بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:
[وزر الْقَضَاء والإمارة]
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ) دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنْ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَالدُّخُولِ فِيهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ مَنْ تَوَلَّى الْقَضَاءَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِذَبْحِ نَفْسِهِ فَلْيَحْذَرْهُ وَلْيَتَوَقَّهُ فَإِنَّهُ إنْ حَكَمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ أَوْ جَهْلِهِ لَهُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَالْمُرَادُ مِنْ ذَبْحِ نَفْسِهِ إهْلَاكُهَا أَيْ فَقَدْ أَهْلَكَهَا بِتَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا قَالَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالذَّبْحِ فَرْيَ الْأَوْدَاجِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْغَالِبِ بِالسِّكِّينِ بَلْ أُرِيدَ بِهِ إهْلَاكُ النَّفْسِ بِالْعَذَابِ الْأُخْرَوِيِّ.
وَقِيلَ: ذُبِحَ ذَبْحًا مَعْنَوِيًّا وَهُوَ لَازِمٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَصَابَ الْحَقَّ فَقَدْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا لِإِرَادَتِهِ الْوُقُوفَ عَلَى الْحَقِّ وَطَلَبِهِ وَاسْتِقْصَاءَ مَا تَجِبُ عَلَيْهِ رِعَايَتُهُ فِي النَّظَرِ فِي الْحُكْمِ، وَالْمَوْقِفِ مَعَ الْخَصْمَيْنِ، وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْعَدْلِ وَالْقِسْطِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ لَزِمَهُ عَذَابُ الْآخِرَةِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ. وَلِبَعْضِهِمْ كَلَامٌ فِي الْحَدِيثِ لَا يُوَافِقُ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ.
(الشرح)
ولهذا تورع الكثير من السَّلَف من العلماء السابقون والأئمة وامتنعوا من ولاية القضاء, بَعْضُهُمْ ضرب, وسجنوا وَلَمْ يلتزموا؛ لِأَنَّهُم خافوا وحصل عندهم خوف ورهبة واعتقدوا أَنَّهُمْ لا يستطيعون القيام بها فخافوا, ومن العلماء من دخل بنية حسنة, بأن يقيما شرع الله في عباد الله, ويلزم الخصوم بحكم الله, ولكل وجهة, لكن الكثير من الأئمة كالإمام مالك وغيره امتنعوا من القضاء وضربوا وسجنوا؛ لِأَنَّهُم يرون أن هناك من يقوم بِهِ غيرهم, وَإِلَّا إِذَا تعين عَلَى الإنسان يَجِبُ عَلَيْهِ أن يلتزم إِذَا تعين عَلَيْهِ.
(المتن)
[تبعات الْقَضَاء والإمارة]
(وَعَنْهُ) أَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ» عَامٌّ لِكُلِّ إمَارَةٍ مِنْ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى إلَى أَدْنَى إمَارَةٍ وَلَوْ عَلَى وَاحِدٍ «وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ) أَيْ فِي الدُّنْيَا (وَبِئْسَ الْفَاطِمَةُ)» أَيْ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) قَالَ الطِّيبِيُّ: تَأْنِيثُ الْإِمَارَةِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ فَتَرَكَ تَأْنِيثَ نِعْمَ وَأَلْحَقهُ بِبِئْسَ نَظَرًا إلَى كَوْنِ الْإِمَارَةِ حِينَئِذٍ دَاهِيَةٌ دَهْيَاءَ وَقَالَ غَيْرُهُ: أَنَّثَ فِي لَفْظٍ وَتَرَكَهُ فِي لَفْظٍ لِلِافْتِنَانِ وَإِلَّا فَالْفَاعِلُ وَاحِدٌ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ بِلَفْظِ: «أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ، وَثَانِيهَا نَدَامَةٌ، وَثَالِثُهَا عَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إلَّا مَنْ عَدَلَ» وَأَخْرُج الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَرْفَعُهُ «نِعْمَ الشَّيْءُ الْإِمَارَةُ لِمَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَحَلَّهَا، وَبِئْسَ الشَّيْءُ الْإِمَارَةُ لِمَنْ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا تَكُونُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَهَذَا يُقَيِّدُ مَا أُطْلِقَ فِيمَا قَبْلَهُ.
(الشرح)
يَعْنِي يقيد هَذَا الحديث, هَذَا الحديث مطلق تكون ندامة يَوْم الْقِيَامَة لَيْسَ عَلَى إطلاقها قيد الحديث يَعْنِي تكون حسرة لمن تولى بغير حقها ولَيْسَ أهلاً لها وَلَمْ يؤد الواجب عَلَيْهِ تكون عَلَيْهِ حسرة, أَمَّا من عدل وبر وأدى وَكَانَ أهلاً وأدى الحقوق إِلَى أهلها فلا تكون عَلَيْهِ حسرة بَلْ يثاب.
(المتن)
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ «أَبِي ذَرٍّ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ: إنَّك ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا».
قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي اجْتِنَابِ الْوِلَايَةِ لَا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ فِيهَا بِغَيْرِ أَهْلِيَّةٍ وَلَمْ يَعْدِلْ فَإِنَّهُ يَنْدَمْ عَلَى مَا فَرَّطَ فِيهِ إذَا جُوزِيَ بِالْجَزَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
(الشرح)
صحيح هَذَا من كَانَ أهلاً وَلَمْ يعدل, أَمَّا من كَانَ أهل وعدل فَإِنَّهُ مأجور مثاب لاسيما إِن كَانَ عنده نية واحتساب.
(المتن)
وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهْلًا لَهَا وَعَدَلَ فِيهَا فَأَجْرُهُ عَظِيمٌ كَمَا تَضَافَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ وَلَكِنْ فِي الدُّخُولِ فِيهَا خَطَرٌ عَظِيمٌ.
(الشرح)
لاشك مخاطرة, من الثواب العظيم حديث «سبعة يظلهم الله في ظله يَوْم لا ظل إِلَّا ظله, وذكر منهم الإمام العادل, والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم هم في مقدمة الأئمة العدول, أبو بكر وعمر وعثمان وعلي كلهم خلفاء, وعمر بن عبد العزيز كلهم من الخلفاء العادلين, في مقدمة الخلفاء العادلين رضي الله عنهم وأرضاهم.
أبو ذر رضي الله عنه قَالَ له النَّبِيّ: «إني أحب لك ما أحب لنفسي وإنك ضعيف, فلا تأمرن عَلَى اثنين ولا تولين مال يتيم», النَّاس يختلفون قدراتهم, القدرات ليست واحدة, والاستعداد لَيْسَ واحد, كَذَلِكَ أَيْضًا النَّاس يتخلفون في أفهامهم وعقولهم وقدراتهم وما أعطاه الله من العلوم والفهوم, والعقول والأموال, تفاوت الله له الحكمة البالغة, {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيم}[يوسف/6].
(المتن)
وَلَكِنْ فِي الدُّخُولِ فِيهَا خَطَرٌ عَظِيمٌ وَلِذَلِكَ، امْتَنَعَ الْأَكَابِرُ مِنْهَا.
(الشرح)
الأكابر بَعْض القضاة الَّذِينَ امتنعوا وألزمهم الخلفاء وَبَعْضُهُمْ سجنوا وَبَعْضُهُمْ ضربوا امتنعوا من الدخول فِيهَا.
(المتن)
فَامْتَنَعَ الشَّافِعِيُّ لَمَّا اسْتَدْعَاهُ الْمَأْمُونُ لِقَضَاءِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ وَامْتَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ لَمَّا اسْتَدْعَاهُ الْمَنْصُورُ فَحَبَسَهُ وَضَرَبَهُ؛ وَاَلَّذِينَ امْتَنَعُوا مِنْ الْأَكَابِرِ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ، وَقَدْ عَدَّ فِي النَّجْمِ الْوَهَّاجِ جَمَاعَةً.
(الشرح)
كتاب النجم الوهاج.
(المتن)
(تَنْبِيهٌ) فِي قَوْلِهِ: " سَتَحْرِصُونَ " دَلَالَةً عَلَى مَحَبَّةِ النُّفُوسِ لِلْإِمَارَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ نَيْلِ حُظُوظِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا وَنُفُوذِ الْكَلِمَةِ وَلِذَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ طَلَبِهَا كَمَا أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّك إنْ أُعْطِيتهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وَكِلْت إلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْت عَلَيْهَا» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ بِالشُّفَعَاءِ وُكِلَ إلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ».
(الشرح)
هَذَا يوافق الحديث السابق, «لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّك إنْ أُعْطِيتهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وَكِلْت إلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْت عَلَيْهَا».
طالما طلب شفعة, يطلب بالشفعة حَتَّى يتولى القضاء؛ لما فِيهِ من المنصب والجاه والمال؛ يأتي بالشفعة وهناك من يمتنع, يختلفون النَّاس هناك من يمتنع وهناك من يطلب ويستعينون عَلَيْهِ بالشفعة, يطلب شفعاء يشفعون له؛ حَتَّى يتولى.
(المتن)
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَاَللَّهِ إنَّا لَا نُوَلِّي هَذَا الْأَمْرَ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ» حَرَصَ بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}[يوسف/103].
وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ أَرْضَى النَّاسِ وَأَفْضَلِهِمْ فَيُوَلِّيهِ، لِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ تَعَالَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ».
(الشرح)
نعم يولى الأمثل فالأمثل الجود من الموجود, الأمثل فالأمثل, الولاية هَذِهِ لَابُدَّ فِيهَا من يشغلها, يَعْنِي يتحرى المسئول يتحرى الأمثل فالأمثل.
(المتن)
وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ طَلَبِ الْإِمَارَةِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ تُفِيدُ قُوَّةً بَعْدَ ضَعْفٍ، وَقُدْرَةً بَعْدَ عَجْزٍ تَتَّخِذُهَا النَّفْسُ الْمَجْبُولَةُ عَلَى الشَّرِّ وَسِيلَةً إلَى الِانْتِقَامِ مِنْ الْعَدُوِّ، وَالنَّظَرِ لِلصِّدِّيقِ.
(الشرح)
ينقم من العدو ويحيف مَعَ الصديق بغير حَقّ, يَعْنِي ولاية قدرة نفوذ, أعطي نفوذ ينتقم من العدو إِذَا كَانَ لَيْسَ عنده خوف من الله ويحيف مَعَ الصديق.
(المتن)
وَتَتَبُّعِ الْأَغْرَاضَ الْفَاسِدَةِ وَلَا يُوثَقُ بِحُسْنِ عَاقِبَتِهَا. وَلَا سَلَامَةِ مُجَاوِرَتِهَا، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا تُطْلَبَ مَا أَمْكَنَ.
(الشرح)
ما ينبغي للإنسان أن يطلبها لكن إِذَا بلي بها يستعين بالله, لاشك أَنَّهُ ابتلاء وامتحان.
(المتن)
وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ طَلَبَ قَضَاءَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَنَالَهُ. فَغَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ».
(الشرح)
وَإِذَا كَانَ لَيْسَ أهلاً لذلك ولا يوجد من هُوَ من يقوم بها يتعين عَلَيْهِ, فالله أخبر عَنْ يوسف أَنَّهُ قَالَ لعزيز مصر: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيم}[يوسف/55].
قَالَ: اجعلني عَلَى خزائن الأرض؛ لِأَنَّهُ رأى أهليته لذلك, ولَيْسَ هناك أحد من يقوم بِهَذَا, ولهذا لما ولي عليه الصلاة والسلام تولى ودبر الْأَمْرِ وعبر الرؤيا, وَقَالَ له: ستأتي سبع سنوات عجاف, فما حصدتم فذروه في سنبله إِلَّا قليلاً ما تأكلون, دبر الْأَمْرِ, جعل الحبوب في سنابلها في أماكن خاصة؛ حَتَّى يدبر مكاييل للناس؛ حَتَّى كفت السبع السنين العجاف عليه الصلاة والسلام.
رأى في نفسه أهلية لذلك ولَيْسَ هناك من يقوم بِهَذَا, ولهذا قَالَ: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيم}[يوسف/55].
هُوَ مضطر إِلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هناك من يقوم بهذه الولاية غيره, لَيْسَ هناك من يقوم بالعدل غيره, ومثله طلب الإمامة في الصَّلَاة, كَذَلِكَ يطلب يكون الإمام إِذَا كَانَ أهلاً لذلك, ويقوم بالإمامة وَهُوَ يعلم النَّاس وَهُوَ يصلي يعلمهم كيفية الصَّلَاة, يعلم السُّنَّة, الصَّلَاة فِيهَا الطمأنينة وعدم العجلة, والمحافظة عَلَى الأركان والهيئات والخشوع, والوقت, يصير قدوة في هَذَا ويعظ النَّاس ويرشدهم فلا بأس, كمن طلب من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اجعلني إمام قومي, قَالَ: «أنت إمامهم واقتدى بأضعفهم, واتخذ مؤذنًا لا يأخذ عَلَى أذانه أجرًا», هَذَا طلب الإمام في الصَّلَاة, ويوسف عَلَيْهِ السلام طلب الولاة؛ لِأَنَّهُ رأى أهليته لذلك, ورأى أَنَّهُ سيقوم بهذه الولاية, ويقوم بهذه الإمام؛ وسينفع الله بِهِ.
فَإِن قِيلَ: الآن في القضاء يعلمون مسابقات في بَعْض البلاد؟ لا, هَذِهِ وظائف, القضاء اختيار, يختار بَعْدَ العلم يختار أهل العلم الَّذِينَ درسوا في المعاهد في كليات العلوم الشرعية, ما هُوَ كُلّ أحد, وَأَيْضًا يختار منهم, وَهَذَا حَقّ, وينبغي أَيْضًا أن يختار أَيْضًا اللجان يتم اختيارهم, ينبغي اختيار اللجان الَّذِينَ عرفوا بحسن الاختيار, وعرفوا بالأمانة والصدق, إِنَّمَا هَذَا في الوظائف الأخرى المسابقات لَيْسَ القضاء.
ونحن طلاب يَقُولُ بَعْض النَّاس: أنتم تفرون من القضاء ونحن نطلب القضاء في بلادهم يَعْنِي, وَهَذَا كَانَ سابقًا أول ما وجدت المعاهد والكليات, وَكَانُوا يختارون من الخريجين قضاة ويمتنعون ويطلبون الإعفاء كثير, وَكَانَ في بَعْض البلدان المجاورة يتعجبون, يَقُولُونَ: نحن نطلبها وأنتم تفرون مِنْهَا.