بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ
الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.
(المتن)
قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:
(وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ» بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ طَرِيقٍ «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا قَالَ: فَأَمَّا إذَا أَبَيْتُمْ أَيْ امْتَنَعْتُمْ عَنْ تَرْكِ الْجُلُوسِ عَلَى الطُّرُقَاتِ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَكَفُّ الْأَذَى عَنْ الْمَارِّينَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَرَدُّ السَّلَامِ» إجَابَتُهُ عَلَى مَنْ أَلْقَاهُ عَلَيْكُمْ مِنْ الْمَارِّينَ إذْ السَّلَامُ يُسَنُّ ابْتِدَاءً لِلْمَارِّ لَا لِلْقَاعِدِ «وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ وَأَنَّهُ لِلتَّرْغِيبِ فِيمَا هُوَ الْأَوْلَى إذْ لَوْ فَهِمُوا الْوُجُوبَ لَمْ يُرَاجِعُوهُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ رَجَوْا وُقُوعَ النَّسْخِ تَخْفِيفًا لِمَا شَكَوْا مِنْ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ. وَقَدْ زِيدَ فِي أَحَادِيثَ حَقُّ الطَّرِيقِ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ، زَادَ أَبُو دَاوُد: وَإِرْشَادُ ابْنِ السَّبِيلِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إذَا حَمِدَ اللَّهَ، وَزَادَ سَعِيدُ بْنِ مَنْصُورٍ: وَإِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ، وَزَادَ الْبَزَّارُ: وَالْإِعَانَةُ عَلَى الْحَمْلِ، وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ: وَأَعِينُوا الْمَظْلُومَ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا.
قَالَ السُّيُوطِيّ فِي التَّوْشِيحِ فَاجْتَمَعَ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَدَبًا وَقَدْ نَظَمَهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ فِي أَرْبَعَةِ أَبْيَاتٍ:
جَمَعْت آدَابَ مَنْ رَامَ الْجُلُوسَ عَلَى الـ ... طَرِيقِ مِنْ قَوْلِ خَيْرٍ الْخَلْقِ إنْسَانَا
أَفْشِ السَّلَامَ وَأَحْسِنْ فِي الْكَلَامِ وَشَمِّ ... ت عَاطِسًا وَسَلَامًا رُدَّ إحْسَانًا
فِي الْحَمْلِ عَاوِنْ وَمَظْلُومًا أَعِنْ ... وَأَغِثْ لَهْفَانَ اهْدِ سَبِيلًا وَاهْدِ حَيْرَانَا
بِالْعُرْفِ مُرْ وَانْهَ عَنْ نُكْرٍ وَكُفَّ أَذًى ... وَغُضَّ طَرَفًا وَأَكْثِرْ ذِكْرَ مَوْلَانَا
وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقَاتِ أَنَّهُ لِجُلُوسِهِ يَتَعَرَّضُ لِلْفِتْنَةِ فَإِنَّهُ قَدْ يَنْظُرُ إلَى الشَّهَوَاتِ مِمَّنْ يَخَافُ الْفِتْنَةَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِنَّ مَعَ مُرُورِهِنَّ وَفِيهِ التَّعَرُّضُ لِلُزُومِ حُقُوقِ اللَّهِ وَالْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ قَاعِدًا فِي مَنْزِلِهِ لَمَا عَرَفَ ذَلِكَ.
(الشرح)
يَعْنِي ليلزمه شيء واجب, لو كَانَ في بيته ما كَانَ واجبًا عَلَيْهِ.
(المتن)
وَلَوْ كَانَ قَاعِدًا فِي مَنْزِلِهِ لَمَا عَرَفَ ذَلِكَ وَلَا لَزِمَتْهُ الْحُقُوقُ الَّتِي قَدْ لَا يَقُومُ بِهَا وَلَمَّا طَلَبُوا الْإِذْنَ فِي الْبَقَاءِ فِي مَجَالِسِهِمْ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهَا عَرَّفَهُمْ بِمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْحُقُوقِ وَكُلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحُقُوقِ قَدْ وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ مُفَرَّقَةً تَقَدَّمَ بَعْضُهَا وَيَأْتِي بَعْضُهَا.
(الشرح)
ظاهره الوجوب لَيْسَ عَلَى الاستحباب, إياكم فِيهِ التحذير.
(المتن)
[مِنْ يرد اللَّه بِهِ خيرا يفقهه فِي الدِّين]
(وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى عَظَمَةِ شَأْنِ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ وَأَنَّهُ لَا يُعْطَاهُ إلَّا مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا عَظِيمًا كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ التَّنْكِيرُ وَيَدُلُّ لَهُ الْمَقَامُ. وَالْفِقْهُ فِي الدِّينِ تَعَلُّمُ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَمَعْرِفَةُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا. وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْمَفْهُومُ مَنْطُوقًا فِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى «وَمَنْ لَمْ يُفَقَّهْ لَمْ يُبَالِ اللَّهُ بِهِ» وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى شَرَفِ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ وَالْمُتَفَقِّهِينَ فِيهِ عَلَى سَائِرِ الْعُلُومِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَعْرِفَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.