بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:
[الْعَاقِل يشتغل بعيوب نَفْسه]
(وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَعَاظَمَ فِي نَفْسِهِ وَاخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ لَقِيَ اللَّهَ، وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ) تَفَاعَلَ يَأْتِي بِمَعْنَى فَعَلَ مِثْلُ تَوَانَيْت بِمَعْنَى وَنَيْت، وَفِيهِ مُبَالَغَةٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا أَيْ مَنْ عَظَّمَ نَفْسَهُ إمَّا بِاعْتِقَادِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْ التَّعْظِيمِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَعْلَمُ اسْتِحْقَاقَهُ الْإِهَانَةَ.
وَيُحْتَمَلُ هُنَا أَنَّ تَعَاظَمَ بِمَعْنَى تَعَظَّمَ مُشَدَّدَةً أَيْ اعْتَقَدَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ عَظِيمٌ كَتَكَبَّرَ اعْتَقَدَ أَنَّهُ كَبِيرٌ، أَوْ يَكُونُ تَفَاعَلَ بِمَعْنَى اسْتَفْعَلَ أَيْ طَلَبَ أَنْ يَكُونَ عَظِيمًا، وَهَذَا يُلَاقِي مَعْنَى تَكَبَّرَ، وَالْكِبْرُ كَمَا قَالَ الْمَهْدِيُّ فِي كِتَابِ تَكْمِلَةِ الْأَحْكَامِ: هُوَ اعْتِقَادُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْ التَّعْظِيمِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَعْلَمُ اسْتِحْقَاقَهُ الْإِهَانَةَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ، وَالْحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنًا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ».
(الشرح)
رد الْحَقِّ واحتقار النَّاس.
(المتن)
قِيلَ: هُوَ أَنْ يَتَكَبَّرَ عَنْ الْحَقِّ فَلَا يَرَاهُ حَقًّا، وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَتَكَبَّرَ عَنْ الْحَقِّ فَلَا يَقْبَلَهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ الِارْتِفَاعُ عَنْ النَّاسِ وَاحْتِكَارُهُمْ وَدَفْعُ الْحَقِّ، وَإِنْكَارُهُ تَرَفُّعًا وَتَجَبُّرًا.
(الشرح)
نعم هَذَا من الكبر رد الْحَقِّ وعدم قبوله.
(المتن)
وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ «وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الْحَقَّ وَازْدَرَى النَّاسَ».
(الشرح)
بطر الْحَقِّ يَعْنِي رد الْحَقِّ, وازدراء النَّاس احتقارهم, هَذَا هُوَ الكبر, لَيْسَ الكبر لبس الثوب الجميل أو النعل الجميل هَذَا لَيْسَ بكبر, «إِن الله جميل يحب الجمال», الكبر كونه يرد الْحَقِّ ولا يقبله, وكونه يحتقر النَّاس ويستهين بهم هَذَا هُوَ الكبر.
(المتن)
«فَبَطْرُ الْحَقِّ دَفْعُهُ وَرَدُّهُ، وَغَمْطُ النَّاسِ» بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ احْتِقَارُهُمْ وَازْدِرَاؤُهُمْ " هَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا عِنْدَ الْحَاكِمُ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَلَفْظُهُ (مِنْ) رُوِيَتْ بِالْكَسْرِ لِمِيمِهَا عَلَى أَنَّهَا حَرْفُ جَرٍّ وَبِفَتْحِهَا عَلَى أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ، وَالتَّفْسِيرُ النَّبَوِيُّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الِاعْتِقَادِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى عَدَمِ الِامْتِثَالِ تَعَزُّزًا وَتَرَفُّعًا وَاحْتِقَارًا لِلنَّاسِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ: الْكِبْرُ إمَّا بَاطِنٌ، وَهُوَ خُلُقُ النَّفْسِ وَاسْمُ الْكِبْرِ بِهَذَا أَحَقُّ، وَإِمَّا ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَعْمَالٌ تَصْدُرُ مِنْ الْجَوَارِحِ وَهِيَ ثَمَرَاتُ ذَلِكَ الْخُلُقِ، وَعِنْدَ ظُهُورِهَا يُقَالُ تَكَبَّرَ وَعِنْدَ عَدَمِهَا يُقَالُ كَبُرَ، فَالْأَصْلُ هُوَ خُلُقُ النَّفْسِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِرْوَاحُ وَالرُّكُونُ إلَى رُؤْيَةِ النَّفْسِ فَوْقَ الْمُتَكَبَّرِ عَلَيْهِ فَهُوَ يَسْتَدْعِي مُتَكَبَّرًا عَلَيْهِ وَمُتَكَبَّرًا بِهِ.
وَبِهِ فَارَقَ الْعُجْبَ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَدْعِي غَيْرَ الْمُعْجَبِ بِهِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ انْفِرَادُهُ دَائِمًا لَمَا أَمْكَنَ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ الْعُجْبُ دُونِ الْكِبْرُ، فَالْعُجْبُ مُجَرَّدُ اسْتِعْظَامِ الشَّيْءِ، فَإِنْ صَحِبَهُ مَنْ يَرَى أَنَّهُ فَوْقَهُ كَانَ تَكَبُّرًا اهـ.
(الشرح)
الكبير يكون بين اثنين أحدهما تكبر عَلَى الآخر, العجب خاص بشخص واحد يتعاظم في نفسه.
(المتن)
وَالِاخْتِيَالُ فِي الْمِشْيَةِ هُوَ مِنْ التَّكَبُّرِ وَعَطْفُهُ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ أَحَدِ نَوْعَيْ الْكِبْرِ عَلَى الْآخَرِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنْ أَنْوَاعِ هَذَا الْكِبْرِ يَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَكُونُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَتْ أَحَادِيثُ فِي ذَمِّ الْكِبْرِ مُطْلَقًا، وَالْحَدِيثُ وَغَيْرُهُ دَالٌّ عَلَى تَحْرِيمِ الْكِبْرِ وَإِيجَابِهِ لِغَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى.
[العجلة مِنْ الشيطان]
(وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ) الْعَجَلَةُ هِيَ السُّرْعَةُ فِي الشَّيْءِ وَهِيَ مَذْمُومَةٌ فِيمَا كَانَ الْمَطْلُوبُ فِيهِ الْأَنَاةُ مَحْمُودَةٌ فِيمَا يُطْلَبُ تَعْجِيلُهُ مِنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى الْخَيْرَاتِ وَنَحْوِهَا، وَقَدْ يُقَالُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْأَنَاةِ، وَالْمُسَارَعَةِ، فَإِنْ سَارَعَ بِتُؤَدَةٍ وَتَأَنٍّ فَيَتِمُّ لَهُ الْأَمْرَانِ، وَالضَّابِطُ أَنَّ خِيَارَ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا.
(الشرح)
محل نظر, قَدْ يقال: ما يندب المسارعة فِيهِ هَذَا تمدح فِيهِ العجلة, وما يطلب فِيهِ المسارعة يمدح فِيهِ التأني.
(المتن)
الشُّؤْمُ ضِدُّ الْيُمْنِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَقِيقَةِ سُوءِ الْخُلُقِ وَأَنَّهُ الشُّؤْمُ، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَلْحَقُ مِنْ الشُّرُورِ فَسَبَبُهُ سُوءُ الْخُلُقِ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ سُوءَ الْخُلُقِ وَحُسْنَهُ اخْتِيَارٌ مُكْتَسَبٌ لِلْعَبْدِ. وَتَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ.
(الشرح)
وَهُوَ الَّذِي يسيء خلقه بتصرفاته وأفعاله السيئة ما هُوَ بجبلة.
فَإِن قِيلَ: أَمَّا كانت التؤدة أحسن الله إليك كانت جبلة من الله سبحانه وتعالى؟ نعم الحلم والأناة, لكن سوء الخلق أفعال يفعلها هُوَ, هُوَ الَّذِي يسيء خلقه.