شعار الموقع

شرح كتاب العتق من سبل السلام_5

00:00
00:00
تحميل
70

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:

عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَجُلًا اسْمُهُ مِذْكَورٌ »كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ أَوْ اسْمُهُ أَبُو مِذْكَورٍ وَاسْمُ غُلَامِهِ أَبُو يَعْقُوبَ «مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ» اسْمُهُ يَعْقُوبُ كَمَا فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا, (عَنْ دُبُرٍ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِهَا, «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ: «فَاحْتَاجَ», وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ أَيْ عَنْ جَابِرٍ: «وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَبَاعَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَعْطَاهُ وَقَالَ اقْضِ دَيْنَك».

الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّدْبِيرِ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ.

(الشرح)

يُشرع للإنسان أن يدبر ويقول لعبده: أنت حرٌ بعد موتي, هذا مشروع يَعْنِي.

(المتن)

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَنْفُذُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْ الثُّلُثِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ.

(الشرح)

قيل: أصله عَلَى الوصية وقاسوه عَلَى العطية والصدقة في مرض الموت, ولحديث اِبْن عمر.

(المتن)

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَالظَّاهِرِيَّةِ إلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِقِيَاسِهِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِجَامِعِ أَنَّهُ يَنْفُذُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَبِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ» وَرَدَّ الْحَدِيثَ بِأَنَّهُ جَزَمَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ بِضَعْفِهِ وَإِنْكَارِهِ، وَأَنَّ رَفْعَهُ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ, وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ.

(الشرح)

ولو كَانَ موقوف يؤيده قول الصحابي.

(المتن)

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مُرْسَلًا: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ فَجَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الثُّلُثِ» وَأُخْرِجَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَذَلِكَ مَوْقُوفًا, وَاسْتَدَلَّ الْآخَرُونَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُخْرِجُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ.

(الشرح)

فإن قيل: يُشرط أن يكون في مرض الموت ولا لو كَانَ صحيح؟.

إذا قَالَ: هو عتيق بعد وفاتي فَإِنَّهُ يكون من الثلث سواء قاله في حال المرض أو في حال الصحة؛ لِأَنّ تنفيذه ما يكون إِلَّا بعد الموت, وبعد الموت صار حكمه حكم الوصية, يَعْنِي: لو قَالَ وهو في حال الصحة: أنت حرٌ بعد موتي صار ما يأخذ إِلَّا من الثلث, لَكِنْ لو أراد أن يعتقه عتقًا منجزًا قَالَ: أنت حرٌ في الحال صح ما يصير مدبر.

فإن قيل: له أن يتصرف في ماله كله؟.

كله نعم, إِلَّا أَنَّه ينبغي له أن يترك شَيْئًا له ولأولاده كي لا يكونوا عالة عَلَى الناس ويشحذون, كونه يتصدق بماله كله ويصير يتكفف الناس لا يصح هذا.

(المتن)

وَدَلِيلُ الْأَوَّلِينَ أَوْلَى لِتَأَيُّدِ الْقِيَاسِ بِالْمُرْسَلِ وَالْمَوْقُوفِ؛ وَلِأَنَّ قِيَاسَهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْهِبَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ لِحَاجَتِهِ لِنَفَقَتِهِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ مُطْلَقًا مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة/1].

(الشرح)

العتق المدبر والمكاتب يجوز بيعه, وسيأتي الحديث الذي بعده أن المكاتب له أن يعجز نفسه فيبقى عبد, ولسيده أيضًا أن يمنعه ويوقفه, وَكَذَلِكَ المدبر إذا قَالَ: أنت حرٌ بعد موتي يجوز له أن يبيعه كما في هذا الحديث الذي باعه لقضاء الدين, فهو باعه للحاجة, وقال بعض أهل العلم: يجوز مطلقًا حتى ولو لم لحاجة, يجوز أن يبيعه؛ لِأَنَّهُ وعده هذا لا ينفذ إِلَّا بعد الوفاة وهو في حال الحياة له أن يتصرف فيهِ, له أن يرجع وله أن يبيعه, وقال آخرون: لا يبعه إلا إذا كَانَ محتاجًا كما في هذا الحديث.

(المتن)

وَرُدَّ بِأَنَّهُ عَامٌّ خَصَّصَهُ حَدِيثُ الْكِتَابِ وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إلَى جَوَازِ بَيْعِهِ مُطْلَقًا مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ وَيُشَبِّهُهُ بِالْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ إذَا احْتَاجَ الْمُوصِي بَاعَ مَا أَوْصَى بِهِ، وَكَذَلِكَ مَعَ اسْتِغْنَائِهِ قَالُوا: وَالْحَدِيثُ لَيْسَ فِيهِ قَصْرُ الْبَيْعِ عَلَى الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، وَإِنَّمَا الْوَاقِعُ جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ صُوَرِ جَوَازِ بَيْعِهِ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ يُؤَيِّدُ اعْتِبَارَ الْجَوَازِ الْمُطْلَقِ وَالظَّاهِرُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ, والله تعالى أعلم.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد