بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:
[التحذير مِنْ سوء الخلق]
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَصْلَتَانِ لَا تَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ) قَدْ عُلِمَ قُبْحُ الْبُخْلِ عُرْفًا وَشَرْعًا، وَقَدْ ذَمَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ}[النساء/37] وَبِقَوْلِهِ فِي الْكَانِزِينَ: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[آل عمران/21] بَلْ ذَمَّ مَنْ يَأْمُرُ النَّاسَ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى خِلَافِهِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[الماعون/3].
(الشرح)
لاشك أن البخل خصلة ذميمة لكن الحديث يقولك لا يجتمعان في مؤمن, الحديث ضعف لَيْسَ بصحيح, لكن لو صح يحمل عَلَى أَنَّهُ لا يجتمعان في مؤمن كامل الإيمان, ولكن يجتمعا في مؤمن ضعيف الإيمان.
(المتن)
فَقَالَ تَعَالَى: {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[الماعون/3] جَعَلَهُ مِنْ صِفَاتِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدَّيْنِ.
وَقَالَ فِي الْحِكَايَةِ عَنْ الْكُفَّارِ: إنَّهُمْ قَالُوا وَهُمْ فِي طَبَقَاتِ النَّارِ: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}[المدثر/44] الْآيَةَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَذْمُومِ مِنْهُ وَقَدَّمْنَا كَلَامَهُمْ فِي ذَلِكَ.
وَحَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ فِي الشَّرْعِ مَنْعُ الزَّكَاةِ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ مَنْعُ كُلِّ وَاجِبٍ.
(الشرح)
هَذَا هُوَ الصواب ما هُوَ خاص بالزكاة, الَّذِي يقصر في أداء الزَّكَاة أو يقصر في حَقّ الضيف أو يقصر في أداء النفقات عَلَى أهله وأولاده هَذَا نوع من البخل, التقصير في أيْ واجب.
(المتن)
فَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ كَانَ بَخِيلًا يَنَالُهُ الْعِقَابُ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: هَذَا الْحَدُّ غَيْرُ كَافٍ، فَإِنَّ مَنْ يَرُدُّ اللَّحْمَ، وَالْخُبْزَ إلَى الْقَصَّابِ، وَالْخَبَّازِ لِنَقْصِ وَزْنِ حَبَّةٍ يُعَدُّ بَخِيلًا اتِّفَاقًا وَكَذَا مَنْ يُضَايِقُ عِيَالَهُ فِي لُقْمَةٍ أَوْ تَمْرَةٍ أَكَلُوهَا مِنْ مَالِهِ بَعْدَمَا سَلَّمَ لَهُمْ مَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهُمْ، وَكَذَا مَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ رَغِيفٌ فَحَضَرَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ يُشَارِكُهُ فَأَخْفَاهُ يُعَدُّ بَخِيلًا اهـ قُلْت: هَذَا فِي الْبُخْلِ عُرْفًا لَا مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ فَلَا يَرُدُّ نَقْضًا.
(الشرح)
الصواب كما سبق أن التقصير في الواجب؛ الَّذِي يَجِبُ إنفاقه من الزَّكَاة ومن حَقّ الضيف ومن حَقّ الله هَذَا هُوَ البخيل.
(المتن)
وَأَمَّا حُسْنُ الْخُلُقِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ، وَسُوءُ الْخُلُقِ ضِدُّهُ، وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ يُنَافِي الْإِيمَانَ فَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ «سُوءُ الْخُلُقِ يُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ» وَأَخْرَجَ ابْنُ مَنْدَهْ «سُوءُ الْخُلُقِ شُؤْمٌ، وَطَاعَةُ النِّسَاءِ نَدَامَةٌ، وَحُسْنُ الْمَلَكَةِ نَمَاءٌ» وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ «وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ تَوْبَةً إلَّا صَاحِبُ سُوءِ الْخُلُقِ، فَإِنَّهُ لَا يَتُوبُ مِنْ ذَنْبٍ إلَّا وَقَعَ فِيمَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ».
وَأَخْرَجَ الصَّابُونِيُّ «مَا مَنْ ذَنْبٍ إلَّا وَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَوْبَةٌ إلَّا سُوءُ الْخُلُقِ، فَإِنَّهُ لَا يَتُوبُ صَاحِبُهُ مِنْ ذَنْبٍ إلَّا وَقَعَ فِيمَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ» وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيِّئُ الْخُلُقِ» الْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ وَاسِعَةٌ وَلَعَلَّهُ يَحْمِلُ الْمُؤْمِنَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى كَامِلِ الْإِيمَانِ.
(الشرح)
هَذَا هُوَ الصواب يَعْنِي معناه كامل الإيمان لا يجتمعان فِيهِ, وَإِنَّمَا يجتمعان في ضعيف الإيمان.
(المتن)
أَوْ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّحْذِيرِ وَالتَّنْفِيرِ أَوْ أَرَادَ إذَا تَرَكَ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ مُسْتَحِلًّا لِتَرْكِ وَاجِبٍ قَطْعِيٍّ.
(الشرح)
إِذَا ترك الواجب مستحل هَذَا كفر, إِذَا كَانَ معلوم من الدين بالضرورة, إِذَا استحل ترك الزَّكَاة ورأى أَنَّهَا غير واجبة هَذَا كفر ردة, أو قَالَ: الصَّلَاة غير واجبة.
(المتن)
[انتصاف الْمَرْء لنفسه]
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِ مُجَازَاةِ مَنْ ابْتَدَأَ الْإِنْسَانَ بِالْأَذِيَّةِ بِمِثْلِهَا وَإِنَّ إثْمَ ذَلِكَ عَائِدٌ عَلَى الْبَادِئِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ لِكُلِّ مَا قَالَهُ الْمُجِيبُ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى الْمُجِيبُ فِي أَذِيَّتِهِ بِالْكَلَامِ فَيَخْتَصُّ بِهِ إثْمُ عُدْوَانِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُذِنَ لَهُ فِي مِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[الشورى/40].
{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: 194].
وَعَدَمُ الْمُكَافَأَةِ وَالصَّبْرِ وَالِاحْتِمَالِ أَفْضَلُ.
(الشرح)
الأفضل ألا يرد عَلَيْهِ, الأفضل أن يعفو, قَالَ تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِين}[الشورى/40].
لكن يجوز له أن يقتص منه ويرد السبة بسبة, وإن عفا فَهُوَ أفضل, قَالَ: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِين}[الشورى/40].
لو قذفه بالزنا ما يقذفه, يطالب بإقامة الحد عَلَيْهِ.
(المتن)
فَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ رَجُلًا سَبَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدٌ، ثُمَّ أَجَابَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ لَمَّا سَكَتَ أَبُو بَكْرٍ كَانَ مَلَكٌ يُجِيبُ عَنْهُ فَلَمَّا انْتَصَفَ لِنَفْسِهِ حَضَرَ الشَّيْطَانُ» أَوْ نَحْوُ هَذَا اللَّفْظُ " قَالَ تَعَالَى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}[الشورى/43].