بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قال رحمه الله تعالى:
وحدثني إسحاق، عن أسلم، عن يونس، عن ابن وهب قال: حدثني موسى بن حسين، عن عبد الرحمن بن أبي الرجال، عن موسى بن عقبة أن جبريل قال لرسول الله ﷺ ألا أعلمك دعاء؟ ثم ذكر الدعاء وفي أوله: يا نور السماوات والأرض قال محمد: فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه، ووصفه بها نبيه ﷺ وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير، فسبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لم تره العيون فتحده، كيف هو كينونيته، لكن رأته القلوب في حقائق الإيمان به.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبيينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذا الحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله قال: (حدثني إسحاق، عن أسلم، عن يونس، عن ابن وهب, حدثني موسى بن حسين، عن عبد الرحمن بن أبي الرجال)، عبد الرحمن بن أبي الرجال؛ لأنه ولد له عشرة من الولد، فكني بأبي الرجال من الذكور (عن موسى بن عقبة أن جبريل قال لرسول الله ﷺ ألا أعلمك دعاء؟) ثم ذكر الدعاء وفي أوله: «يا نور السماوات والأرض» هذا مرسل لأنه من مراسيل موسى بن عقبة، وموسى تابعي فيكون مرسلاً، وهو مرسل ضعيف، في إسناده إسحاق سبق الكلام فيه وأن فيه كلام يسير، وفي إسناده موسى بن حسين، ولكن له شاهد صحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما رواه الشيخان البخاري ومسلم في الاستفتاح: كان النبي ﷺ إذا قام من الليل يتهجد قال: اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن.
فهذا الحديث صحيح وهو ثابت عن النبي ﷺ في الصحيحين، وفيه: اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض وهذا الحديث وغيره له شواهد أخرى قوله عليه الصلاة والسلام: أعوذ بنور وجهك الذي شرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه يؤخذ منه أن اسم الله النور ووصفه النور، وأن الله من أسمائه النور، وأنه موصوف بالنور.
ورد شيخ الإسلام على من نفى ذلك، فإن بعض الناس قال: إن النور المراد به النور الجسمي، والنور الجسمي الذي هو للمخلوق غير النور الذي هو وصف الله واسم من أسمائه، ثبت في حديث أبي ذر عند مسلم «لما سأل النبي ﷺ هل رأيت ربك قال نور أنى أراه وفي لفظ: رأيت نورًا.
وفي حديث أبي موسى الأشعري: إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور -وفي لفظ النار- لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
فهذا النور الذي احتجب به سبحانه وتعالى نور مخلوق، وهو غير النور الذي هو اسم من أسمائه، وغير النور الذي هو صفة من صفاته، وقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على من زعم أن النور لا يكون إلا جسمًا، وقال: إن الذين يتأولونه، جماهير المسلمين لا يتأولون هذا الاسم، ويقولون: هذا مذهب السلفية وجمهور الصفاتية من أهل الكلام، والفقهاء والصوفية وغيرهم، وهو قول أبي سعيد الكلاب، ذكره في الصفات، ورد على الجهمية تأويل اسم النور، حتى بعض المتكلمين كابن كلاب رد على الجهمية الذين تأولوا اسم النور، مع أنه شيخ المتكلمين الصفاتية من أشعرية وغيرهم.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: فالمسمى نورًا هو الرب نفسه، ليس هو النور المضاف إليه، فإذا قلت: هو الهادي فنوره الهدى، جعلت أحد النورين عينا قائمة والآخر صفة، هكذا يقول من يسميه نورًا.
فالمقصود أن المحققين كشيخ الإسلام وابن القيم -رحمهما الله- وغيرهم من أهل السنة والجماعة أثبتوا اسم النور لله وأن من أسمائه النور، وأن من وصفه النور، وكما في الحديث: أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات.
وكما في قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ [النور/35] .
قال: مثل نوره, أضاف النور إليه سبحانه وتعالى.
والنور الذي هو وصفه سبحانه وتعالى غير النور الذي احتجب به، النور الذي احتجب به نور مخلوق، والنور يكون مخلوقًا ويكون وصفًا، فالنور المخلوق مثل نور الشمس نور السراج ونور الكهرباء، مثل النور الذي احتجب به -حجابه النور- عن خلقه، ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
وفي الحديث: أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات فاستعاذ بصفة من صفاته، كما في الحديث الآخر: أعوذ بعزتك أن تضلني أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر هذه استعاذة بصفات الله.
أعوذ بنور وجهك استعاذ بالنور، واستعاذ بالعزة والقدرة، وكما في قوله في الحديث الصحيح: اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك فاستعاذ بصفة الرضا من صفة السخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة، وبالله من الله.
وأما هذا الحديث الذي ذكره وهو حديث مرسل ضعيف، لكن اسم النور ووصف الله بالنور جاء في أحاديث صحيحة، وفي الآية القرآنية: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ [النور/35] .
وكما في حديث ابن عباس الصحيح في حديث الاستفتاح: اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض وما فيهن .
قال محمد هو المؤلف ابن أبي زمنين: (فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه، ووصفه بها نبيه ﷺ). يعني: ما سبق من الصفات التي جاءت في الأحاديث مثل ما سبق صفة العلو، صفة وصفة الرضا، صفة السخط، فعل المعافاة، فعل العقوبة، صفة اليدين، صفة الأصابع، وصفة الكلام، صفة الرؤية، كل هذه الصفات التي سبقت قال المؤلف: (هذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه، ووصفه بها نبيه ﷺ وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير).
قول المؤلف: (تحديد وتقدير) هذا ينبغي تركه، هذا التعبير لم يعبر به السلف، المعروف عن السلف أن يقال: إن الله لا يماثله أحد من خلقه، نثبت الصفات لله من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل، نثبت الصفة لله، نثبت صفة العلم صفة القدرة ولا نمثلها بصفة المخلوقين، ولا نشبهها بصفة المخلوقين.
ولا نكيف نقول: كيفية علم الله كذا كيفية قدرة الله كذا، من غير تكييف ولا تعطيل، ولا نعطل الصفة ننفيها، الصفة لا تعطل بل تثبت، ولا تكيف فيقال: إنها على كيفية كذا، ولا تمثل بصفة المخلوقين.
أما قوله: (تحديد ولا تقدير) هذا تركه أولى، ينبغي أن يترك هذا، وأن يعبر بما عبر به السلف، يقال: "من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل"، كلمة تحديد هذه وتقدير تترك.
ثم قال المؤلف: (فسبحان الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، سبحان يعني تنزيها لله عما لا يليق به، فإن نفاة الصفات من المعطلة نفوا أسماءه وصفاته، فنحن ننزهه عن تعطيلها.
(فسبحان الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير لم تره العيون فتحد)، يعني: في الدنيا، ولا يستطيع أحد أن يرى الله في الدنيا، ولما سأل موسى الرؤية كلم الله موسى من وراء حجاب، ولكنه لم ير الله فلما سمع موسى كلام الله بدون واسطة، ليس بواسطة جبرائيل، سمع كلام الله من وراء حجاب طمع في أن يرى الله، فقال: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف/143] . سمعت كلامك ربي أرني أنظر إليك.
فقال الله: قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الأعراف/143] .
ما تستطيع أن تراني في الدنيا، ببشريتك الضعيفة، ما تستطيع أن تثبت لرؤية الله، ولا يستطيع أحد أن يثبت لرؤية الله، قال الله: وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الأعراف/143] .
تجلى الله إلى الجبل، جبل أصم صخر فلما تجلى الله إلى الجبل تدكك الجبل وانساخ، وموسى ماذا فعل؟ وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ [الأعراف/143] . أغشي عليه.
فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف/143] .
أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات، ولا جبل إلا تدكدك، ما يستطيع أحد أن يرى الله.
جاء عن بعض السلف أن الله تجلى للجبل بمقدار الخنصر فقط، ومع ذلك تدكدك الجبل، ولكن في الآخرة الله ينشئ المؤمنين تنشئة قوية يثبتون فيها لرؤية الله، أما في الدنيا ما يستطيعون فلا أحد يستطيع أن يرى الله، وحتى نبيينا ﷺ .
الصواب: أنه لم ير الله ليلة المعراج بعينه وإنما رآه بقلبه، هذا هو الصواب، بعض السلف قالوا: إنه رآه، روي هذا عن عائشة، روي عن جماعة، عن ابن عباس، وذهب إلى هذا جماعة منهم النووي، وجماعة منهم الهروي، وجاءت رواية عن الإمام أحمد وابن عباس أن النبي ﷺ رأى الله، والجمهور على أنه لم يره، وعند التحقيق لا منافاة بين القولين، فإن من أثبت الرؤية من السلف المقصود الرؤية بالقلب، ومن نفاها مقصوده الرؤية بالعين، فتجتمع، روي عن الإمام أحمد أنه رآه ولم يكن رآه بعينه، وفي لفظة أنه رآه بفؤاده، فيحمل المطلق على المقيد، في رواية رآه مطلقة، وفي رواية مقيدة بالفؤاد، فتحمل هذه على هذه، وكذلك روي عن ابن عباس كذلك.
ولما قال مسروق لعائشة رضي الله عنها: هل رأى محمد ربه ليلة المعراج؟ فقالت: لقد قفى شعري مما قلت، ثم قالت: من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب وفي لفظ: فقد أعظم على الله الفرية الكذب، وهذا هو الصواب أن النبي ﷺ لم ير الله ليلة المعراج بعين رأسه، ولكن رآه بعين قلبه، ويدل على ذلك قول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ [الشورى/51] .
والرسول ﷺ بشر ولم يستثن، فكلمه الله من وراء حجاب كما كلم الله موسى من وراء حجاب، محجوب عن الرؤية لكن يوم القيامة ينشئ الله المؤمنين تنشئة قوية يرون الله، الذوات هي هي ولكن الصفات تبدل، والله تعالى بين أن المؤمنين يرون ربهم، قال الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة/22-23] .
وثبت بالأحاديث المتواترة أن المؤمنين يرون ربهم، كما قال عليه الصلاة والسلام: إنكم تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ. وفي لفظ: كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب .
ولهذا قال الأئمة: من أنكر رؤية الله في الآخرة فهو كافر؛ لأنه مكذب لله.
المؤلف يقول: (لم تره العيون) يعني في الدنيا ( فتحده كيف هو كينونيته).
يعني: العيون ما رأته في الدنيا، والشيء الذي لا تراه لا تستطيع أن تكيفه ولا أن تمثله، ولا تستطيع أن تحده، ولا أن تقول: إنه كذا وكذا، فنحن لم نر الله في الدنيا ولم نرى له مثيلاً، فلا نستطيع أن نكيفه، ولهذا قال: «لم تره العيون فتحده كيف هو كينونيته»، كينونيته يعني كيف هو في نفسه، لكن رأته القلوب في حقائق الإيمان، نعم يعني تكون علمته، والله تعالى معلوم في القلوب، نعم.
(المتن)
وقد حدثني إسحاق، عن محمد بن عمر بن لبابة، عن محمد بن أحمد العتبي، عن عيسى بن دينار، عن عبد الرحمن بن القاسم، أنه قال: لا ينبغي لأحدٍ أن يصف الله إلا بما وصف به نفسه في القرآن، ولا يشبه يديه بشيء، ولا وجهه بشيء، ولكن يقول له يدان كما وصف نفسه في القرآن، وله وجه كما وصف نفسه، يقف عند ما وصف به نفسه في الكتاب، فإنه تبارك وتعالى لا مثل له ولا شبيه، ولكن هو الله لا إله إلا هو كما وصف نفسه، ويداه مبسوطتان كما وصفها, وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر/67] .
كما وصف نفسه، قال: وكان مالك يعظم نفسه أن يحدث أحد بهذه الأحاديث التي فيها: أن الله خلق آدم على صورته وضعفها.
(الشرح)
المؤلف رحمه الله نقل بالسند عن عيسى بن دينار، عن عبد الرحمن بن القاسم، أنه قال محمد بن القاسم التابعي: (لا ينبغي لأحد أن يصف الله إلا بما وصف به نفسه في القرآن).
وكذلك في السنة النبوية لا ينبغي لأحد أن يصف الله إلا بما وصف به نفسه في القرآن أو وصفه به نبيه، لأن السنة وحي ثان، جاء في السنة أن الله يضحك إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر فثبت الضحك لله، ولم يأت هذا الوصف في القرآن وإنما جاء في السنة، وكذلك يعجب ربك من الشاب ليس له صبوة إثبات العجب لله، «والعظمة إزاري والكبرياء ردائي» إثبات العظمة والكبرياء، هذه أوصاف جاءت في السنة، فلا ينبغي لأحد أن يصف الله سبحانه وتعالى إلا بما وصف نفسه في القرآن، أو بما وصفه به رسوله ﷺ في السنة، لأن السنة تشريع ثان، كما قال الله تعالى: وما ينطق عن الهوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ [النجم/4] .
قال حسان بن عطية: «كان جبريل ينزل على رسول الله ﷺ بالسنة كما ينزل بالقرآن» أخرجه الدارمي في السنن في المقدمة.
يقول المؤلف: (ولا يشبه يديه بشيء)، لا ينبغي لأحد أن يشبه يديه بشيء، الله سبحانه وتعالى له يدان، يوصف بأن له يدين، لكن لا تشبَّه بيد المخلوقين، كما قال الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[الشورى/11] . وقال: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم/65] .
(ولا وجهه بشيء)، يعني يثبت لله الوجه كما أثبته لنفسه، كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص/88] .
وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن/27] .
ولا نشبه وجهه بوجوه المخلوقين، ولكن يقول: (له يدان كما وصف نفسه في القرآن، وله وجه كما وصف نفسه، يقف عندما وصف به نفسه في الكتاب)، يعني: المراد والسنة، ينبغي أن يضاف إلى هذا السنة، فإنه -تبارك وتعالى- لا مثل له ولا شبيه، ولكن هو الله لا إله إلا هو كما وصف نفسه، ويداه مبسوطتان كما وصفها وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر/67] .
كما وصف نفسه، يعني نثبت اليدين لله، نثبت أن الأرض يقبضها وأن السماوات يطويها بيمينه، كما أخبر الله عن نفسه.
ثم قال المؤلف: قال: (وكان مالك) نقل عن مالك لأن المؤلف مالكي، من علماء المالكية (وكان مالك يعظم أن يحدث أحدا بهذه الأحاديث التي فيها أن الله خلق آدم على صورته، وضعّفها).
هذا المؤلف نقل عن الإمام مالك أنه يستعظم أن يحدث أحدٌ بالأحاديث التي فيها أن الله خلق آدم على صورته، وأنه ضعّفها، ولكن الحديث:«إن الله خلق آدم على صورته» متفق عليه، رواه الشيخان، في البخاري ومسلم، وهما أصح الكتب بعد كتاب الله، وأخرجه البخاري في صحيحه، وأخرجه الإمام مسلم، كلاهما من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة t أن النبي ﷺ قال: خلق الله آدم على صورته، طوله في السماء ستون ذراعًا يعني: آدم فكيف المؤلف ينقل عن الإمام مالك بأنه يمنع أن يحدث بحديث: خلق الله آدم على صورته ويضعفها.
هذا النقل عن الإمام مالك لا يصح، ذكر المحقق عبد الله بن محمد عبد الرحيم حسين البخاري وفقه الله قال: أسند على الإمام العقيلي في الضعفاء إلى الإمام عبد الرحمن بن القاسم قال: سألت مالكًا عمن يحدث بالحديث أن الله خلق آدم على صورته وأنكر ذلك مالك إنكارًا شديدًا، ونهى أن يتحدث به أحد، فقيل له: إن ناسًا من أهل العلم يتحدثون به، فقال: من هم؟ فقيل: محمد بن عجلان عن ابن الزناد، فقال: لم يكن يعرف ابن عجلان هذه الأشياء: ولم يكن عالمًا، وذكر أبا الزناد فقال: لم يزل عاملاً لهؤلاء: وكان صاحب عمال يتبعوه.
يقول المحقق: إن إسناد القصة إلى الإمام مالك ضعيف: جاء في سند العقيلي هذا مقدام بن داود: وهو الرعيني المصري متكلم فيه: قال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو عمرو يوسف الكندي: كان فقيهًا مفتيًا، لم يكن بالمحمود في الرواية، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن يونس: متكلم فيه، وقال ابن حاتم: متكلم فيه، وقال ابن حجر في اللسان وذكر القطان أن أهل مصر تكلموا فيه.
وذكر الحافظ الذهبي في " الميزان " الرواية التي نقلت عن الإمام مالك لأنه يمنع من التحديث بحديث خلق آدم، وعقب بقوله قلت -أي الذهبي-: الحديث: أن الله خلق آدم على صورته لم ينفرد به ابن عجلان، فقد رواه همام، عن قتادة، عن أبي موسى، عن أبي أيوب، عن أبي هريرة، ورواه الشعيب وابن عجلان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، ورواه معمر، عن همام، عن أبي هريرة، ورواه الجماعة عن ابن سعد، عن ابن عجلان، عن المقبول، عن أبي هريرة، ورواه شعيب أيضا، عن أبي الزناد، عن موسى، عن أبي هريرة، ورواه الجماعة، عن ابن لهيعة، عن الأعرج وأبي يونس، عن أبي هريرة، ورواه جري،ر عن الأعمش.
وذكر الذهبي رحمه الله في ترجمة محمد بن عجلان مقولة الإمام مالك أنه نهى عن التحديث بحديث خلق الله آدم على صورته ويضعفها.
قال قلت قال مالك: هذا لما بلغه عن ابن عجلان حدث بحديث: خلق الله آدم على صورته ولابن عجلان فيه متابعون، وخُرّج في الصحيح.
إذن تبين بهذا أن النقل عن الإمام مالك غير صحيح، وأن المؤلف رحمه الله حينما نقل ما حقق المسألة، فالنقل عن الإمام مالك أنه لا يرى التحديث بحديث آدم: خلق الله آدم على صورته غير صحيح، والحديث ثابت في الصحيحين.
والإمام مالك إمام هدى من أئمة أهل السنة والجماعة، فلا يمكن أن ينكر هذا، وعلى ذلك فحديث: خلق الله آدم على صورته ثابت في الصحيحين في البخاري ومسلم.
لكن اختلف العلماء في مرجع الضمير في خلق الله آدم على صورته ومبحث الصورة مبحث عظيم، وشيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله أطال النفس في هذا البحث في بيان " تلبيس الجهمية " وتكلم عن البحث في خلق الصورة فجاء برسالة كاملة، رسالة دكتوراه كاملة، في بيان تلبيس الجهمية الذي وزع على ثمانية رسائل دكتوراه، من ضمنها مبحث الصورة، جاء برسالة كاملة، ذكر أقوال الناس، ورد شيخ الإسلام رحمه الله على جميع الطوائف الذين أنكروا، حتى بعض أهل السنة غلطوا في ذلك، منهم الإمام محمد بن إسحاق، صاحب الصحيح ابن خزيمة، أنكر هذه الصورة، وظن أن فيه تشبيهًا، وقال: لا تغلطوا ولا تغالطوا، يعني أن تثبتوا لله الصورة، وهذا معدود في غلطاته رحمه الله.
والصواب الذي عليه المحققون كالإمام أحمد وأئمة أهل السنة، وما قرره شيخ الإسلام وغيرهم، إثبات الصورة لله وأن لله صورة كغيرها من الصفات، ولكن بعض الناس تستوحش من الصورة، لأنه لم يألفها وظن أن فيها تشبيهًا، لله صورة لا تشبه الصور، كما لله علم وبصر وقدرة وسمع، فعلم الله لا يشبه علم المخلوقين، فوقية الله علوه لا يشبه المخلوقين، صورته لا تشبه المخلوقين، خلق الله آدم على صورته.
شيخ الإسلام رحمه الله رد على الرازي، الرازي له كتاب سماه " أساس التقديس "، وكتاب " بيان تلبيس الجهمية " يطبع الآن إن شاء الله في مجمع الملك فهد، تبنته الوزارة، وسيخرج إن شاء الله، وهو كتاب عظيم " بيان تلبيس الجهمية " لكن تأخر، يعني طباعته ما يقارب أكثر من عشر سنوات، الآن مع أنه حُقق ومضت عليه هذه المدة.
فشيخ الإسلام رحمه الله يرد على الرازي، الرازي له كتاب يسمى " أساس التقديس" ألف الكتاب وسماه "نقد التأسيس" واسم آخر الذي اختير "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية"، ومن ذلك أنه أتى بهذا الحديث: خلق الله آدم على صورته وذكر في مرجع الضمير ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الضمير يعود إلى آدم، خلق آدم على صورته على صورة آدم.
القول الثاني: أنه يعود إلى المضروب، لأنه ورد: «إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته» قال بعضهم: الضمير في "على صورته" على صورة المضروب إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته على صورة المضروب، آدم خلق على صورة المضروب، المضروب من ذرية آدم، فكيف يشبه صورة آدم بصورة واحد من ذريته؟! هكذا قالوا.
والقول الثالث: أنه يعود إلى الله.
فالقول بأنه يعود على المضروب باطل، وكذلك القول بأنه يعود على آدم باطل, فقد سأل عبد الله بن الإمام أحمد قال: قلت: يا أبي، خلق الله آدم على صورته صورة آدم؟ قال: هذا قول الجهمية، أيّ صورة لآدم قبل أن يخلقه الله، خلق الله آدم على صورة آدم، يفسد المعنى، كذلك خلق الله آدم على صورة المضروب، هذا تشبيه مقلوب، يشبه آدم بواحد من ذريته! الأصل أن الذرية هي التي تتشبه به، ولكن خلق الله آدم على صورة ولده المضروب.
القول الثالث: أن الضمير يعود إلى الله، هذا هو الصواب أن الضمير يعود على خلق الله آدم على صورته، ويدل على ذلك أيضًا الرواية الثابتة الصحيحة قد أثبتها: خلق الله آدم على صورة الرحمن والنصوص يفسر بعضها بعضًا، خلق الله آدم على صورة الرحمن فدل على أن الضمير يعود إلى الله، وفي الحديث إثبات الصورة لله، ولا يلزم من ذلك التشبيه، لكنه لابد فيه من إثبات نوع من التشبيه، وهو التشبيه في مطلق الصورة، لا في الجنس، ولا في المقدار.
«خلق الله آدم على صورته» هذا لا بد فيه نوع من الصورة، نوع من المشابهة، والمشابهة في مطلق الصورة، ولا يلزم من ذلك المشابهة في الجنس ولا في المقدار، فأنت ترى صورة القمر في الماء، هل صورة القمر التي في الماء هي نفس القمر؟ هل الذات هي هي؟ والجنس هي هي؟ والمقدار هي هي؟ مقدار صورة القمر في الماء، مقدارها يمكن مقدار الكف، لكن القمر في السماء كم مقداره حجمه؟ وهل الماء فيه الذات الآن؟ أم نفس الصورة مطلق صورة؟ مطلق صورة. لكن القمر في السماء له ذات.
فالله خلق آدم على صورته هذا نوع من المشابهة، وهي المشابهة في مطلق الصورة، لا في الجنس ولا في المقدار، وهذا هو الصواب أن هذا الحديث في إثبات الصورة لله كما يليق بجلاله وعظمته، ولا يقتضي المشابهة حديث الصورة كثر السؤال عنه، وما أكثر الذين يسألون من الشباب ومن غير الشباب، وهذا ما تزل به الأقدام، ضلت فيه كثير من الطوائف، استعرض شيخ الإسلام كثيرًا من الطوائف ورد عليهم، منهم الاتحادية، ومنهم البكرية، ومنهم حتى بعض أهل السنة، ومنهم ابن خزيمة رحمه الله غلط في هذا، وأنكر أن يكون الضمير يعود إلى الله ظنًا منه رحمه الله أنه يلزم التشبيه، ولا يلزم لا يلزم التشبيه فالصورة كسائر الصفات.
والله تعالى قال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى/11] .
لا يشابهه أحد سبحانه وتعالى، والنوع من المشابهة في مطلق الصورة لا يلزمه المشابهة في الجنس ولا في المقدار، وقد قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[الشورى/11] .
وقال تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا[مريم/65] .
وقال سبحانه: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل/74] .
وقال سبحانه: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة/22] .
(المتن)
قال محمد:" وقال عز من قائل: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف/180] .
وفي الحديث عن رسول الله ﷺ إن لله تسعة وتسعون اسمًا ثم ذكرها كلها، فأسماء ربنا وصفاته قائمة في التنزيل محفوظة عن الرسول وهي كلها غير مخلوقة،ولا مستحدثة فتعالى الله عما يقول الملحدون علوًا كبيرًا".
(الشرح)
نعم قال محمد هو المؤلف محمد بن أبي زمنين قال : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف/180] .
يعني: فيه إثبات أن لله أسماء، أثبت الله تعالى لنفسه أسماء ووصفها بالحسنى فادعوه بها، أثبت الله لنفسه أسماء حسنى وأمر عباده أن يدعوه بها، هذه الآية فيها إثبات الأسماء لله فيها الرد على من أنكر أسماء الله من الجهمية وغيرهم.
وفيها أنه يشرع ويستحب للمسلم أن يدعو الله بأسمائه الحسنى، ويدعوه بالاسم المناسب لحاجته، فإذا كانت حاجته المغفرة فيقول: يا غفار اغفر لي، وإذا كان حاجته الرزق يقول: يا رزاق ارزقني، يتوسل إلى الله بالاسم المناسب لحاجته، وإذا أراد أن يدعو على عدو له على جبار يقول: يا جبار انصرني يا جبار اقسم هذا المتكبر هذا الظالم، فيسأل الله يتوسل إلى الله بالاسم المناسب لحاجته، قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف/180] .
هذا فيه وعيد شديد على الملحدين الذين يلحدون في أسماء الله.
< >والإلحاد في أسماء الله أنواع: منها أنواع الجحد في أسماء الله هذا من الإلحاد. ومنها الميل بها ميلاً باطلاً.ومن الإلحاد التشبيه بأسماء المخلوقين. وفي الحديث: إن لله تسعة وتسعون اسمًا ثم ذكرها، المعروف في الحديث إن لله تسعة وتسعين، لأن تسعة وتسعين خبر إن، إن تنصب الاسم وترفع الخبر، لكن هنا جاء بالرفع تسعة وتسعون إن لله تسعة وتسعون اسمًا يحتاج إلى مراجعة في الحديث، ينظر يعني وجه هذا الوجه، وجه الرفع إن كان هذا ثابتًا.
والحديث صحيح أخرجه الشيخان البخاري في صحيحه، ومسلم في صحيحه كلهم من طرق عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة.
وليس المراد من الحديث الحصر- حصر الأسماء في تسعة وتسعين- بل أسماء الله لا يحصيها أحد، أسماء الله كثيرة، ويدل على ذلك الحديث المشهور: اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك.
إذن فيه أسماء استأثر الله بها في علم الغيب عنده لا يحصيها أحد، ولكن الحديث المراد به: إن لله تسعة وتسعين اسما موصوفة بأن من أحصاها دخل الجنة، ولله أسماء أخرى غير موصوفة بهذا الوصف.
فالمعنى أن لله أسماء موصوفة بأن من أحصاها دخل الجنة، وله أسماء أخرى غير موصوفة بهذا الوصف، من أحصاها, إحصاؤها حفظها، وفهم معناها، والتوسل إلى الله بها، والتعبد إلى الله بالتوسل بها، والتخلق بما يمكن أن يتخلق به منها كل هذا داخل في الإحصاء .
وما هي هذه الأسماء التسعة والتسعين، هل هي معلومة؟ غير معلومة، أخفاها الله عن عباده، ليتعرفها العباد ويطلبوها من النصوص، ويبحثوا عنها حتى يستفيدوا من البحث في النصوص، أخفى الله هذه الأسماء الحسنى كما أخفى ساعة الإجابة يوم الجمعة، وكما أخفى ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان حتى يجتهد العباد في العمل في العشر الأواخر كلها، وأخفى ساعة الجمعة كذلك حتى يجتهد العباد في يوم الجمعة، كذلك أخفى التسعة والتسعين اسمًا حتى يتعرفها العباد، ويطلبوها من النصوص ليستفيدوا علمًا وهدى وتقى.
وهذا الحديث الذي ذكره المؤلف: إن لله تسعة وتسعين اسمًا ثم ذكرها كلها يعني ذكر الأسماء سردها، وسرد الأسماء الحسنى ضعيف، معلل بالاضطراب والإدراج في الأسماء، الصواب أن سرد التسعة والتسعين مدرج أدرجه أحد الرواة وهو الوليد بن مسلم، تفرد بسياقته بطوله حديث: إن لله تسعة وتسعين اسماً ثم سردها: الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام سردها معلل بالاضطراب والإدراج، الصواب أن سردها ليس مرفوعًا إلى النبي ﷺ وإنما سردها أدرجه بعض الرواة.
والحديث بسرده أخرجه الترمذي في جامعه وقال: حديث غريب، وقال في آخره: وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ ولا نعلم فيه كثير شيء من الرواية له إسناد صحيح ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث، قد روى آدم من بن أبي إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبي هريرة عن النبي ﷺ وذكر فيه الأسماء وليس له إسناد صحيح.
فالمقصود أن سردها ليس مرفوعًا إلى النبي ﷺ قال الحافظ بن كثير في تفسيره والذي أول عليه جماعة من الحفاظ: أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم، وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد أنه بلغه من غير واحد من أهل العلم إنهم قالوا ذلك لأنهم جمعوها من القرآن، وضعفه الألباني رحمه الله في ضعيف الترمذي.
وكذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله قال في البلوغ:" إنه مدرج" إن الأسماء مدرجة فإذن سرد الأسماء غير ثابت غير مرفوع إلى النبي ﷺ وإنما أدرجه بعض الرواة.
والحديث كما سمعتم بالصحيحين بغير سرد الأسماء: إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة ولا وهذه الأسماء غير معروفة أخفاها الله ليتعرفها على العباد ويطلبوها من النصوص، وحفظها يشمل ضبطها، وفهم معناها والتوسل إلى الله بها، والعمل بما يمكن العمل به منها مثل من أسماء الله الكريم يعمل يتصف بصفة الكرم وهكذا نعم.
(المتن)
وحدثني أبي عن علي بن الحسن عن أبي داود عن يحيى بن سلام قال: حدثني خداش عن عوف عن الحسن قال: قال رسول الله ﷺ: لا تفكروا في الله وتفكروا فيما خلق .
(الشرح)
هذا الحديث إسناده ضعيف، وهو مرسل من مراسيل الحسن ومراسيل الحسن ضعيفة كما سبق في إسناده والد المؤلف، رواه عن أبيه ولم يوثق، وفيه أيضًا علي بن الحسن المري أبو الحسن كذلك لم يعرف له توثيق، وفيه يحيى بن سلام فيه ضعيف فهو ضعيف، وفيه أيضًا خداش بن عياش العبدي البصري قال الترمذي: لا يعرف خداش هذا قال ابن حجر: لين الحديث، وكذلك هو من مراسيل الحسن البصري، ومراسيل الحسن البصري ضعيفة.
لكنه له شاهد الحديث له شاهد عن عبد الله بن سلام مرفوعًا بلفظ: لا تفكروا في الله ولكن تفكروا في خلق الله فهو يشهد له, الحديث الأول: لا تفكروا في الله وتفكروا فيما خلق والشاهد «لا تفكروا في الله ولكن تفكروا في خلق الله» والحديث أخرجه أبو الشيخ في العظمة، وأبو نعيم في الحلية، والأصبهاني في الحجة في بيان المحجة كلهم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن عبد الجليل عن شهر بن حوشب، وحسن إسناده الألباني رحمه الله.
فعلى هذا إذا كان هذا الحديث حسن بشواهده يكون المؤمن يتفكر في خلق الله، ويستدل بها على قدرته ووحدانية الله ويشهد لذلك النصوص القرآنية قال الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ِ [آل عمران/190-191] .
فالله أثنى على أولي الألباب في تفكرهم في مخلوقاته وأن مخلوقات الله آيات، وعبر أصحاب لأولي الألباب وهم أصحاب العقول الذين يستدلون بها على قدرة الله، ووحدانيته واستحقاقه العبادة.
قال سبحانه: إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة/164] .
وقال سبحانه: إنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ [يونس/6] .
فالله تعالى أثنى على الذين يتفكرون في خلق الله، ويستدلون بها على قدرته ووحدانيته فالتفكر في خلق الله.
(المتن)
علي عن يحيى بن محمد بن يحيى بن سلام عن أبيه عن جده قال: حدثنا أشعث عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ: إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلق السماء؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله؟ فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل: آمنت بالله ورسوله ثلاثًا .
(الشرح)
هذا الحديث إسناده ضعيف جدًا، وهو مرسل، لأنه من رواية هشام بن عروة عن أبيه، ولكن متن الحديث صحيح، أخرجه الشيخان كما سبق، لكن إسناد الحديث ضعيف جدًا، وهو مرسل أيضًا، والمرسل ضعيف وهو موصول، هذا الحديث موصول بالسند السابق الإسناد السابق، لأنه قال عن علي يعني: علي بن الحسن حدثني أبي عن علي المؤلف رواه عن أبيه عن علي بن الحسن سبق أن والد المؤلف رحمه الله لم يوثق، وكذلك علي بن الحسن كذلك لم يوثق، وفي إسناده أيضًا أشعث، وهو ابن سعيد البصري أبو الربيع السمان، قال عنه الإمام أحمد: مضطرب الحديث، وقال ابن معين: ليس بثقة، قال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال الحافظ:متروك، وفيه أيضا من لم يوقف على ترجمته، وهو يحيى بن سلام، وكذلك ولده محمد بن يحيى بن سلام، وكذلك أيضًا مرسل من مراسيل عروة, عروة من التابعين فالحديث ضعيف السند، لكن المتن صحيح، الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم عن عبد الباقي كلاهما من طريق عقيل بن خالد عن ابن الشهاب عن عروة بن الزبير أن أبا هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته واللفظ للبخاري.
والحديث إنما ورد في الوسوسة في التوحيد، الشيطان يوسوس للإنسان في التوحيد، وهذا أعظم ما يكون فيه الوسوسة، الوسوسة في التوحيد يشككه، يشككه في ربه يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ من خلق السماوات؟ من خلق الأرض؟ من خلق الملائكة؟ ثم ينتقل فيقول: من خلق ربك؟ من خلق الله؟ يقول النبي ﷺ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته .
وفي اللفظ الآخر: فإذا وجد ذلك فليستعذ بالله ولينته.
إذن الحديث في الوسوسة في التوحيد إذا جاء الشيطان يوسوس لك في التوحيد، ماذا تقول يوسوس يقول من خلق ربك قد يوسوس في التوحيد، يقول هل فيه جنة؟ هل فيه نار؟ هل فيه بعث؟ ماذا يعمل الإنسان؟ النبي ﷺ أرشد في هذا إلى أمرين:
الأمر الأول: الاستعاذة بالله، قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
والأمر الثاني: الانتهاء ينتهي،أن يقطع التفكير.
وقد جاء في أحاديث أخرى أيضا أن من وسوس له الشيطان في التوحيد يفعل عدة أمور: أمران ذكرا في هذا الحديث: الاستعاذة بالله, والثاني الانتهاء يعني يقطع التفكير ويشتغل في أمور دينه ودنياه.
والثاني: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
والثالث: النفث عن يساره ثلاث مرات "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
والرابع: أن يقول: آمنت بالله ورسله كما في هذا الحديث يقول: آمنت بالله ورسله، آمنت بالله ورسوله.
والأمر الخامس: يقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص/3] .
والأمر السادس: يقرأ: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد/3] .
تكون ستة أشياء يفعلها من ابتلي بالوسوسة في التوحيد.
أولًا: يستعيذ بالله من الشيطان.
ثانيًا: ينفث عن يساره ثلاثا يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ينفث مع الاستعاذة ثلاثة،ثم يقول: آمنت بالله ورسوله آمنت بالله ورسوله آمنت بالله ورسوله ثم يقول: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ هذه ثلاثة.
ويقرأ أيضا: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد/3] .
وبذلك وهذا يكون علاج الوسوسة، وكذلك ينتهي، يقطع التفكير يشتغل في أمور دنياه، وهذا يكون علاجا لهذه الوسوسة، وحينئذ يقيه الله شر هذه الوسوسة وهي من أعظم الوسوسة- أعظم الوسوسة في التوحيد - لأن الشيطان والعياذ بالله حريص على إضلال بني آدم وإغوائه، قد يوسوس له مثلاً في ربه، يوسوس في البعث يقول ما في بعث ولا في جزاء، ولا في جنة ولا في نار، قد يوسوس له في الملائكة يقول: ما في ملائكة ما في كذا يفعل هذه الأشياء بهذا يسلم من وسوسة الشيطان وشره.
(المتن)
باب في الإيمان بأن القرآن كلام الله
قال محمد: ومن قول أهل السنة أن القرآن كلام الله وتنزيله ليس بخالق ولا مخلوق منه تبارك وتعالى بدأ، وإليه يعود، وحدثني إسحاق عن أسلم عن يونس عن ابن وهب عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن زيد بن أرطاة عن جبير بن نفير قال: قال رسول الله ﷺ إنكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أحب إليه من شيء خرج منه يعني القرآن .
(الشرح)
نعم قال محمد وهو المؤلف محمد بن أبي زمنين: (ومن قول أهل السنة أن القرآن كلام الله، وتنزيله ليس بخالق ولا مخلوق، منه تبارك وتعالى بدأ، وإليه يعود).
هذا قول أهل السنة:القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق ولا خالق هو صفة من صفات الله، فالله تعالى هو الخالق بذاته وصفاته، ولا يقال إن الصفة هي الخالق، فالقرآن كلام الله، ومن قال إن القرآن مخلوق فقد كفر، كما قرر ذلك الأئمة، والمراد التكفير على العموم، أما الشخص المعين فلا بد من إقامة الحجة عليه، لأن السلف يقول من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر، من أنكر رؤية الله فهو كافر على وجه العموم، أما فلان بن فلان إذا قال إن القرآن مخلوق أو أنكر رؤية فهذا لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة حتى توجد الشروط وتنتفي الموانع.
السلف يقولون: كلام الله منزل غير مخلوق، فالقرآن كلام الله منزل غير مخلوق.
قالت الجهمية والمعتزلة:إن القرآن مخلوق وهذا كفر وضلال، الجهمية والمعتزلة يقولون: القرآن مخلوق.
والأشاعرة يقولون: القرآن نصفه مخلوق ونصفه غير مخلوق نصفه القرآن: نصفه مخلوق وهو اللفظ وهو الحروف والأصوات هذه مخلوقة، وأما المعنى فليس بمخلوق، وصار مذهبهم نصف مذهب المعتزلة؛ لأنهم يقولون: القرآن ليس بحرف ولا صوت ولا لفظ، القرآن معنى قائم بنفس الرب، لا يسمع، ما يسمع، القرآن ما يسمع ما هو القرآن عندهم؟ القرآن يكون معنى قائمًا بنفس الله ما أحد يسمعه.
كيف إذن علم الناس القرآن؟ اختلفوا في هذا فقالت طائفة منهم: إن الله تعالى اضطر جبريل اضطرارا ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر بهذا القرآن، هذا القرآن الذي تكلم به جبريل من عنده عبارة عبر بها فهم المعنى القائم بنفس لرب، وعبر بها.
ومنهم من قال: إن الذي عبر هو محمد.
وقالت طائفة: إن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ وهذا من أبطل الباطل، جعلوا الرب أبكم لا يتكلم نعوذ بالله، يقولون ما يتكلم، الكلام معنى قائم بنفس الرب مثل العلم، وهذا من أبطل الباطل شبهتهم في هذا يقولون: لو قلنا إن القرآن كلام لفظ وحروف وأصوات هذه حادثة، ويلزم بذلك أن تحل الحوادث بذات الله، والله منزه عن الحوادث، وفرارا من ذلك قالوا: القرآن ما هو لفظ ولا حرف ولا صوت, ما فيه حروف، ولا أصوات، ولا ألفاظ معنى قائم بالنفس بنفس الرب، ولهذا المشتهر عند العلماء أن الأشاعرة يقولون إن الكلام هو المعنى النفسي القائم.
وأما أهل السنة فقالوا: إن القرآن كلام الله لفظه ومعناه, فالكلام لفظٌ ومعنى حرفٌ وصوت تكلم الله به بحرف وصوت سمعه منه جبرائيل، والله تعالى ينادي آدم يوم القيامة: «يا آدم» يناديه بصوت يقول لبيك وسعديك، ينادي بصوت يسمعه من بَعُد كما يسمعه من قرب.
ولهذا فإن بعض الأشاعرة الذين عندهم غلو والعياذ بالله لا يبالون بالقرآن ولا يرون له تعظيما، يقول المصحف ما فيه كلام الله، فهم يقولون القرآن كلام الله يعني من باب المجاز، وإلا عند التفصيل يقول المصحف ليس فيه كلام الله، وإنما هو مجاز عن كلام الله، كلام الله تأدى بهذه الحروف بهذه الألفاظ تأدى بها كلام الله، وإلا كلام الله معنى قائم بنفسه لا يذكر، لكن القرآن تأدى به كلام الله.
قالوا: فنحن نسميه القرآن كلام الله مجازا، ما في المصحف حتى إن بعضهم والعياذ بالله غلا وقال: المصحف لو رميته أو دسته بقدميك ما فيه كلام الله، نعوذ بالله من زيغ القلوب.
أما أهل السنة فيقولون:القرآن كلام الله لفظه ومعناه, حرف وصوت، لفظ ومعنى، والمعتزلة يقولون: القرآن حرف وصوت لفظ ومعنى لكن مخلوق, اللفظ والمعنى مخلوق، والحرف مخلوق والصوت مخلوق.
لكن الأشاعرة صاروا مذبذبين بين المعتزلة وبين أهل السنة، فصاروا مع المعتزلة في قولهم:إن اللفظ مخلوق, وصاروا مع أهل السنة في قولهم: المعنى غير مخلوق مثل الرؤيا، الرؤيا، المعتزلة أنكروا رؤية الله يوم القيامة، وأنكروا العلو، وأهل السنة أثبتوا العلو، وأثبتوا الرؤيا، والأشاعرة تذبذبوا أثبتوا الرؤيا وأنكروا العلو، قالوا:إن الله يُرى ولكن في غير جهة, من أين يرى؟ من فوق، قالوا: لا من تحت؟ لا، عن يمين؟ لا، عن شمال؟ لا، أمام؟ لا، خلف؟ لا، أين يرى؟ يرى لا في جهة، هذا غير معقول، لهذا أنكر عليهم جمهور العقلاء، وضحك جمهور العقلاء من قول الأشاعرة:إن الله يرى لا في جهة؛ لأن الرؤية لا بد أن تكون في جهة من الرائي، لا بد أن يكون الرائي مواجهًا للمرئي مباينًا له، لا بد من هذا كيف يرى لا في جهة؟ لا يمكن قد دلت النصوص على أن العباد يرون ربهم من فوقهم: «إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته» .
ثم ذكر المؤلف الحديث قال: إنكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أحب إليه من شيء خرج منه يعني: القرآن هذا الحديث ضعيف، وهو مرسل أيضًا من مراسيل جبير بن نفير، وفي إسناده العلاء بن الحارث بن عبد الوارث الحضرمي صدوق فقيه رمي بالقدر، وقد اختلط وتغير.
وجبير بن نفير مخضرم، وهذا الحديث روي مرسلاً، وروي متصلاً، والصواب فيه الإرسال، رواه معاوية بن صالح، واختلف فيه عليه، ورواه عبد الله بن صالح المصري كاتب الليث عن العلاء بن الحارث عن زيد بن أرطاة عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر مرفوعًا، وأخرجه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في الأسماء والصفات، فالحديث روي مرسلاً، وروي متصلا، ولكنه مرسل ضعيف، وفي سنده أيضا في بعض المتابعات والشواهد من هو متكلم فيه.
المقصود أن الحديث ضعيف قوله: إنكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أحب إليه من شيء خرج منه هذا المعنى ضعيف، ولكن من المعلوم عند أهل السنة والجماعة من النصوص أن القرآن كلام الله، وأن الله تكلم به لفظه ومعناه الله تكلم به وأن القرآن كلام الله لفظه ومعناه تكلم به وسمعه منه جبرائيل، ونزل به على قلب محمد ﷺ كما قال الله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [الشعراء/193-195] .
قال سبحانه: وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ يَعْلَمُونَ [التوبة/6] .
فكلام الله يسمع، كلام الله مسموع بالآذان، معلوم بالقلوب، محفوظ في الصدور، مكتوب في المصاحف، فكيفما تصرف فهو كلام الله.
فكلام الله إن كتبته، فهو مكتوب، وإن قرأته فهو مقروء، وإن علمته فهو معلوم، وإن حفظته فهو محفوظ، وإن قرئ فهو مسموع وفي هذه المعاني حق كل في هذه المعاني في هذه الوجوه حق، ولا يقال إنه مجاز فكما قال أهل السنة: كلام الله مقروء بالألسن، محفوظ في الصدور، معلوم في القلوب، مسموع بالآذان، مكتوب في المصاحف.
وهو في هذه المواضع كلها حق على حقيقة ليس مجازًا، ولو كان مجازًا لصح أن ينفى، ويقال ما قرأ القارئ كلام الله، أو ما سمع القارئ كلام الكلام، أو ما كتب الكاتب كلام الله، أو ما حفظ الحافظ كلام الله، وهذا لا يمكن أن يكون، لا يجوز أن تقول إن القارئ ما سمع كلام الله، بل الذي يسمعه هو القارئ هو كلام الله والذي يحفظه الحافظ هو كلام الله، والذي يعلمه في قلبه هو كلام الله، والذي يكتب هو كلام الله، وفي هذه الوجوه كله حق ومعلوم، معلوم بالقلوب، محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان، مقروء بالألسن هذا هو قول أهل السنة والجماعة.
وجاءت النصوص الكثيرة في فضل تلاوة القرآن، وأن الله تعبد العباد بتلاوته في حديث ابن مسعود: من قرأ حرفًا في كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
(الم) هذه ثلاثة حروف بثلاثين حسنة إذا تقبل الله هذا هو قول أهل السنة والجماعة، هذا هو الصواب، أما هذا الحديث فهو ضعيف، وفق الله الجميع لطاعته، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.