بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:
(1293) - وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْحَرَ إبِلًا بِبُوَانَةَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ. فَقَالَ: هَلْ كَانَ فِيهَا. وَثَنٌ يُعْبَدُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِك، فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَهُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ - وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ كَرْدَمٍ عِنْدَ أَحْمَدَ.
[نَذْر المكان المعين]
(وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ) هُوَ ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ الْأَشْهَلِيُّ. قَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ حَدَّثَ عَنْهُ أَبُو قِلَابَةَ وَغَيْرُهُ (قَالَ: «نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْحَرَ إبِلًا بِبُوَانَةَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا وَبَعْدَهَا وَاوٌ ثُمَّ أَلِفٌ بَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ: مَوْضِعٌ بِالشَّامِ وَقِيلَ أَسْفَلَ مَكَّةَ دُونَ يَلَمْلَمَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ فَقَالَ: هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ يُعْبَدُ قَالَ: لَا قَالَ: فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ فَقَالَ: لَا فَقَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِك فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَهُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ كَرْدَمٍ) بِفَتْحِ الْكَافِّ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (عِنْدَ أَحْمَدَ) وَالْحَدِيثُ لَهُ سَبَبٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي نَذَرْت إنْ وُلِدَ لِي وَلَدٌ ذَكَرٌ أَنْ أَذْبَحَ عَلَى رَأْسِ بُوَانَةَ - فِي عَقَبَةٍ مِنْ الصَّاعِدَةِ - عَنْهُ - الْحَدِيثَ» وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَيَأْتِيَ بِقُرْبَةٍ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْهَادَوِيَّةِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَجَازَهُ غَيْرُهُ لِغَيْرِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ اهـ. وَلَكِنَّهُ يُعَارِضُهُ حَدِيثُ (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ) فَيَكُونُ قَرِينَةً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ هُنَا لِلنَّدْبِ كَذَا قِيلَ وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا قَوْلُهُ: (وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَيْ فَتْحِ مَكَّةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْت إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْك مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ صَلِّ هَاهُنَا فَسَأَلَهُ فَقَالَ صَلِّ هَاهُنَا فَسَأَلَهُ فَقَالَ فَشَأْنُكَ إذَنْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ) وَصَحَّحَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الِاقْتِرَاحِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْمَكَانُ فِي النَّذْرِ - وَإِنْ عُيِّنَ - إلَّا نَدْبًا.
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثِهِ مَسَاجِدَ، مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ) تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي آخِرِ بَابِ الِاعْتِكَافِ وَلَعَلَّهُ أَوْرَدَهُ هُنَا لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ النَّذْرَ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَكَانُ إلَّا لِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ.
وَقَدْ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَى لُزُومِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ بِالصَّلَاةِ فِي أَيِّ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَخَالَفَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ، وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَيِّ مَحَلٍّ شَاءَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَهُ الْمَشْيُ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إذَا كَانَ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَأَمَّا غَيْرُ الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى عَدَمِ لُزُومِ الْوَفَاءِ لَوْ نَذَرَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا إلَّا نَدْبًا، وَأَمَّا شَدَّ الرِّحَالِ لِلذَّهَابِ إلَى قُبُورِ الصَّالِحِينَ، وَالْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ إنَّهُ حَرَامٌ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى اخْتِيَارِهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُحَقِّقُونَ - أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ. قَالُوا وَالْمُرَادُ أَنَّ الْفَضِيلَةَ التَّامَّةَ إنَّمَا هِيَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إلَى الثَّلَاثَةِ خَاصَّةً وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي آخِرِ بَابِ الِاعْتِكَافِ.
«وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ فَأَوْفِ بِنَذْرِك» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً) دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَ بِهِ إذَا أَسْلَمَ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ مِنْ الْكَافِرِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّقَرُّبُ بِالْعِبَادَةِ، قَالَ وَلَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِمَ مِنْ عُمَرَ أَنَّهُ سَمَحَ بِفِعْلِ مَا كَانَ نَذَرَ.
(الشرح)
هَذَا تأويل ساقط, كيف فهم أن عمر قَدْ سمح, الرَّسُوْل يَقُولُ: «أوف بنذرك», يَقُولُ: فهم أَنَّهُ سمح يفعل مثل نذره, شوف مصادمة النص, يصادم النص, النص صريح قَالَ: «نذرت أن أعتكف, قَالَ: أوف بنذرك», وَهَذَا يَقُولُ: لا, هَذَا ما هُوَ بالنذر, هَذَا نذر ثاني سمح بِهِ, كيف هَذَا؟! فهم منه أَنَّهُ نذر ثاني مشابه للذي سمح بِهِ.
قوله: (قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّقَرُّبُ بِالْعِبَادَةِ), لا يصح من الكافر التقرب بالعبادة, طيب والحديث هَذَا قَالَ: الرَّسُوْل فهم منه في نفسه أَنَّهُ يريد أن يسمح بنذر مثل نذره في الجاهلية, انظر إِلَى التعسف هَذَا, تعسف لا وجه له.
(المتن)
قَالَ وَلَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِمَ مِنْ عُمَرَ أَنَّهُ سَمَحَ بِفِعْلِ مَا كَانَ نَذَرَ, فَأَمَرَهُ بِهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ طَاعَةٌ وَلَيْسَ هُوَ مَا كَانَ نَذَرَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
(الشرح)
أعوذ بالله من التعسف هَذَا مصادمة النصوص نسأل الله العافية.
(المتن)
وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَ بِهِ اسْتِحْبَابًا وَإِنْ كَانَ الْتِزَامُهُ فِي حَالٍ لَا يَنْعَقِدُ فِيهَا.
(الشرح)
الصواب أَنَّهُ للوجوب لِأَنَّ الأصل في الأوامر للوجوب إِلَّا بصارف, قَالَ: «أوف بنذرك», الأصل في الْأَمْرِ الوجوب إِلَّا بصارف.
(المتن)
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَوْفَقُ بِالْحَدِيثِ وَالتَّأْوِيلُ تَعَسُّفٌ.
(الشرح)
لاشك هَذَا تعسف شديد.
(المتن)
وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الصَّوْمُ إذْ اللَّيْلُ لَيْسَ ظَرْفًا لَهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُ الصَّوْمِ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ " اعْتَكِفْ وَصُمْ " وَهُوَ ضَعِيفٌ.
(الشرح)
إِذَا كَانَ ضعيف(..).