بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:
[اللَّه فِي عون الْعَبْد مَا كَانَ الْعَبْد فِي عون أخيه]
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ نَفَّسَ) لَفْظُ مُسْلِمٍ «مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» هَذَا لَيْسَ فِي مُسْلِمٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ غَيْرُهُ «وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) .
الْحَدِيثُ فِيهِ مَسَائِلُ:
الْأُولَى: فَضِيلَةُ مَنْ فَرَّجَ عَنْ الْمُسْلِمِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا وَتَفْرِيجُهَا إمَّا بِإِعْطَائِهِ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَتْ كُرْبَتُهُ مِنْ حَاجَةٍ أَوْ بَذْلِ جَاهِهِ فِي طَلَبِهِ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ قَرْضِهِ، وَإِنْ كَانَتْ كُرْبَتُهُ مِنْ ظُلْمِ ظَالِمٍ لَهُ فَرَّجَهَا بِالسَّعْيِ فِي رَفْعِهَا عَنْهُ أَوْ تَخْفِيفِهَا وَإِنْ كَانَتْ كُرْبَةَ مَرَضٍ أَصَابَهُ أَعَانَهُ عَلَى الدَّوَاءِ إنْ كَانَ لَدَيْهِ أَوْ طَبِيبٍ يَنْفَعُهُ، وَبِالْجُمْلَةِ تَفْرِيجُ الْكُرَبِ بَابٌ وَاسِعٌ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ إزَالَةَ كُلِّ مَا يَنْزِلُ بِالْعَبْدِ أَوْ تَخْفِيفَهُ.
الثَّانِيَةُ: التَّيْسِيرُ عَلَى الْمُعْسِرِ هُوَ أَيْضًا مِنْ تَفْرِيجِ الْكُرَبِ وَإِنَّمَا خَصَّهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَهُوَ إنْظَارُهُ لِغَرِيمِهِ فِي الدَّيْنِ أَوْ إبْرَاؤُهُ لَهُ مِنْهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ يُيَسِّرُ لَهُ عَلَيْهِ أُمُورَهُ وَيُسَهِّلُهَا لَهُ لِتَسْهِيلِهِ لِأَخِيهِ فِيمَا عِنْدَهُ لَهُ. وَالتَّيْسِيرُ لِأُمُورِ الْآخِرَةِ بِأَنْ يُهَوِّنَ عَلَيْهِ الْمَشَاقَّ فِيهَا وَيُرَجِّحَ وَزْنَ الْحَسَنَاتِ وَيُلْقِيَ فِي قُلُوبِ مَنْ لَهُمْ عِنْدَهُ حَقٌّ يَجِبُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ فِي الْآخِرَةِ الْمُسَامَحَةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ عَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ عُسِّرَ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَى مَنْ عَسَّرَ عَلَى مُوسِرٍ؛ لِأَنَّ مَطْلَهُ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ.
وَالثَّالِثَةُ: مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا اطَّلَعَ مِنْهُ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي إظْهَارُهُ مِنْ الزَّلَّاتِ وَالْعَثَرَاتِ فَإِنَّهُ مَأْجُورٌ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ سَتْرِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَيَسْتُرُهُ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ لَا يَأْتِيَ زَلَّةً يَكْرَهُ اطِّلَاعَ غَيْرِهِ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَتَاهَا لَمْ يُطْلِعْ اللَّهُ عَلَيْهَا أَحَدًا، وَسَتَرَهُ فِي الْآخِرَةِ بِالْمَغْفِرَةِ لِذُنُوبِهِ وَعَدَمِ إظْهَارِ قَبَائِحِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(الشرح)
وَهَذَا إا كَانَ من ذوي الهيئات وذوي المروءات الَّذِي لَيْسَ له عادة, أَمَّا الشخص الَّذِي يظهر القبائح ويظهر الشر ومعروف عنه الشر هَذَا ينبغي أن يرفع إِلَى ولاة الأمور ويقام عَلَيْهِ الحد؛ لِأَنَّ هَذَا يظهر الشر ويظهر الفساد, هَذَا ما ينبغي أن يستر عَلَيْهِ, بَلْ ينبغي أن يقام عَلَيْهِ الحد ويؤدي, لكن اللي يستر عَلَيْهِ صاحب الزلة والهفوة معروف مستور الحال ما يعرف عنه إِلَّا الخير, ولكن زلت بِهِ القدم, هَذَا الَّذِي يستر, أَمَّا المعروف بالفواحش وأذية النَّاس وإظهار الشر وكثرة فعل الشر هَذَا لَيْسَ محل الاستثناء.
(المتن)
وَقَدْ «حَثَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّتْرِ لِلْمُسْلِمِ فَقَالَ: فِي حَقِّ مَاعِزٍ هَلَّا سَتَرْت عَلَيْهِ بِرِدَائِك يَا هُزَالُ» وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: وَهَذَا السَّتْرُ مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ فَلَوْ رَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ كَانَ جَائِزًا لَهُ وَلَا يَأْثَمُ بِهِ.
قُلْت: وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَلُمْ هُزَالًا وَلَا أَبَانَ لَهُ أَنَّهُ آثِمٌ بَلْ حَرَّضَهُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ سَتْرُهُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَابَ وَأَقْلَعَ حَرُمَ عَلَيْهِ ذِكْرُ مَا وَقَعَ مِنْهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ سَتْرُهُ وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُعْرَفُ بِالْفَسَادِ وَالتَّمَادِي فِي الطُّغْيَانِ، وَأَمَّا مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ السَّتْرُ عَلَيْهِ بَلْ يُرْفَعُ أَمْرُهُ إلَى مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْ ذَلِكَ مَفْسَدَةً، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ عَلَيْهِ يُغْرِيهِ عَلَى الْفَسَادِ وَيُجَرِّئُهُ عَلَى أَذِيَّةِ الْعِبَادِ وَيُجَرِّئُ غَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْعِنَادِ وَهَذَا بَعْدَ انْقِضَاءِ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ فَأَمَّا إذَا رَآهُ، وَهُوَ فِيهَا فَالْوَاجِبُ الْمُبَادَرَةُ لِإِنْكَارِهَا وَالْمَنْعُ مِنْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ لَا يَحِلُّ تَرْكُهُ مَعَ الْإِمْكَانِ وَأَمَّا إذَا رَآهُ يَسْرِقُ مَالَ زَيْدٍ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إخْبَارُ زَيْدٍ بِذَلِكَ أَوْ سَتْرُ السَّارِقِ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إخْبَارُ زَيْدٍ وَإِلَّا كَانَ مُعِينًا لِلسَّارِقِ بِالْكَتْمِ مِنْهُ عَلَى الْإِثْمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة/2].
وَأَمَّا جَرْحُ الشُّهُودِ وَالرُّوَاةِ وَالْأُمَنَاءِ عَلَى الْأَوْقَافِ وَالصَّدَقَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ نَصِيحَةِ الْمُسْلِمِينَ الْوَاجِبَةِ عَلَى كُلِّ مَنْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ مِنْ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ بَلْ مِنْ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ (الرَّابِعَةُ) الْإِخْبَارُ بِأَنَّ «اللَّهَ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَتَوَلَّى إعَانَةَ مَنْ أَعَانَ أَخَاهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَتَوَلَّى عَوْنَهُ فِي حَاجَةِ الْعَبْدِ الَّتِي يَسْعَى فِيهَا، وَفِي حَوَائِجِ نَفْسِهِ فَيَنَالُ مِنْ عَوْنِ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَنَالُهُ بِغَيْرِ إعَانَتِهِ، وَإِنْ كَانَ تَعَالَى هُوَ الْمُعِينُ لِعَبْدِهِ فِي كُلِّ أُمُورِهِ لَكِنْ إذَا كَانَ فِي عَوْنِ أَخِيهِ زَادَتْ إعَانَةُ اللَّهِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِقَضَاءِ حَوَائِجِ أَخِيهِ فَيُقَدِّمُهَا عَلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ لِيَنَالَ مِنْ اللَّهِ كَمَالَ الْإِعَانَةِ فِي حَاجَاتِهِ وَهَذِهِ الْجُمَلُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يُجَازِي الْعَبْدَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِهِ فَمَنْ سَتَرَ سُتِرَ عَلَيْهِ وَمَنْ يَسَّرَ يُسِّرَ عَلَيْهِ وَمَنْ أَعَانَ أُعِينَ.
ثُمَّ إنَّهُ تَعَالَى بِفَضْلِهِ وَكَرْمِهِ جَعَلَ الْجَزَاءَ فِي الدَّارَيْنِ فِي حَقِّ الْمُيَسِّرِ عَلَى الْمُعْسِرِ وَالسَّاتِرِ لِلْمُسْلِمِ وَجَعَلَ تَفْرِيجَ الْكُرْبَةِ يُجَازَى بِهِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ لِعَظَائِمِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَخَّرَ عَزَّ وَجَلَّ جَزَاءَ تَفْرِيجِ الْكُرْبَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرِّجَ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا لَكِنَّهُ طُوِيَ فِي الْحَدِيثِ وَذُكِرَ مَا هُوَ أَهَمُّ.
(وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْخَيْرِ يُؤْجَرُ بِهَا الدَّالُّ عَلَيْهِ كَأَجْرِ فَاعِلِ الْخَيْرِ، وَهُوَ مِثْلُ حَدِيثِ «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فِي الْإِسْلَامِ كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا» وَالدَّلَالَةُ تَكُونُ بِالْإِشَارَةِ عَلَى الْغَيْرِ بِفِعْلِ الْخَيْرِ، وَعَلَى إرْشَادِ مُلْتَمِسِ الْخَيْرِ عَلَى أَنَّهُ يَطْلُبُهُ مِنْ فُلَانٍ وَالْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ وَتَأْلِيفِ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ. وَلَفْظُ خَيْرٍ يَشْمَلُ الدَّلَالَةَ عَلَى خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلِلَّهِ دَرُّ الْكَلَامِ النَّبَوِيِّ مَا أَشْمَلَ مَعَانِيَهُ وَأَوْضَحَ مَبَانِيَهُ وَدَلَالَتَهُ عَلَى خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[المكافأة عَلَى الْمَعْرُوف]
(وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اسْتَعَاذَكُمْ بِاَللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاَللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ أَتَى إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ» أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ) وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَفِيهِ زِيَادَةُ «وَمَنْ اسْتَجَارَ بِاَللَّهِ فَأَجِيرُوهُ وَمَنْ أَتَى إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ مُكَافَأَتِهِ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ شَكَرْتُمْ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الشَّاكِرِينَ» وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ «مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ فَإِنَّ مَنْ أَثْنَى فَقَدْ شَكَرَ، وَمَنْ كَتَمَ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ تَحَلَّى بِبَاطِلٍ فَهُوَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ عَنْ أَيِّ أَمْرٍ طُلِبَ مِنْهُ غَيْرِ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعَاذُ وَيَتْرُكُ مَا طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يَفْعَلَ، وَأَنَّهُ يَجِبُ إعْطَاءُ مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَرَدَ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ بِاَللَّهِ إلَّا الْجَنَّةُ فَمَنْ سَأَلَ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَجَبَ إعْطَاؤُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْ إعْطَائِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا شَيْخَهُ - وَهُوَ ثِقَةٌ عَلَى كَلَامٍ فِيهِ - مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ. وَمَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ ثُمَّ مَنَعَ سَائِلَهُ مَا لَمْ يُسْأَلْ هُجْرًا» بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَيْ أَمْرًا قَبِيحًا لَا يَلِيقُ وَيَحْتَمِلُ مَا لَمْ يَسْأَلْ سُؤَالًا قَبِيحًا أَيْ بِكَلَامٍ يَقْبُحُ وَلَكِنَّ الْعُلَمَاءَ حَمَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمُضْطَرُّ، وَيَكُونُ ذِكْرُهُ هُنَا أَنَّ مَنْعَهُ مَعَ سُؤَالِهِ بِاَللَّهِ أَقْبَحُ وَأَفْظَعُ.
(الشرح)
إِذَا كَانَ مضطر ثُمَّ سأل وعنده مال ولا يعطيه يكون أشد.
(المتن)
وَيُحْمَلُ لَعْنُ السَّائِلِ عَلَى مَا إذَا أَلَحَّ فِي الْمَسْأَلَةِ حَتَّى أَضْجَرَ الْمَسْئُولَ وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى وُجُوبِ الْمُكَافَأَةِ لِلْمُحْسِنِ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ فَإِنَّهُ يُكَافِئُهُ بِالدُّعَاءِ وَأَجْزَأَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ طَابَتْ نَفْسُهُ أَوْ لَمْ تَطِبْ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ.
فَإِن قِيلَ: إِذَا مشى في كشف الكرب عَنْ أخيه وَلَمْ يستطيع؟ يفعل ما يستطيع {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن/16].