بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:
[تولية الْمَرْأَة الْقَضَاء]
(وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَنْ يُفْلِحْ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَوْلِيَةِ الْمَرْأَةِ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ الشَّارِعُ قَدْ أَثْبَتَ لَهَا أَنَّهَا رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى جَوَازِ تَوْلِيَتِهَا الْأَحْكَامَ إلَّا الْحُدُودَ. وَذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ إلَى جَوَازِ تَوْلِيَتِهَا مُطْلَقًا.
وَالْحَدِيثُ إخْبَارٌ عَنْ عَدَمِ فَلَاحِ مَنْ وَلِيَ أَمْرَهُمْ امْرَأَةٌ وَهُمْ مَنْهِيُّونَ عَنْ جَلْبِ عَدَمِ الْفَلَاحِ لِأَنْفُسِهِمْ مَأْمُورُونَ بِاكْتِسَابِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْفَلَاحِ.
(الشرح)
والفلاح هُوَ الحصول عَلَى المطلوب والنجاة من المرهوب, ولن يحصل عَلَى الفلاح من المطلوب وَهُوَ الْجَنَّةَ والنجاة من المرهوب إِلَّا إِذَا امتثلوا أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
(المتن)
[حُكْم مِنْ وَلِي مِنْ أُمُور الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فاحتجب عَنْ حاجتهم]
(وَعَنْ أَبِي مَرْيَمَ الْأَزْدِيِّ) هُوَ صَحَابِيٌّ اسْمه عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الْجُهَنِيُّ رَوَى عَنْهُ ابْنُ عَمِّهِ أَبُو الشَّمَّاخِ وَأَبُو الْمُعَطَّلِ وَغَيْرُهُمْ (عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ عَنْ حَاجَتِهِمْ وَفَقِيرِهِمْ احْتَجَبَ اللَّهُ دُونَ حَاجَتِهِ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ) وَلَفْظُهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ «مَا مِنْ إمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْخَلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ إلَّا أَغْلَقَ اللَّهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ».
(الشرح)
هَذَا وعيد شديد نسأل الله السلامة والعافية.
(المتن)
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي مُخَيْمِرَةَ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ وَلَهُ قِصَّةٌ مَعَ مُعَاوِيَةَ. وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ " - الْحَدِيثَ " فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا عَلَى حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ بِلَفْظِ «مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَاحْتَجَبَ عَنْ أُولِي الضَّعْفِ وَالْحَاجَةِ احْتَجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ «أَيُّمَا أَمِيرٍ احْتَجَبَ عَنْ النَّاسِ فَأَهَمَّهُمْ احْتَجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُنْكَرٌ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ إلَّا شَيْخَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ لَمْ يَقِفْ فِيهِ عَلَى جَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا أَحْبَبْت أَنْ أَضَعَهُ عِنْدَك مَخَافَةَ أَنْ لَا تَلْقَانِي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ عَمَلًا فَحَجَبَ بَابَهُ عَنْ ذِي حَاجَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ حَجَبَهُ اللَّهُ أَنْ يَلِجَ بَابَ الْجَنَّةِ، وَمَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ الدُّنْيَا حُرِّمَ عَلَيْهِ جِوَارِي فَإِنِّي بُعِثْت بِخَرَابِ الدُّنْيَا وَلَمْ أُبْعَثْ بِعِمَارَتِهَا».
(الشرح)
هَذَا يحتاج إِلَى نظر, الشيخ الطبراني يكون سكت عنه, قَدْ يقال: إِنَّهُ في نكارة قوله: «بعثت بخراب الدنيا», الدنيا مزرعة للآخرة, وعمارتها بالأعمال الصالحة, وخرابها بالمعاصي والشرك.
وَهُوَ حديث ضعيف, ضعفه صبحي حلاق, علق تعليق قَالَ: وَبِهَذَا تعلموا الأثر السيئ لحديث ضعيف عَلَى الْمُسْلِمِين, وكيف انتشارها أدى إِلَى مفاسد كثيرة, مِنْهَا ما هُوَ من الأمور الاعتقادية الغيبية, وَمِنْهَا ما هُوَ من الأمور التشريعية وغيرها.
الحديث ضعيف, قَالَ الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني عَنْ شيخه جبرون بن عيسى عَنْ يحيى بن سليمان الجفري وَلَمْ أعرفهما, وبقية رجاله صحيح, ثُمَّ قَالَ في التغريب والتهريب: ضعيف, وعلق صبحي حلاق, قَالَ: : وَبِهَذَا تعلموا الأثر السيئ لحديث ضعيف عَلَى الْمُسْلِمِين, وكيف انتشارها أدى إِلَى مفاسد كثيرة, مِنْهَا ما هُوَ من الأمور الاعتقادية الغيبية, وَمِنْهَا ما هُوَ من الأمور التشريعية وغيرها.
فَإِن قِيلَ: كيف يقصد الاعتقادية؟ ما يتعلق بالعقيدة والأحكام, وَكَذَلِكَ فِيهِ نكارة قوله: «بعثت بخراب الدنيا», هَذَا فِيهِ نكارة, الدنيا مزرعة الآخرة, خرابها بالمعاصي والشرك, وعمارتها بالطاعة.
(المتن)
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ وَلِيَ أَيَّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ عِبَادِ اللَّهِ أَنْ لَا يَحْتَجِبَ عَنْهُمْ وَأَنْ يُسَهِّلَ الْحِجَابَ لِيَصِلَ إلَيْهِ ذُو الْحَاجَةِ مِنْ فَقِيرٍ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ (احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ) كِنَايَةً عَنْ مَنْعِهِ لَهُ مِنْ فَضْلِهِ وَعَطَائِهِ وَرَحْمَتِهِ.
(الشرح)
لاشك أن هَذَا وعيد شديد, فيجب عَلَى من ولي أمر, سواء إمارة أو وزارة أو إدارة أن يسهل وصول صاحب الحاجة إليه, وأن يخفف من الحجب والعوائق.