقَلُّبُ التَّصَرُّفُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ}[النحل/46] وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْقَلْبُ جُزْءٌ مِنْ الْبَدَنِ خَلَقَهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ لِلْإِنْسَانِ مَحَلَّ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الْبَاطِنَةِ وَجَعَلَ ظَاهِرَ الْبَدَنِ مَحَلَّ التَّصَرُّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ وَوَكَّلَ بِهِ مَلَكًا يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَشَيْطَانًا يَأْمُرُ بِالشَّرِّ وَالْعَقْلُ بِنُورِهِ يَهْدِيهِ، وَالْهَوَى بِظُلْمَتِهِ يُغْوِيهِ وَالْقَضَاءُ مُسَيْطِرٌ عَلَى الْكُلِّ, وَالْقَلْبُ يَتَقَلَّبُ بَيْنَ الْخَوَاطِرِ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ، وَاللَّمَّةُ مِنْ الْمَلَكِ تَارَةً وَمِنْ الشَّيْطَانِ أُخْرَى وَالْمَحْفُوظُ مَنْ حَفِظَهُ اللَّهُ اهـ.

(الشرح)

للملك لمة وللشيطان لمة.

(المتن)

(قُلْت) وَقَوْلُهُ: وَالْكَلَامُ بِنَاءً مِنْهُ عَلَى إثْبَاتِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَأَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ.

(الشرح)

هَذَا قول الأَشَاعِرَة قول أهل البدع, الأَشَاعِرَة والكلام والنفسي, هَذَا باطل الكلام اسم للفظ المعنى, هَذَا من أبطل الباطل, وبنوا عَلَى هَذَا أن الْقُرْآن لَيْسَ كلام الله, كلام الله قائم بنفسه, قَالُوا: الكلام الَّذِي في المصحف لَيْسَ كلام الله وَإِنَّمَا عبر بِهِ جبريل إِلى محمد وَهَذَا من أبطل الباطل, جعلوا الرب أبكم, قَالُوا: ما يتكلم؛ لِأَنَّهُ لو تكلم بحروف وصوت لصار الكلام حال في ذاته, فجعلوا الرب أبكم, وَقَالُوا: إِن جبريل اضطراه الله اضطرارًا ففهم المعنى القائم بنفس الرب فعبر بِهِ أيْ الْقُرْآن, وَبَعْضُهُمْ قَالَ: محمد, وَهَذَا من أبطل الباطل, هَذَا الكلام النفسي عِنْد الأَشَاعِرَة, الكلام ما يكون في النفس, الكلام اسم للفظ والمعنى, إِلَّا إِذَا قيد, مثل قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ}[المجادلة/8].

(المتن)

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَا) رَدٌّ وَنَفْيٌ لِلسَّابِقِ مِنْ الْكَلَامِ. وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْأَقْسَامِ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ.

(الشرح)

هُوَ اسم من الأسماء, ليش ترك الاسم؟ الاسم هُوَ الأولى, القسم باسم من أسماء الله أو صفة من صفاته.

(المتن)

 وَإِلَى هَذَا ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ حَيْثُ قَالُوا: الْحَلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ بِصِفَةٍ لِذَاتِهِ أَوْ لِفِعْلِهِ لَا يَكُونُ عَلَى ضِدِّهَا، وَيُرِيدُونَ بِصِفَةِ الذَّاتِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: لَا بُدَّ مِنْ إضَافَتِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَعِلْمِ اللَّهِ وَيُرِيدُونَ بِصِفَةِ الْفِعْلِ كَالْعَهْدِ وَالْأَمَانَةِ إذَا أُضِيفَتْ إلَى اللَّهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ بِالنَّهْيِ عَنْ الْحَلِفِ بِالْأَمَانَةِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.

وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ - وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ - إلَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَسْمَاءِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَكَذَا الصِّفَاتُ صَرِيحٌ فِي الْيَمِينِ وَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَفَصَّلَتْ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: إنْ كَانَ اللَّفْظُ يَخْتَصُّ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَالرَّحْمَنِ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَخَالِقِ الْخَلْقِ فَهُوَ صَرِيحٌ يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ سَوَاءٌ قَصَدَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ أَطْلَقَ، وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ تَعَالَى وَعَلَى غَيْرِهِ لَكِنْ يُقَيَّدُ كَالرَّبِّ وَالْخَالِقِ فَتَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ عَلَى السَّوَاءِ، نَحْوُ الْحَيِّ وَالْمَوْجُودِ فَإِنْ نَوَى غَيْرَ اللَّه تَعَالَى أَوْ أَطْلَقَ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ وَإِنْ نَوَى بِهِ اللَّهَ تَعَالَى انْعَقَدَ عَلَى الصَّحِيحِ.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد