شعار الموقع

شرح كتاب الأيمان والنذور من سبل السلام_5

00:00
00:00
تحميل
71

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) هَذَا أَوَّلُ الْكَلَامِ فِي النَّذْرِ. وَالنُّذُورُ لُغَةً: الْتِزَامُ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَفِي الشَّرْعِ: الْتِزَامُ الْمُكَلَّفِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا النَّهْيِ، فَقِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقِيلَ بَلْ مُتَأَوَّلٌ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ: تَكَرُّرُ النَّهْيِ عَنْ النُّذُورِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِأَمْرٍ وَتَحْذِيرٌ عَنْ التَّهَاوُنِ بِهِ بَعْدَ إيجَابِهِ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الزَّجْرُ عَنْهُ حَتَّى لَا يَفْعَلُ لَكَانَ فِي ذَلِكَ إبْطَالٌ لِحُكْمِهِ وَإِسْقَاطٌ لِلُّزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ، إذَا كَانَ بِالنَّهْيِ يَصِيرُ مَعْصِيَةً فَلَا يَلْزَمُ وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَدْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ لَا يَجُرُّ لَهُمْ فِي الْعَاجِلِ نَفْعًا.

وَلَا يَصْرِفُ عَنْهُمْ ضُرًّا وَلَا يَرُدُّ قَضَاءً، فَقَالَ: لَا تَنْذِرُوا عَلَى أَنَّكُمْ تُدْرِكُونَ بِالنَّذْرِ شَيْئًا لَمْ يُقَدِّرْهُ اللَّهُ تَعَالَى لَكُمْ أَوْ تَصْرِفُونَ بِهِ عَنْكُمْ مَا قَدَّرَ عَلَيْكُمْ فَإِذَا نَذَرْتُمْ وَلَمْ تَعْتَقِدُوا هَذَا فَأَخْرِجُوا عَنْهُ بِالْوَفَاءِ فَإِنَّ الَّذِي نَذَرْتُمُوهُ لَازِمٌ لَكُمْ اهـ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ مَعْنَاهُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ. وَهَذَا عِنْدِي بَعِيدٌ عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّاذِرَ يَأْتِي بِالْقُرْبَةِ مُسْتَثْقِلًا لَهَا لَمَّا صَارَتْ عَلَيْهِ ضَرْبَةَ لَازِبٍ فَلَا يَنْشَطُ لِلْفِعْلِ نَشَاطَ مُطْلَقِ الِاخْتِيَارِ أَوْ لِأَنَّ النَّاذِرَ يُصَيِّرُ الْقُرْبَةَ كَالْعِوَضِ عَنْ الَّذِي نَذَرَ لِأَجْلِهِ فَلَا تَكُونُ خَالِصَةً وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " إنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ " وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: إنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُغَالِبُ الْقَدَرَ وَالنَّهْيَ لِخَشْيَةِ أَنْ يَقَعَ فِي ظَنِّ بَعْضِ الْجَهَلَةِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ) مَعْنَاهُ أَنَّ عُقْبَاهُ لَا تُحْمَدُ. وَقَدْ يَتَعَذَّرُ الْوَفَاءُ بِهِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِخَيْرٍ لَمْ يُقَدَّرْ فَيَكُونُ مُبَاحًا.

وَذَهَبَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ - وَنُقِلَ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ - إلَى أَنَّ النَّذْرَ مَكْرُوهٌ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَيْسَ طَاعَةً مَحْضَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ خَالِصَ الْقُرْبَةِ وَإِنَّمَا قَصَدَ أَنْ يَنْفَعَ نَفْسَهُ أَوْ يَدْفَعَ عَنْهَا ضَرَرًا بِمَا الْتَزَمَ. وَجَزَمَ الْحَنَابِلَةُ بِالْكَرَاهِيَةِ، وَعِنْدَهُمْ رِوَايَةٌ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ كَرَاهَتَهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: يُكْرَهُ النَّذْرُ فِي الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ فَإِنْ نَذَرَ بِالطَّاعَةِ وَوَفَّى بِهِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ.

وَذَهَبَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إلَى أَنَّ النَّذْرَ مُسْتَحَبٌّ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِمَّنْ أَطْلَقَ لِسَانَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ مَعَ ثُبُوتِ النَّهْيِ الصَّرِيحِ فَأَقَلُّ دَرَجَاتِهِ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: النَّذْرُ شَبِيهٌ بِالدُّعَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ لَكِنَّهُ مِنْ الْقَدَرِ وَقَدْ نَدَبَ إلَى الدُّعَاءِ وَنَهَى عَنْ النَّذْرِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ عَاجِلَةٌ وَيَظْهَرُ بِهِ التَّوَجُّهُ إلَى اللَّهِ وَالْخُضُوعُ وَالتَّضَرُّعُ وَالنَّذْرُ فِيهِ تَأْخِيرُ الْعِبَادَةِ إلَى حِينِ الْحُصُولِ، وَتَرْكُ الْعَمَلِ إلَى حِينِ الضَّرُورَةِ اهـ.

(قُلْت) الْقَوْلُ بِتَحْرِيمِ النَّذْرِ هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَيَزِيدُهُ تَأْكِيدًا تَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ إخْرَاجُ الْمَالِ فِيهِ مِنْ بَابِ إضَاعَةِ الْمَالِ وَإِضَاعَةُ الْمَالِ مُحَرَّمَةٌ فَيَحْرُمُ النَّذْرُ بِالْمَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ " وَأَمَّا النَّذْرُ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ فَلَا تَدْخُلُ فِي النَّهْيِ.

وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}[الإنسان/7] قَالَ: كَانُوا يَنْذِرُونَ طَاعَاتٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَسَائِرِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَثَرًا فَهُوَ يُقَوِّيهِ مَا ذُكِرَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ. هَذَا وَأَمَّا النُّذُورُ الْمَعْرُوفَةُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ عَلَى الْقُبُورِ وَالْمَشَاهِدِ وَالْأَمْوَاتِ فَلَا كَلَامَ فِي تَحْرِيمِهَا لِأَنَّ النَّاذِرَ يَعْتَقِدُ فِي صَاحِبِ الْقَبْرِ أَنَّهُ يَنْفَعُ وَيَضُرُّ، وَيَجْلِبُ الْخَيْرَ وَيَدْفَعُ الشَّرَّ، وَيُعَافِي الْأَلِيمَ، وَيَشْفِي السَّقِيمَ.

(الشرح)

هَذَا شِرْكٌ, إِذَا كَانَ يعتقد أَنَّهُ ينفع ويضر بَلْ يتجاوز شِرْكٌ كفار قريش, كفار قريش لا يعتقدون أَنَّهَا تنفع وتضر, ولكن يَقُولُونَ: تقربنا إِلَى الله زلفى, إِذَا كَانَ يعتقد أَنَّهَا سبب وينذر لها هَذَا شِرْكٌ, شِرْكٌ في الإلوهية, وَإِذَا كَانَ يعتقد أَنَّهَا تنفع وتضر صار شِرْكٌ في الربوبية أعظم وأعظم, نسأل الله العافية.

(المتن)

وَهَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ عِبَادُ الْأَوْثَانِ بِعَيْنِهِ فَيَحْرُمُ كَمَا يَحْرُمُ النَّذْرُ عَلَى الْوَثَنِ وَيَحْرُمُ قَبْضُهُ لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ عَلَى الشِّرْكِ، وَيَجِبُ النَّهْيُ عَنْهُ وَإِبَانَةُ أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَنَّهُ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ عُبَّادُ الْأَصْنَامِ، لَكِنْ طَالَ الْأَمَدُ حَتَّى صَارَ الْمَعْرُوفُ مُنْكَرًا وَالْمُنْكَرُ مَعْرُوفًا وَصَارَتْ تُعْقَدُ اللِّوَاءَاتُ لِقِبَاضِ النُّذُورِ عَلَى الْأَمْوَاتِ، وَيُجْعَلُ لِلْقَادِمِينَ إلَى مَحَلِّ الْمَيِّتِ الضِّيَافَاتُ وَيُنْحَرُ فِي بَابِهِ النَّحَائِرُ مِنْ الْأَنْعَامِ، وَهَذَا هُوَ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ عُبَّادُ الْأَصْنَامِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.

وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا فِي رِسَالَةِ تَطْهِيرِ الِاعْتِقَادِ عَنْ دَرَنِ الْإِلْحَادِ وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي النَّهْيِ عَنْ النَّذْرِ مُطْلَقًا مَا يُنْذَرُ بِهِ ابْتِدَاءً كَمَنْ يَنْذِرُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ كَذَا - وَمَا يَتَقَرَّبُ بِهِ مُعَلَّقًا كَأَنْ يَقُولُ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ تَصَدَّقْت بِكَذَا.

[كَفَّارَةُ النَّذْرِ]

(وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ إذَا لَمْ يُسَمِّهِ وَصَحَّحَهُ) الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْ نَذَرَ بِأَيِّ نَذْرٍ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ.

(الشرح)

إِذَا كَانَ نذر معصية.

(المتن)

 وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - " فِي رَجُلٍ جَعَلَ مَالَهُ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةً قَالَتْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ " وَأَخْرَجَ أَيْضًا وَعَنْ أُمِّ صَفِيَّةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَإِنْسَانٌ يَسْأَلُهَا عَنْ الَّذِي يَقُولُ: كُلُّ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ كُلُّ مَالِهِ فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ مَا يُكَفِّرُ ذَلِكَ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: " يُكَفِّرهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ ".

وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا فِي غَيْرِ الْعِتْقِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الْعَتَاقَ يَقَعُ، وَكَذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَدَلِيلُهُمْ حَدِيثُ عُقْبَةَ هَذَا. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى تَفْصِيلٍ فِي الْمَنْذُورِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَنْذُورُ بِهِ فِعْلًا فَالْفِعْلُ إنْ كَانَ غَيْرَ مَقْدُورٍ فَهُوَ مُنْعَقِدٌ، وَإِنْ كَانَ مَقْدُورًا فَإِنْ كَانَ جِنْسُهُ وَاجِبًا لَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ عِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٍ آخَرِينَ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ بَلْ يَكُونُ يَمِينًا فَيُكَفِّرُهَا، ذُكِرَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْبَحْرِ وَذَهَبَ دَاوُد وَأَهْلُ الظَّاهِرِ.

وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ وَوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ إذَا كَانَ الْمُلْتَزَمُ طَاعَةً فَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً أَوْ مُبَاحًا كَدُخُولِ السُّوقِ لَمْ يَنْعَقِدْ النَّذْرُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَطَائِفَةٌ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَقَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: إنَّهُ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى لُزُومِ النَّذْرِ بِالْمَالِ إذَا كَانَ فِي سَبِيلِ الْبِرِّ وَكَانَ عَلَى جِهَةِ الْجَزْمِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِ فَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُ كَالْجَزْمِ وَلَا كَفَّارَةَ يَمِينٍ فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ إذَا نَذَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَزِمَ ثُلُثُ مَالِهِ إذَا كَانَ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ مُعَيِّنًا الْمَنْذُورَ بِهِ لَزِمَهُ وَإِنْ كَانَ جَمِيعَ مَالِهِ.

وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُعَيَّنُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهَا تَجِبُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِأَنَّهُ أَلْحَقَهَا بِالْأَيْمَانِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَقَاوِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا يَنْهَضُ عَلَيْهَا دَلِيلٌ، وَذَكَرَ مُتَمَسَّكَ الْقَائِلِينَ بِأَدِلَّةِ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ النَّذْرِ وَلَا تَنْطَبِقُ عَلَى الْمُدَّعِي.

وَحَدِيثُ عُقْبَةَ أَحْسَنُ مَا يَعْتَمِدُ النَّاظِرُ عَلَيْهِ، وَقَدْ حَمَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ النَّذْرِ، وَقَالُوا هُوَ مُخَيَّرٌ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَنْذُورَاتِ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ حَدِيثِ عُقْبَةَ.

 (وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا، «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ لَكِنْ رَجَّحَ الْحُفَّاظُ وَقْفَهُ) أَمَّا النَّذْرُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ كَأَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ. فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لَا غَيْرُ وَعَلَيْهِ دَلَّ حَدِيثُ عُقْبَةَ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَمَّا النَّذْرُ بِالْمَعْصِيَةِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيثُ سَوَاءٌ فَعَلَ الْمَعْصِيَةَ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا كَطُلُوعِ السَّمَاءِ وَحَجَّتَيْنِ فِي عَامٍ لَا يَنْعَقِدُ وَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.

(الشرح)

قوله: سواء فعله أو لَمْ يفعله لَيْسَ بجيد, إِذَا فعل المعصية خلاص عَلَيْهِ التوبة, يكفيه التوبة, إِذَا نذر أن يشرب الدخان ثُمَّ شرب الدخان عَلَيْهِ التوبة, لكن الَّذِي عَلَيْهِ أولًا ألا يفعل ويكفر كفارة يمين.

(المتن)

 وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبُو دَاوُد وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْآتِي وَهُوَ قَوْلُهُ (وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً وَحَدِيثُ عُمَرَ «لَا يَمِينَ عَلَيْك وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَابْنُ حَنْبَلٍ إلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.

وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ " وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ " فَقَدْ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَكِنَّ فِيهِ مُحَمَّدَ بْنَ الزُّبَيْرِ الْحَنْظَلِيَّ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى فِيهَا عِلَّةٌ وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَفِيهِ رَاوٍ مَتْرُوكٌ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِيهِ أَيْضًا مَتْرُوكٌ. وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ لِقَوْلِهِ: (فَلَا يَعْصِهِ) وَلِمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ. - وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ «لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ» فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الْوَفَاءِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد