بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرْوِيه عَنْ رَبِّهِ) مِنْ الْأَحَادِيثِ الْقُدْسِيَّةِ «قَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَأَخْبَرَنَا بِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت/46].
(الشرح)
{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا وَلاَ هَضْمًا}[طه/112].
نفى خوف الظلم, {لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ}[غافر/17] كُلّ هَذَا دَلِيل عَلَى أن الله قادر لكنه تنزه عنه سبحانه وتعالى, خلافًا للجبرية.
(المتن)
وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) التَّحْرِيمُ لُغَةً الْمَنْعُ عَنْ الشَّيْءِ وَشَرْعًا مَا يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ الْعِقَابَ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ إرَادَتُهُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى بَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ مُتَقَدِّسٌ عَنْ الظُّلْمِ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظَ التَّحْرِيمِ لِمُشَابَهَتِهِ الْمَمْنُوعَ بِجَامِعِ عَدَمِ الشَّيْءِ، وَالظُّلْمُ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّهِ تَعَالَى.
(الشرح)
ما هُوَ مستحيل هَذَا مذهب الجبرية, مشى عَلَى مذهب الجبرية ما هُوَ مستحيل هَذَا غلط.
(المتن)
وَالظُّلْمُ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ التَّصَرُّفُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ أَوْ مُجَاوَزَةِ الْحَدِّ.
(الشرح)
كُلّ هَذَا باطل.
(المتن)
وَكِلَاهُمَا مُحَالٌ فِي حَقِّهِ تَعَالَى.
(الشرح)
هَذَا لِأَنَّ الصنعاني أشعري رحمه الله كَانَ عَلَى مذهب الأَشَاعِرَة هَذَا باطل, والصواب أن الله تنزه عَنْ الظلم ولَيْسَ مستحلاً؛ بَلْ هُوَ قادر عَلَيْهِ, كيف يحرم عَلَى نفسه شيء مستحيل؟! عبث هَذَا, كيف يؤمن الخائف منه؟ يؤمن من شيء مستحيل؟!.
قَالُوا: كتصرف الله في غير ملكه, لكن الله يتصرف في ملكه بما يشاء مهما فعل لا يكون ظلمًا, أو مخالف الآمر, ينبغي أن يعلق عَلَى هَذَا يقال: هَذَا مذهب الأَشَاعِرَة, هَذَا مذهب الجبرية, وَهَذَا باطل لَيْسَ بصحيح, والصواب أن الظلم ممكن في حَقّ الله؛ ولكنه نزه نفسه عنه وحرمه عَلَى نفسه تنزهًا منه سبحانه وتعالى.
(المتن)
لِأَنَّهُ الْمَلِكُ لِلْعَالَمِ كُلِّهِ الْمُتَصَرِّفُ بِسُلْطَانِهِ فِي دِقِّهِ وَجُلِّهِ وَقَوْلُهُ (فَلَا تَظَالَمُوا) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا. وَالظُّلْمُ قَبِيحٌ عَقْلًا أَقَرَّهُ الشَّارِعُ وَزَادَهُ قُبْحًا وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِالْعَذَابِ {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}[طه/111] وَغَيْرَهَا.
[الْغِيبَة وتغليظ النَّهْي عَنْهَا]
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ: أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ: إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْته، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَدْ بَهَتَّهُ» بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ مِنْ الْبُهْتَانِ (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) الْحَدِيثُ كَأَنَّهُ سَبَقَ لِتَفْسِيرِ الْغِيبَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}[الحجرات/12] وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى حَقِيقَةِ الْغِيبَةِ.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هِيَ أَنْ يُذْكَرَ الْإِنْسَانُ فِي غِيبَتِهِ بِسُوءٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِي الْأَذْكَارِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ ذِكْرُ الْمَرْءِ بِمَا يَكْرَهُ سَوَاءً كَانَ فِي بَدَنِ الشَّخْصِ أَوْ دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ خُلُقِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَالِدِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجِهِ أَوْ خَادِمِهِ أَوْ حَرَكَتِهِ أَوْ طَلَاقَتِهِ أَوْ عَبُوسَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ ذِكْرُ سُوءٍ سَوَاءً ذُكِرَ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالرَّمْزِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمِنْ ذَلِكَ التَّعْرِيضُ فِي كَلَامِ الْمُصَنَّفِينَ كَقَوْلِهِمْ: قَالَ مَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ أَوْ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الصَّلَاحِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَفْهَمُ السَّامِعُ الْمُرَادُ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ: اللَّهُ يُعَافِينَا اللَّهُ يَتُوبُ عَلَيْنَا نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْغِيبَةِ.
(الشرح)
من يسلم مِنْهَا؟! قَالَ المصنف: قَالَ بَعْض من لا علم عنده كذا وكذا, أو لَما يذكر قول, يَقُولُ: الله يتوب علينا أو يَقُولُ: نسأل الله العافية, يَعْنِي يعترض يَقُولُ: كلام الشخص هَذَا باطل لا يكون من الغيبة.
(المتن)
وَقَوْلُهُ (ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ) شَامِلٌ لِذَكَرِهِ فِي غِيبَتِهِ وَحَضَرْتِهِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ طَائِفَةٌ وَيَكُونُ الْحَدِيثُ بَيَانًا لِمَعْنَاهَا الشَّرْعِيِّ.
(الشرح)
الأقرب أن هَذَا فِيهِ غيبة ذكرك أخاه بما يكره, هَذَا في غيبته, وَهِيَ معنى كلمة الغيبة, إِذَا كَانَ حاضر وشاهد ما صارت غيبة.
(المتن)
وَأَمَّا مَعْنَاهَا لُغَةً فَاشْتِقَاقِهَا مِنْ الْغَيْبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْغِيبَةِ.
وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ أَنَّ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيَّ مُوَافِقٌ لِمَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا مُسْنَدًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا كَرِهْت أَنْ تُوَاجِهَ بِهِ أَخَاك فَهُوَ غِيبَةٌ» فَيَكُونُ هَذَا إنْ ثَبَتَ مُخَصِّصًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَفَاسِيرُ الْعُلَمَاءِ دَالَّةٌ عَلَى هَذَا فَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: ذِكْرُ الْعَيْبِ يُظْهِرُ الْغَيْبَ، وَآخَرُ بِقَوْلِهِ هِيَ أَنْ تَذْكُرَ الْإِنْسَانَ مِنْ خَلْفِهِ بِسُوءٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ. نَعَمْ ذِكْرُ الْعَيْبِ فِي الْوَجْهِ حَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَذَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غِيبَةً. وَفِي قَوْلِهِ: (أَخَاك) أَيْ أَخَ الدِّينِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ تَجُوزُ غِيبَتُهُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ لَيْسَ بِأَخٍ كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَسَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَمَنْ قَدْ أَخْرَجَتْهُ بِدْعَتُهُ عَنْ الْإِسْلَامِ لَا غِيبَةَ لَهُ.
وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِالْأَخِ جَذْبٌ لِلْمُغْتَابِ عَنْ غِيبَتِهِ لِمَنْ يَغْتَابُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَخَاهُ فَالْأَوْلَى الْحُنُوُّ عَلَيْهِ وَطَيُّ مُسَاوِيهِ وَالتَّأَوُّلُ لِمَعَايِبِهِ لَا نَشْرُهَا بِذِكْرِهَا. وَفِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِمَا يَكْرَهُ) مَا يُشْعِرُ بِهِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَكْرَهُ مَا يُعَابُ بِهِ كَأَهْلِ الْخَلَاعَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ غِيبَةً، وَتَحْرِيمُ الْغِيبَةِ مَعْلُومٌ مِنْ الشَّرْعِ وَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ مِنْ الصَّغَائِرِ أَوْ الْكَبَائِرِ فَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْكَبَائِرِ. وَاسْتَدَلَّ لِكِبَرِهَا بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَذَهَبَ الْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أَنَّهَا مِنْ الصَّغَائِرِ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ أَنَّهَا مِنْ الصَّغَائِرِ غَيْرَهُمَا.
وَذَهَبَ الْمَهْدِيُّ إلَى أَنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يَقْطَعْ بِكِبَرِهِ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَعُدُّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ كَبِيرَةً وَلَا يَعُدُّ الْغِيبَةَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَنْزَلَهَا مَنْزِلَةَ أَكْلِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ.
(الشرح)
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم}[الحجرات/12]. جعله كأكل الميتة.
(المتن)
وَاَللَّهُ أَنْزَلَهَا مَنْزِلَةَ أَكْلِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ أَيْ مَيِّتًا وَالْأَحَادِيثُ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ الْغِيبَةِ وَاسِعَةٌ جِدًّا دَالَّةٌ عَلَى شِدَّةِ تَحْرِيمِهَا (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ قَدْ اسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مِنْ الْغِيبَةِ أُمُورًا سِتَّةً:
الْأَوَّلُ: التَّظَلُّمُ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الْمَظْلُومُ: فُلَانٌ ظَلَمَنِي وَأَخَذَ مَالِي أَوْ أَنَّهُ ظَالِمٌ، وَلَكِنْ إذَا كَانَ ذِكْرُهُ لِذَلِكَ شِكَايَةً عَلَى مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إزَالَتِهَا أَوْ تَخْفِيفِهَا، وَدَلِيلُهُ قَوْلُ هِنْدَ عِنْدَ شِكَايَتِهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَبِي سُفْيَانَ إنَّهُ رَجُلٌ شَحِيحٌ.
الثَّانِي: الِاسْتِعَانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِذَكَرِهِ لِمَنْ يَظُنُّ قُدْرَتَهُ عَلَى إزَالَتِهِ فَيَقُولُ: فُلَانٌ فَعَلَ كَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُجَاهِرًا بِالْمَعْصِيَةِ.
الثَّالِثُ: الِاسْتِفْتَاءُ بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُفْتِي: فُلَانٌ ظَلَمَنِي بِكَذَا فَمَا طَرِيقِي إلَى الْخَلَاصِ عَنْهُ، وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْخَلَاصَ عَمَّا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِذِكْرِ مَا وَقَعَ مِنْهُ.
الرَّابِعُ: التَّحْذِيرُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ الِاعْتِزَازِ كَجُرْحِ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ، وَمَنْ يَتَصَدَّرُ لِلتَّدْرِيسِ، وَالْإِفْتَاءِ مَعَ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ» وَذَلِكَ أَنَّهَا «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ تَسْتَأْذِنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَتَسْتَشِيرُهُ وَتَذْكُرُ أَنَّهُ خَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَخَطَبَهَا أَبُو جَهْمٍ فَقَالَ: أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مُحَالَ لَهُ وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، ثُمَّ قَالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ -» الْحَدِيثَ.
(الشرح)
هَذَا من باب المشاورة والنصح, إِذَا سُئِلَ يريد مثلاً أن يزوجه يذبل لها النصح, وَيَقُولُ: فلان فِيهِ كذا وكذا يصلح أن تتزوجه.
(المتن)
الْخَامِسُ: ذِكْرُ مَنْ جَاهَرَ بِالْفِسْقِ أَوْ الْبِدْعَةِ كَالْمَكَّاسِينَ وَذَوِي الْوِلَايَاتِ الْبَاطِلَةِ فَيَجُوزُ ذِكْرُهُمْ بِمَا يُجَاهِرُونَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ دَلِيلُهُ فِي حَدِيثِ " اُذْكُرُوا الْفَاجِرَ ".
السَّادِسُ: التَّعْرِيفُ بِالشَّخْصِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْعَيْبِ كَالْأَعْوَرِ، وَالْأَعْرَجِ، وَالْأَعْمَشِ وَلَا يُرَادُ بِهِ نَقْصُهُ وَغِيبَتُهُ، وَجَمَعَهَا ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي قَوْلِهِ:
الذَّمُّ لَيْسَ بِغِيبَةٍ فِي سِتَّةٍ ... مُتَظَلِّمٍ وَمُعَرِّفٍ وَمُحَذِّرٍ
وَلِمُظْهِرٍ فِسْقًا وَمُسْتَفْتٍ وَمَنْ ... طَلَبَ الْإِعَانَةَ فِي إزَالَةِ مُنْكَرٍ
(الشرح)
مظهر الفسق مثل إنسان يشرب الدخان في الشارع, فتقول: فلان يشرب الدخان, هَذِهِ ما هِيَ بغيبة؛ لِأَنَّهُ هُوَ فضح نفسه, ويشرب أمام النَّاس, أو فلان حلاق للحيته هَلْ هَذَا يكون غيبة؟ ما هُوَ بغيبه هُوَ أظهر نفسه أمام النَّاس, بخلاف المتستر في بيته ولا يعلم عنه, لكن إِذَا ما أظهرت فسقًا أمام النَّاس يجوز لكل أحد أن يذكره بِهَذَا العيب؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أظهره.