شعار الموقع

أصول السنة لابن أبي زمنين (6) من قوله: "باب في الإيمان بالنزول" - إلى قوله: "وأما الكافرون فيحتجب عنهم"

00:00
00:00
تحميل
155



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(المتن)

قال رحمه الله تعالى: باب في الإيمان بالنزول.

قال محمد: ومن قول أهل السنة: إن الله   ينزل إلى السماء الدنيا، ويؤمنون بذلك من غير أن يحدوا فيه حدًا، وحدثني سعيد بن فحلون، عن العكي، عن ابن بكير، قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إِلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له».

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد الله رب العالمين وصل اللهم وبارك على نبيينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فهذا الباب السابع من أبواب الكتاب وهو "الإيمان بالنزول"، والنزول صفة من صفات الله تعالى كسائر صفاته لا يماثل فيها أحدًا من خلقه، نؤمن بها ولا نكيفها، والنزول من الصفات المتواترة التي ثبتت في الأحاديث المتواترة وهو حديث أبي هريرة: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إِلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فهذا من الأحاديث المتواترة، التي رواها أصحاب السنن وأصحاب الصحاح والسنن والمسانيد والجوامع، فهو من الأحاديث المتواترة.

والأحاديث المتواترة تفيد العلم، والنزول صفة من الصفات الفعلية، التي يفعلها سبحانه كيف يشاء، ولا تنافي صفة العلو، الله تعالى له العلو المطلق بأنواعه الثلاثة، علو الذات ذاته علية عن المخلوقات، وعلو القدر والشأن والعظمة، وعلو القهر والسلطان، فهو عليٌ بذاته فوق المخلوقات سبحانه وتعالى.

والعلو من الصفات الذاتية التي لا تنفك عن الباري فلا يكون سبحانه وتعالى قط إلا عاليًا، وأما النزول فهو من الصفات الفعلية فهو فعلٌ يفعله سبحانه كما يشاء، وأهل السنة يؤمنون بنزول الله سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، والأحاديث والنصوص في هذا كثيرة كما بينها أهل العلم ونقلوها، من ذلك الإمام الدارمي رحمه الله في رده على الجهمية ذكر جملة من الأدلة الدالة على نزول الرب جل جلاله.

ثم قال: فهذه الأحاديث جاءت كلها وأكثر منها في نزول الرب تبارك وتعالى في هذه المواطن, وعلى تصديقها والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا لا يُنكرها منهم أحد، ولا يمتنع من روايتها حتى ظهرت هذه العصابة يعني المبتدعة فعارضت آثار رسول الله ﷺ برد وتشمروا لدفعها بجد، فقالوا: كيف نزوله هذا؟ قلنا: لم نكلف معرفة كيفية نزوله في ديننا ولا تعقله قلوبنا وليس كمثله شيء من خلقه، فنشبه منه فعلًا أو صفة بفعالهم وصفاتهم.

ثم قال الإمام الدارمي رحمه الله وليس قول رسول الله ﷺ في نزوله بأعجب من قول الله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ [البقرة/210] .

وقوله سبحانه: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر/22] .

فكما يقدر على ذلك يقدر على ذاك، يعني أن الله سبحانه وتعالى يقدر أن يأتي في ظلل من الإمام ويقدر أنم يجيء، كذلك يستطيع أن ينزل كما شاء.

ثم قال رحمه الله: فهذا الناطق في قول الله وذاك المحفوظ في قول رسول الله ﷺ بأخبار ليس عليها غبار فإن كنتم من عباد الله المؤمنين لزمكم الإيمان بها، كما آمن بها المؤمنون، وإلا فصرحوا بما تضمرون ودعوا هذه الغلطات التي تلوون بها ألسنتكم, فلئن كان أهل الجهل في شك من أمركم، إن أهل العلم من أمركم لعلى يقين.

وقال الإمام أبو بكر الإسماعيلي في اعتقاد أئمة الحديث: إن مما يعتقدونه أن ينزل إلى السماء الدنيا، على ما صح به الخبر عن رسول الله ﷺ بلا اعتقاد كيف فيه.

وقال الإمام الآجري في الشريعة بعد أن عقد بابًا في الإيمان والتصديق بأن الله  ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة قال: والإيمان بهذا واجب، ولا يسع  المسلم العاقل أن يقول كيف ينزل، ولا يرد هذا إلا المعتزلة، وأما أهل الحق فيقولون الإيمان به واجبٌ بلا كيف؛ لأن الأخبار قد صحت عن رسول الله ﷺ أن الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة، والذين نقلوا إلينا هذه الأخبار هم الذين نقلوا إلينا الأحكام من الحلال والحرام وعلم الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وكما قبل العلماء منهم ذلك كذلك قبلوا منهم هذه السنن، وقالوا: ومن ردها فهو ضال خبيث، يحذرونه ويحذرون منه.

فالنزول من الصفات التي يؤمن بها أهل السنة والجماعة، ولا يكيفونها، وأهل البدع استنكروا هذه الصفة واستوحشوا منها، وقالوا كيف ينزل الذي ينزل يتحرك، والرب لا يتحرك، وهذا لا يليق بالله، وهذا إنما يكون للأجسام، ولذلك تأوّلوا النزول، قالوا: ينزل، يعني: ينزل أمره، قال بعضهم: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إلى السماء الدنيا» قالوا يعني ينزل أمره، وقال بعضهم: ينزل الملك، وكل هذا من جهلهم وضلالهم.

النبي ﷺ لا يستطيع أن يقول ينزل أمره، لا يستطيع أن يقول ينزل الملك، ثم الملك هل يقول: «من يدعوني فأستجيب له» هل الملك يمكن أن يقول هذا الكلام؟ «من يدعوني فأستجيب له ومن يستغفرني فأغفر له» لا يمكن أن يقول هذا إلا الله سبحانه وتعالى، لكن هذا من جهلهم وضلالهم، وأهل السنة والجماعة وفقهم الله إلى الحق قالوا ينزل بلا كيف لا نعلم ينزل فهو سبحانه وتعالى فوق العرش الله يعلم كيفية النزول.

كذلك أيضًا أشكل على بعضهم قالوا: كيف ينزل إذا بقي ثلث الليل الآخر؟ فثلث الليل مختلف في البلاد، فثلث الليل عندنا الآن وبعد مثلًا ساعة يكون ثلث الليل في مكان آخر وبعد ساعة يكون ثلث الليل في مكان آخر، فلا يزال الرب ينزل! لأن ثلث الليل يختلف، إذا انتهى ثلث الليل من جهة، جاء ثلث الليل في جهة أخرى، ونحن الآن في الليل ويوجد أناس عندهم نهار الآن، كيف ينزل؟ هذا من جهلهم وضلالهم.

نقول هذا الإشكال إنما جاء من كونهم أولوا صفات الله شبهوا الله بخلقه هذا الإشكال ما ينفع، الله تعالى ينزل بلا كيف، وأنت في أي مكان في أرض الله وجاء ثلث الليل الآخر فاعلم أن هذا وقت النزول، وهو وقت التنزل الإلهي في أي مكان ولست مكلفًا بهذه التكليفات، الله يعلم ينزل كما يشاء سبحانه وتعالى لا أحد يقدر عليه ولا أحد يكيفه نزوله.

قال المؤلف: (وحدثني سعيد بن فحلون، عن العكي، عن ابن بكير، قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة ) أن رسول الله ﷺ قال: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إِلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له, وفي لفظ: حتى يطلع الفجر .

قل: ينزل ربنا صريح, الذي ينزل هو الله سبحانه وتعالى, وهذا الحديث حديث صحيح أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله أخرجه البخاري في الصحيح، وأخرجه مسلم أيضًا في الصحيح من طريق مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا فهو من الأحاديث المتواترة، وهذا وقت التنزل الإلهي وهو أفضل وقت الليل وفيه ساعة الاستجابة.

الذي جاء في الحديث الآخر أن النبي ﷺ قال: أفضل الصلاة صلاة داود، وأفضل الصيام صيام داود، كان ينام نصف الليل ثم يقوم ثلثه ثم ينام سدسه فكان قيام داود عليه الصلاة والسلام, يعني: يقوم السدس الرابع والخامس، ثلاث أسداس النصف الأولى ينام، ثم يقوم الثلث الرابع والخامس، ثم ينام السدس الأخير، ليستعين به على حوائج النهار؛ لأنه كان حاكمًا كان يحكم بين الناس، كان نبيًا وكان حاكمًا يستعين به على أعمال النهار.

والنبي ﷺ قال: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر وهو ثلث الليل الآخر السدس الرابع والخامس والسادس، فإذا جمعت بين الحديثين تبين لك أن النصف الأخير بأسداسه الثلاثة كله وقتٌ فاضل، السدس الرابع والخامس هذا وقت قيام داود، السدس السادس والخامس هذا ثلث الليل الآخر فيكون النصف الأخير وقت فاضل.

وكما ثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ: «كان إذا صلى العشاء آوى إلى فراشه، فإذا انتصف الليل أو قبله بقليل قام يصلي» انظر الآن نحن الآن نصف الليل وثلث الليل ما نمنا الآن، في القهاوي وفي الأماكن ما ننام, فإذا جاء وقت التنزل لله نمنا، «والرسول ﷺ إذا صلى العشاء آوى على فراشه، فإذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل قام يصلي» ونحن نصف الليل إلى الآن ما نمنا، بعض الناس ما يأتي إلا نصف الليل؛ بعض العزائم ما يأتي إلا نصف الليل، تغيرت الأحوال، كان الناس عندهم رغبة إلى الآخرة، كان السلف هكذا.

المقصود أن الأحاديث متواترة، وفي إثبات النزول، وأن الله تعالى ينزل كما يليق بجلاله وعظمته، فالنزول من الصفات الفعلية، يجب الإيمان بها خلافًا للمعتزلة والأشاعرة وغيرهم من أهل البدع الذين تأولوا النزول وقالوا المراد بنزول الرب: نزول أمره أو نزول ملك، وهذا من جهلهم وضلالهم، وتحريفهم للنصوص، فهدى الله أهل السنة والجماعة فأثبتوا النزول لله كما يليق بجلاله وعظمته.

(المتن)

وحدثني إسحاق عن أحمد بن خالد، عن ابن أبي شيبة قال، حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: ينزل الله إلى السماء الدنيا بنصف الليل الآخر أو ثلثه الآخر فيقول من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، من ذا الذي يسألني فأعطيه حتى يطلع الفجر أوينصرف القارئ من صلاة الصبح.

(الشرح)

هذا الحديث حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في الصحيح، وابن أبي عاصم في السنة، وأخرجه الإمام أحمد في المسند، وابن خزيمة في التوحيد والدارمي في السنن، والدارقطني في النزول، كله من طرق محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، وفي الإسناد محمد بن عمرو بن علقمة القاص الليثي متكلم فيه من جهة حفظه، ولكن الكلام فيه قليل وهو لم ينفرد عن روايته عن أبي سلمة بل تبعه أئمة، منهم يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة.

فالمقصود أن الحديث صحيح، والحديث فيه: ينزل الله إلى السماء الدنيا بنصف الليل الآخر أو ثلث الآخر بلا شك والأحاديث الكثيرة فيها أنه حين ينزل حين يبقى ثلث الليل الآخر، بدون شك، أن الله تعالى يقول: من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، من ذا الذي يسألني فأعطيه حتى يطلع الفجر في زيادة: حتى يطلع الفجر أو حتى ينصرف القارئ من صلاة الصبح وهنا في شك والصواب: حتى يطلع الفجر كما دلت الأحاديث الأخرى, وأما هنا أو يقول «ينصرف القارئ» فيه شك, كذلك في شك في أول الليل الآخر أو ثلث الليل الآخر.

والأحاديث الصحيحة المتواترة أن النزول حين يبقى ثلث الليل الآخر، جاء في بعضها حين يمضي نصف الليل الأول، وفيه أن الرب يقول: «من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، من ذا الذي يسألني فأعطيه» ما الفرق بين هذه الأمور الثلاثة؟

الأول السؤال أعم، ثم الذي بعده أخص ثم الذي بعده أخص، «من ذا الذي يدعوني فأستجيب له» الدعاء يشمل دعاء العبادة ودعاء المسألة، والاستجابة في دعاء المسألة إجابة الطلب، والاستجابة في دعاء العبادة قبول العمل، من ذا الذي يسألني فأعطيه هذا سؤال المسألة هنا أخص من الأول من ذا الذي يدعوني هذا يشمل دعاء العبادة ودعاء المسألة من ذا الذي يسألني هذا دعاء المسألة, من ذا الذي يستغفرني هذا أخص الاستغفار نوع من السؤال، السؤال العام ثم الذي بعده أخص ثم الذي بعده أخص.

من ذا الذي يدعوني من ذا الذي يسألني من ذا الذي يستغفرني هذا الوقت وقت عظيم ثلث الليل الآخر وقت ثمين، ولا يعرف قدره إلا الموفقون من عباد الله، الله تبارك وتعالى يقول عن المتقين: تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ  [السجدة/16] .

وقال تعالى: كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات/17-18] .

هذه أوصاف المؤمنين المتقين، ففي الحديث: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم».

(المتن)

وأخبرني وهب عن ابن وضاح عن زهير بن عباد، قال كل من أدركت من المشايخ: مالك وسفيان وفضيل بن عياض، وعيسى وابن المبارك، ووكيع كانوا يقولون: النزول حق، قال ابن وضاح: وسألت يوسف بن عدي عن النزول فقال: نعم أقر به ولا أحد حدًا، وسألت عنه ابن معين قال: نعم أقر به ولا أحد فيه حدًا قال محمد: وهذا الحديث بين أن الله  على عرشه في السماء دون الأرض، وهذا أيضًا بين في كتاب الله وفي غير ما حديث عن رسول الله ﷺ , قال الله : يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [السجدة/5] .

وقال: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُور [الملك/16] .

وقال: أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا [الملك/17] .

 وقال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر/10] .

وقال: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير [الأنعام/18] .

وقال لعيسى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران/55] .

وقال: بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ [النساء/158] .

(الشرح)

المؤلف رحمه الله نقل نقول عن السلف في إثبات النزول، والإقرار به وعدم التأويل، ومخالفتهم لأهل البدع، في إنكارهم للصفات وتأويلها، قال: (وأخبرني وهب عن ابن وضاح عن زهير بن عباد، قال كل من أدركت من المشايخ ذكر المشايخ: مالك وسفيان وفضيل بن عياض، وعيسى وابن المبارك، ووكيع كانوا يقولون النزول حق) هؤلاء الأخيار, هؤلاء الأئمة من أئمة أهل السنة، مالك بن أنس وسفيان الثوري, سفيان بن عيينة, وفضيل بن عياض، وعيسى وابن المبارك، ووكيع بن الجراح، والإمام الشافعي كلهم كانوا يقولون: النزول حق، خلافًا لأهل البدع، يقولون النزول مؤول المراد نزول أمره، ما يليق بالله أعوذ بالله.

قال ابن وضَّاح: (وسألت يوسف بن عدي عن النزول فقال نعم أقر به ولا أحد حدًا) يعني: ما أتكلف، ما أحد حد ما أقول صفته كذا وعلى هيئته كذا حده كذا، أُنزله ولا أحد فيه حدًا، لا أقيده بشيء ينزل الله تعالى كما يشاء.

(وسألت عنه ابن معين فقال: أقر به يعني النزول ولا أحد فيه حدًا), (قال محمد) المؤلف محمد بن أبي زمنين, (وهذا الحديث)  حديث النزول: ينزل ربنا كل ليلة», (بين أن الله على عرشه في السماء دون الأرض) كيف ذلك؟ لأن النزول يكون من أعلى إلى أسفل، الله تعالى على عرشه وهو ينزل سبحانه وتعالى وهذا يدل على أن عرشه في السماء.

(وهو أيضًا بين في كتاب الله وفي غير ما حديث عن رسول الله ﷺ) يعني: بين أن العرش في السماء, ولهذا قيل للإمام أبي حنيفة من أنكر أن يكون الله فوق العرش؟ قال: كفر, فقيل له: إذا قال: لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: يكفر؛ لأن العرش في السماء.

قال الله : يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [السجدة/5] .

هذا فيه أن الله في العلو: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ النزول من السماء.

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ إذًا الله في السماء فوق العرش: ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ العروج يكون من أسفل إلى أعلى، فدل على أن الله في العلو:

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ الأمر ينزل من عند الله من السماء إلى الأرض إذًا الله في العلو، والعروج: ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ العروج من أسفل إلى أعلى.

وقال: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ [الملك/16] المراد بالسماء العلو يعني أأمنتم من في العلو، والله له أعلى العلو وهو فوق العرش، وإذا أريد بالسماء الطباق المبنية تكون "في" بمعنى "على", يقول: أأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أي على السماء.

أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا [الملك/17] .

وقال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر/10] والصعود من أسفل إلى أعلى، فدل على أن الله في العلو.

وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ والرفع يكون من أسفل إلى أعلى، فدل على أن الله في العلو، كل هذه النصوص تدل على أن الله في العلو، وأن الله ينزل كما يشاء ونزوله فعلٌ يفعله يليق بجلاله لا نعلمه، ولا يكون مثل نزول المخلوق، نزول المخلوق نعلم أنه يتحرك ينزل من السطح إلى الأرض هذا نزول المخلوق، أما نزول الرب فلا نكيفه الله أعلم فعل يفعله لا ندري كيف هو، وينزل سبحانه وتعالى وهو فوق العرش ينزل كما يشاء سبحانه وتعالى.

وقال الله سبحانه: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام/18] دل على أن الله له صفة الفوقية.

وقال لعيسى: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران/55] والرفع يكون من أسفل إلى أعلى، فدل على أن الله في العلو, وقال: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء/158] كذلك.

(المتن)

وحدثني سعيد بن فحلون، عن العكي عن أبي بكير قال: حدثنا مالك عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار، عن عمر بن الحكم رضي الله تعالى عنه أنه قال: «أتيت رسول الله ﷺ فقلت يا رسول الله: إن جارية لي كانت ترعى غنمًا لي فجئتها، وقد فقدت شاتًا من الغنم وسألتها عنه فقالت: أكلها الذئب، فأسفت عليها وكنت من بني آدم فلطمت وجهها وعليَ رقبة، أفأعتقها قال لها رسول الله ﷺ: أين الله؟ فقالت: في السماء، فقال من أنا؟ قالت: رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ: أعتقها».

قال محمد: والحديث مثل هذا كثير جدًا، سبحان الله من علمُه بما في الأرض كعلمِه بما في السماء، لا إله إلا هو العلي العظيم.

(الشرح)

وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من طريق يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي مرفوعًا.

وهذا الحديث في سنده وهم وهمه الإمام مالك رحمه الله في قوله عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم والصواب أنه معاوية بن الحكم، والوهم من الإمام مالك، الإمام مالك مع جلالته وهم بين هذا الحفاظ، عن عطاء بن يسار، عن عمر بن الحكم، الصواب معاوية، معاوية بن الحكم كما قاله ابن عبد البر والبزار وغيره، الحديث أخرجه مالك في الموطأ، والنسائي في السنن الكبرى وابن عبد البر في التمهيد كلهم، من طريق مالك عن هلال بن أسامة.

قال ابن عبد البر: هكذا قال مالك في هذا الحديث، عن هلال بن عطاء عن عمر بن الحكم، لم يختلف الرواة عنه في ذلك، وهو وهم عند جميع أهل العلم بالحديث، وهم في قوله عمر وهو معاوية، وليس في الصحابة رجل يُقال له عمر بن الحكم، وإنما هو معاوية بن الحكم، وقال السيوطي في تنوير الحوالك.

قال النسائي: كذا يقول مالك عمر بن الحكم وغيره يقول معاوية بن الحكم، وممن وهم الإمام مالك الحافظ البزار رحمه الله حيث أسند ابن عبد البر للبزار، قوله روى مالك عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم السلمي، أنه سأل النبي ﷺ فوهم فيه، وإنما الحديث لعطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي.

وكذلك ممن وهم الإمام مالك أحمد بن خالد، وكذلك الإمام الشافعي في الأم مستدركًا على مالك قال: اسم الرجل معاوية بن الحكم، ووافق الشافعي الإمام الطحاوي، فقال أبو محمد بن داود: وليس هو عمر بن الحكم، إنما هو معاوية بن الحكم, وقال البغوي في شرح السنة: عن معاوية بن الحكم وهو الصواب.

وفي هذا الحديث: أن معاوية بن الحكم له جارية أعجمية كانت ترعى الغنم فجاء الذئب وعدى على واحدة وأخذها، فجاء معاوية فسألها أين الشاة؟ فقالت: أخذها الذئب، قال: وكنت كبني آدم آسف كما يآسف بني آدم فصكها, يعني: ضربها، ولذا قال: «فأكلها الذئب فأسفت عليها»، يعني حزنت، «وكنت من بني آدم فلطمت وجهها، وعلي رقبة أفأعتقها؟».

فقال: «يا رسول الله، إني أريد أن أعتقها»، جاء في رواية أخري فقال: أما إنك إن لم تفعل للفحتك النار لأنها مسكينة ليس لها ذنب لم يكن باختيارها عملت جهدها جاء الذئب، والذئب أقوى منها، جاء وأخذها وعملت جهدها ولكن ما استطاعت استنقاذها منه، فقال: يا رسول الله، إني أريد أن أعتقها حتى يكون عتقي كفارة للطمتي إياها فقال النبي ﷺ أأتي بها إلي نرى هل هي مسلمة  لابد أن يعتق رقبة مسلمة, «فقال لها أين الله؟ فقالت في السماء، فقال من أنا؟ فقالت: أنت رسول الله فقال رسول الله ﷺ: أعتقها فإنها مؤمنة اللفظ في صحيح مسلم قال: اعتقها فإنها مؤمنة هذا تصحيحنا في رواية الإمام مسلم اعتقها فإنها مؤمنة إذًا الرسول حكم لها بالإيمان.

وهذا الحديث فيه إثبات العلو وفيه الرد على أهل البدع من الجهمية والمعتزلة، فقوله ﷺ: أين الله يعني: أين إنما يسأل بها عن المكان، فدل على أن الله في العلو، وأهل البدع أشكل عليهم هذا الحديث وشق عليهم مشقة عظيمة، كيف؟ لأن أهل البدع ينكرون وجود الله في العلو، قالوا: لو كان في العلو لكان محدود ولكان متحيز ولكان جسمًا، وهذا فيه نقص للرب تجعله في العلو, تجعله محدود في جهة واحدة لا هو في كل جميع الأمكنة، ما يكون في مكان واحد، هذا الذي يكون في مكان محدود هذا ناقص، أما الكامل ما يحده شيء، في مكان محدود هذا هو الجسم المتحيز الناقص، ما يليق يكون الرب في العلو.

فلما جاء الحديث أين الله يسأل بها عن المكان، فشق على أهل البدع, ولذلك أهل البدع لو أشرت إلى أن الله في السماء بأصبعك يقطع أصبعك الجهمي، احذر أن ترفع أصبعك وأمامك جهمي، لو رفعت أصبعك وعندك جهمي وليس عندك أحد قطع أصبعك، تروح في خبر كان، لماذا؟ يقول: لأنك تنقصت الله، تجعله في مكان، هو في جميع الأمكنة فقيل لهم أين الله ويُسأل بها عن المكان, قالوا: لا الرسول سأل سؤال فاسد, الرسول سأل أعجمية الأعجمية ما تعرف سألها سؤالًا ما يناسب عقلها، وإلا الرسول ما أراد أن يقول أين الله وإنما أراد أن يقول من الله، هذا المراد ولكن سألها سؤالًا فاسدًا؛ لأن هذا هو الذي يناسب عقلها كانت أعجمية ما تفهم إلا هذا، فخاطبها خطابًا يناسب عقلها.

طيب الرسول ما يقدر أن يقول من الله؟ "من" حرفان و "أين" ثلاث حروف أسهل الرسول أفصح الناس وأبلغ البلغاء وافصح الفصحاء, قالوا: لا, الرسول مقصده منّ الله، يسأل عن الحقيقة ليس المراد أن يسأل عن المكان، فرارًا من أي شيء حرفوها؟ فرارًا من إثبات العلو، لأن "أين" يُسأل بها عن المكان وهم ما يثبتون العلو، فقالوا: لا مقصود الرسول ﷺ أن يقول منَ الله لكن هذه جارية أعجمية ما تفهم، فسألها سؤالا فاسدًا يناسب عقلها، طيب الرسول قال لها أنت مؤمنة قالوا: نعم فأقرها على جواب فاسد أيضًا.

أعلمت كيف أهل البدع اتهموا الرسول ﷺ، صار الرسول ﷺ ملبس أعوذ بالله يلبس على الناس، يسأل سؤالًا فاسدًا ومراده شيئًا آخر, فقالوا: الرسول سأل سؤالًا فاسدًا وأقرها على جواب فاسد؛ لأن هذه أعجمية لا تعرف إلا هذا، فسألها سؤالًا يناسب فهمها وعقلها، وأقرها على جواب يناسب فهمها وعقلها، وإلا ما هو مقصود الرسول أن يقول: أين الله، ومقصده أن يقول منّ الله.

وهذا الحديث من أدلة أهل السنة والجماعة على إثبات العلو وهو السؤال عن الله بأين, من الأدلة القوية، لكن أهل البدع قوم بهت تأولوا النصوص وحرفوها، نسأل الله السلامة والعافية.

وهكذا أهل البدع كلهم حتى صرح بعضهم من أهل الرافضة وقالوا: ما جاءنا البلاء إلا من الرسول أعوذ بالله, صرح بهذا أهل الباطل، ولهم أصوات مسجلة لكل قوم وذلك الآن, الرافضة قالوا: إن الرسول خائن؛ لأنه خان الأمة وأنه سكت عن الحق ولم يبين لهم, وفي أصوات مسجلة الآن للرافضة الموجودين أنهم يوافقون الرافضة القدامى، صرحوا بأنه قالوا: ما جاء البلاء إلا من الرسول, أعوذ بالله نسأل الله السلامة والعافية, فهذا الحديث واضح في إثبات العلو وإثبات النزول أيضًا.

(قال محمد) وهو المؤلف ابنُ أبي زمنين, (والحديث مثل هذا كثير جدًا) يعني: الأحاديث التي تدل على إثبات العلو والنزول كثيرة, (فسبحان الله) سبحان تنزيهًا لله, (من علمه بما في الأرض كعلمه بما في السماء) لأنه لا يخفى عليه شيء في السموات ولا في الأرض علم ما في الأرض كعلم ما في السماء ليس هناك شيء بعيدٌ عنه, (لا إله إلا هو) يعني: لا معبود حق غيره, (العلي العظيم) المتصف بالعلو والعظمة.

(المتن)

باب في الإيمان بأن الله يحاسب عباده.

قال محمد: ومن قول أهل السنة أن الله يحاسب عباده يوم القيامة ويسألهم مشافهة منه إليهم، وقال : يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ [المائدة/109] .

وقال: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا [النساء/41] .

وقال: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِين [الأعراف/6] .

وقال: أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِين [الأنعام/62] .

وقال: إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُون [الشعراء/113] .

وهل يحاسب العباد إلا الذي خلقهم، وتعبدهم وأحصى أعمالهم وحفظها عليهم حتى يسألهم عنها، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وهو العلي القدير.

(الشرح)

هذا الباب الثامن من أبواب الكتاب في الإيمان بأن الله يحاسب عباده، إثبات الحساب، أن الله يحاسب عباده ويسألهم عن أعمالهم: «ومن نوقش الحساب عُذِّب» الله تعالى يحاسب عباده, المؤمن يحاسب حسابًا يسيرًا، المعنى أنه تُعرض عليه أعماله، ولا يناقش «ومن نوقش الحساب عذب» وقال الله تعالى في حق المؤمنين: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ۝ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق/7-9] .

فالمؤمن يحاسب حسابًا يسيرًا يعني أن تُعرض عليه أعماله ويكون حسابًا يسير الأمر.

وثبت في الحديث أن النبي ﷺ قال: من نوقش الحساب عُذب قد استشكلت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها الجمع بين الحديث والآية فقالت: يا رسول الله، قد قال الله تعالى يقول: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ۝ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا  [الانشقاق/7-8], وقال: من نوقش الحساب عُذب كيف الجمع بينهما؟ فقال: يا عائشة، إنما ذلك العرض يعني: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق/7-8], المراد به ليس المناقشة، المراد بالحساب اليسير العرض، تعرض الأعمال عليهم بدون مناقشة، أما إذا نوقش عذب: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ۝ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا  [الانشقاق/7-8],المراد به العرض.

وهذا من الآيات التي فسرها النبي ﷺ فسر النبي الآية بالعرض، وأنه فسر قوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان/13] .

 وفسر قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [الأنعام/82].

 فسر الظلم بالشرك قال: «ألم تسمع إلى قول العبد الصالح: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان/13]». هناك بعض الآيات فسرها النبي ﷺ.

(قال محمد) هو المؤلف ابن أبي زمنين, (ومن قول أهل السنة: أن الله يحاسب عباده يوم القيامة ويسألهم مشافهة) كلمة مشافهة هذه لم ترد في النصوص فينبغي تركها، لا ينبغي للإنسان أن يدخل النصوص، النصوص توقيفية كلمة مشافهة معناها إثبات الشفة، شافهتك يعني كلمتك مشافهة، وهذا لا يقال بالنسبة للرب إلا بدليل، وإنما يقال: الله يكلمهم بدون واسطة، وبدون ترجمان كما في الحديث، ولا يقال مشافهة، فهذه مما يؤخذ على المؤلف رحمه الله.

(ومن قول أهل السنة: إن الله سبحانه وتعالى يحاسب عباده يوم القيامة ويسألهم) بدون واسطة أو من دون ترجمان كما في الحديث: «ما منكم من أجد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان» يعني: بدون واسطة، فالأولى أن يقول: يحاسب عباده يوم القيامة ويسألهم بدون واسطة, ويترك كلمة مشافهة لعدم ورودها.

وقال: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ [المائدة/109] يسألهم إثبات السؤال.

وقال تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء/41]  إذًا فيه سؤال وحساب.

وقال تعالى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف/6] .

إذًا المرسلون يُسألون كيف بلغوا رسالات ربهم، والناس يُسألون عن المرسلين, هل بلغكم الرسل؟ وجاء في الحديث: «أنه سيؤتى يوم القيامة بكل نبي ويُسأل, يؤتى بنوح يقول: يا نوح هل بلغت الرسالة؟ فيقول: نعم يا رب, فتسأل أمه فيقال: هل بلغكم؟ قالوا: لا ما جاءنا من بشير ولا نذير، فيقال من يشهد لك فتأتي هذه الأمة وتشهد، تشهد هذه الأمة المحمدية أن نوح قد بلغ الرسالة، فتقول لهم الملائكة كيف علمتم وما جئتم إلا متأخرين؟ قالوا بعث الله إلينا نبيًا وأنزل علينا كتابه العظيم، وأخبرنا أن نوحًا بلغ الرسالة، فتشهد هذه الأمة على الأمم ثم يشهد عليها نبيها».

وذلك قول الله : فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء/41]  إذًا الرسل يُسألون عن تبليغ رسالة ربهم، والناس يسألون عن الرسل هل بلغوهم أم لا.

وقال الله تعالى: أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام/62] إثبات الحساب.

وقال عن نوح: إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّي ۖ لَوْ تَشْعُرُونَ [الشعراء/113] إذًا الله تعالى يحاسب.

يقول المؤلف: (وهل يحاسب العباد إلا الذي خلقهم، وتعبدهم وأحصى أعمالهم، وحفظها عليهم حتى يسألهم عنها، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وهو العلي القدير سبحانه وتعالى).

(المتن)

وقد حدثني وهب عن ابن وضاح عن ابن أبي شيبة قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال حدثنا همام بن يحيى عن قتادة عن صفوان بن محرز، قال: «بينما أنا آخذ بيد ابن عمر إذ عرض له رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن كيف سمعت رسول الله ﷺ يقول في النجوى؟ قال: سمعته يقول: إن الله  يدني المؤمن منه يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه، ويستره من الناس فيقول: عبدي هل تعرف ذنب كذا فيقول: نعم يا رب أتعرف ذنب كذا فيقول: نعم يا رب أتعرف ذنب كذا فيقول: نعم يا رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: إني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون فإنه ينادى على رءوس الأشهاد: هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِين[هود/18]».

(الشرح)

وهذا الحديث يسمى حديث النجوى والحديث صحيح أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله, أخرجه البخاري في الصحيح، وأخرجه مسلم في الصحيح، كلهم من طريق قتادة عن صفوان بن محرز عن ابن عمر, وفيه (أن ابن عمر سئل أخذ بيده صفوان وسأله، كيف سمع رسول الله ﷺ يقول في النجوى) والنجوى هي الكلام في السر، يقال لها نجوى، الله تعالى يستر عبده ويقره بذنوبه، بينه وبينه، ولا يسمع أحدًا من الخلق، قال: سمعته يقول: إن الله يدني المؤمن منه يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه الله أعلم بالكنف، صفة من صفات الله، حتى يضع عليه كنفه ويستره من الناس، بعضهم فسر الكنف بالستر.

وهذا التفسير بالستر هذا تفسير بلازمه، يلزم من الكنف الستر، تفسير بآثاره، من آثار الكنف الستر، مثل ما فسر الغضب بالانتقام، هذا غلط، الانتقام أثر من أثر الغضب، فسر الرضا بالثواب، والثواب أثر من آثار الرضا، كذلك الستر أثر من أثر الكنف يضع عليه كنفه ويستره من الناس ​​​يعني: ما يسمع أحد من الخلق، النجوى بين الله وبين عبده، كل واحد يقره الله بذنوبه.

فيقول الرب سبحانه وتعالى: عبدي أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم يا رب. أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم يا رب، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم يا رب يقرره، حتى إذا أقره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك» كل ذنوبه يقره عليها أمامه قال الله : إني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم من أحلم من الرب سبحانه وتعالى! هذا الحلم وهذا الكرم وهذا الفضل وهذا الإحسان، ثم يعطى كتاب حسناته.

«وأما الكفار والمنافقون نعوذ بالله فإنه ينادى على رءوس الْأَشْهَاد: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ [هود/18]»فضيحة, يفضحون على رءوس الأشهاد، الكل يسمعهم يقول: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود/18] كل واحد يُفضح، وأما المؤمن مستور، ستره الله، يُقره بذنوبه كلها ثم يغفرها له، ثم يعطى كتابه بيمينه، هذا فضله وإحسانه، من مات على التوحيد فهو على خيرٌ عظيم، ولكن من مات على الكفر والشرك نعوذ بالله هذا لا حيلة فيه، هالك ولا يستطيع أحد أن ينقذه من عذاب الله.

(المتن)

ابن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن الأعمش، عن خيثمة عن عدي بن أبي حاتم قال: قال رسول الله ﷺ: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان.

(الشرح)

وهذا الحديث أيضًا أخرجه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله كلاهما عن الأعمش عن خيثمة، عن عدي بن حاتم أن النبي ﷺ قال: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان الترجمان هو الذي ينقل الكلام من لغة إلى لغة، نسميه المترجم يقال له ترجمان، والمعنى: أن الله سيكلمه ليس بينه وبينه واسطة، ما في واسطة بين العبد وبين ربه يكلمه بدون واسطة، يقال: تَرجَمَان بفتح التاء والجيم ويقال تُرجُمان بضم التاء والجيم، ويقال تَرجُمان بفتح التاء وضم الجيم، واللغة الرابعة اُختلف فيها وهي ضم التاء وفتح الجيم تُرجَمان على الأربع لغات لا أحد يغلط، تَرجَمَان تُرجُمان تَرجُمان تُرجَمان ما أحد يغلط.

(المتن)

وحدثني أبي عن علي عن أبي داود عن يحيى في قوله: وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة/174] أي لا يكلمهم الله يوم القيامة لا يكلمهم بما يحبون وقد يكلمهم يسألهم عن أعمالهم ويأخذ منهم.

(الشرح)

وهذا السند ضعيف السند ضعيف في والد المؤلف ابن زمنين وفيه أيضًا علي المري، ويحيى بن سلام كلهم قد متكلم فيهم، ولكن المعنى الصحيح لا يكلمهم الله لا يكلمهم كلام رضا، وإنما يكلمهم كلام غضب: وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة/174] .

الكفار يكلمهم الله كلام غضب، ولهذا إذا قال: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ [المؤمنون/107], يخاطبهم الله فيقول: قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون/108] .

هذا كلام غضب، الجمع بين النصوص، النصوص بعضها لا يكلمهم الله وفي بعضها أنه يكلمهم الله, كيف الجمع بينهما؟ الجمع أنه لا يكلمهم كلام رضا وإنما يكلمهم كلام غضب، نسأل الله السلامة والعافية.

(المتن)

باب في الإيمان بالنظر إلى الله .

قال محمد: ومن قول أهل السنة: إن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة، وأنه يحتجب عن الكفار والمشركين، فلا يرونه وقال: لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس/26] .

 وقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة [القيامة/22-23] .

 وقال: كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُون [المطففين/15] .

 فسبحان من لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير.

(الشرح)

هذا الباب وهو الباب التاسع من أبواب الكتاب "باب في الإيمان بالنظر إلى الله " يعني: إثبات رؤية الله يوم القيامة، وإثبات الرؤية من الصفات التي اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع، وكذلك الكلام وكذلك العلو، خذوها قاعدة ثلاث صفات من أثبتها فهو من أهل السنة ومن أنكرها فهو من أهل البدع: الكلام، والعلو، والرؤية, هذه الصفات من أثبتها فهو من أهل السنة ومن أنكرها فهو من أهل البدع، هذه من الصفات التي اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع، صفة الرؤية، صفة الكلام، صفة العلو، كل هذه الصفات الثلاثة يُنكرها الأشاعرة ويُنكرها المعتزلة ويُنكرها الجهمية، ولا يُثبتها إلا أهل السنة.

فهذه الصفات الثلاثة من الصفات التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وأهل البدع، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (قال محمد) هو المؤلف ابن زمنين, (من قول أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة ) يرون الله يوم القيامة, (وأنه يحتجب عن الكفار والمشركين، فلا يرونه).

وإثبات الرؤية في القرآن واضح من الأدلة، قال الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ *إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة/22-23] ناضرة الأولى من النضرة والبهاء والحسن، وناظرة من النظر بالعين: إلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة/23] وجه الدلالة أنه أضاف النظر إلى الوجوه، وعدّاه بـ"إلى".

وآخر الكلام عن قرينة تدل على خلافه وموضوعه، فدل على أن المراد النظر بالعين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة ۝ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة/22-23] أسند النظر إلى الوجه، وعداه بأداة إلى وآخر الكلام من قرينة تدل على خلافه وموضوعه فدل على أن المراد النظر بالعين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله.

وأهل البدع تأولوا: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ۝ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة/22-23] المراد بالنظر هنا المعرفة، ليس المراد النظر، تأولوها، احتج المؤلف رحمه الله وقال: لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ [يونس/26]  والزيادة كما جاء تفسيرها في الحديث الصحيح أنها النظر إلى وجه الله الكريم.

وقال سبحانه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ۝ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة/22-23].

وقال تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ [المطففين/15] يعني الكفرة، وقد احتج الإمام الشافعي بهذه الآية على إثبات النظر، قال: لما أن حجب هؤلاء في السخط دل على أن المؤمنين يرونه في الرضا، حجب الله الكفار؛ لأنه ساخط عليهم، فدل على أن المؤمنين يرونه في الرضا، ولو كان المؤمنين محجوبين لتساووا هم والكفرة في الحجب.

لو كان المؤمنين لا يرون الله لتساووا هم والكفرة في الحجب فلما أن حجب الله الكفار عن الرؤية دل على أن المؤمنين يرونه، إذًا ما معنى الحجب؟ لو كان الناس لا يرونه مؤمنهم وكافرهم لصار الحجب للجميع، لكن الحجب خاص بالكفرة: كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ [المطففين/15] .

فدل على أن المؤمنين يرونه ولهذا قال المؤلف: (فسبحان من لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير) لا تدركه الأبصار وإن كانت العيون تراه يوم القيامة، فالإدراك الإحاطة وهو القدر الزائد على الرؤية، فالله يُرى ولا يحاط برؤياه، كما أنه يُعلم ولا يحاط بعلمه.

وقد أسند الدارقطني في كتاب الصفات عن الوليد بن مسلم قال سألت الأوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية فقال: "أمضها بلا كيف" والنصوص التي فيها إثبات الرؤية متواترة.

إذًا رؤية الله ثابتة بالقرآن العظيم صريحة: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة/22-23].

لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ [يونس/26].

كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ [المطففين/15] .

وكذلك الأحاديث متواترة: إنكم ترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته», «إنكم ترون ربكم كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب.

ولهذا العلماء كلهم ذكروا الأدلة والنصوص ونقلوا عن السلف إثبات الرؤية، من ذلك الدارمي رحمه الله قال الدارمي لما ذكر الأحاديث: فهذه الأحاديث كلها وأكثر منها تدل على الرؤية وتصديقها والإيمان بها، أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا، ولم يزل المسلمون قديمًا وحديثًا يروونها ويؤمنون بها لا يستنكرونها ولا يُنكرونها ومن أنكرها من أهل الزيغ نسبوه إلى الضلال.

بل كان من أكبر درجاتهم وأجزل ثواب الله في أنفسهم النظر إلى وجه خالقهم حتى ما يعدلون به شيئًا من نعيم الجنة، يعني: النظر إلى وجه الله أعظم نعيم يُعطاه أهل الجنة، حتى أن أهل الجنة ينسون ما هم فيه من النعيم إذا نظروا إلى وجه الله، أعظم نعيم يُعطاه أهل الجنة النظر إلى وجه الله الكريم، وأعظم نعمة، وهو الزيادة.

وقال الدارمي رحمه الله: قد صحت الآثار عن رسول الله ﷺ ومن بعدهم من أهل العلم، وكتاب الله الناطق به فإذا اجتمع الكتاب وقول الرسول وإجماع الأمة لم يبقَ لمتأول عندها تأول إلا لمكابر أو جاحد، أما الكتاب فقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ۝ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة/22-23].

 وقوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ [المطففين/15] .

ولم يقل للكفار محجوبون، إلا وإن المؤمنين لا يحجبون عنه، فإذا كان عندكم محجوبين عن الله كالكفار فأي توبيخ للكفار في هذه الآية إذا كانوا هم والمؤمنون جميعًا عن الله محجوبون؟! يعني: يقول الدارمي: الله تعالى وبّخ الكفار بأن حجبهم عن الرؤية، لو كان المؤمنون لا يرون الله لصاروا موبخين كالكفار، فدل على أن المؤمنين يرونه.

(المتن)

وحدثنا أحمد بن عبد الله عن ابن وضاح عن موسى بن معاوية عن وكيع بن الجراح عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه قال: «كنا عند رسول الله ﷺ ليلة البدر فقال هل ترون هذا القمر؟ قلنا: نعم قال: هكذا ترون ربكم يوم القيامة لا تضامون في رؤيته.

(الشرح)

وهذا الحديث صحيح أخرجه الشيخان، رواه البخاري في الصحيح، وأخرجه مسلم في الصحيح، من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله البجلي، وهذا الحديث صريح في أن المؤمنين يرون الله كما يرون القمر، قوله ﷺ: هل ترون هذا القمر؟ قلنا نعم قال هكذا ترون ربكم يوم القيامة.

هل المراد تشبيه الله بالقمر؟ لا ليس المراد، الله تعالى لا يشبه أحدًا من خلقه لا القمر ولا غيره، المراد تشبيه الرؤية بالرؤية، المعنى: أنكم ترون ربكم رؤيةٌ واضحة من فوقكم كما أنكم ترون القمر رؤيةٌ واضحة من فوقكم، وليس المراد تشبيه الله بالقمر، الله تعالى لا يشابه أحدًا من خلقه لا القمر ولا غيره، لكن المراد تشبيه الرؤية بالرؤية، هذا معنى قول أهل العلم المراد تشبيه الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي، المراد تشبيه الرؤية بالرؤية، تشبيه رؤية المؤمنين بالله برؤيتهم للقمر.

ومعلوم أننا والقمر من فوقنا واضحًا فكذلك نحن نرى الله من فوقنا رؤيةٌ واضحة، ليس المراد تشبيه المرئي بالمرئي ولا تشبيه الله بالقمر، وإنما المراد تشبيه الرؤية بالرؤية.

وقوله: لا تضامّون روي بالتشديد أي لا ينضم بعضكم إلى بعض، وتزدحمون وقت النظر إليه، وبضم التاء وفتحها "لا تَضامون" وروي "لا تُضامون" بدون تشديد، ومعنى التخفيف لا ينالكم ضيم في رؤيته، فيراه بعضكم دون بعض والضيم الظلم، "لا تضامون" بالتشديد يعني لا تزدحمون، ولا ينضم بعضكم على بعض أو "لا تضامُون" بالتخفيف أي لا يصابكم ضيم فيراه بعضكم دون البعض، والضيم الظلم.

(المتن)

قال ابن وضاح: حدثني حبرة بن الحسن المروزي قال: حدثنا سفيان بن عيينا، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «قالوا يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر وليس دونه حجاب؟ قالوا: لا، قال: فهل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة وليس دونها حجاب؟ قالوا: لا, قال: فلا تضارون في رؤيته إلا كما تضارون في رؤية أحدهما.

(الشرح)

الحديث صحيح أيضًا أخرجه مسلم في صحيحه من طريق محمد بن أبي عمر قال: (حدثنا سفيان بن عيينة، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة )  فالحديث صحيح وفيه قوله: هل تضارون روي أيضًا بالتشديد والتخفيف هل تضارّون بالتشديد يعني لا تتخالفوا لا تتخاذلوا في صحة النظر إليه في صحة النظر إليه ووضوحه وظهوره، فالمراد بالمضارة الاجتماع والازدحام عند النظر إليه.

وروي: لا تضارُون بالتخفيف وهو من الضير وهو من الظلم, يعني: لا ينالكم ضيم وظلم، والحديث صحيح في إثبات رؤية الله رؤية واضحة, وأنها رؤية بالأبصار التي في الأعين.

(المتن)

ابن وضاح قال: وحدثني إبراهيم بن نوح الموصلي قال حدثنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب عن النبي ﷺ قال: إذا دخل أهل الجنة نودوا يا أهل الجنة إن لكم موعدا، قالوا: وما هو؟ ألم يبيض وجوهنا، ويُدخلنا الجنة وينجنا من النار، قال فيكشف الحجاب فيظهر فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم منه، ثم تلا هذه الآية لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس/26]».

 

(الشرح)

وهذا الحديث صحيح أيضًا أخرجه مسلم في الصحيح من طريق عبيد الله بن عمر بن ميسرة قال: (حدثني عبد الرحمن بن مهدي قال حدثني حماد بن سلمة، عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب عن النبي ﷺ) وأخرجه أيضًا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة، وفيه زيادة على السابق بذكر الآية.

وفي هذا الحديث أن النبي ﷺ فسر الآية: لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ [يونس/26] فسر الزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم، هذه من الآيات التي فسرها النبي ﷺ من حديث صهيب:

لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ "الحسنى" هي الجنة،  "وزيادة"  النظر إلى وجه الله الكريم, صريح فسر الحسنى بأنها الجنة والزيادة النظر إلى وجهه الكريم، وهذا فيه إثبات الرؤية والرد على من أنكرها.

(المتن)

وحدثني أبي، عن علي عن أبي داود عن يحيى قال: حدثني يونس بن أبي إسحاق الهمداني، عن أبيه عن عامر بن سعد البجلي، قال: "قرأ أبو بكر الصديق هذه الآية أو قُرئت عليه فقال: أتدرون ما الزيادة؟ الزيادة النظر إلى وجه ربنا".

(الشرح)

وهذا الأثر موقوف على أبي بكر الصديق، والإسناد فيه ضعف، فيه والد المؤلف، قال حدثني أبي، وهو ابن أبي زمنين سبق أنه متكلم فيه، وفيه ابن الحسن المري أيضًا متكلم فيه وفيه يحيى بن سلام متكلم فيه، وفيه يونس بن أبي إسحاق السبيعي قال أبو حاتم: لا يُحتج بحديثه، وفيه عمرو بن عبد الله السبيعي أبو إسحاق الهمداني, وفيه عامر بن سعد البجلي قال فيه الحافظ: مقبول وقد اُختلف على إسحاق.

رواه إسرائيل وزكريا بن أبي زائدة وشريكه محمد الجابر كلهم عن إسحاق عن عامر بن سعد، وأخرجه من هذا الوجه عبد الله بن أحمد في السنة، وابن خزيمة في التوحيد، والآجري في الشريعة وغيرهم، وكذلك أخرجه أيضًا البيهقي في الاعتقاد، وأخرجه ابن جرير في التفسير وعبد الله بن أحمد في السنة.

وله أيضًا متابعات عن أبي بكر بن أسد بن موسى، ويحيى بن عبد الحميد وحميد بن عبد الرحمن.

والمقصود أن الحديث هذا وإن كان سنده ضعيف إلا أن الزيادة جاء تفسيرها كما سبق في حديث صهيب أن الزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم يقول: (هل تدرون ما هي الزيادة؟ قال: النظر إلى وجه ربنا) هذا السند ضعيف في قراءة أبي بكر t في هذا الحديث, فيما سبق أن الحديث أن الزيادة فسرها النبي ﷺ بأن النظر إلى وجه الله الكريم فهي ثابتة في الحديث السابق, وقد يقال الحديث السابق يشهد لهذا الحديث والحديث وإن كان سنده ضعيف إلا أن الزيادة ثابتة في الأحاديث الصحيحة في حديث صهيب السابق أنها النظر إلى وجه الله الكريم فدل على أن على أن النظر ثابت ولا إشكال فيه.

(المتن)

يحيى قال: وحدثني المسعودي عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: سارعوا إلى الجمع في الدنيا، فإن الله يبرز لأهل الجنة في كل يوم جُمعة في كثيب من كافور أبيض، فيكونون منه في القرب كمصارعتهم إلى الجُمع في الدنيا، فيحدث لهم من الكرامة شيئًا لم يكونوا رأوه قبل ذلك، ثم يرجعون إلى منازلهم فيجدونه قد أحدث لهم أيضًا.

قال يحيى: وسمعت غير المسعودي يزيد فيه وهو قوله: وَلَدَيْنَا مَزِيد [ق/35].

(الشرح)

هذا الحديث إسناده ضعيف، في الإسناد من العلل السابقة والد المؤلف، وكذلك فيه يحيى والمري وغيرهم، وفيه أيضًا المسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة المسعودي الكوفي، قال فيه الحافظ: صدوق اختلط قبل موته، وفيه الانقطاع بين أبي عبيدة وابن مسعود، وأبي عبيدة هو ابن عبد الله بن مسعود ولم يسمع من أبيه، قيل: إن اسمه كنيته أبو عبيدة، ففيه انقطاع.

فالحديث بهذا السند ضعيف وفيه علل وفيه انقطاع, وهذا الأثر أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة" والدار قطني في "الرؤيا" وابن خزيمة في "التوحيد" كلهم من طرق عن المسعودي عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة عن ابن مسعود .

وهذا الأثر ضعيف السند، ولكن الرؤيا كما سبق, الرؤيا ثابتة بالآيات القرآنية وبالنصوص المتواترة، وهذا الأثر فيه أن الله U يبرز لأهل الجنة في كل يوم جمعة في كثيب من كافور أبيض، فيكونون منه في القرب كمصارعتهم إلى الجمع في الدنيا، فيحدث لهم شيئًا من الكرامة لم يكونوا قد رأوه قبل ذلك، ثم يرجعون إلى منازلهم فيجدونه قد أحدث لهم أيضًا مثل ذلك.

هذا يعني كون يحصل لهم كرامة ويزدادون جاء أيضًا في عدد من الأخبار تشهد لها, لكن هذا الأثر بهذا السند ضعيف وتُغني عنه الأحاديث الصحيحة، ولهذا قال يحيى: وسمعت غير المسعودي يزيد فيه وهو قوله: لهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق/35] .

قوله: ولدينا مزيد هذا ثابت من غير هذا الطريق أن الزيادة أنها النظر إلى وجه الله الكريم.

(المتن)

يحيى قال: وحدثني سعيد عن قتادة في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَة [القيامة/22] قال: ناعمة, إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة [القيامة/23] قال: تنظر إلى الله، قال يحيى: وإنما ينظر إليه المؤمنون، وأما الكافرون فيحتجب عنهم، وهو قوله: كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُون [المطففين/15] .

(الشرح)

وهذا الأثر أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس، وهو موقوف من كلام قتادة، قال الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة/22-23] من قول قتادة وهو من التابعين يكون مرسل.

فسر قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ [القيامة/22] أي: ناعمة، قال: إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة/23] هل تنظر إلى الله؟ قال يحيى: إنما ينظر إليه المؤمنون، وأما الكافرون فيحتجب عنهم، وهو قوله: كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ [المطففين/15] .

هذا تفسير قوله: ناضرة أنها ناعمة، فيقول: إلى ربها تنظر إلى الله، ثبت في الأخبار السابقة وفي الأحاديث السابقة وكذلك تفسير قوله: كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ [المطففين/15] بأن الكفار هم الذين يحتجبون عن الله، هذا ثابت في الأحاديث السابقة، وهي تُغني عن هذا الأثر، هذا الأثر يكون شاهدٌ لها.

فالمقصود أن النصوص في إثبات الرؤيا الأحاديث متواترة والآيات القرآنية صريحة في هذا، وأجمع على ذلك أهل السنة وأثبتوا رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وعند المؤمنين أن رؤية الله أعظم نعيم يُعطاه أهل الجنة، وهؤلاء الذين أنكروا رؤية الله من الجهمية والمعتزلة يقول العلماء: حري بهم أن يُحجبوا عن الله جزاء لبدعتهم وضلالهم، حيث أنكروا رؤية الله، نسأل الله السلامة والعافية.

والمعتزلة يفسرون الرؤية بالمعرفة، ويُنكرون أن الله يُرى بالأبصار، قالوا: المراد بالرؤية المعرفة، وقالوا: الرؤية تأتي ويراد بها المعرفة، ويستدلون بمثل قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [الفيل/1] يعني: ألم تعلم، ألم ترى، وأهل السنة يقولون: نعم الرؤية لها معاني: تأتي الرؤيا بمعنى العلم: أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا [الفرقان/45] .

يعني: تعلم، وتأتي الرؤية بمعنى الرؤيا في النوم وهو الحلم، وتأتي الرؤية بمعنى الرؤية بالبصر، والذي يبين هذا هو السياق والأدلة، والسياق هو الذي يبين الأدلة.

فإذا قال الإنسان: رأيت في منامي كذا وكذا يعني: المراد بالرؤية الحلم، وإذا قال: رأيت الله سبحانه وتعالى يكرم المؤمنين ويهين الكافرين، يعني: علمت، وإذا قال النبي ﷺ: إن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم، دل على المراد الرؤية بالبصر، وأي قرينة أعظم من قوله عليه الصلاة والسلام: «ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب، وكما ترون الشمس صحوا في الظهيرة ليس دونها سحاب» هل هذا رؤية القلب ولا رؤية البصر؟ رؤية البصر.

فالنصوص والأدلة يفسر بعضها بعضًا، والسياق هو الذي يبين المعنى المراد، فرؤية المؤمنين لله يوم القيامة أثبتها أهل السنة الجماعة، ونفاها الجهمية والمعتزلة، والأشاعرة أثبتوها لكن أنكروا الجهة، قالوا: إنه يُرى لكن من غير جهة، لا ندري، فقيل لهم: كيف يُرى؟ من فوق؟ قالوا: لا، من تحت؟ قالوا: لا،, من الأمام؟ قالوا: لا, من الخلف؟ قالوا: لا، يمين؟ لا، شمال؟ لا، أين يرى؟ قالوا: يرى لا في جهة!! وهذا غير معقول وغير متصور؛ لأن المرئي إنما يكون من جهة من الرائي.

وقد ضحك جمهور العقلاء من قول الأشاعرة: إن الله يُرى لا في جهة، وقالوا: إن جماهير العقلاء يثبتون الجهة، وأن المرء لا بد أن يكون بجهة من الرائي، ثم أن النصوص صريحة في أن المؤمنين يرون الله من فوقهم، وليس فيها أنهم يرون الله من تحتهم، «إنكم ترون ربكم كما ترون القمر» والمعلوم أننا نرى القمر من فوقنا لا نراه من تحتنا، كما ترون الشمس كذلك.

لكن أهل البدع قد طبع الله على قلوبهم، فلذلك لم يفقهوا النصوص ولم يوفقوا، والله تعالى له الحكمة البالغة، وهو سبحانه وتعالى يهدي من يشاء برحمته وإحسانه، ويضل من يشاء بعدله وحكمته، وله الحكمة البالغة، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا سواء السبيل، وأن يهدينا لما اُختلف فيه من الحق بإذنه، إنه سبحانه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد