بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:
«ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إلَّا مِنَّةً، وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ».
(الشرح)
المنفق يَعْنِي المروج.
(المتن)
«وَالْمُسَبِّلُ إزَارَهُ» فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ تِسْعُ خِصَالٍ إنْ جَعَلْنَا الْمُنْفِقَ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ.
(الشرح)
كُلّ هؤلاء توعدوا بالوعيد الشديد, كلهم ارتكبوا الكبائر.
(المتن)
وَاَلَّذِي حَلَفَ بَعْدَ الْعَصْرِ لَقَدْ أَعْطَى كَذَا وَكَذَا: شَيْئًا وَاحِدًا، وَإِنْ جَعَلْنَاهُمَا شَيْئَيْنِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنَّ الْمُنْفِقَ سِلْعَتَهُ بِالْكَذِبِ أَعَمُّ مِنْ الَّذِي يَحْلِفُ لَقَدْ أَعْطَى فَتَكُون عَشْرًا.
(وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي نَاقَةٍ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَتَجَتْ هَذِهِ النَّاقَةُ عِنْدِي وَأَقَامَا أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ».
(الشرح)
الشاهد من الحديث رجل حلف عَلَى سلعة بَعْدَ العصر أعطي بها وَهُوَ كذاب.
(المتن)
سَيَأْتِي مَنْ أَخْرَجَهُ، وَأَخْرَجَ الَّذِي بَعْدَهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْبَيْهَقِيُّ وَلَمْ يُضَعِّفْ إسْنَادَهُ وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ إلَّا أَنَّ فِيهِ " تَدَاعَيَا دَابَّةً " وَلَمْ يُضَعِّفْ إسْنَادَهُ أَيْضًا. وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْيَدَ مُرَجَّحَةٌ لِلشَّهَادَةِ الْمُوَافِقَةِ لَهَا. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَالُ لَهُمَا قَدْ اسْتَوَيْتُمَا فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ وَلِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ سَبَبٌ بِكَيْنُونَتِهِ فِي يَدِهِ هُوَ أَقْوَى مِنْ سَبَبِك فَهُوَ لَهُ بِفَضْلِ قُوَّةِ سَبَبِهِ، وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ.
وَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْآلِ وَابْنُ حَنْبَلٍ إلَى أَنَّهَا تَرْجَحُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَهُوَ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ قَالُوا: إذْ شُرِعَتْ لَهُ - وَلِلْمُنْكِرِ الْيَمِينُ - وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تُفِيدُ بَيِّنَةُ الْمُنْكِرِ.
وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ " مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَبَيِّنَتُهُ لَا تَعْمَلُ لَهُ شَيْئًا " ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ خَاصٌّ وَحَدِيثُ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» عَامٌّ وَالْخَاصُّ مُخَصِّصٌ مُقَدَّمٌ، وَأَثَرُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَصِحَّ، وَعَلَى صِحَّتِهِ فَمُعَارَضٌ بِمَا سَبَقَ.
وَعَنْ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُقَسِّمُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُقَوِّيَةٌ لِبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ فَسَاوَتْ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ.
(الشرح)
كأن الصنعاني يرجح من كانت في يده.
(المتن)
وَيُرْوَى عَنْهُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَلِلْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ.
(الشرح)
عَلَى كُلّ حال هَذِهِ المسألة فِيهَا الخلاف, هَلْ ترجح بينة الداخل إِذَا اثنين تداعيا سلعةً, كلٌ له بينة وأحدهما السلعة في يده, وَتَقَدَّمَ بينة الداخل عَلَى بينة الخارج, من قَالَ تَقَدَّمَ بينة الداخل يَقُولُ: هِيَ في يده فتكون مرجحة, ومن قدم بينة الخارج قَالَ: هَذَا منكر لا تطلب منه البينة, وَإِنَّمَا تكون عَلَيْهِ اليمين, وَعَلَى كُلّ حال هَذَا يحتاج إِلَى جمع الأدلة في هَذَا والنظر والترجيح.