شعار الموقع

شرح كتاب العتق من سبل السلام_3

00:00
00:00
تحميل
71

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:

دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ التَّبَرُّعِ فِي الْمَرَضِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ.

وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ أَوْ الْعَدَدُ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ، فَقَالَ مَالِكٌ يُعْتَبَرُ التَّقْوِيمُ فَإِذَا كَانُوا سِتَّةَ أَعْبُدٍ أَعْتَقَ الثُّلُثَ بِالْقِيمَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَاصِلُ مِنْ ذَلِكَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَذَهَبَ الْبَعْضُ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْعَدَدُ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ فَيُعْتَقُ اثْنَانِ فِي مَسْأَلَةِ السِّتَّةِ الْأَعْبُدِ ويكون المعتق بالقرعة عَلَى هذين القولين.

(الشرح)

 لِأَنَّهُم متساوون, يَعْنِي: يُقرع بينهم؛ حتى يُخرج الأحرار من غيرهم, يقول: من وقعت عليه القرعة فهو حر, ومن لم تقع عليه فهو رقيق.

(المتن)

وَخَالَفَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ ثُلُثُهُ, وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ قَالُوا: وَهَذَا الْحَدِيثُ آحَادِيٌّ خَالَفَ الْأُصُولَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْعِتْقَ فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَنَفَذَ الْعِتْقُ فِي الْجَمِيعِ بِالْإِجْمَاعِ, وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ الثُّلُثِ الْجَائِزِ تَصَرُّفُ السَّيِّدِ فِيهِ وَرَدَّ بِأَنَّ الْحَدِيثَ الْأحَادِيَّ مِنْ الْأُصُولِ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ خَالَفَ الْأُصُولَ وَلَوْ سَلَّمَ فَمِنْ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ ضَرَرًا عَلَى الْغَيْرِ وَقَدْ أَدْخَلْتُمْ الضَّرَرَ عَلَى الْوَرَثَةِ وَعَلَى الْعَبِيدِ الْمُعْتَقِينَ، وَإِذَا جُمِعَ الْعِتْقُ فِي شَخْصَيْنِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْحَدِيثِ حَصَلَ الْوَفَاءُ بِحَقِّ الْعَبْدِ وَحَقِّ الْوَارِثِ وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ لَوْ أَوْصَى بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ.

(الشرح)

هذا مصادم للحديث, حديث مسلم هو حديث صحيح ثابت, لَكِنْ الأقرب أن القيمة متقاربة, فلهذا أرق أربعة وأعتق اثنين.

(المتن)

وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ لَوْ أَوْصَى بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَقِفُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ اتِّفَاقًا ثُمَّ إذَا أُرِيدَ الْقِسْمَةُ تَعَيَّنَتْ الْأَنْصِبَاءُ بِالْقُرْعَةِ اتِّفَاقًا.

(الشرح)

الخلاصة: إذا ضممت هذا الحديث إِلَى حديث جابر: «الثلث والثلث كثير» دل عَلَى أَنَّه لا يجوز أكثر من الثلث, فيدل عَلَى أن قيمة هَذِه الأعبد متقاربة ولهذا رق النَّبِيِّ r أربعة وأعتق اثنين لِأَنَّهُم متقاربان, ودل عَلَى الاثنان هما الثلث وقيمتهم متقاربة, والفرق اليسير يُغتفر.

فإن قيل: هما ستة؟.

لَكِنْ في حديث جابر: «الثلث والثلث كثير» يدل عَلَى أن الاثنين هما الثلث.

(المتن)

وَعَنْ سَفِينَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ فَفَاءٍ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ فَنُونٍ, قَالَ: «كُنْت مَمْلُوكًا لِأُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: أَعْتِقُك وَأَشْتَرِطُ عَلَيْك أَنْ تَخْدُمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عِشْت» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ, الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ اشْتِرَاطِ الْخِدْمَةِ عَلَى الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِشَرْطٍ فَيَقَعُ بِوُقُوعِ الشَّرْطِ.

وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَّرَ ذَلِكَ إذْ الْخِدْمَةُ لَهُ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ رَقِيقَ الْإِمَارَةِ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَخْدُمُوا الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ سِنِينَ أَنَّهُ لَا يُتِمُّ عِتْقَهُ إلَّا بِخِدْمَتِهِ وَبِهَذَا قَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ, والله أعلم.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد