شعار الموقع

شرح كتاب العتق من سبل السلام_1

00:00
00:00
تحميل
79

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام شرح بلوغ المرام:

كِتَابُ الْعِتْقِ.

الْعِتْقُ: الْحُرِّيَّةُ، يُقَالُ عَتَقَ عِتْقًا بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِفَتْحِهَا فَهُوَ عَتِيقٌ وَعَاتِقٌ.

وَفِي النَّجْمِ الْوَهَّاجِ: الْعِتْقُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ مِنْ الْآدَمِيِّ تَقَرُّبًا لِلَّهِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ وَوَاجِبٌ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَقَدْ حَثَّ الشَّارِعُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَكُّ رَقَبَةٍ}[البلد/13] فُسِّرَتْ بِعِتْقِهَا مِنْ الرِّقِّ وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا مِنْهُ عُضْوًا مِنْ النَّارِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي الْبُخَارِيِّ: «حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ» وَفِيهِ دليل: أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُعْتَقُ وَالْمُعْتِقُ مُسْلِمَيْنِ أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ, وَفِي قَوْلِهِ: «اسْتَنْقَذَهُ» مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ لَهَا وَاشْتِرَاطُ إسْلَامِهِ لِأَجْلِ هَذَا الْأَجْرِ وَإِلَّا فَإِنَّ عِتْقَ الْكَافِرِ يَصِحُّ، وَقَوْلُهُمْ لَا قُرْبَةَ لِكَافِرٍ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مِنْهُ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُتَقَرَّبَ بِهِ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَهِيَ نَافِذَةٌ مِنْهُ لَكِنْ لَا نَجَاةَ لَهُ بِسَبَبِهِ مِنْ النَّارِ.

(الشرح)

حكيم بْنُ حزام أعتق مائة في الجاهلية ومائة في الإسلام.

(المتن)

وَفِي تَقْيِيدِ الرَّقَبَةِ الْمُعْتَقَةِ بِالْإِسْلَامِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ لَا تُنَالُ إلَّا بِعِتْقِ الْمُسْلِمَةِ وَإِنْ كَانَ فِي عِتْقِ الْكَافِرَةِ فَضْلٌ لَكِنْ لَا يَبْلُغُ مَا وُعِدَ بِهِ هُنَا مِنْ الْأَجْرِ, وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «إرْبٌ» عِوَضُ عُضْوٍ وَهُوَ بِكَسْر الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ فَمُوَحَّدَةٍ الْعُضْوُ, وَفِيهِ أَنَّ عِتْقَ كَامِلِ الْأَعْضَاءِ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ نَاقِصِهَا فَلَا يَكُونُ خَصِيًّا وَلَا فَاقِدَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاء، وَالْأَغْلَى ثَمَنًا أَفْضَلُ كَمَا يَأْتِي.

وَعِتْقُ الذَّكَرِ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْأُنْثَى كَمَا يَدُلُّ لَهُ قوله: وَلِلتِّرْمِذِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وَأَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ» فَعِتْقُ الْمَرْأَةِ أَجْرُهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عِتْقِ الذَّكَرِ فَالرَّجُلُ إذَا أَعْتَقَ امْرَأَةً كَانَتْ فِكَاكَ نِصْفِهِ مِنْ النَّارِ وَالْمَرْأَةُ إذَا أَعْتَقَتْ الْأَمَةَ كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنْ النَّارِ كَمَا دَلَّ لَهُ مَفْهُومٌ هَذَا وَمَنْطُوقُ:

وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتْ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنْ النَّارِ».

وَبِهَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ عِتْقُ الذَّكَرِ أَفْضَلُ, وَلِمَا فِي الذَّكَرِ مِنْ الْمَعَانِي الْعَامَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي الْإِنَاثِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْجِهَادِ وَالْقَضَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ إمَّا شَرْعًا وَإِمَّا عَادَةً؛ وَلِأَنَّ فِي الْإِمَاءِ مِنْ تَضِيعُ بِالْعِتْقِ، وَلَا يُرْغَبُ فِيهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ. وَقَالَ آخَرُونَ عِتْقُ الْإناث أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ وَلَدُهَا حُرًّا سَوَاءٌ تَزَوَّجَهَا حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ.

(الشرح)

لِأَنّ الأمة يتبعها ولدها في الحرية وعدم الحرية, هم تبعٌ لأمهم حريةً ورقًا, فإذا ولدت الأمة فولدها تبعٌ لها إن كانت حرة فهو حر, وإن كانت أمة فهي أمة, وأما في الدين فَإِنَّهُ يتبع خير أبويه دينًا.

(المتن)

 وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ: «حَتَّى فَرْجُهُ بِفَرْجِهِ» اسْتَشْكَلَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْفَرْجِ هِيَ الزِّنَا وَالزِّنَا كَبِيرَةٌ لَا تُكَفَّرُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْعِتْقَ يُرَجَّحُ عِنْدَ الْمُوَازَنَةِ بِحَيْثُ تَكُونُ حَسَنَاتُ الْعِتْقِ رَاجِحَةً تُوَازِي سَيِّئَةَ الزِّنَا مَعَ أَنَّهُ لَا اخْتِصَاصَ لِهَذَا بِالزِّنَا فَإِنَّ الْيَدَ يَكُونُ بِهَا الْقَتْلُ وَالرِّجْلُ يَكُونُ بِهَا الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.

(الشرح)

عَلَى كل حال: الحديث عام, «حَتَّى فَرْجُهُ بِفَرْجِهِ» عام يَعْنِي: مثل الأعضاء الأخرى, ومن الحسنات ما يُكف بها الكبائر مثل العتق هنا, ومثل الحج, الحج يهدم ما قبله, ومثل البغي من بني إسرائيل الَّتِي رأت كلبًا يلهث فنزلت البئر وأخرجت ماء وسقته فشكر الله لها فغفر لها وهي زانية, فبهذه الحسنة كُفرت سيئاتها.

فَائِدَةٌ:

فِي النَّجْمِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ: «أَعْتَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ نَسَمَةً عَدَدَ سِنِي عُمْرِهِ» وَعَدَّ أَسْمَاءَهُمْ قَالَ: وَأَعْتَقَتْ عَائِشَةُ سَبْعًا وَسِتِّينَ وَعَاشَتْ كَذَلِكَ.

(الشرح)

هي ماتت سنة ثمان وخمسين هجريًا, ولما جاءت المدينة كَانَ عمرها ثمان سنوات أو تسع سنوات.

(المتن)

وَأَعْتَقَ أَبُو بَكْرٍ كَثِيرًا وَأَعْتَقَ الْعَبَّاسُ سَبْعِينَ عَبْدًا رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَأَعْتَقَ عُثْمَانُ وَهُوَ مُحَاصَرٌ عِشْرِينَ، وَأَعْتَقَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ مِائَةً مُطَوَّقِينَ بِالْفِضَّةِ، وَأَعْتَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَلْفًا وَاعْتَمَرَ أَلْفَ عُمْرَةٍ؟ وَحَجَّ سِتِّينَ حَجَّةً؟.

(الشرح)

جاء في بعضها أن عثمان أعتق أربعمائة عبد وهو محصور, لما حملوا السلاح وأرادوا أن يدافعوا عنه نهاهم؛ لِأَنَّهُ ما يرى المدافعة ويرى الاستسلام, عَلَى حديث: «كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل» فحمل هؤلاء العبيد السلاح ليدافعوا عنه فنهاهم فلم ينتهوا فَقَالَ: «من وضع السلاح فهو حر» وكانوا أربعمائة, الرقبة والملك له, الرقبة مملوكة له.

(المتن)

وَأَعْتَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَلْفًا وَاعْتَمَرَ أَلْفَ عُمْرَةٍ؟ وَحَجَّ سِتِّينَ حَجَّةً؟ وَحَبَسَ أَلْفَ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

(الشرح)

كثرة العمرة له مشهورة عنه لَكِنْ يحتاج إِلَى النقل بدقة, ألف عمرة هذا كثير, يَعْنِي: كم يعتمر في السنة ولاسيما المواصلات في زمنهم, فهذا النقل يحتاج إِلَى الثبوت.

(المتن)

وَأَعْتَقَ ذُو الْكُلَاعِ الْحِمْيَرِيُّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ثَمَانِيَةَ آلَافِ عَبْدٍ؟ وَأَعْتَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ثَلَاثِينَ أَلْفِ نَسَمَةً؟ انْتَهَى.

وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ قُلْت فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ قَالَ أَغْلَاهَا» رُوِيَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ, «ثَمَنًا وَأَنْفُسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, دَلَّ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ أَفْضَلُ أَعْمَالِ الْبِرِّ بَعْدَ الْإِيمَانِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ عَلَى الْإِطْلَاقِ, وَتَقَدَّمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ هُنَالِكَ, وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَغْلَى ثَمَنًا أَفْضَلُ مِنْ الْأَدْنَى قِيمَةً, قَالَ النَّوَوِيُّ: مَحَلُّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً وَاحِدَةً أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَ شَخْصٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا رِقَابًا يُعْتِقُهَا فَوَجَدَ رَقَبَةً نَفِيسَةً وَرَقَبَتَيْنِ مَفْضُولَتَيْنِ قَالَ فَثِنْتَانِ أَفْضَلُ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فَإِنَّ الْوَاحِدَةَ السَّمِينَةَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْعِتْقِ فَكُّ الرَّقَبَةِ، وَفِي الْأُضْحِيَّةِ طَيِّبُ اللَّحْمِ انْتَهَى.

وَالْأَوْلَى أَنَّ هَذَا لَا يُؤْخَذُ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ شَخْصٌ بِمَحَلٍّ عَظِيمٍ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَانْتِفَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ فَعِتْقُهُ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ جَمَاعَةٍ لَيْسَ فِيهِمْ هَذِهِ السِّمَاتُ فَيَكُونُ الضَّابِطُ اعْتِبَارَ الْأَكْثَرِ نَفْعًا وَقَوْلُهُ: «وَأَنْفُسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» أَيْ مَا كَانَ اغْتِبَاطُهُمْ بِهَا أَشَدُّ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران/92].

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد