شعار الموقع
شعار الموقع

أصول السنة لابن أبي زمنين (5) من قوله: "إن الله قرأ طه ويس.." - إلى قوله: "فكيف بنور الرب الذي لا يوصف عن وجهه"

00:00

00:00

تحميل
84


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

(المتن)

 قال رحمه الله تعالى:

وحدثني وهب بن مسرة عن محمد بن حيون، قال أخبرنا مطين قال أخبرنا إبراهيم بن المنذر الحزامي عن إبراهيم بن مهاجر عن عمر بن حفص بن ذكوان عن مولى الحرقة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ إن الله قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألف عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالوا طوبى لأمة ينزل هذا عليها، وطوبى لأجواف  تحمل هذا، وطوبى لمن تكلم بهذا.

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله الله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا الحديث الثاني في الباب الثالث، وهو باب في الإيمان أن القرآن كلام الله ذكر المؤلف -رحمه الله- حديث أبي هريرة بهذا المتن: إن الله قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلما سمعت الملائكة القرآن قالوا طوبى لأمة ينزل هذا عليها» طوبى يعني: اسم للجنة، وقيل: اسم لشجرة في الجنة.

«وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لمن تكلم بهذا» هذا الحديث سنده ضعيف، ومتنه منكر فيه نكارة وغرابة، أما السند فلأن فيه إبراهيم بن مهاجر بن مسمار المدني تكلم عليه النقاد، قال البخاري رحمه الله: منكر الحديث، وقال ابن حبان زاد قال: منكرٌ جدًا، قال النسائي: ضعيف، وفي سنده أيضًا عمر بن حفص بن ذكوان، قال الإمام أحمد: تركنا حديثه حرقناه، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف، وهو آفة الحديث.

والحديث أخرجه ابن أبي عاصم في السنة، والدارمي في السنن، وابن خزيمة في التوحيد، وابن حبان في المجروحين، والعقيلي في الضعفاء، وابن عدي في الكامل، واللالكائي في شرح السنة، والطبراني في الأوسط، والبيهقي في الأسماء والصفات، وابن الجوزي في الموضوعات كلهم من طريق إبراهيم بن المنذر عن إبراهيم بن مهاجر عن عمر بن حفص بن ذكوان عن مولى الحرقة عن أبي هريرة.

وبالغ ابن حبان فقال: هذا متن موضوع، وقال ابن الجوزي أيضًا: هذا حديث موضوع، وقال الطبراني: لا يروى عن النبي ﷺ إلا بهذا الإسناد تفرد به إبراهيم بن المنذر، لكن الحافظ ابن حجر تعقب كلام ابن حبان، وابن الجوزي في حكمهما عليه بالوضع، وكذا السيوطي، وقال: إن الحديث لا يصل إلى درجة الوضع، ولكنه ضعيف جدًا، ومتنه منكر.

ويتبين بهذا أن الحديث بعض العلماء حكم عليه بالوضع، وبعضهم حكم عليه بالضعف الشديد، والصواب أنه يُحكم عليه بالضعف الشديد، والمتن فيه نكارة وغرابة، النكارة من جهة قول: «إن الله قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلما سمعت الملائكة القرآن قالوا طوبى» هذه المدة الطويلة أن الله قرأها قبل مدة، المعلوم أن الله تعالى تكلم بالقرآن، تكلم به، ونزل به جبرائيل على قلب محمد ﷺ.

فقوله: «إن الله قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألف عام» هذا فيه نكارة، فالحديث ضعيف السند، ومنكر المتن، وكان الأولى بالمؤلف -رحمه الله- ألا يذكر مثل هذا الحديث، وأن ينزه كتابه أصول السنة عن مثل هذا الحديث؛ لأن النصوص بإثبات أن القرآن كلام الله كافية، نصوص من كلام الله تعالى نصوص من كتاب الله، والأحاديث الصحيحة فيها الكفاية فلا حاجة إلى مثل هذا الحديث الذي فيه هذه النكارة الشديدة، وهذا الضعف الشديد.

والأدلة على أن القرآن كلام الله كثيرة من كتاب الله، وسنة رسوله ﷺ قال تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ [النحل/102] .

والنزول يكون من أعلى إلى أسفل: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [الشعراء/193-195] .

وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا [النساء/164] . وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ [التوبة/6].

النصوص صريحة من كتاب الله، وكذلك الأحاديث الصحيحة التي فيها أن الله تكلم بالقرآن، وأن الله تكلم ويكلم: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا [النساء/164] .

إلى غير ذلك من النصوص الصحيحة من سنة رسول الله ﷺ والآيات القرآنية الكريمة فهي كافية في أن القرآن كلام الله ولا حاجة إلى مثل هذا الحديث المنكر المتن الضعيف السند.

ولكن المؤلف -رحمه الله- عذره في هذا أنه يذكر ما ورد في الباب وإذا ذكر السند فعليه العهدة، وكما رأينا أن الحديث شارك غيره أخرجه كما سمعنا ابن عاصم في السنة، والدارمي في السنن، وابن خزيمة في التوحيد، وابن حبان في المجروحين، والعقيلي في الضعفاء، وابن عدي في الكامل، وأخرجه جمع من أهل العلم فله أسوة بهم فلهذا ذكره.

ولكن كما سبق أن المؤلف إذا ذكر السند، أو حكم عليه فإنه يبرأ من العهدة، والذي يذكر في الضعفاء مثل: العقيلي في الضعفاء معروف أن الكتاب مخصص في الضعفاء، فإذا ذكره في الضعفاء، فلا لوم عليه، لكن المؤلف -رحمه الله- ذكر هذا ولم يحكم عليه، ولم يتكلم بشيء اكتفى بذكر السند، وعذره كما سبق أنه من أسند فقد برئ من العهدة.

(المتن)

وحدثني وهب عن ابن وضاح، عن زهير بن عباد، عن عباد قال: كان كل من أدركته من المشايخ مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وفضيل بن عياض، وعيسى بن يونس، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، وغيرهم ممن أدركت من فقهاء الأمصار مكة والمدينة والعراق والشام ومصر وغيرها، يقولون: القرآن كلام الله ليس بخالق ولا مخلوق، ولا ينفعه علم حتى يعلم، ويؤمن أن القرآن كلام الله ليس بخالق ولا مخلوق.

قال ابن وضاح: ولا يسع أحدًا أن يقول: كلام الله قط حتى يقول ليس بخالق، ولا مخلوق ولا ينفعه علم حتى يعلم، ويوقن أن القرآن كلام الله ليس بخالق، ولا مخلوق، منه بدأ وإليه يعود،ومن قال بغير هذا فقد كفر بالله العظيم.

وقال مسلمة بن قاسم رحمه الله: كلام الله منزل مفروق ليس بخالق ولا مخلوق لا تدخل فيه ألفاظنا، وإن تلاوتنا له غير مخلوقة؛ لأن التلاوة هي القرآن بعينه، فمن زعم أن التلاوة مخلوقة فقد زعم القرآن مخلوق، ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن علم الله مخلوق، ومن زعم أن علم الله مخلوق، فهو كافر.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله نقل عن أهل العلم ما اتفقوا عليه وما أجمعوا عليه من أن القرآن كلام الله، نقل بالسند قال: حدثني وهب عن ابن وضاح سبق أن ابن وضاح فيه ضعف، وكذلك زهير بن عباد الرواسبي، قال الدار قطني: مجهول، وتعقبه الذهبي قال هو ابن عم وكيع بن الجراح كوفي نزل مصر حدث عن مالك بن حفص بن ميسرة وجماعة، وروى عن الذهبي الترجمة أشار إلى توثيقه وفيه عباد، فهذا السند الذي ذكره العلماء فيه ضعف ولكن هذا مشهور معروف عن أهل العلم، والأئمة أنهم يقولون إن القرآن كلام الله.

المؤلف نقل بالسند قال: عن عباد قال: (كان كل من أدركته من المشايخ: مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وفضيل بن عياض، وعيسى بن يونس، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، وغيرهم ممن أدركت من فقهاء الأمصار: مكة، والمدينة، والعراق، والشام، ومصر وغيرها، يقولون: القرآن كلام الله) هذا مشهور عن أهل العلم، ومتواتر وإن كان هذا السند فيه ضعف لكنه معلوم.

يقولون: (القرآن كلام الله، ليس بخالق، ولا مخلوق) لأن القرآن صفة من صفات الله تعالى هو الخالق بذاته، وصفاته ولا تنفك الصفات عن الذات، لا يمكن أن تكون ذات بدون الصفات بدون الاسم، فالله هو الخالق بذاته وصفاته فلا يقال إن الصفة هي الخالق ما يقال: إن كلام الله هو الخالق، يقال: القرآن كلام الله صفة من صفاته، القرآن كلام الله ليس بخالق ولا مخلوق.

يقول: (ولا ينفعه علم حتى يعلم، ويؤمن أن القرآن كلام الله ليس بخالق لا مخلوق) يعني: الإنسان لا ينفعه إذا لم يؤمن بأن القرآن كلام الله، وقال القرآن مخلوق فقد فعل كفرًا، ولهذا نص الأئمة على أن من قال: القرآن مخلوق، فهو كافر، وهذا على العموم، أما الشخص المعين فلابد من قيام الحجة عليه.

(قال ابن وضاح) يعني: اللي في السند, (ولا يسع أحد أن يقول كلام الله قط حتى يقول ليس بخالق، ولا مخلوق ولا ينفعه علم حتى يعلم، ويوقن أن القرآن كلام ليس بخالق ولا مخلوق، منه U بدأ، وإليه يعود، ومن قال بغير هذا فقد كفر بالله العظيم) هذا نص من الأئمة أن من قال:القرآن مخلوق فهو كافر على العموم، كما أن من أنكر رؤية الله في الآخرة فهو كافر.

(ولا يسع المسلم أن يقول كلام الله حتى يقول إن كلام الله ليس بمخلوق، والقرآن منه بدأ، وإليه يعود) يعني: تكلم الله به سبحانه وتعالى وإليه يعود في آخر الزمان، حينما يترك الناس العمل بالقرآن، يُنزع القرآن من صدور الرجال، ومن المصاحف -نعوذ بالله- وهو من أشراط الساعة الكبار، فيصبح الناس لا يجدون لا في صدورهم آية ولا في المصاحف آية نعوذ بالله إذا ترك الناس العمل بالقرآن رفع، وهذا معنى قوله: (وإليه يعود), (منه بدأ) يعني: تكلم الله، (وإليه يعود) يُرفع في آخر الزمان، ومن قال بغير هذا فقد كفر بالله العظيم.

وقال مسلمة بن القاسم رحمه الله: (كلام الله منزل مفروق ليس بخالق، ولا مخلوق) كلام الله منزل لابد من الإيمان بأن القرآن منزل كما قال الله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [الشعراء/193-195] .

وقال: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل/102] .

وقال: وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ [الأنعام/114] .

الآيات صريحة، وقال سبحانه: تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الزمر/2] تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ  [فصلت/2] .

يقول مسلمة رحمه الله: (لا تدخل فيه ألفاظنا) كلام الله لا تدخل فيه ألفاظنا، ثم قال: (وإن تلاوتنا له غير مخلوقة) تلاوتنا للقرآن؛ لأن التلاوة هي القرآن بعينه, (فمن زعم أن التلاوة مخلوقة فقد زعم أن القرآن مخلوق، ومن زعم أن القرآن مخلوق، فقد زعم أن علم الله مخلوق، ومن زعم أن علم الله مخلوق، فهو كافر) هكذا يترتب بعضها على بعض.

مسألة التلاوة اختلف السلف في مسألة التلاوة واللفظ، هل التلاوة هي المتلو؟ المتلو هو كلام الله، المقروء هو كلام الله حينما يتلو التالي يتلو كلام الله، ويقرأ كلام الله، فهل يقال إن التلاوة مخلوقة أو لا يقال؟ معلومٌ أن العبد بصفاته وأفعاله مخلوق، الإنسان مخلوق أنت مخلوق بأفعالك وصفاتك وحركاتك وألفاظك أنت مخلوق، لكن القول بأن التلاوة تلاوة القرآن مخلوقة، واللفظ القرآن مخلوق هذه مسألة مبتدعة أنكرها بعض السلف، وقالوا: إن هذا لفظ مبتدع لم يرد عن السلف، فلا يقال لفظ القرآن مخلوق، ولا يقال غير مخلوق.

ولهذا ثبت واشتهر عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه قال: "من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع" إذًا ماذا يقول؟ لا تقل مخلوق ولا غير مخلوق اسكت كما سكت السلف، وذلك؛ لأن التلاوة قد يُراد بها المتلو فيكون جهمي؛ لأن التلاوة إذا قال لفظ القرآن مخلوق أو تلاوة القرآن مخلوقة قد يُراد به المتلو، وهو القرآن فإذا أراد بالتلاوة المتلو صار جهميًا، وأما إذا قال لفظ بالقرآن مخلوق فهو مبتدع؛ لأن هذا خلاف قول السلف.

والإمام البخاري -رحمه الله- بوب في صحيحه، فقال: "باب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم وقراءتهم لا تجاوز حناجرهم"، فبين الإمام البخاري رحمه الله أن أصواتهم وقراءتهم؛ أفعالهم لا تجاوز حناجرهم, قراءته قراءة الفاجر والمنافق قراءته فعل له صوت له، فالبخاري -رحمه الله- بين أن ما يقوم به العبد من صفاته مخلوق، وأما كلام الله فغير مخلوق، فهل هناك منافاة بين الإمامين؟ لا منافاة بين قول كل من الإمامين البخاري وأحمد كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله, فالإمام البخاري ميز وفصل، بين ما يقوم بالعباد من أفعالهم وحركاتهم وأصواتهم وأنها مخلوقة، وبين ما يقوم بالرب من أفعاله فهو وصف له غير مخلوق.

والإمام أحمد رحمه الله أجمل ومنع الإطلاق من الجانبين سدًا للذريعة ومنعًا للبدعة فقال: من قال: "من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع"، فلا منافاة بين قولي الإمامين.

أئمة أهل السنة متفقون غير مختلفين، الإمام أحمد أجمل، وسد الذريعة من الجانبين منعًا للبدعة، والإمام البخاري ميز وفصل بين ما يقوم به العبد وما يقوم به الرب، فقال ما يقوم بالعبد من الصفات مخلوق، وما يقوم بالرب فهو كلام الله غير مخلوق اتفق الإمامان ولم يختلفا على أن كلام الله منزلٌ غير مخلوق، وأن أفعال العباد وأصواتهم وألفاظهم وحركاتهم وأدائهم كلها مخلوقة.

ولما لم يفهم بعض الناس كلام الإمام البخاري ظنوا أن البخاري رحمه الله وافق الجهمية حينما بين أن أفعال العباد مخلوقة ووافقهم بعض الأئمة بسبب الشبهة التي نشأت من القول المجمل للإمام أحمد رحمه الله.

فلما كان الإمام أحمد رحمه الله أجمل وسد الذريعة من الجانبين وقال: "من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع"، تعلق بذلك بعض الناس بهذه الشبهة أن الإمام أحمد قد سد الذريعة مع نوع من الحسد للإمام البخاري؛ لما رفع الله قدره ونشر صيته حسده بعض الناس وساعدهم على ذلك الشبهة التي نشأت من القول المجمل الذي أجمله الإمام أحمد، فنشأت بذلك فتنة في صفوف بعض المحدثين، وهجروا لذلك الإمام البخاري حتى هجر محمد بن يحيى الزهري، وأبو زرعة وجماعة، وقالوا: الإمام البخاري مبتدع، وقالوا: من ذهب من مجلسنا إلى مجلس البخاري، فهو على مذهبه وهو مبتدع فهجروه.

< >وسبب ذلك أمران: الأمر الأول: الشبهة التي نشأت من الكلام المجمل للإمام أحمد.

والأمر الثاني: الحسد فتولد من ذلك فتنة هُجر من أجلها الإمام البخاري.

وإلا فإن الإمام البخاري لا يخالف الإمام أحمد، لكن الإمام أحمد -رحمه الله- أجمل وسد الذريعة من الجانبين منعًا للبدعة، والإمام البخاري فصل وميز بين ما يقوم بالعبد وما يقوم بالرب، فقال ما يقوم به العبد مخلوق، العبد مخلوق بأفعاله، وما يقوم به الرب فهو كلام غير مخلوق فهما متفقان ولا يختلفان.

ولكن هذه الفتنة التي نشأت في صفوف بعض المحدثين سببها هذين الأمرين، وهو الشبهة التي نشأت من الكلام المجمل للإمام أحمد، والأمر الثاني: الحسد للإمام البخاري رحمه الله حيث نشر الله صيته، ورفع قدره فحسده بعض الناس وساعدهم على ذلك الشبهة التي نشأت من القول المجمل فحصلت بذلك فتنة في بعض صفوف المحدثين، وهجروا من أجلها الإمام البخاري، ورموه بالبدعة، وهو إمام من أهل السنة والجماعة وهو يوافق الإمام أحمد ولا يخالفه فلا مخالفة بين أئمة أهل السنة.

(المتن)

باب في الإيمان بالعرش.

قال محمد: ومن قول أهل السنة أن الله خلق العرش، واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق ثم استوى عليه كيف شاء كما أخبر عن نفسه، في قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ۝ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى [طه/5-6] .

وفي قوله: يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُور [سبأ/2] فسبحان من بعد فلا يرى وقرب بعلمه وقدرته فسمع النجوى.

(الشرح)

هذا الباب عقده المؤلف -رحمه الله- للإيمان بالعرش، وهو الباب الرابع من أبواب الكتاب, (قال محمد) هو المؤلف محمد بن عبد الله بن أبي زمنين, (ومن قول أهل السنة أن الله خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق ثم استوى عليه كيف شاء) كما أخبر عن نفسه في قوله: الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ [طه/5].

هذا قول أهل السنة أنه قال خلق العرش، واختصه بالعلو والارتفاع، وجعله سقف المخلوقات، فالعرش هو سقف المخلوقات وهو نهايتها, فالمخلوقات لها سقف، سقفها العرش، والله تعالى فوق العرش مستوٍ عليه استواء يليق بجلاله وعظمته، واستقر وعلا وارتفع، وصعد فوق العرش أما كيفية استوائه فلا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.

كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سأله سائل عن قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه/5] كيف استوى؟.

فعظم ذلك على الإمام مالك -رحمه الله- وهو إمام من أئمة أهل السنة والجماعة، وأطرق فعرق تصبب عرقًا، ثم رفع رأسه، فقال أين السائل؟ ثم قال: الاستواء معلوم، يعني: معلوم في اللغة العربية هو الاستقرار والعلو والصعود، والكيف مجهول,،كيف؟ كيفية الاستواء مجهولة لا يعلمها إلا الله، والإيمان به واجب؛ الإيمان بالاستواء؛ لأنه وصف أخبر به الله عن نفسه، والسؤال عنه يعني: عن الكيفية بدعة، ثم قال للرجل، ولا أراك إلا رجل سوء فأمر به وأُخرج عن مجلسه.

والعلماء تلقوا هذه المقالة مقالة الإمام مالك بالقبول هذا يقال في جميع الصفات، العلو فيقال: العلو معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، علم الله العلم معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وهكذا يقال في جميع الصفات.

فإذًا أهل السنة من قولهم: إن الله خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق فهو سقف المخلوقات، ثم استوى عليه سبحانه وتعالى استواء يليق بجلاله، ولهذا قال كيف شاء كما أخبر عن نفسه في قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه/5] .

ثم قال "له" يعني: لله سبحانه وتعالى: لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى [طه/6] يعني: له ما في السماوات وما في الأرض، يعني ملكا وتصرفا وقدرة ومشيئة.

هو سبحانه يملك ما في السموات والأرض كما قال: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة/120] .

لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [لقمان/26] .

فما في السموات والأرض كله ملك لله: لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ [طه/6].

وفي قوله: ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ الأعراف/54

وفي قـوله سبحانه: يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا [الحديد/4] .

كلها صفات الله: صفة الاستواء، صفة العلم يعني.

يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ [الحديد/4] يعني: يدخل فيها.

وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا [الحديد/4] .

ثم قال: (فسبحان من بعد فلا يرى) من بعد؛ لأنه سبحانه وتعالى ليس مختلط بالمخلوقات، منفصل المخلوقات نهايتها وسقفها عرش الرحمن والله فوق العرش، فمعنى من بعد يعني منفصل عن المخلوقات ليس مختلطًا بها، وإلا فهو قريب سبحانه كما قال سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ   [البقرة/186] .

ولهذا قال: (وقرب بعلمه وقدرته فسمع النجوى) فهو قريب بعلمه ونفوذ قدرته ومشيئته وإجابة دعاء عباده ورحمته بهم وهو فوق العرش سبحانه وتعالى، ولهذا قال فسبحان من بَعُد فلا يرى؛ لأنه احتجب عن الخلق سبحانه وتعالى, (فلا يرى) يعني في الدنيا، وأما في الآخرة فإنه يراه المؤمنون.

(وقرب بعلمه وقدرته فسمع النجوى) النجوى: السر, يسمع السر؛ يعلم السر وأخفى سبحانه وتعالى: لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه/6-7] سبحانه وتعالى.

(المتن)

وقد حدثني ابن مطرف عن سعيد بن عثمان العناقي عن نصر بن مرزوق عن أسد بن موسى، قال حدثنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن أبي رزين قال: «قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السماء والأرض؟ قال: كان في عماء ما تحته هواء، وما فوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء».

قال محمد: العماء السحاب الكثيف المطبق فيما ذكر الخليل.

(الشرح)

هذا الحديث رواه المؤلف رحمه الله بالسند عن أبي رزين، وهو صحابي: «قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السماء والأرض قال كان في عماء».

(والعماء هو السحاب الكثيف المطبق فيما ذكر الخليل) الخليل بن أحمد، وهو إمام من أئمة اللغة، قال بعضهم: هو السحاب الرقيق كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء كان في عماء يعني فوق السحاب من قوله: في العماء, يعني: في السماء, يعني من أعلى السماء كان في عماء يعني فوق العماء، والعماء هو السحاب.

هذا السحاب موصوف ما تحته هواء، وما فوقه هواء ما موصولة بمعنى الذي, فيقول: كان في عماء يعني فوق العماء الذي تحته هواء، والذي فوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء، كان في عماء كان في سحاب، في بمعنى: على، كان فوق العماء، فوق العماء على السماء كان فوق العماء السحاب الذي تحته هواء والذي فوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء.

لكن هذا الحديث ضعيف في إسناده وكيع بن حُدس، ويقال عُدس يقال: حُدس، ويقال عُدُس بالعين بضم الدال وقيل بفتحها أبو مصعب العقيلي الطائفي ضعيف عند أهل العلم، قال الذهبي: لا يُعرف تفرد عنه يعلى بن عطاء، وذكره ابن حبان في الثقات، ذكره البخاري في التاريخ الكبير، قال عنه الحافظ: مقبول، وقال ابن قتيبة في كتابه مختلف الحديث: حديث أبي رزين مختلف فيه، وضعف إسناده الألباني رحمه الله بسبب وكيع بن حُدس.

والحديث أخرجه الترمذي في جامعه قال: حديث حسن، وابن ماجه في السنن، وأحمد في مسنده، وعبد الله بن أحمد في السنة، وابن حبان في صحيحه، والطبري في التفسير والتعليق، وابن أبي عاصم في السنة، والطياليسي في المسند، وأبو الشيخ في العظمة، ومحمد بن أبي شيبة في العرش، والبيهقي في الأسماء والصفات كلهم من طرق عن حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء.

الحديث وإن كان فيه ضعف إلا أن له شواهد، وهي الأدلة الكثيرة التي تدل على أن الله فوق المخلوقات، والحديث فيه أن الله فوق المخلوقات؛ لأن أبا رزين سأل النبي ﷺ قال أين كان ربنا قبل أن يخلق السماء والأرض؟ قال: كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء يعني الذي تحته هواء، والذي فوقه هواء ما موصولة بمعنى الذي كان في عماء يعني فوق العماء، والعماء السحاب يعني فوق المخلوقات, هذا وإن كان وكيع بن حُدس وعُدس فيه ضعف، لكن ضعف يسير محتمل تشهد له الأدلة والنصوص الكثيرة التي فيها أن الله في العلو، وأن الله فوق المخلوقات.

(المتن)

أسد قال وحدثني يوسف بن زياد عن عبد المنعم بن إدريس بن سنان بن بنت وهب بن منبه، قال حدثني أبي عن وهب بن كعب الأحبار أنه وجد فيما أنزل الله على موسى أن الله كان على عرشه على الماء ما شاء الله أن يكون، وقال: الماء على متن الريح في الهواء وذلك قبل أن يخلق السموات والأرض.

(الشرح)

وهذا الحديث موصول بالسند السابق أسد بن موسى يعني الحديث عن المؤلف عن المطرف عن سعيد بن عثمان العناقي عن نصر بن مرزوق عن أسد بن موسى، قال: (حدثني يوسف بن زياد الكوفي عن عبد المنعم بن إدريس بن سنان ابن بنت وهب بن منبه، قال حدثني أبي عن وهب بن كعب الأحبار) فهذا الحديث ضعيف؛ لأنه من رواية كعب الأحبار وهو من الإسرائيليات، أثر إسرائيلي؛ لأن كعب الأحبار هل أدرك موسى؟ (إنه وجد فيما أنزل الله على موسى) بين كعب الأحبار وبين موسى عليه الصلاة والسلام بينه وبينه أزمنة تنقطع دونها أعناق المطي، وأين كعب الأحبار والمسافة اللي بينه وبين موسى عليه الصلاة والسلام.

يقول: (وجد كعب الأحبار فيما أنزل الله على موسى) كم المسافة من الزمان بين موسى وبين كعب الأحبار؟ يعني أثر إسرائيلي ليس من كلام النبي ﷺ وكان الأولى بالمصنف -رحمه الله- ألا يذكر مثل هذا الأثر الإسرائيلي، وينزه كتابه عنه فلا حاجة إليه الأدلة التي فيها إثبات أن الإيمان بالعرش أدلة كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فيها غُنية عن مثل هذا الحديث.

وآفة هذا الأثر هو عبد المنعم بن إدريس عبد المنعم بن إدريس بن سنان اليماني، وهو قصاص مشهور متروك الحديث قال أحمد: كان يكذب على وهب، قال البخاري: ذاهب الحديث، قال ابن حبان: كان يضع الحديث على أبيه, وفيه والده أيضًا وهو إدريس بن السنان الصنعاني ضعفه ابن عدي، قال الدارقطني: متروك، وقال الحافظ ابن حجر: ضعيف, فعلى كل حال هذا الحديث سنده ضعيف، ولو صح السند فهو أثر إسرائيلي من أخبار بني إسرائيل، فلا يعول عليه، ولا يُعتمد عليه وإنما يُطرح.

وكان الأولى بالمؤلف رحمه الله ألا يذكر مثل هذا الأثر الإسرائيلي؛ لأن نصوص الإيمان بالعرش كثيرة، الله تعالى قال: لرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ في سبعة مواضع من كتابه كافية آيات من القرآن وكذلك النصوص الصحيحة فيها غُنية عن هذا الأثر الإسرائيلي.

(المتن)

أسد قال حدثنا عبد الله بن خالد، عن أبي خالد بن عبد الله قال حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَة [الحاقة/17].

 قال هم اليوم أربعة، ويوم القيامة ثمانية صفوف، وهم الكربيون وهو تبارك وتعالى الذي يحملهم ويمسكهم بقدرته ليس هم يحملونه ولكنه عظم بذلك نفسه.

(الشرح)

وهذا الأثر أيضًا كسابقه حكم بعضهم على إسناده بالوضع بأنه موضوع، وفيه علل متتالية، وفي متنه نكارة؛ لأن الحديث فيه أن الله تعالى هو الذي يحملهم، والله تعالى قال: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَة [الحاقة/17] .

 أما كونه سبحانه هو الذي يحملهم ويُمسكهم بقدرته هذا معروف من النصوص، الله تعالى هو الحامل للعرش، ولحملة العرش بقوته وقدرته قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [فاطر/41] .

هذا الحديث في إسناده علل متتالية منها: عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم المدني، قال فيه الحافظ: مستور متكلم فيه، وكذلك أبو خالد بن عبد الله لم تُعرف ترجمته، وفيه أيضًا محمد بن السائب الكلبي أبو النضر الكوفي مفسر المشهور إلا أنه كذاب ليس بثقة ولا مأمون, ورافضي ضال كان يؤمن برجعة علي، وأن علي في السحاب وسوف يرجع، هذا الكلبي محمد بن السائب الكلبي كذبه الثوري، وسليمان التيمي، وابن معين، والجوزاني وحكم عليه بأنه وضاع، ابن الجوزي.

وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن حبان: وكان الكلبي سبئيًا من أصحاب عبد الله بن سبأ، وقال الحافظ: متهم بالكذب ورمي بالرفض, يعني: من الروافض، وروايته عن ابن عباس أيضًا منقطعة.

وفيه أيضًا أبو صالح في سنده أبو صالح أبو صالح اسمه بادان مولى أم هانئ قال فيه الحافظ: ضعيف ومدلس, ورواية أبي صالح عن ابن عباس منقطعة فإنه لم يروه ولم يسمع منه، وعلى هذا فيكون الحديث فيه علل، فيه عبد الله بن خالد، فيه أبو خالد، فيه محمد ابن السائب الكلبي رافضي ضال، وفيه أبو صالح ضعيف، وفيه الانقطاع.

فهو حديث خبر باطل لا يصح ولا حاجة إليه أيضًا، والآية واضحة كافية، والآية: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَة [الحاقة/17] معناها واضح.

وقولهم: (هم اليوم أربعة ويوم القيامة ثمانية صفوف، وهم الكربيون) الآية فيها أنهم ثمانية وليس فيها أنهم صفوف، والعرش أدلته واضحة من النصوص ولا حاجة إلى مثل هذا الأثر.

(المتن)

أسد قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى عن عقبة قال أخبرني محمد بن المنكدر أن رسول الله ﷺ قال: إذًا لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش بين شحمة إذًاه وعاتقه مخفق الطير سبعمائة عام.

(الشرح)

هذا الحديث إسناده مرسل، يعني محمد بن المنكدر ليس صحابيًا، فيكون مرسلًا، إذا سقط الصحابي يكون مرسل ضعيف، وأما متن الحديث فهو صحيح، والحديث اختلفوا فيه على ابن المنكدر، رواه عنه عبد الرحمن بن أبي الزناد كما عند المصنف مرسلًا، وخالفه إبراهيم بن طهمان رواه عنه عن جابر موصولًا مرفوعًا.

والحديث أخرجه ابن طهمان من طريقه أخرجه أبو داود في السنن، وكذلك أيضًا ابن أبي حاتم كما في تفسير الإمام ابن كثير، وقال ابن كثير: هذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات، وأخرجه الطبراني أيضًا في الأوسط، والخطيب في تاريخ بغداد، والبيهقي في الأسماء والصفات، وقال الحافظ ابن حجر إسناده على شرط البخاري.

المقصود أن هذا الحديث متنه صحيح، متن الحديث صحيح؛ لأن الحديث روي موصولًا من غير الطريق المرسلة، لكن هذا السند ضعيف وفيه دليل على عظمة الملائكة وعظمة خلقهم ولاسيما عظمة خلق حملة العرش، والملائكة كلهم خلقهم عظيم، ولكن هذا الحديث فيه ملك من حملة العرش «بين شحمة إذنه وعاتقه مخفق الطير سبعمائة عام»، هذا أمر, يعني: أمر عظيم.

عظمة هذا الملك بين شحمة إذنه وبين عاتقه بين شحمة الأذن وبين الكتف مخفق الطير يعني الطائر يطير فيه سبعمائة عام، سبعمائة عام من شحمة الأذن إلى الكتف ما تكون عظمة خلقه، وهذا مخلوق ضعيف لا يساوي شيء بالنسبة لعظمة الله لا يساوي شيئًا، فهذا من حملة العرش، والعرش سقف المخلوقات، هو أعظم المخلوقات، ولا يقدر قدره إلا الله سبحانه وتعالى.

(المتن)

أسد قال: حدثنا الربيع بن عبد الله البصري قال سمعت الحسن يقول: قال رسول الله ﷺ: مسيرة ما بين هذه الأرض إلى سماء الدنيا خمسمائة عام، ومسيرة ما بين هذه السماء الدنيا إلى السماء الثانية مسيرة خمسمائة عام وكذلك إلى السماء السابعة إلى العرش كما بين سماءين.

(الشرح)

هذا الحديث موصول بالإسناد السابق، قال أسد: (قال حدثني عبد الرحمن)، وكذلك أيضًا اللي قبله موصول بالسند السابق والذي قبله، والسند عن عدي بن مطرف عن سعيد بن عثمان عن ابن مرزوق عن أسد، قال: (حدثنا الربيع بن عبد الله البصري قال سمعت الحسن يقول)، فهذا الحديث حسن إلى الحسن سنده، حسن إلى الحسن بقي الحسن رواية عن النبي ﷺ مرسلة ومراسيل الحسن ضعيفة، فهو ضعيف؛ لأنه مرسل من مراسيل الحسن، ومراسيل الحسن ضعيفة، والحديث له طرق أخرى عن الحسن، عن أبي هريرة مرفوعة بأطول من هذا رواه الترمذي في جامعه، وأحمد في المسند, وابن أبي عاصم في السنة وغيرهم كلهم من طرق عن قتادة عن الحسن.

فالحديث ضعيف ولكن متن الحديث له شواهد في المسافات التي بين الأرض والسماء، وحديث العباس بن عبد المطلب ذكر مثل هذه المقادير والمسافات بين الأرض والسماء بينهما مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء إلى سماء خمسمائة عام، والله تعالى يقول في كتابه: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سنة [المعارج/4].

ذكر المحققون أن: خَمْسِينَ أَلْفَ سنة [المعارج/4] هذا مجموع المسافات التي بين السموات من السماء والأرض خمسمائة، وبين كل سماء خمسمائة وهي سبع سموات وكذا بينها وبين العرش المسافات مجموعها خمسين ألف سنة من العرش إلى الفرش، من العرش إلى الفرش خمسين ألف سنة، وبين كل سماء إلى سماء خمسمائة وبين السماء والأرض خمسمائة، فإذا جمعتم المسافات جاءت خمسين ألف سنة من العرش إلى الفرش، وفي يوم القيامة تزول هذه السموات كلها تزول السموات ولا يبقى المسافة إلا من الأرض إلى العرش خمسين ألف سنة.

وهذا فيه إثبات العرش وأنه فوق المخلوقات وسقفها وأن الله تعالى فوق العرش، وهذا هو وجه دلالة المؤلف رحمه الله باستدلاله بهذا الحديث يستدل على أن العرش فوق المخلوقات سقف المخلوقات، وأن الله تعالى فوق العرش.

(المتن)

باب في الإيمان بالكرسي.

قال محمد: ومن قول أهل السنة أن الكرسي بين يدي العرش، وأنه موضع القدمين‘ وحدثني إسحاق عن أحمد بن خالد عن ابن وضاح عن أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، قال حدثني عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن ليث بن عثمان عن أنس رضي الله تعالى عنه، قال رسول الله ﷺ: آتاني جبريل بالجمعة وهي كالمرقاة البيضاء وذكر الحديث وفيه: أن الرب تبارك اتخذ في الجنة واديا من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة هبط من عليين على كرسيه ثم حف الكرسي بمنابر من ذهب مكللة بالجوهر ثم يجيء النبيون فيجلسون عليها.

(الشرح)

هذا الباب هو الباب الخامس، عقده المؤلف الإيمان بالكرسي، (قال محمد) هو المؤلف عبد الله ابن أبي زمنين, (ومن قول أهل السنة أن الكرسي بين يدي العرش، وأنه موضع القدمين) هذا من عقيدة أهل السنة أن الكرسي هو موضع القدمين للرب وهو بين يدي العرش كمرقاة، كالمرقاة إليه موضع القدمين هو كالمرقاة إليه صح هذا موقوفًا على ابن عباس رضي الله عنهما.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله هذا الحديث، الحديث متنه صحيح، ولكن إسناده ضعيف, ضعيف جدًا؛ لأن في الإسناد عثمان وهو ابن عمير ويقال ابن حميد، ويقال ابن قيس ويقال ابن أبي مسلم البجلي أبو اليقظان الكوفي الأعمى ضعفه الإمام أحمد، ومحمد بن عمير، وقال البخاري وأبو حاتم والجوزاني: منكر الحديث، قال ابن معين: ليس حديثه بشيء، قال الدارقطني: متروك، وكان شعبة لا يرضاه، وفي سند الحديث أيضًا ليث بن أبي سليم صدوق اختلط جدًا ولم يتميز حديثه فتُرك، قاله الحافظ في التقريب، وفي سنده أيضًا عبد الرحمن بن محمد المحاربي كان يدلس تابع إسناده كان يدلس.

والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عبد الرحمن المحاربي، عن ليث عن عثمان به إلا أن عبد الرحمن المحاربي لم ينفرد بالرواية عن ليث بل تابعه عليه جماعة، منهم جرير بن عبد الحميد الضبي ثقة عن عثمان به، ومنهم شعبة بن حجاج وإسرائيل ويبقى كلهم عن عثمان به.

وكذلك تابع محمد بن إسحاق المطلبي عنه به، وإبراهيم بن طهمان وهو ثقة عنه به وعمار بن محمد بن أخت سفيان الثوري عنه به، خمسة كلهم تابعوا عبد الرحمن المحاربي، وكذلك ليث بن سليم، وإن كان ضعيفًا إلا أنه لم ينفرد بل تبعه جماعة منهم عاصم عن عثمان، ومنهم عنبسة بن سعيد الرازي قائد الري ثقة، ومنهم زياد بن أبي خيثمة كل هؤلاء تابعوه، وكذلك لم ينفرد عثمان بن عمير بالحديث عن أنس، واتبعوا عليه جماعة منهم قتادة بن دعامة السدوسي، وعبيد الله بن عمير عن أنس مرفوعًا, وعمر مولى,, عن أنس مرفوعًا. كل هؤلاء.

وفي حديث أنس عن النبي ﷺ قال: أتاني جبريل كهيئة المرآة البيضاء فيها نكتة سوداء وكذلك أيضًا تابعه علي بن الحكم البناني عن أنس، وعبد الله بن بريدة عن أنس مرفوعًا، وكذلك يزيد الرقاشي عن أنس، ستة وبهذا يتبين أن الحديث متنه صحيح وثابت، وإن كان السند ضعيفا، وهو دليل على إثبات الكرسي لله وبأن الله تعالى اتخذ الجنة واديا من المسك الأبيض وأن الكرسي يُحف بمنابر من ذهب يفاجأ النبيون ويجلسون عليها.

(المتن)

وحدثني أبي علي بن الحسن، عن أبي داود عن يحيى بن سلام، قال حدثني المعلى بن هلال، عن عمار الدهني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إن الكرسي الذي وسع السموات والأرض، موضع القدمين، ولا يعلم قدر العرش إلا الذي خلقه.

(الشرح)

هذا الأثر عن ابن عباس فيه أن الكرسي موضع القدمين، وهذا ثابت عن ابن عباس موقوف صحيح, إلا أن السند هذا ضعيف، وقال بعضهم: بل حُكم عليه بالوضع، قالوا بأنه موضوع؛ لأن في إسناده المعلى بن عثمان الكوفي الطحان، قال الحافظ الذهبي: كذاب وضاع باتفاق، وقال الحافظ ابن حجر: اتفق النقاد على تكذيبه، واُختلف فيه على عمار الدهني، فرواه المعلى بن هلال عن سعيد بن جبير موقوفًا على ابن عباس بإسقاط مسلم البطين، وخالفه جماعة منهم سفيان الثوري فرواه عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير وأبو عاصم الضحاك، وله عن سفيان طرق، أبو عاصم الضحاك وأبو مسلم الكجي، ومحمد بن معاذ، والحديث متنه صحيح وهو ثابت عن ابن عباس أن الكرسي موضع القدمين والعرش لا يعلم قدره إلا الله، فالسند ضعيف ولكن المتن ثابت، هو ثابت ومشهور عن ابن عباس أن الكرسي موضع القدمين.

(المتن)

وحدثني أحمد بن مطرف عن العناقي، عن نصر بن مرزوق، عن أسد عن يوسف بن زياد، عن عبد المنعم بن إدريس، عن أبيه وعن وهب بن منبه عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي قال: تحت هذه السماء بحر ما يطفح فيه الدواب مثل ما في بحركم هذا، ومن ذلك البحر أغرق الله قوم نوح، وهو ماء أسكنه الله في موضعه للعذاب وسيُنزله قبل يوم القيامة، ويُغرق به من يشاء، فالسموات والأرض والدنيا والآخرة، والجنة والنار في جوف الكرسي، والكرسي نور يتلألأ.

(الشرح)

هذا الحديث إسناده ضعيف جدًا، واهٍ بالمرة، وفي إسناده عبد المنعم بن إدريس بن سنان عن الصنعاني، قال الإمام أحمد بن حنبل: كان يكذب على وهب بن منبه، قال البخاري: ذاهب الحديث، قال ابن حبان: يضع الحديث على أبيه وعلى غيره من الثقات، وفيه أيضًا في غسناده والده وهو إدريس بن سنان الصنعاني قال الدارقطني: متروك، قال ابن حبان: يُتقى حديثه، في رواية ابن عبد المنعم.

فالحديث ضعيف جدًا ومتنه فيه نكارة، وقوله: (تحت هذه السماء بحر ما يطفح فيه الدواب مثل ما في بحركم هذا، ومن ذلك البحر أغرق الله قوم نوح، وهو ماء أسكنه الله في موضعه للعذاب وسينزله قبل يوم القيامة، ويغرق به من يشاء)  كل هذا من منكرًا، يخالف النصوص، كون بين السماء والأرض بحر تطفح فيه الدواب هذا منكر محتاجين إلى الدليل يدل عليه.

وكذلك قوله: (ومن ذلك البحر أغرق الله قوم نوح) هذا أيضًا يخالف النصوص، أغرق الله قوم نوح بماء السماء وماء الأرض، فانشقت السماء عن المياه وانفجرت الأرض عيون حتى فار التنور، وهو موضع الخبز الذي هو أبعد شيء عن الماء، ففار التنور والتقى ماء السماء وماء الأرض فالتقى الماء على أمر قد قُدر، كما قال الله، هذا ما يدل عليه القرآن، أغرق الله قوم نوح بالماء، والماء من السماء ومن الأرض، أما هذا الحديث أن الله أغرق قوم نوح من بحر تحت السماء، تطفح فيه الدواب.

وأيضًا فيه (أنه سينزله قبل يوم القيامة، ويغرق به من يشاء) هذا كله متن منكر، وكان الأولى بالمصنف أن ينزه كتابه عن مثل هذا الحديث، والكرسي ثابت عن ابن عباس، بسند صحيح أن الكرسي هو موضع قدميه وقوله: (إن السموات والأرضين والآخرة في جوف الكرسي) معلوم أن الكرسي من الأفلاك التي هي فوق السموات السبع، وأن الأرض مثبتة في وسط كرة السماء، وكذلك السماء الدنيا مثبتة في وسط كرة السماء الثانية حتى العرش.

والعرش ليس مستديرًا من جميع الجهات، بل ثبت أن له قوائم كما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال: إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من أفيق فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جُزي بصعقة يوم الصور يقول آخذ بقائمة من قوائم العرش، ثبت أن له قوائم، وأما أهل الكلام فإنهم يرون أن العرش مثبت وأنه مستدير من جميع الجهات، ولكن هذا يخالف النصوص الصحيحة، أن العرش له قوائم.

(المتن)

أسد بن موسى قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم عن زر، أن عبد الله بن مسعود قال: ما بين سماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش فوق الماء والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه.

(الشرح)

هذا الحديث إسناده ضعيف فيه ضعف، ولكن له شواهد، وهو يشهد للحديث السابق الذي مر وهو أثر الحسن: «مسيرة ما بين هذه الأرض إلى هذه السماء الدنيا خمسمائة عام، ومسيرة ما بين هذه السماء إلى السماء الدنيا خمسمائة عام، وكذلك السماء السابعة إلى العرش» كل واحد من الأثرين يشهد للآخر في بيان المسافات بين السماء والأرض وبين السموات وبين السماء والأرض خمسمائة عام.

هذا الحديث موقوف على ابن مسعود، وإن كان فيه ضعف إلا أنه ضعف يسير بإسناد عاصم وهو ابن أبي النجود، وهو قارئ صاحب القراءات المعروف، وجيد في القراءة ولكن ضعيف في الحديث، فيه ضعف عاصم بن أبي النجود، قراءة حفص عن عاصم القارئ المعروف، هو جيد في القراءات ثقة في القراءة ولكنه ضعيف في الحديث.

لكن هذا الضعف يُحتمل والحديث له شواهد، ومن شواهده الحديث السابق أثر الحسن كل واحد منهما يشهد للآخر، في بيان المسافات، وأما كون العرش فوق الماء، والله فوق العرش، هذه أدلته كثيرة لا حصر لها من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.

وفيه دليل على أن العرش سقف المخلوقات، وليس في هذا الحديث بيان للكرسي، والباب إنما هو في إثبات الكرسي، هذا الحديث ذكره المؤلف في بيان العلو، وأن العرش إذا كان فوق المخلوقات فالكرسي تحته بمنزلة المرقاة بين يديه فهو في العلو، فإذا ثبت العرش ثبت الكرسي؛ لأن الكرسي هو موضع القدمين لله , ومن هذا يتبين أن هذا الحديث وإن كان فيه ضعف يسير إلا أن له شواهد وأدلة في بيان أن العرش سقف المخلوقات، وكذلك يشهد له الحديث السابق في بيان المسافات بين السموات بين كل سماء وسماء وبين الأرض والسماء وأن بينهم خمسمائة عام.

(المتن)

باب الإيمان بالحجب.

قال محمد: ومن قول أهل السنة: أن الله بائنٌ من خلقه محتجب عنهم بالحجب فتعالى الله عما يقول الظالمين: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا [الكهف/5].

(الشرح)

هذا الباب هو الباب السادس الإيمان بالحجب، والحجب وهو جمع حجاب، والمراد بها التي جعلها الله حجابًا بينها وبين خلقه، (قال محمد) هو المؤلف محمد بن أبي زمنين, (من قول أهل السنة أن الله بائن من خلقه محتجب عنهم بالحجب) هذا قول أهل السنة خلاف قول الجهمية القائلين: بأن الله مختلط بالمخلوقات، هذا كفر وضلال الجهمية يقولون إن الله غير محتجب بل هو مختلط بالمخلوقات، وهذا كفر وضلال، وأهل السنة يقولون الله بائنٌ من خلقه منفصل؛ لأن المخلوقات نهايتها وسقفها عرش الرحمن والله تعالى فوق العرش، بعد أن تنتهي المخلوقات فهو بائنٌ من خلقه وهو محتجب عنهم بالحجب.

قال: (فتعالى الله عما يقولون، عما يقول الظالمون) من هم الظالمون؟ الذين يقولون: إن الرب اختلط بالظالمين، هؤلاء ظالمون؛ لأنهم كفروا وأشركوا، والشرك أعظم الظلم: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان/13].

وظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي تعالى الله عما يقولون: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا [الكهف/5] ما هذه الكلمة؟ قولهم: إن الله مختلط بالمخلوقات.

(المتن)

وحدثني أحمد بن مطرف، عن العناقي عن نصر عن أسد قال: حدثني الحسن بن بلال، عن حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن زرارة بن أوفى أن رسول الله ﷺ قال: قلت لجبريل: هل رأيت ربك؟ قال: يا محمد، إن بيني وبينه سبعين حجابًا من نور، ولو دنوت إلى واحد منها لاحترقت .

(الشرح)

هذا الحديث مرسل؛ لأنه من رواية زرارة بن أوفى وهو ثقة عابد، فالسند ضعيف من جهة الإرسال؛ لأنه مرسل والمرسل ضعيف؛ لأنه سقط منه الصحابي فيكون ضعيف من جهة الإرسال، فيكون روايته عن النبي ﷺ مرسلة، وهو مروي عند ابن أبي حاتم والدارمي في الرد على الجهمية، وكذا في الرد على بشر المريسي كلهم من طريق بشر بن حماد بن سلمة عن ابن عمران، فهو مرسل.

وفيه أن النبي ﷺ قال: قلت لجبريل: هل رأيت ربك؟ قال: يا محمد، إن بيني وبينه سبعين حجابا من نور، ولو دنوت على واحد منها لاحترقت هذا الأثر ضعيف لا يُعتمد عليه لكن الحُجب ثابتة، قال الله تعالى في كتابه العظيم وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ [الشورى/51].

وقال الدارمي رحمه الله في الرد على الجهمية بعد أن ذكر الأدلة على الحجب: مَن يقدر قدر هذه الحجب، التي احتجب الجبار بها؟ ومن يعلم كيف هي غير الذي أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا؟.

ففي هذا أيضًا دليل على أنه بائنٌ من خلقه، محتجب عنهم لا يستطيع جبريل مع قربه إليه الدنو من تلك الحجب، وليس كما يقول هؤلاء الزائغة إنه معهم في كل مكان، الزائغة الجهمية الذي يقولون يكون مع المخلوقات في كل مكان، ولو كان كذلك ما كان للحجب هناك معنى؛ لأن هذا الذي في كل مكان لا يحتجب بشيء، فكيف يحتجب من هو خارج الحجاب، كما هو من ورائه؟!

فليس لقول الله عز وجل: مِن وَرَاءِ حِجَابٍ عند القول مصداق والآثار التي جاءت عن رسول الله ﷺ في نزول الرب تبارك وتعالى تدل على أن الله عز وجل فوق السموات على عرشه بائنٌ من خلقه، هذا كلام الدارمي رحمه الله.

(المتن)

وحدثنا أبو غسان محمد بن مطرف عن أبي حازم عن عبيد الله بن مِقسَم أنه ذكر: أن دون العرش سبعين ألف حجاب، حجب من ظلمة لا ينفذها شيء، وحجب من نور لا ينفذها شيء، وحجب من ماء لا يسمع حسيس ذلك الماء شيء إلا خلع قلبه إلا من ربط الله على قلبه .

(الشرح)

وهذا الأثر مقطوع على عبيد الله بن مِقسم؛ لأن كلام التابعي أو تابعي التابعي يكون مقطوع، فهو مقطوع، وذكر (أن دون العرش سبعين ألف حجاب، وأن حجب من ظلمة لا ينفذها شيء، وحجب من نور لا ينفذها شيء، وحجب من ماء لا يسمع حسيس ذلك الماء شيء إلا خلع قلبه إلا من ربط الله على قلبه ) هذا الأثر أخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد، من طريق بحر بن نصر الخولاني، عن أسد به نحوه فهو ضعيف؛ لأنه مقطوع، ليس من كلام الصحابة ولا من كلام النبي ﷺ، فلا تثبت هذه الحجب وأنها سبعين ألف حجاب وأنها حجب من ظلمة وحجب من نور.

لكن احتجاب الله من خلقه هذا ثابت بنص القرآن: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ [الشورى/51].

والحجب ثابتة أصل الحجب وكون هذه الحجب سبعين ألف وكونها من ظلمة وكونها من نور هذا جاء في هذا الأثر المقطوع، ولا يعتمد عليه.

(المتن)

أسد قال حدثني وكيع بن الجراح، عن سفيان الثوري عن عبيد المكتب، عن مجاهد عن ابن عمر قال: احتجب الله من خلقه من أربع: نار وظلمة ونور وظلمة.

(الشرح)

وهذا الأثر عن مجاهد صحيح، ولكنه موقوف على ابن عمر، عن مجاهد عن ابن عمر من كلام الصحابي فهو صحيح موقوف على الصحابي كلام الصحابي موقوف، فإذا كان التابعي يكون مقطوع، فهذا موقوف؛ لأنه من كلام ابن عمر وفيه: (احتجب الله عن خلقه من أربع نار وظلمة ونور وظلمة) وهذا صحيح إلى ابن عمر موقوف صحيح على ابن عمر، لكنه ليس من كلام النبي ﷺ.

أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية والرد على بشر المريسي واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد أهل السنة وأبو الشيخ في العظمة كلهم من طرق عن سفيان الثوري، عن عبيد المكتب به.

وقد يقال: إن مثل هذا لا يقال من جهة الرأي فله حكم الرفع، إذا قال الصحابي قولًا لا مجال للرأي فيه ولم يكن هذا الصحابي لم يكن هذا الصحابي يأخذ عن بني إسرائيل فله حكم الرفع، وخصوصًا هذا صحيح موقوف، فأصل الحجب ثابت لكن هذا الأثر صحيح موقوف على ابن عمر وفيه (أن الله احتجب عن خلقه من أربع نار وظلمة ونور وظلمة) ومثل هذا لا يقال بالرأي، فله حكم الرفع.

(المتن)

أسد قال: وحدثنا هشيم بن بشير، قال: أخبرنا يونس بن عبيد، عن مجاهد قال: بين الملائكة وبين العرش سبعون حجابًا من نار وسبعون حجابًا من ظلمة، حجابٌ من نور وحجابٌ من ظلمة.

(الشرح)

وهذا الأثر مقطوع من قول مجاهد وهو صحيح، وله طرق عن مجاهد، أخرجه ابن خزيمة في التوحيد، والبيهقي في الأسماء والصفات، وأبو الشيخ في العظمة، من طريق هشيم بن بشير عن ابن بشر، جعفر بن أبي وحشي عن مجاهد، وأخرجه أبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات, وأخرجه أبو الشيخ أيضًا في العظمة من طريق بشر بن عبادة، وقال الذهبي في العلو: هذا ثابت عن مجاهد إمام التفسير.

المقصود أن هذا صحيح عن مجاهد، فمجاهد يأخذ عن ابن عباس، معروف أن مجاهد يأخذ عن ابن عباس وابن عباس يأخذ عن بني إسرائيل فيحتمل أن هذا مما أخذه ابن عباس ورواه مجاهد عن ابن عباس وأخذه عن بني إسرائيل، ويحتمل أنه له حكم الرفع، ولكن أصل الحجب كما سبق معروف، ولكن الجزم (بأن بين الملائكة وبين العرش سبعون حجابًا من نار وسبعون حجابًا من ظلمة، حجاب من نور وحجاب من ظلمة) هذا جاء عن مجاهد ومجاهد يروي عن ابن عباس, وابن عباس يأخذ عن بني إسرائيل, يحتمل أنه مأخوذ عن بني إسرائيل.

(المتن)

أسد قال: وقال وهب بن منبه في حديثه: بين حملة الكرسي وبين حملة العرش سبعون حجابًا من ظلمة، وسبعون حجابًا من البرد، وسبعون حجابًا من الثلج وسبعون حجابًا من النور، بين كل حجاب منها مسيرة خمسمائة عام، ولولا تلك الحجب لاحترقت ملائكة الكرسي، من نور ملائكة العرش، فكيف بنور الرب الذي لا يوصف عن وجهه.

(الشرح)

هذا الأثر أخرجه أبو الشيخ في العظمة من طريق إدريس بن سنان، عن أبيه عن جده عن وهب بن منبه، ووهب بن منبه يأخذ من بني إسرائيل، هذا أثر إسرائيلي من الآثار الإسرائيلية, (بين حملة العرش سبعون حجابًا من ظلمة، وسبعون حجابًا من البرد، وسبعون حجابًا من الثلج وسبعون حجابًا من النور، مسيرة كل حجاب منها مسيرة خمسمائة عام، ولولا تلك الحجب لاحترقت ملائكة الكرسي، من نور) هذا أثر إسرائيلي من رواية وهب بن منبه ولا يعتمد عليه، لكن أصل الحجب كما سبق ثابتة ويكفي قول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ [الشورى/51].

لكن هذا أثر إسرائيلي كان الأولى بالمؤلف ألا يذكر مثل هذا الأثر الإسرائيلي ويكتفي بالآثار الصحيحة ولو كانت موقوفة ولكن هذا عن وهب بن منبه, ووهب بن منبه يأخذ عن بني إسرائيل ويروي عن بني إسرائيل، فيعتبر أثر إسرائيلي فلا يعول عليه.

وفق الله الجميع لطاعته، وثبت الله الجميع، وصلى على محمد وآله وصحبه وسلم.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد