بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قال رحمه الله تعالى:
وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللهِ بْنُ بَكْرٍ اَلسَّهْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ اَلْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ﷺ قَالَ: خَلَقَ اَللَّهُ اَلْخَلْقَ، وَقَضَى اَلْقَضِيَّةَ، وَأَخَذَ مِيثَاقَ اَلنَّبِيِّينَ، وَعَرْشُهُ عَلَى اَلْمَاءِ فَأَخَذَ أَهْلَ اَلْيَمِينِ بِيَمِينِهِ، وَأَهْلَ اَلشِّمَالِ بِيَدِهِ اَلْأُخْرَى، وَكِلْتَا يَدِ اَلرَّحْمَنِ يَمِينٌ ... ثُمَّ ذَكَرَ اَلْحَدِيثَ.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فهذا الحديث ذكره المؤلف رحمه الله في باب إثبات صفات الله وفيه إثبات اليدين لله إثبات اليمين والشمال نسبة لله يدين أحدهما يمين والأخرى شمال ولكن الحديث هذا ضعيف بإسناد ضعيف بإسناد ابن وضاح كما سبق وبإسناد بشر بن نُمير بالتفصيل وإسناد القاسم بن عبد الرحمن أيضًا فيه كلام وله طرق أخرى عن القاسم, والحديث بهذا السند ضعيف لكن ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عمر مرفوعًا: يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأراضين السبع ثم يأخذهن بشماله ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟.
وهذا الحديث في صحيح مسلم وفيه إثبات اليمين والشمال لله , فالحديث فيه إثبات الشمال وفيه إثبات اليمين لله ولكن الحديث وإن كان في صحيح مسلم في سنده عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب تفرد بذكر الشمال, فطعن بعض العلماء في الحديث وإن كان في صحيح مسلم إلا أن ذكر الشمال تفرد به عمر بن حمزة ولم ترد في بقية الروايات, والصحيح أن الحديث له متابع دل عليه أحاديث أخرى في إثبات الشمال منها حديث أبي الدرداء عن النبي ﷺ أنه قال: خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء فقال للتي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي, وقال للتي في يساره: إلى النار ولا أبالي.
وجاء في معناه أحاديث أخرى فيها إثبات قال: «يأخذ بيده اليمني كذا وبيده الأخرى» وأما قوله ﷺ: وكلتا يديه يمين فلا يمنع إثبات اليمين والشمال لله؛ لأن معنى «وكلتا يديه يمين» كلتا يديه يمين في الخير والبركة والشرف والفضل وعدم النقص والضعف, بخلاف المخلوق الضعيف فإن يده اليسرى أضعف من يده اليمنى فيها نقص وفيها ضعف, أما الرب سبحانه وتعالى فلا يلحقه نقص ولا ضعف.
فمعنى: وكلتا يديه يمين يعني كلتا يديه يمين في الشرف والفضل وعدم النقص وإن كان له يمين وشمال فله سبحانه وتعالى يمين وشمال لكن كلتاهما يمني يعني في الشرف والفضل والبركة, وهذا هو الصواب في هذه المسألة؛ لأن بعض العلماء أنكر أن يكون لله شمال وإن كانت وردت في صحيح مسلم, معلوم أن صحيح مسلم وصحيح البخاري تلقتهم الأمة بالقبول, لكن طعنوا في لفظ قول واحد: «والأخرى بشماله» قالوا: هذه تفرد بها عمر بن حمزة فتكون ضعيفة وإن كانت في صحيح مسلم, لكن الصواب أن لها شواهد تشهد لها من الأحاديث كما في حديث أبي الدرداء.
ولذلك أثبت اليمين والشمال بعض العلماء والأئمة من أهل السنة منهم الإمام المجدد الشيخ: "محمد بن عبد الوهاب" -رحمه الله- في كتاب التوحيد في آخر باب من كتاب التوحيد, قوله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر/67].
ذكر الحديث ثم ذكر المسائل المستنبطة قال: الباب فيه مسائل وقال المسألة الخامسة: التصريح بذكر اليدين وأن السماوات في اليد اليمنى والأراضين في الأخرى؛ لأنه ذكر حديث ابن مسعود: «أنه جاء حبرٌ من الأحبار إلى النبي ﷺ وقال: يا محمد إنا نجد أن الله يطوي السماوات بيمينه والأخرى بشماله» ذكر الشمال.
فالشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- استنبط من المسائل قال: الخامسة: التصريح بذكر اليدين وأن السماوات في اليد اليمنى والأراضين في الأخرى حديث: أن الله يطوي السماوات بيمينه والأراضين بشماله.
ثم قال: السادسة: التصريح بتسميتها الشمال, فإذًا الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يُثبت لله يمين وشمال نقلًا من الأحاديث, فقول بعض العلماء: تفرد عمر بن حمزة بذكر الشمال نقول: لها متابع, وكذلك أثبت الشمال لله سماحة شيخنا: "عبد العزيز بن باز" رحمه الله في تعليقه على كتاب التوحيد, قال رحمه الله: وفي هذا إثبات الصفات وأنه سبحانه له يمين وشمال وأن كلتا يديه يمين كما في الحديث الآخر، وسمى إحداهما يمينًا والأخرى شمالًا من حيث الاسم, ولكن من حيث المعنى والشرع كلتاهما يمين وليس في شيءٍ منهما نقص, هذا كلام سماحة شخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله.
وسمعنا هذا الدرس كثيرًا يستدل بالأحاديث على إثبات اليمين والشمال لله, وكذلك ذهب إلى ذلك فضيلة الشيخ: "محمد بن عثيمين" رحمه الله قال في شرح كتاب التوحيد: وعلى كلٍ فإن يديه سبحانه اثنتان بلا شك وكل واحدة غير الأخرى, إذًا وصفنا اليد الأخرى بالشمال فليس المراد أنها أقل قوة من اليمين بل كلتا يديه يمين, هذا كلام الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله وهو الذي يظهر لي من الأدلة وقد ذكرنا هذا في الدروس في صحيح مسلم وصحيح البخاري مرات, وبينا هذا وأن الذي يظهر لنا من الأدلة إثبات اليمين والشمال لله .
وأما قوله ﷺ: وكلتا يديه يمين فالمراد كلتا يديه يمين في الشرف والفضل والكمال وعدم النقص وإن كانت الأخرى تسمى شمال وهي يمينٌ في البركة, هي يمين في البركة والفضل وهي شماله.
وبهذا يتضح أن من العلماء من لم يُثبت شمال لله ودليله قوله: وكلتا يديه يمين فظن بعض العلماء أن قوله: «وكلتا يديه يمين» لا يُثبت لله شمال وأن كلتا اليدين تسمى يمين, وطعن في رواية عمر بن حمزة في صحيح مسلم في قوله: ثم يطوي الأراضين ويأخذهن بشماله قال: إنه تفرد بها, ولكن الصواب أن الشمال ثبتت في عدة أحاديث هذا هو الصواب أن لله يمين وشمال وإن كان كلٌ من اليدين يمينٌ مباركة في البركة والشرف والفضل والخير وعدم النقص والضعف.
ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: للسماوات السبع والأراضين السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم فهذا فيه إثبات الكف لله تعالى, والحديث وإن كان موقوف على ابن عباس إلا أن هذا مما لا مجال للرأي فيه فيُثبت الكف لله .
إذًا هذا الحديث استدل به المؤلف رحمه الله على إثبات اليدين لله وأن لله يدين وأن إحداهما يمين والأخرى شمال وكلتاهما يمينٌ في الخير والبركة والفضل والشرف وعدم النقص, والقرآن الكريم صريح في إثبات اليدين لله U, قال الله تعالى خطابًا لإبليس: مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ [ص/75].
قال سبحانه: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة/64].
(المتن)
وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللهِ بْنُ بَكْرٍ اَلسَّهْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ اَلْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ﷺ قَالَ: خَلَقَ اَللَّهُ اَلْخَلْقَ، وَقَضَى اَلْقَضِيَّةَ، وَأَخَذَ مِيثَاقَ اَلنَّبِيِّينَ، وَعَرْشُهُ عَلَى اَلْمَاءِ فَأَخَذَ أَهْلَ اَلْيَمِينِ بِيَمِينِهِ، وَأَهْلَ اَلشِّمَالِ بِيَدِهِ اَلْأُخْرَى، وَكِلْتَا يَدِ اَلرَّحْمَنِ يَمِينٌ ... ثُمَّ ذَكَرَ اَلْحَدِيثَ.
وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رِجَالٌ مِنْ اَلْأَنْصَارِ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ ﷺ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَإِذَا حَلْقَةٌ فِي اَلْمَسْجِدِ ... ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ: إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ مَعِي مِنْ أُمَّتِي مَنْ يُقِرُّ بِهِ عَيْنَي اَلْجَنَّةَ، فَأَعْطَانِي سَبْعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ اِسْتَزَدْتُهُ فَزَادَنِي مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ اِسْتَزَدْتُهُ فَأَشَارَ إِلَيَّ بِكَفَّيْهِ هَكَذَا وَهَكَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَسْبُنَا يَا رَسُولَ اَللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ دَعْنَا نَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ وَمَا تُبْقِي (حَفْنَتَانِ) مِنْ حَفَنَاتِ اَللَّهِ، وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.
(الشرح)
هذا الحديث ذكر المحقق أنه لم يقف على من أخرجه سندًا ومتنًا وأن في الإسناد من لم يسمى يعني في المجهول, فيه مبهم, والحديث إذا كان فيه مبهم يكون الحديث ضعيف؛ لأن في قول صفوان بن سليم قال: («حَدَّثَنِي رِجَالٌ مِنْ اَلْأَنْصَارِ») ولم يبين من هم, والحديث إذا كان فيه مبهم فيكون ضعيف فهو ضعيفٌ بهذا السند.
لكن روى الشيخان البخاري ومسلم رحمهم الله حديث يدل على ما دل عليه الحديث ومتابع لهذا الحديث, روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما في حديث عرض الأمم, قال عليه الصلاة والسلام: عُرضت عليَ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط يعني من ثلاثة إلى عشرة, فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد» هذا في عرض الأمم يعني بيان أتباع الأنبياء, بعض الأنبياء تبعه الرهط والرهط من ثلاثة إلى تسعة، وبعض الأنبياء تبعه الرجل والرجلين, وبعض الأنبياء ما تبعه أحد, وبعض الأنبياء قُتل, أنبياء بني إسرائيل قُتلوا كما قال تعالى: فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ [البقرة/87].
وما يضرهم هذا, بلغوا دين الله وأدوا ما عليهم, قال عليه الصلاة والسلام: ثم رُفع لي سوادٌ عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل: هذا موسى وقومه فهذا دليل على كثرة أتباع موسى عليه السلام, ثم رُفع لي سوادٌ عظيم يعني أكثر من الأول، «فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حسابٍ ولا عذاب.
ثم دخل النبي ﷺ منزله فبات الناس يقولون: من هم هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حسابٍ ولا عذاب, فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله ﷺ, وقال بعضهم: فلعلهم الذين وُلدوا في الإسلام وذكروا أشياء, فخرج النبي ﷺ فسألوه عن ذلك فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصد فقال: يا رسول الله ادعُ الله أن يجعلني منهم فقال: أنت منهم وفي الأخرى قال: اللهم اجعله منهم, ثم قام رجلٌ آخر فقال: يا رسول الله ادعُ الله أن يجعلني منهم فقال: سبقك بها عكاشة.
هذا الحديث في الصحيحين وهو متابعٌ لهذا الحديث يدل على ما دل عليه الحديث, هذا الحديث يقول: (إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ مَعِي مِنْ أُمَّتِي مَنْ يُقِرُّ بِهِ عَيْنَي اَلْجَنَّةَ، فَأَعْطَانِي سَبْعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ اِسْتَزَدْتُهُ فَزَادَنِي مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ اِسْتَزَدْتُهُ فَأَشَارَ إِلَيَّ بِكَفَّيْهِ هَكَذَا وَهَكَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَسْبُنَا يَا رَسُولَ اَللَّهِ) يعني يكفينا, («فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ دَعْنَا نَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ وَمَا تُبْقِي (حَفْنَتَانِ) مِنْ حَفَنَاتِ اَللَّهِ») يعني الحفنة من حفنات الرب الله أعلم كم مقدارها ما تبقي شيئًا يعني يدخل عدد كثير.
وجاء في حديث أبي هريرة في الصحيحين وصف السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بأنه تُضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر الزمرة الأولى أول من يدخلون الجنة, «ثم الزمرة الثانية تضيء إضاءة الكوكب الدري» وجاء في حديث آخر أن مع السبعين ألفًا زيادة أيضًا, فروى الإمام أحمد والبيهقي في البعث حديث أبي هريرة في السبعين ألفًا فذكر وزاد قال: «فاستزدت ربي فزادني مع كل ألفٍ سبعين ألفًا», قال الحافظ بن حجر رحمه الله في الفتح: سنده جيد.
هذا شاهد للحديث الذي ذكره المؤلف: فاستزدت ربي فزادني مع كل ألفٍ سبعين ألفًا وفي الباب عن أبي أيوب عند الطبراني وعن حذيفة عند أحمد وعن أنس عند البزار وعند ثوبان وعند ابن أبي عاصم قال: فهذه طرق يقوي بعضها بعضًا.
وجاء عند الترمذي وحسنه الطبراني وابن حبان في صحيحه بلفظ: «وثلاث حثيات من حثيات ربي» الحثية الله أعلم كم مقدارها, وبهذا يكون حديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ثابت, وكذلك أيضًا: مع كل ألفٍ سبعين ألفًا هذا ثابت.
وجاء في حديث لكن فيه ضعف: مع كل واحدٍ ألفًا لكن: مع كل ألفٍ سبعين ألفًا هذا ثابت كما سمعتم, أما مع كل واحد هذا فيه ضعف, وهذا الحديث فيه إثبات الجنة وأن المؤمنين يدخلون الجنة, وفيه إثبات أنهم يدخلون الجنة بغير حساب وفيه الرد على من أنكر وجود الجنة والنار من الكفرة والمؤلف -رحمه الله_ ساقها ليستدل ببعض الصفات كقوله: والسماوات مطويات بيمينه لكن في حديث السبعين ألفًا ليس فيها ما ذكره المؤلف هنا: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ لكن هذا جاء في الآية الكريمة: مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر/67].
فيه إثبات اليمين لله وفيه إثبات القبضة لله وأن الله يقبض الأرض, واليدين ثبت في الحديث السابق إثباتهما لله .
(المتن)
اِبْنُ وَهْبٍ: قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَسْلَمَةُ بْن عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، عَنْ اَلنَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ اَلكِلَابِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ﷺ: مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ رَبِّكَ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، وَإِذَا شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ.
(الشرح)
وهذا الحديث استدل به المؤلف على إثبات الأصابع لله والحديث إسناده ضعيف جدًا ولكن متنه صحيح, الحديث بالروي بالسند السابق لابن وهب: (وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ) وفي الإسناد (مسلمة بن علي الخُشني) تكلم فيه النقاد قال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك، وقال الذهبي: تركوه, ولكنه لم ينفرد بهذا الحديث بل تابعه جماعة في روايته عن عبد الرحمن بن يزيد, يعني بس ما روى عن عبد الرحمن بن يزيد وتابعه جماعة: تابعه عبد الله بن مبارك, وابن حبان, ومحمد بن مسلم بن شهاب الزّهري عنه, وأخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد, وتابعه بشر بن بكر التنيسي الدمشقي, أخرجه الحاكم, تابعه الوليد بن مسلم, تابعه أيضًا صدقة بن خالد الأموي الدمشقي, تابعه عمر بن عبد الواحد, أخرجه بن مندة في التوحيد, تابعه الوليد بن يزيد, أخرجه الدار قطني في الصفات, وتابعه محمد بن شعيب وأخرجه الحاكم في المستدرك, وتابعه سلطان بن صالح أخرجه الطبراني كما ذكر المحقق, وفي الباب أيضًا عن أنس بن مالك وعائشة رضي الله عنها وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله, ونُعيم رضي الله عنهم.
وقد أخرج الإمام مسلم في صحيح أن النبي ﷺ قال: قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن إذا أراد أن يقلب قلب عبدٍ قلبه» فالحديث فيه إثبات الأصابع لله , وفي حديث ابن مسعود قال: جاء حبرٌ من الأحبار إلى رسول الله ﷺ» والحبر: العالم, يُقال: الحِبر ويُقال: الحَبر, الحِبر أو الحَبر العالم, «جاء حبرٌ من الأحبار إلى رسول الله ﷺ فقال: يا محمد إن نجد أن الله يجعل السماوات على أصبع والأراضين على أصبع والشجر على أصبع والثرى على أصبع وسائر الخلق على أصبع فيقول: أنا الملك, فضحك النبي ﷺ تصديقًا لقول الِحبر ثم قرأ: مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ [الزمر/67]».
قال الحافظ بن كثير رحمه الله: رواه البخاري في غير موضع من صحيحه, والإمام أحمد, ومسلم, والترمذي, والنسائي, كلهم من حديث سليمان بن مهران الأعمش عن إبراهيم النخعي عن عبيدة, وهو عبيدة بن عمرو السلماني عن ابن مسعود بنحوه, فالحديث ثابت وفيه إثبات خمسة أصابع لله, قال: يجعل السماوات على أصبع هذا واحد, «والأراضين على أصبع» اثنين, والشجر على أصبع ثلاثة, والثرى على أصبع أربعة, وسائر الخلق على أصبع» خمسة أصابع, فيه إثبات الأصابع لله وأن لله خمسة أصابع.
وصفات الله تليق كما أن صفات المخلوق تليق به, والله تعالى لا يماثل أحدًا في صفاته كما قال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى/11].
وقال سبحانه: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم/65].ليس لله مسامي,
وقال سبحانه: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة/22].
وقال: فلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ [النحل/74].
فالأصابع ثابتة لله وهذه المخلوقات كلها لا تساوي شيء عند الله , السماوات كلها يضعها في أصبع, والأراضين كلها في أصبع, وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: «كان النبي ﷺ يُكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك, فتقول له عائشة: يا رسول الله إنك تكثر أن تدعو بهذا الدعاء فهل تخاف؟ فقال ﷺ: وما يؤمنني يا عائشة وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن إذا أراد أن يقلب قلب عبدٍ قلبه.
وكان كثيرًا ما يحلف ﷺ بقول: لا ومقلب القلوب فإذا كان النبي ﷺ وهو أشرف الخلق قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, فكيف بحالنا؟! فينبغي للإنسان أن يُكثر من هذا الدعاء: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
وقد أنكر بعض نفاة الصفات أنكروا هذا الحديث وطعنوا فيه: قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن طعنوا فيه بآرائهم وعقولهم الفاسدة قالوا: إن الحديث يدل على أن أصبع الرب في صدر الإنسان ولا نجد في صدورنا شيئًا.
وهذه هي طريقة أهل البدع يعارضون النصوص بأهوائهم وآرائهم الفاسدة, وهذا يدل على أن فهمهم فاسد ولم يعرفوا اللغة العربية, فلا يظن من البينية المماسة ولا المحاذاة, قال الله تعالى: وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [البقرة/164].
هل السحاب الآن ملاصق للأرض أو ملاصق للسماء؟ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [البقرة/164].
البينية واسعة ما يلزم منها المماسة, هؤلاء المبتدعة يعارضون النصوص بآرائهم يقولون: ما نجد في قلوبنا أصابع الرحمن, وهذا من جهلهم ومعارضتهم للنصوص وعدم فهمهم للغة, فالواجب على الإنسان أن يسلم لله ولرسوله يقول: آمنا بالله ورسوله, كما قال: آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله, وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله, هذا هو الواجب على المسلم أن يسلم فلا يعارض النصوص برأيه الفاسد.
وفي حديث ابن مسعود: لما ضحك النبي ﷺ تصديقًا لقول الحَبر, فيه قبول الحق ممن جاء به ولو كان كافرًا, هؤلاء اليهود كفار ومع ذلك لما جاءوا بالحق قبله النبي ﷺ وضحك تصديقًا لقول الحَبر, فالحق يُقبل ممن جاء به ولو كان كافرًا, بل يُقبل الحق حتى من الشيطان فالشيطان الذي علم أبا هريرة أن يقرأ آية الكرسي عند النوم قُبل الحق منه وقال النبي ﷺ: لقد صدقك وهو كذوب» الحق أُخذ من الشيطان, الحق يُقبل ممن جاء به والباطل يُرد من كل أحد.
(المتن)
وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ فَحْلُون عَنْ اَلْحُسَيْنِ بْنِ حُمَيْدٍ اَلْعَكِيّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي اَلزِّنَادِ، عَنْ اَلْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ﷺ قَالَ: يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ اَلْفَجْرِ وَصَلَاةِ اَلْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ اَلَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ.
(الشرح)
وهذا الحديث فيه ضعفٌ يسير ولكن متنه صحيح, لأن في إسناده الحسين بن حُميد بن موسى العكي المصري مُتكلمٌ فيه, ومع ضعفه فهو صالح للاستشهاد وهو لم ينفرد أيضًا بل توبع تابعه الإمام البخاري في صحيح والإمام مسلم والحديث في الصحيحين الذين هما أصح الكتب المصنفة, يقول النبي ﷺ: يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ اَلْفَجْرِ وَصَلَاةِ اَلْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ اَلَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ يعني الرب سبحانه وتعالى, وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ.
هذا فيه دليل على أن لله ملائكة في الليل وملائكة في النهار يتعاقبون على ابن آدم, ملائكة بالليل وملائكة بالنهار حفظة وكتبة, جاءت النصوص أن كل إنسانٍ منا عليه أربعة ملائكة بالليل وأربعة ملائكة بالنهار ثمانية, اثنان حافظان من أمامه ومن خلفه, والثاني كتبة عن يمينه وعن شماله كما قال الله تعالى: مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق/18].
فعن يمينه واحد ملك يكتب الحسنات وعن شماله واحد يكتب السيئات, وأمامه وخلفه ملكان حافظان ثم يتبادلان بالليل والنهار أربعة بالليل وأربعة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر, في صلاة الصبح يجتمعون ثم يصعد ملائكة الليل ويبقى ملائكة النهار وفي صلاة العصر يجتمعون ثم يصعد ملائكة النهار ويبقى ملائكة الليل، وهذا فيه دليل على أن الأذكار تكون بعد العصر وبعد الفجر كما قال الله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ[ق/39].
وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) [آل عمران/41].
يكون بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس, فإذا كان المؤمن يصلي الصبح والعصر يسأل الرب سبحانه وتعالى ملائكته وهو أعلم وإنما لبيان فضل المصلي, فإذا كان يصلي العصر ويصلي الصبح في الجماعة فسأل الرب الملائكة: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ.
وإذا كان الإنسان نائمًا في صلاة الفجر وغافلًا عن العصر ماذا يكون الجواب؟ يكون: أتيناه وهو نائم وتركناه وهو نائم ولا حول ولا قوة إلا بالله, وفي هذا الحديث فضل صلاتي الصبح والعصر ومزية عن غيرهما, وجاء في الحديث الآخر أن المحافظة على صلاة الصبح وصلاة العصر من أسباب رؤية الله كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر فإن استطعتم ألا تُغلبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس وصلاةٍ قبل غروبها فافعلوا الصلاة التي قبل طلوع الشمس هي الفجر والصلاة التي قبل غروبها هي العصر.
وفي هذا الحديث إثبات العلو لله تعالى من قوله: ثُمَّ يَعْرُجُ اَلَّذِينَ بَاتُوا والعروج يكون من أسفل إلى أعلى دل على أن الله في العلو, والمؤلف رحمه الله ذكر هذين في إثبات صفات العلو لله وأن الله في العلو وله سبحانه أعلى العلو وهو ما فوق العرش, وصفة العلو دلت عليها أدلة كثيرة كما قلت لكم كما سبق كما ذكر العلامة ابن القيم وغيره أن أفراد الأدلة التي تدل على علو الله تزيد على ثلاثة آلاف منها هذا الحديث ومنها العروج, ومنها قوله تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر/10] والصعود يكون من أسفل على أعلى: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ والرفع يكون من أعلى إلى أسفل, ومنها قوله تعالى: ثمَّ استوى على العرش في سبعة مواضع من كتابه.
ومنها قوله تعالى: أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ [الملك/17], ومنها قوله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [الشورى/4], وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ/23], وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام/18], يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ [النحل/50].
ومن الأدلة مشروعية رفع اليدين إلى السماء, وهذه قواعد وأدلة جامعة تدخل تحتها أفراد, فالمقصود أن على الله على خلقه ثابت بالنصوص من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وثابتٌ بالعقل وثابتٌ بالفطرة, الدليل على إثبات العلو: الكتاب والسنة والعقل والفطرة.
الفطرة, لذلك أن جميع الناس على اختلاف طبقاتهم يرفعون أيديهم إلى السماء عند الدعاء فدل أن الناس كلهم فُطروا على أن الله في العلو, ومع ذلك مع كثرة الأدلة ووضوحها وتناثرها أنكر كثيرٌ من أهل البدع العلو، وقالوا: إن الله ليس فوق المخلوقات، -نعوذ بالله- أنكروا هذا الجهمية والمعتزلة والأشاعرة أيضًا كلهم قالوا: إن الله ليس فوق المخلوقات وسول لهم الشيطان أن إثبات العلو يلزم منه التنقص لله U, قالوا: لو قلنا أن الله في العلو للزم النقص وكان في نقص في الله, كيف النقص؟ يعني: معناه يكون في جهة واحدة, يكون محصور, يكون محدود, متحيز, يقول: لا تحصره في جهة واحدة هو في كل مكان, نعوذ بالله.
فهذا يدل على أنه محصور وأنه محدود وانه متحيز ولا يكون في جهة إلا(...)هكذا الشبهة, يعني أين يكون إذا لم يكن في العلو؟ اختلفوا فطائفة قالت: يكون في كل مكان وهم الجهمية, نعوذ بالله قالوا: في كل مكان يكون حتى في بطون السباع وأجنحة الطيور في كل مكان حتى في الأماكن التي لا تليق وتعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا, وهذا كفر وضلال.
وقال طائفة أخرى من الجهمية: سلكوا النقيضين, وإذا قيل لهم: أين يكون في العلو؟ قالوا: ليس في العلو ولا في السفول, طيب أين يكون؟ قالوا: لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته, ولا مباين له ولا محايد له, ولا متصل به ولا منفصل عنه, أين يكون؟ هل تستطيع أن تصف العلو بأكثر من هذا؟ ما تستطيع, بل هذا ينتج الامتناع بل هذا ممتنع ومستحيل, شيءٌ لا داخل العالم ولا خارجه لا وجود له ولا فوقه ولا تحته, ولا متصل به ولا منفصل عنه لا وجود له فهؤلاء الملاحدة هكذا.
الجهمية طائفة, طائفة قالوا: أنه مختلط بالمخلوقات وهؤلاء أخف كفرًا, وطائفة سلكوا النقيضين وقالوا: لا داخل العالم ولا خارجه وهؤلاء الأعظم كفرًا؛ لأن هؤلاء قالوا بالعدم بل بالامتناع نسأل الله العافية, مع أن أدلة نصوص العلو كما سمعتم تزيد على ثلاثة آلاف وكلها ضربوا بها عرض الحائط وأخذوا بآرائهم الفاسدة وعقولهم الفاسدة واعتمدوا على زبالة الأذهان ونُحاسة الأفكار وقالوا: ليس في العلو, وما يليق بالرب أن يكون في العلو.
ماذا تعملوا بالنصوص؟ قالوا: معناها هذه علو المكانة والقدر والشرف والقوة والسلطان أما الذات لا ذات الرب ليست فوق وتعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
ولذا يجب على المسلم الحذر من شبه أهل البدع والبعد عنها والأخذ بالنصوص من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ, الواجب على المسلم التسليم لله ورسوله هكذا المسلم, قال الله تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور/51].
لابد من التسليم لله ورسوله, ولا يتم الإيمان إلا بالتسليم لله ولرسوله أما الاعتراض على الله وعلى رسوله فهذا يدل على الزيغ, زيغ القلب نسأل الله العافية.
(المتن)
وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ أَسْلَمَ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ اِبْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اَلْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى اَلْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: «كُنَّا فِي مَسِيرٍ مَعَ اَلنَّبِيِّ ﷺ فَإِذَا أَهْبَطَ اَلنَّاسُ كَبَّرُوا، وَإِذَا عَلَوْا كَبَّرُوا، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ﷺ: أَيُّهَا اَلنَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا.
(الشرح)
الحديث هذا سنده في ضعف ولكن الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم, في إسناده ضعف جدًا ضعيف جدًا سند الحديث؛ لأن في إسناده الحارث بن نبهان الجرمي البصري وهو منكر الحديث, متروك كما قال الإمام أحمد والبخاري وأبو حاتم, قال النسائي: متروك الحديث, قال الذهبي: ضعفوه, هذا بالنسبة للسند.
لكن متن الحديث صحيح والحديث أخرجه الشيخان: أخرجه البخاري في صحيحه, وأخرجه مسلم أيضًا في صحيحه كلاهما عن طريق: (حماد بن زيد عن أيوب عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى اَلْأَشْعَرِيِّ قال: «كُنَّا فِي مَسِيرٍ مَعَ اَلنَّبِيِّ ﷺ»).
وفي البخاري: «كُنَّا مَعَ اَلنَّبِيِّ ﷺ في سفر, فارتفعت أصواتنا بالتكبير فقال النبي ﷺ: اربعوا على أنفسكم يعني أرفقوا على أنفسكم, فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا إن الذي تدعونه سميعٌ قريب أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته هكذا ورد حديث الصحيحين.
والمشروع للمسلم إذا كان في السفر أن يكبر الله إذا ارتفع يكبر تعظيمًا لله وأنه أعلى من كل شيء, وإذا هبط في وادي يسبح تنزيهًا لله عن السفول, إذا هبط قال: سبحان الله, وإذا ارتفع قال: الله أكبر.
فالصحابة امتثلوا أمر النبي ﷺ فكانوا إذا ارتفعوا كبروا لكن علت أصواتهم بالتكبير حتى شقوا على أنفسهم صوتهم مرتفع: الله أكبر الله أكبر, فالنبي ﷺ أرشدهم إلى تخفيف رفع الصوت لئلا يشق عليهم فقال: اربعوا على أنفسكم يعني أرفقوا على أنفسكم, لا ترفعوا فالله تعالى يسمعكم ليس غائبًا بل هو حاضر سبحانه وتعالى فقال: اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا إن الذي تدعونه سميعٌ قريب أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته هكذا ورد حديث الصحيحين.
«فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا» فيه إثبات السمع لله وأن الله يسمع, «ولا غائبًا» أي أن الله حاضر ليس بغائب، «إن الذي تدعونه سميعٌ قريب أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» فيه إثبات المعية لله وهذه المعية الخاصة، «أقرب إلى أحدكم» يعني أقرب إلى أحدكم من المكبرين العابدين، فقرب الله قربٌ من الداعين بالإجابة وقربٌ من العابدين بالإثابة, والذي يكبر عابد لله فهذه عبادة لله فالله قريبٌ منه, فالعابد قريبٌ من الله, قال الله تعالى في كتابه العظيم: كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب [العلق/19].
فالساجد قريب من الله, (اقترب) يعني كن قريبًا من الله بسجودك, وفي الحديث: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدفهذا قربٌ من العابدين بالثواب، كما أن النوع الثاني القرب من الداعين بالإجابة: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر/60].
وكما قال الله تعالى عن النبي صالح: وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ [هود/61].
فهو قريبٌ مجيب من المستغفرين التائبين, استغفروا ربكم ثم توبوا إليه, ما قال: أنه قريبٌ من كل أحد, فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ فهو قريبٌ من المستغفرين التائبين .
كما أنه رحيمٌ بهم, كما قال الله تعالى عن نبيه شعيب: وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ۚ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ ۚ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود/84-90].
هذا الشاهد: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود/90] فالله تعالى رحيمٌ ودود بالمستغفرين التائبين وهو قريبٌ مجيبٌ للمستغفرين التائبين، فالقرآن الكريم فيه إثبات القرب لله تعالى وأنه قريب والحديث دل على ما دلت عليه الآيات الكريمة: فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا إن الذي تدعونه سميعٌ قريب وهذا فيه إثبات المعية الخاصة لله, الله مع الداعين ومع العابدين بعونه وتأييده وتوفيقه, ففيه إثبات السمع لله وأن الله حاضر وفيه إثبات المعية الخاصة وفيه أن الله حاضرٌ ليس بغائب.
(المتن)
وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ ﷺ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ فَأَتَى رَجُلٌ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا اَلْإِيمَانُ ... ثُمَّ ذَكَرَ اَلْحَدِيثَ وَفِيهِ: قَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا اَلْإِحْسَانُ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اَللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّك إِنْ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ.
(الشرح)
الحديث متنه أخرجه الشيخان صحيح ولكن من الإسناد ضعيف, الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده إسحاق بن إبراهيم(...)فيه ضعف, وكذلك فيه محمد بن وضاح اليشكري صدوقٌ كثير الخطأ لكنه يُعتبر به, ولكن الحديث أخرجه الشيخان الإمام البخاري في صحيحه والإمام مسلم في صحيحه من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن أبي حيان التيمي.
في حديث جبرائيل الطويل في سؤالات جبرائيل للنبي ﷺ رواه الإمام مسلم في صحيحه مطولًا من حديث عمر ن الخطاب ورواه البخاري مختصرًا من حديث أبي هريرة وفيه: أن جبرائيل سأل النبي ﷺ عن الإسلام؟ فبين له الأركان الخمسة فقال: الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله, وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتصوم رمضان, وتحج البيت, ثم سأله عن الإيمان؟» فبين له الأركان الستة فقال: «الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته, وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
«فسأل عن الإحسان؟ فقال: الإحسان: أَنْ تَعْبُدَ اَللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّ لَم تكن تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ الإحسان: هو عبادة الله على المراقبة.
- ولها مرتبتان:
المرتبة الأولى: أن تعبد الله كأنك تراه، يعني تعبد الله على المشاهدة وتراقب الله.
المرتبة الثانية: فإن لم تكن تراه فاعبد الله على أنه يراك, «فَإِنَّ لَم تكن تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».
والحديث هنا بهذا السند غير سند الشيخين قَالَ: أنْ تَعْبُدَ اَللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ هذه المرتبة الأولى, فَإِنَّك إِنْ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ وهذه مرتبة.
ودرجة الإحسان هي للسابقين المقربين, المقربين هم الذين يعبدون الله على المراقبة والمشاهدة, قلوبهم حاضرة, ليست ملتفتة ولا غائبة عن الله وقلوبهم مع الله ولكن نحن الآن نستغفر الله ونتوب إليه تجد الوساوس تستولي علينا, إذا دخل الإنسان في الصلاة تجده ترد عليه وساوس من هنا وهناك ويسرح الكثير منا يفكر كلنا نفكر فيما يخصنا, تجد التاجر يفكر في تجارته والمزارع يفكر في زراعته والطالب يفكر في دراسته وهكذا.
والذي ينبغي للإنسان أن يدافع هذه الوساوس ولا يستسلم لها حتى يكون قلبه حاضرًا, فالإحسان درجة عظيمة يعبد الإنسان ربه على المشاهدة من غير أن يكون هناك التفات عن الله, المؤلف رحمه الله استدل بهذا الحديث على إثبات رؤية الله لعبادة قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك إثبات رؤية الله لعباده, وفيه أن الإحسان عبادة الله على المراقبة.
الإحسان مرتبة عالية للسابقين المقربين يعبدون الله على المراقبة, وفي حديث جبرائيل: سال بعد ذلك عن الساعة وأماراتها ثم قال في آخره: «سأل عمر: أتدري من السائل؟ قال: الله ورسوله أعلم, قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم وفي لفظ: أمر دينكم
- فدل على أن ديننا ثلاث مراتب:
الإسلام, الإيمان, الإحسان.
ثلاثة مراتب وأعلاها الإحسان ثم الإيمان ثم الإسلام.
(المتن)
اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عُبِيْدُ الله، عَنْ نَافِعٍ.
(الشرح)
القاعدة: أن لفظ الجلالة إذا سبقه ضم أو فتح يُفخم عُبيدُ الله, أما إذا سبقه كسرة يرقق: مررت بعُبيدِ الله, آمنتُ باللهِ ورسوله.
(المتن)
حَدَّثَنَا عُبِيْدُ الله، عَنْ نَافِعٍ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ﷺ ذَكَرَ اَلْمَسِيحَ بَيْنَ ظَهْرَانَي اَلنَّاسِ فَقَالَ: إِنَّ اَللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ اَلْمَسِيحَ اَلدَّجَّالَ أَعْوَرُ اَلْعَيْنِ اَلْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ.
(الشرح)
وهذا الحديث موصولٌ بالسند السابق: (إِسْحَاقُ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ) وسبق في الإسناد السابق أن في سند إسحاق إبراهيم (...) وفيه ضعف, وكذلك محمد بن وضاح اليشكري ولكن ضعفه محتمل, ولكن متن الحديث ثابت الحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما, رواه البخاري في صحيحه من طريق موسى بن إسماعيل عن جويرية عن عُبيدُ الله عن نافع عن ابن عمر.
وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه من طريق ابن أبي شيبة كذلك بنحوه, فالحديث ثابت وفيه أن النبي ﷺ قال: إِنَّ اَللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ اَلْمَسِيحَ اَلدَّجَّالَ أَعْوَرُ اَلْعَيْنِ اَلْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ.
والحديث فيه إثبات العينين لله تعالى استدل به أهل السنة والجماعة على إثبات العينين لله وأن لله عينين سليمتين, والدجال له عين واحدة سليمة والأخرى عوراء, وجاء أيضًا في الحديث أنه حتى العين الأخرى فيها خلل لكنها في الظاهر ليست ناتئة, في عوراء ناتئة والثانية ليست ناتئة لكن أيضًا فيها خلل.
فالحديث يقول النبي ﷺ: إِنَّ اَللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ اَلْمَسِيحَ اَلدَّجَّالَ أَعْوَرُ اَلْعَيْنِ اَلْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ فقوله: ليس بأعور استدل به أهل السنة على أن لله عينين؛ لأن الأعور هو الذي ليس له إلا عين واحدة والله ليس بأعور فله عينان.
وأما قوله تعالى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور/48] ليس فيه إثبات أن لله عيون؛ لأن المراد هنا التعظيم؛ لأنه جمع العيون وأضافها إلى ضمير الجمع: أعيينا, كقوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ [يس/71] ليس المراد إثبات الأيدي وأن لله عدد من الأيدي؛ لأنها أُضيف إلى ضمير الجمع (نا) والمقصود منها التعظيم, وإنما الأيدي تؤخذ نسبة اليدين لله من قوله تعالى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص/75].
اليدين أثبتها بالتثنية وأضافها إلى ضمير: (بيدي), كذلك الحديث: إن ربكم ليس بأعور صريح في إثبات عينين لله, أما قوله: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر/14], لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور/48] المراد التعظيم يعني بمرأى منا وحفظنا وكلأتنا وليس المراد إثبات أن لله عيون؛ لأن هذا لم يضيفها إلى ضمير نفسه وإنما أضافها إلى الجمع التي تدل على التعظيم.
كذلك: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [يس/71] ليس المراد منها عدد الأيدي؛ لأنه جمع الأيدي وأضافها إلى ضمير الجمع, وإنما تؤخذ إثبات اليدين يقول: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص/75], وكذلك العينين إنما يؤخذ من حديث الدجال هذا, حديث الدجال دليل على نسبة العينين لله U والدجال كلمة دجال: صيغة فعال, وهو كثير الدجل, والدجل هو الكذب والمخرقة والتلبيس والتمويه والتدليس, وهذا وصفٌ للكهنة والسحرة كلهم دجاجلة يموهون على الناس ويمخرقون ويكذبون ويضرونهم ويأكلون أموالهم ويضرون أجسامهم, ولكن أكبرهم وأعظمهم الدجال الذي يأتي في آخر الزمان وهذا آخرهم.
والدجال الذي يأتي في آخر الزمان رجلٌ من بني آدم يخرج أولًا ثم يدعي الصلاح وانه رجلٌ صالح, ثم ينتقل فيدعي أنه نبي, ثم ينتقل فيدعي الربوبية هذا أطواره الثلاثة, وقد أعطاه الله من الخوارق للعادة ابتلاء وامتحان, من الخوارق: أنه معه صورة الجنة وصورة النور وهذا ثبت في الصحيحين, والذي يراه الناس صورة الجنة هي النار والذي يراه الناس النار هي الجنة معكوسة, فالجنة خضراء والنار سوداء تدخن, والذي يعصيه يضعه في الذي يراها الناس النار وهي الجنة, والذي يطيعه يضعه في الذي يراها الناس الجنة وهي النار.
ويُسلط على رجل يقطعه نصفين ثم يقول له: قم, فيستوي قائمًا بأمر الله ابتلاء وامتحان ولا يُسلط على أحدٍ غيره, هذا الرجل الذي قد جاء في الحديث أنه أعظم شاهد عليه ومكثه كما في الحديث: أنه يمكث في الأرض أربعين يومًا ولكن هذه الأيام متفاوتة, اليوم الأول: طوله سنة كاملة تطلع الشمس ولا تغرب إلا بعد سنة, واليوم الثاني: طوله شهر تطلع الشمس ولا تغرب إلا بعد ثلاثين يومًا, واليوم الثالث: طوله أسبوع تطلع الشمس ولا تغرب إلا بعد سبعة أيام, وبقية الأيام سبعة ثلاثون يوم كسائر أيامنا.
سُئل النبي ﷺ ماذا نعمل في هذه الأيام في الصلاة؟ «قيل: يا رسول الله اليوم الذي طوله سنة وشهر وأسبوع هل تكفيها صلاة اليوم؟ قال: لا, اقدروا لها كل أربعة وعشرين ساعة خمسة صلوات والشمس طالعة, واُستفيد من هذا من حديث الدجال في إفتاء بعض العلماء الجهات التي لا تغرب فيها الشمس أو لا تغرب إلا وقت يسير.
والمسيح الدجال فتنته عظيمة, جاء في الأحاديث الصحيحة: أنه يمر على القوم من العرب وغيرهم فيدعوهم إلى الإيمان به فيردون عليه دعوته فيصبحون منحلين يصبهم الجدب والقحط وتهلك أنعامهم, ويأتي إلى القوم فيدعوهم إليه فيستجيبون له ويؤمنون به فتمتلئ ضروع أنعامهم باللبن وتكثر الخيرات عندهم ابتلاء وامتحان, وجاء في الحديث: أنه يتبعه قومٌ يقولون: نعرف أنه كذاب ولكن نتبعه لنعيش عيشة رغيدة؛ لأن الذي لا يتبعه يصاب بالفقر والابتلاء والامتحان.
وجاء في الحديث عن النبي ﷺ قال: من سمع بالدجال فلينأى عنه يعني يُعرض عنه لأنه فتنة لا يقابله, وجاء في الحديث: أن الناس يفرون من الدجال في الجبال, والذي ثبت في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال: ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلقٌ أعظم من الدجال ولهذا شرع لنا نبينا أن نستعيذ بالله من فتنة المسيح الدجال في كل صلاة, يُشرع للمسلم في التشهد الأخير إذا صلى على النبي ﷺ أن يستعيذ بالله من أربع فيقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال لأن فتنته عظيمة.
حتى إن بعض أهل العلم أوجب هذا الدعاء, قال: يجب على كل مصلي ومن ذلك: طاووس اليماني كان يرى وجوب هذا الدعاء, ثبت أنه قال لابنه لما صلى: هل استعذت بالله من أربع؟ قال: لا, قال: أعد الصلاة, فكان يرى وجوب هذا الدعاء, وغيرهم أنه مستحب, من الواجب الصلاة على النبي ﷺ على خلاف بين أهل العلم هذه الصلاة ركن أو سنة أو واجب.
وجاء في الحديث: أن أتباع الدجال اليهود وأنه يتبعه من يهود أصبهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة وهو الذي ينتظره اليهود, وهو شرط من أشراط الساعة الكبار.
أشراط الساعة قسمها العلماء قسمان: صغار وكبار.
وبعضهم جعلها: أشراط صغرى, ثم المتوسطة, ثم الكبرى.
وأشراط الساعة الصغرى والمتوسطة كلها خرجت ولا زالت تتابع لكن معظمها خرج, أما أشراط الساعة الكبرى لم يخرج منها شيء ولكن جاء في الحديث أنها تتابع وأنها تُشبه بالعقد الذي في خرز إذا انقطع وسقطت الخرزة تتابع الخرزات, إذا خرجت واحدة من العلامات تتابع العلامات, أولها: خروج الهدي, وهو رجلٌ من بني آدم ورجلٌ من سلاسة فاطمة اسمه كاسم النبي ﷺ وكنيته كنيته, محمد بن عبد الله المهدي.
جاء في أحاديث صحيحة وأحاديث ضعيفة وأحاديث موضوعة ولكن الأحاديث الصحيحة والحسنة كلها تدل على ثبوت خروجه وأنه يُبايع له في وقت بين الركن وباب الكعبة ويملأ الأرض عدلًا كما مُلئت جورًا.
وجاء في بعض الأحاديث: المدة التي يحكم فيها وتحصل للناس فتنة في ذلك الزمان فيجتمعون في الشام وتكون هناك حروب طاحنة بين المسلمين وبين النصارى ومن آخرها فتح القسطنطينية فإذا فُتحت القسطنطينية وعلق الناس سيوفهم بالزيتون صاح الشيطان: إن الدجال خرج فيكم في أهليكم فيخرج الدجال في زمان المهدي وهو العلامة الثانية, ثم يمكث في الأرض المدة ثم ينزل عيسى بن مريم من السماء وهو العلامة الثالثة فيقتل الدجال, ثم يخرج يأجوج ومأجوج في زمان عيسى وهي العلامة الرابعة والأربعة كلها متوالية, ثم تتابع هذه أربعة متوالية وهي الأولى ثم تتابع أشراط الساعة ومنها: الدخان الذي يملأ الأرض ويصيب المؤمن كهيئة الزكام والكافر يدخل في منخاريه وأنفه ويصبه بشدة عظيمة.
ومنها: نزع القرآن من الصدور والمصاحف والعياذ بالله إذا ترك الناس العمل به نُزع القرآن, ومنها: هدم الكعبة والعياذ بالله, ومنها: طلوع الشمس من مغربها, ومنها: الدابة التي تسم الناس في جباههم, وآخرها: تأتي قبل ذلك ريحٌ طيبة تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات فلا يبقى مؤمن إلا قبضت روحه, وفي الحديث: حتى لو كان أحدكم في كبد جبلٍ لدخلته عليه حتى تقبضه.
ثم آخرها: النار, نارٌ تخرج من قعر عدن وهي العاشرة تسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم إذا باتوا, إذا جاء وقت البيتوتة وقفت ثم تسوقهم, فإذا جاء القيلولة وقفت ثم تسوقهم ومن تخلف أكلته, ثم تقوم الساعة على الكفرة بعد قبض أرواح المؤمنين والمؤمنات تقوم الساعة على الكفرة وهم في ذلك حسب رزقهم دار عيشهم يتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تطيعوني, فيأمرهم بعبادة الأصنام والأوثان وعليهم تقوم الساعة, والساعة لا تقوم إلا على الكفرة, وهذا العالم لا يخرب إلا إذا خلا من التوحيد والإيمان, أما ما دام في توحيد وإيمان فلا يخرب, خراب هذا الكون بخلوه من الإيمان والتوحيد فإذا خلا من الإيمان والتوحيد خرب وقامت القيامة.
وانشقت السماء وكُورت الشمس والنجوم, ويأمر الله إسرافيل فينفخ في الصور نفخة الصعق والموت وهي نفخة طويلة يطولها إسرافيل فيفزع الناس أولًا فلا يسمعه أحدٌ إلا أصغى إليه سمعه (1:8:40) فلا يزال الصوت يقوى ويقوى حتى يموت الناس, ويمكث الناس أربعون ويُنزل الله مطرًا كمني الرجال فيُنبت الله أجساد الناس ويُنشئون تنشئة قوية, الذوات هي هي ولكن الصفات تتبدل ثم يأمر الله إسرافيل فينفخ في الصور نفخة البعث فتأتي الأرواح إلى أجسادها, فيقوم الناس من قبورهم ينفضون التراب عن رؤوسهم حفاةً عراةً غرلًا فيقفون بين يدي الله كما قال الله : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ [الزمر/68].
وفق الله الجميع لطاعته وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.