شعار الموقع

شرح كتاب العتق من سبل السلام_2

00:00
00:00
تحميل
76

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:

كِتَابُ الْعِتْقِ.

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ» بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نَقْصَ, «فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا» يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ, «فَقَدْ عَتَقَ» بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ, «مِنْهُ مَا عَتَقَ» بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ حِصَّةٌ فِي عَبْدٍ إذَا أَعْتَقَ حِصَّتَهُ فِيهِ وَكَانَ مُوسِرًا لَزِمَهُ تَسْلِيمُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ بَعْدَ تَقْوِيمِ حِصَّةِ الشَّرِيكِ تَقْوِيمَ مِثْلِهِ.

(الشرح)

وذلك لِأَنّ الشارع يتشوف إِلَى العتق, بمجرد ما يعتق أحدهم نصيبه يُلزم بأن يشتري نصيب شركائه ويعتقه إذا كَانَ له مال.

(المتن)

وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ جَمِيعُهُ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ الْمُعْتِقِ يُعْتَقُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ نَصِيبُ شَرِيكِهِ إلَّا مَعَ يَسَارِ الْمُعْتِقِ لَا مَعَ إعْسَارِهِ.

(الشرح)

يَعْنِي: إذا كَانَ غني وعنده مال يلزمه, أما لو كَانَ فقير فلا.

(المتن)

لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «وَإِلَّا أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» وَهِيَ حِصَّتُهُ وَظَاهِرُهُ تَبْعِيضُ الْعِتْقِ.

(الشرح)

وَكَذَلِكَ في الميراث إذا كَانَ مات شخص عن ابنين أحدهما حر والثاني نصفه حر ونصفه عبد يكون المال بين الابنين فيكون الابن له نصيب النصف, والابن الثاني المبعض يٌسم نصفين, نصف للابن المبعض ونصف للابن الحر, فيكون يرث الابن الحر ثلاثة أرباع المال, والعتيق الربع لِأَنّ نصفه حر ونصفه رقيق.

(المتن)

إلَّا أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي هَذَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ نَافِعٌ: "وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ" فَفَصَلَهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ قَالَ أَيُّوبُ مَرَّةً لَا أَدْرِي هُوَ مِنْ الْحَدِيثِ أَوْ هُوَ شَيْءٌ قَالَهُ نَافِعٌ, وَقَالَ غَيْرُهُ قَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ فَوَصَلَاهُ بِكَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَاهُ مِنْهُ.

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ أَوْلَى وَقَدْ جَوَّدَاهُ، وَهُمَا فِي نَافِعٍ أَثْبَتُ مِنْ أَيُّوبَ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ، كَيْفَ وَقَدْ شَكَّ أَيُّوبُ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ رَجَّحَ الْأَئِمَّةُ رِوَايَةَ مَنْ أَثْبَتَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ أَحْسِبُ عَالِمًا فِي الْحَدِيثِ يَتَشَكَّكُ فِي أَنَّ مَالِكًا أَحْفَظُ لِحَدِيثِ نَافِعٍ مِنْ أَيُّوبَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَلْزَمَ لَهُ حَتَّى لَوْ تُسَاوَيَا وَشَكَّ أَحَدُهُمَا فِي شَيْءٍ وَلَمْ يَشُكَّ فِيهِ صَاحِبُهُ كَانَ الْحُجَّةُ مَعَ مَنْ لَمْ يَشُكَّ, هَذَا وَلِلْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ، أَقْوَالٌ أَقْوَاهَا مَا وَافَقَهُ هَذَا الْحَدِيثُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ نَصِيبُ الشَّرِيكِ إلَّا بِدَفْعٍ الْقِيمَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَهُوَ قَوْلُ لِلشَّافِعِيِّ.

وَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَآخَرُونَ إنَّهُ يُعْتَقُ الْعَبْدُ جَمِيعُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتِقِ مَالٌ، فَإِنَّهُ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ مُسْتَدِلِّينَ.

وَلَهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وَإِلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ وَاسْتُسْعِيَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» وَقِيلَ: إنَّ السِّعَايَةَ مُدْرَجَةٌ فِي الْخَبَر, (وَلَهُمَا) أَيْ الشَّيْخَيْنِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وَإِلَّا قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ وَاسْتُسْعِيَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» وَقِيلَ: إنَّ السِّعَايَةَ مُدْرَجَةٌ فِي الْخَبَرِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَلشَّرِيك مَالٌ قُوِّمَ الْعَبْدُ وَاسْتُسْعِيَ فِي قِيمَةِ حِصَّةِ الشَّرِيكِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذِكْرَ السِّعَايَةِ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ مُدْرَجَةٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فِي الْخَبَرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِسْعَاءِ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ, قَالَ النَّسَائِيّ بَلَغَنِي أَنَّ هَمَّامًا رَوَاهُ فَجَعَلَ هَذَا الْكَلَامَ أَعْنِي الِاسْتِسْعَاءَ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ, وَكَذَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: إنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ مَدْرَجٌ عَلَى ما روى َهَمام, وجزم اِبْن المنذر والخطابي بأنه من فُتيا قتادة.

وقد رُد ما ذُكر إدْرَاجِ السِّعَايَةِ بِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ عَلَى رَفْعِهِ فَإِنَّهُمَا فِي أَعْلَى دَرَجَاتِ التَّصْحِيحِ, وَقَدْ رَوَى السِّعَايَةَ فِي الْحَدِيثِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَهُوَ أَعْرَفُ بِحَدِيثِ قَتَادَةَ لِكَثْرَةِ مُلَازَمَتِهِ وَلِكَثْرَةِ أَخْذِهِ عَنْهُ مِنْ هَمَّامٍ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ كَانَ أَكْثَرَ مُلَازَمَةً لِقَتَادَةَ مِنْ هَمَّامٍ وَشُعْبَةَ وَمَا رَوَيَاهُ لَا يُنَافِي رِوَايَةَ سَعِيدٍ لِأَنَّهُمَا اقْتَصَرَا فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ عَلَى بَعْضِهِ وَأَمَّا إعْلَالُ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ بِأَنَّهُ اخْتَلَطَ فَمَرْدُودٌ لِأَنَّ رِوَايَتَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَبْلَ اخْتِلَاطٍ فَإِنَّهُ فِيهِمَا مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ وَرِوَايَتُهُ عَنْ سَعِيدٍ كَانَتْ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ لِمُتَابَعَتِهِ لَهُ لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ التَّفَرُّدُ ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّ غَيْرَهُمَا تَابَعَهُمَا.

ثُمَّ قَالَ: اخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ كَأَنَّهُ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ إنَّ شُعْبَةَ أَحْفَظُ النَّاسِ لِحَدِيثِ قَتَادَةَ فَكَيْفَ لَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِسْعَاءَ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْزِي» بِفَتْحِ حَرْفِ الْمُضَارِعَةِ أَيْ لَا يُكَافِئُ, «وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيهِ فَيُعْتِقُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِعْتَاقِ بَعْدَهُ, وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الظَّاهِرِيَّةُ, وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يُعْتَقُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ فَيُعْتِقُهُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ شِرَاؤُهُ تَسَبَّبَ عَنْهُ الْعِتْقُ نُسِبَ إلَيْهِ الْعِتْقُ مَجَازًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَصْلَ الْحَقِيقَةُ إلَّا أَنَّهُ صَرَفَهُ عَنْ الْحَقِيقَةِ حَدِيثُ سَمُرَةَ الْآتِي.

(الشرح)

والتأويل له دليل, حديث سمرة هو الذي يؤيد صرفه عن ظاهره.

(المتن)

وَفِيهِ تَعْلِيقُ الْحُرِّيَّةِ بِنَفْسِ الْمِلْكِ كَمَا يَأْتِي. وَإِنَّمَا كَانَ عِتْقُهُ جَزَاءً لِأَبِيهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَفْضَلُ مَا مِنْ بِهِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ لِتَخْلِيصِهِ بِذَلِكَ مِنْ الرِّقِّ فَتَكْمُلُ لَهُ أَحْوَالُ الْأَحْرَارِ مِنْ الْوِلَايَةِ وَالْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ, وَالْحَدِيثُ نَصٌّ فِي عِتْقِ الْوَالِدِ وَمِثْلُهُ قَوْلُ مَنْ عَدَا دَاوُد فِي حَقِّ الْأُمِّ في قَولٍ بالقياسِ, والله أعلم.

(الشرح)

يَعْنِي: الأم تعتق كذلك.

فإن قيل: إذا بقي جزء من العبد غير معتوق, يكون الولاء لأي الطرفين؟.

هو حر الآن, يبقى جزء من الولاء, إذا أُعتق ثلثيه فثلثي الوقت هو حر, ويرث من الثلثين ويبقى الثلث, والولاء ليس بكامل الآن وإنما شيءٌ من الولاء, قد يقال: يُغلب جانب الحرية, هل ينتسب إِلَى من أعتقه؟ أو لا ينتسب إليهم؟ قد يقال: بحسب الأغلب إن كَانَ ثلثاه هذا الأغلب, وإن كَانَ الأغلب عليه الرق ثلثاه رق, فعلى حسب الرق وحسب الحرية.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد